الفصل التاسع عشر

دلفت راقية إلى غرفتها،قامت بأستبدال ملابسها،لترتدى قميصا مريحا من القطن الخالص،فهو يساعدها على النوم بأسترخاء،وبمجرد انتهائها،ذهبت الى تختها وغطت فى نوم عميق منذ اول وهلة،تعمّقت فى ثُباتها،ولكن بعد حين شعرت بأن هناك من يراقبها،فتحت عيناها ولكن حُجب عنها وضوح الرؤية بسبب الظلام الشديد،ولكنها أستنتجت أن يكون ذلك الواقف قريبا منها هو أحد أبنائها.

راقية:
حبيبى، انت واقف كده ليه؟
لم تأتيها أى أجابة،لتعود مرة اخرى بنعاس:
-حبيبى،لو خايف تعالى نام جنبي.
وفى أقل من لحظة عادت مرة أخرى الى ثُباتها،فهى كانت مرهقة للحد الذى جعلها لا تستطيع التركيز فى هوية من يقف مراقبا لها.
مرت تلك الليلة وسطع ضوء الشمس،فأستيقظ الجميع.
راقية:
صباح الخير.
الجميع:
صباح النور.
راقية:
مين فيكم اللى جه بليل الاوضة عندى،أنا نمت من التعب مخدتش بالي،بس عايزة اعرف مين فيكم اللى كان خايف.
مروان:
جه فين يا ماما،أنا بالنسبالى نمت محسيتش بحاجة،حتى مقلقتش ادخل الحمام،يعنى انا مقلقتش بليل،ممكن يكون ضياء،هو اللى جبان.

قال مروان تلك الجملة وهو ينظر الى شقيقه الأصغر"ضياء".

ضياء بنفي:
-لاء انا مصحيتش بليل يا ماما خالص،وبعدين متقولش عليا جبان تانى يا مروان،الكلمة دى بتضايقني.

لتنظر"راقية"الى ابنتها الصغرى"رانيا"،فتلاحظ الطفلة نظرة والدتها اليها،ويليها نظرات شقيقيها،لتلاحقهم بالرد:
-ولا انا والله،انا من وقت ما نمت مصحيتش غير دلوقتى.
هبه:
-ولا أنا كمان،أنا دخلت الاوضة مخرجتش غير دلوقتى.
راقية بأنفعال:
-يبقى اكيد انا بقى!،ماهو مش حد منكم هيكون مين غيري يعني؟،ماشى عموما انا هقوم احضرلكم الفطار.
هبه بأستغراب:
-ماما،انتى فيكي حاجة متغيرة من وقت ما وصلنا،هو حضرتك نسيتي انك حضرتي الفطار من شوية،ورجعتى نمتى تاني،ده حتى حضرتك قولتى محدش يصحيني مش عايزة اكل.
راقية بأنفعال:
-بس جنان بقى،انا عماله افوت كلامكم الفارغ ده،وبقول ماشى بيهزروا،لكن طريقتكم دى مضايقاني،أه انا نمت كتير،لكن علشان تعب المشوار مش اكتر،كفايا بقى هزار دمه تقيل،امكم مش مجنونة.
مروان بأبتسامة:
-تعب مشوار ايه يا ماما،احنا جايين هنا من اسبوع،وحضرتك بنفس الوضع ده.
هبه:
-فعلا يا ماما،حضرتك كل يوم بنفس الوضع،تخرجى من البيت علشان تتمشى على البحر،ترجعى بعد ما تخرجى بوقت قليل،تجهزي الغدا وترتبي البيت،وترجعي تخرجى مرة تانية،وترجعي بليل،وكل ما ترجعى تسألى نفس الاسئلة من تاني،مين جهز الغدا؟،مين اللى رتب البيت؟،مين اللى كان بيكملنى وانا فى الجنينة؟،ومين اللى كان واقف فى اوضتى وانا نايمة بليل؟.
مروان مبتسما:
-خلاص يا ماما،انا عندى لحضرتك حل كويس،بلاش النهاردة تخرجى تتمشى،يمكن الجنينة دى فيها حاجة ملبوسة،ولا فيه جن وعفاريت هما اللى بييجوا مكان حضرتك لما بتخرجي،ههههه.

قال مروان تلك الجملة وهو يمزح مع والدته،لم يكن يعي انها ليست مزحة،ولكن تلك الجملة هى البداية لجميع ما حدث فى ذلك المنزل الملعون.

ضياء بمرح:
-صح يا ماما،ويمكن كمان اللى بتيجي تعمل الحاجات الحلوة اللى فى البيت دى،عفريته،اخدت جسمك ونيمتك وخليتك تيجي لحد هنا من غير ما تحسي بيها.
راقية بأنفعال:
-بلاش كلام فارغ،والكلام ده ميتقالش تانى قدام اخواتك،انت عارف انهم بيخافوا،يعنى بلاش الهزار السخيف ده.
مروان:
-انا اسف يا ماما،انا بس كنت بهزر مع حضرتك،مش قصدي حاجة ما تزعليش مني.
راقية:
-طيب يا مروان،وعموما انت عندك حق،انا فعلا مش هخرج النهاردة من البيت،يمكن اعصابي تهدا شوية واركز فى اللى بيحصل كل يوم..بس صح هو باباكم فين؟
مروان:
-هههه،يمكن علشان حضرتك قررتى انك متطلعيش الجنينة النهاردة،ولا تروحي تتمشى على البحر،العفريت اخد بابا بدال حضرتك،يمكن لازم حد منكم يكون موجود هناك،لالالا اكيد المكان ده مسكون بالعفاريت،أنا حاسس بكده.
قالها"مروان"وضحك بصوت مرتفع،ولكن قاطع ضحكاته العاليه صوت والده الذى قد عاد للتو.
-ايه الكلام الخايب اللى بتقوله ده يا مروان؟،فى ولد عاقل ومتعلم يقول التخاريف دى؟،وبعدين انا كنت بصطاد،والجو برة حلو نزلت اعوم شوية،بلاش بقى تقولوا الكلام الغريب ده مرة تانية فى البيت.
مروان عابثا:
-خلاص،أنا مش ههزر تانى،مش عارف لو مش ههزر فى بيتنا اروح اهزر فين بس!،هو الهزار ممنوع فى بيتنا يا بابا ولا ايه؟
الأب:
-صح قبل ما انسى،رانيا حبيبتى،بلاش تروحى تتمشى عند البحر لواحدك مرة تانية،أنا المرة دى هعديها من غير عقاب،لكن بعد كده مش هسمح،أتفقنا؟
رانيا:
-بس انا مروحتش هناك يا بابا،ولا خرجت لواحدى.
الأب:
-مش عايز كدب يا رانيا،أنا بقولك مش هعاقبك،بس عايز اعرف انتى ليه طلعتي تجرى لما شوفتيني؟
رانيا:
-بابا،والله انا ماروحتش هناك،ولا طلعت من البيت من وقت ما صحيت من النوم اصلا.
الأب:تانى هتكدبي يا رانيا،بقولك انتى كنتى هناك،وجريتي مني لما شوفتك،وكنتى لابسة نفس االفستان أللى كنت جايبهولك هدية عيد ميلادك.
رانيا:
-يابابا مش بكدب والله،حتى الفستان اللى حضرتك بتقول عليه ده انا مش جايباه معايا من الاساس،اطلع حضرتك بص فى دولابي حتى علشان تصدقني..أنا خايفة يكون الكلام اللى قاله مروان حقيقي،ويكون المكان ده فيه عفريت،يارب تكون انت بابا بجد،ومش عفريت عامل نفسك بابايا،انا هطلع اوضتى العب بالعرايس بتاعتي،تيجي تلعبي معايا.
هبه:
-وهو أنا من امتى بطلع العب معاكى بالعرايس بتاعتك؟
رانيا:
-وهو انا كلمتك انتى؟ولا انا فيه مرة طلبت منك تيجي تلعبي معايا؟
هبه:
-بابا،شايف رانيا بتتكلم معايا ازاى؟،لو سمحت قولها تتكلم معايا بطريقة كويسة.

قبل أن يرد الأب على ابنته،كانت قد انتبهت"راقية"إلى ما يحدث بين افراد اسرتها،فما يحدث غير منطقى،مما جعلها تشعر أن هذا المكان به خطب ما،هو سببا قويا فيما يحدث لها ولأبنائها منذ وصولهم.
راقية:
مصطفى،من فضلك عايزة اتكلم معاك شوية،بس فى اوضتنا.
مصطفى:
-استنى بس يا راقية،اشوف ايه الاسلوب اللى رانيا بتتكلم بيه مع اختها ده،وبعدين نطلع اوضتنا.
راقية:
-معلش يا مصطفى،لو ممكن تأجل موضوع رانيا لحد ما اخلص كلامي معاك،الموضوع مهم.
مصطفى:
-ماشى يا راقية،اتفضلي،وانتى يا رانيا اطلعى على اوضتك،وحسابك معايا لما افضالك.

بالفعل صعدت رانيا الى غرفتها وهى تشعر بالضيق مما حدث،وايضا صعد مصطفى مع زوجته راقية الى غرفتهم،دلفا،فأغلقت راقية الباب خلفهم وبدأت فى الحديث:
-مصطفى،هو انت مش ملاحظ أن المكان هنا فيه حاجة غريبة؟
مصطفى:
-غريبة!،ازاى يعنى يا راقية؟
راقية:
-يعنى من اول ما وصلنا،أنا تصرفاتى مش طبيعية وبتحصل معايا حاجات غريبة،وكمان رانيا واللى بيحصل معاها،انا اكتر من مرة اشوفها بتكلم نفسها يا مصطفى،وبعدين البنت مكانتش كده قبل ما نيجي المكان ده،أنا ابتديت اخاف فعلا،وقلقانة أن مروان يكون عنده حق فى الكلام اللى قاله،ويكون البيت ده او الجنينة فيهم حاجة مش طبيعية بجد..وبعدين انا لحد دلوقتى مش عارفة مين الاطفال اللى بشوفهم فى اوضتى،ولا الاصوات اللى بسمعها،ولا ازاى بعمل الحاجة وبنسى انى عملتها،قولى يا مصطفى،هو المكان ده فيه حاجة غريبة انت تعرفها ومخبيها عني؟
صارحنى لو تعرف حاجة عن المكان ده يا مصطفى وانا معرفهاش.
مصطفى بابتسامة:
-حبيبتى متقلقيش،مفيش سر ولا فيه حاجة غريبة،اه انا سمعت شوية حكايات عبيطة كده،لكن واثق انها مجرد تخاريف مش اكتر.
راقية:
-أمتى؟،ومن مين سمعتها؟،وايه اللى انت سمعته اصلا؟
مصطفى:
-سمعتها من سكان فى المنطقة،لما روحت السوبر ماركت اشترى شوية طلبات.
راقية:
-ده فين السوبر ماركت ده؟،انا مشوفتش اى محلات قريبة مننا!
مصطفى:
-ده فى البلد نفسها،بعيد عن هنا بشوية،بس بلد صغيرة اوى ياراقية،وكل الناس عارفة بعضها،علشان كده لما شافونى عرفوا انى غريب عن المكان،سألونى بقى علشان يتعرفوا عليا،ويعرفوا انا سكنت فين.
راقية:
-وبعدين؟،حصل ايه لما عرفوا انت مين وساكن فين؟
مصطفى:
-أنا قولتلهم اننا نقلنا جديد هنا،واول ما عرفوا اننا ساكنين فى البيت ده،قعدوا يقولوا حكايات غريبة،متدخلش عقل عيل صغير،والخوف بان عليهم.
راقية:
-ماتتكلم علطول يا مصطفى،ايه اللى قالوه يعنى،حكولك ايه؟
مصطفى:
-اتكلموا عن حاجات مرعبة حصلت فى البيت وفى الجنينة والشط الخاص بالبيت زمان،قالوا ان فيه ناس انتحرت او قتلوا بعض هنا،وأن ارواحهم واشباحهم بتخرج حوالين المكان علطول،علشان كده محدش بيفكر يقرب من المكان ده..بس اهى كلها حكايات تافهة يعنى متتصدقش.
راقية:
-وليه متتصدقش يا مصطفى؟
هتكون ايه فايدتهم يعنى لما يقولوا قصص مالهاش اثاث؟
مصطفى:
-أنا مش عارف ليه مصدقتهمش بالظبط،بس انتى فاهمة الناس اللى متعلمتش دى بيكون لها تفكير مختلف شوية عننا.
راقية:
-مصطفى،لو سمحت وديني دلوقتى المكان اللى انت سمعت فيه الكلام ده.
مصطفى:
-دلوقتى!،أنتى بتتكلمي جد يا راقية؟
راقية:
ايوة دلوقتى،وبسرعة قبل الليل ما يدخل،هنسيب العيال هنا يلعبوا فى البيت،ونروح ونرجع علطول.
مصطفى:
-ماشى يا راقية،يلا اجهزى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي