الفصل الثاني و العشرون

استمروا جميعا على ذات الوضع كثير من الوقت،وصلوا الى شاطئ البحر،كانت المياه صافية هادئة،لا دليل على اى حركة حدثت بداخلها،ظلت"راقية"تبحث وتبحث،ولكنها لم تجد اى شئ يطمئنها،ولكن بعد برهة من الوقت وجدت تلك الدمية تسقط بجوار الشاطئ،ارتجف قلبها،فهى دمية صغيرتها،لقد أتت أبنتها الى ذلك المكان،لقد لحق بها الاذى،لقد أتت صغيرتها الى هذا المكان الملعون،وليست بمفردها بل كان معها شقيقها الصغير ايضا،ولكن قاطع مخاوف الام صوت ابنها الاكبر"مروان"وهو يهتف:
-ماما،بابا،بصوا،شوفى يا ماما وراكي،فيه اطفال كتير واقفين،اكيد"رانيا"و"ضياء"معاهم.
هبه بصراخ:
-ماما،اوعي تقربي منهم،ابعدى عنهم ياماما،دى البنت اللى شوفتها فى اوضتنا واقفة معاهم.
كانت الاطفال تقترب بشكل اسرع واكبر من"راقية"،مما جعلها تتوجس خيفة،ما جعلها تشعر بالخوف نظراتهم المثبتة عليها فقط،صمتهم،بشرتهم التى تدل على ان تلك الاشخاص ليس سوى جثث متحركة،قد ماتت غرقا فأزداد اللون الازرق ببشرتهم للدرجة التى اخفت لون الدماء بشكل تام،بدأت"راقية"ترجع للخلف مرة اخرى وهى تشعر بالرعب من اقترابهم بذلك الشكل،ولكن قبل ان تهرول وتركض،رأتهم بين تلك الاطفال،اطفالها"رانيا"و"ضياء"،يقتربان منها ويصيحان:
-ماما تعالى،أحنا خايفين،خليكي معانا.

عندما استمعت"راقية"الى تلك الكلمات اطمأنت ان ابنائها لازالوا بخير،مما جعل ابتسامتها ترتسم شفتاها،تناست احساسها بخوفها من تلك الاطفال،لم تشغل بالا بنظراتهم،لون بشرتهم،ملابسهم،بل توقفت عن تراجعها للخلف،واخذت تقترب من طفليها بابتسامة،ومع اقترابها ركضت اليها ابنتها الصغيرة مهرولة،ولكن ليس لاحتضانها،بل ما فعلته تلك الطفلة هو دفع"راقية"الى قاع تلك الشاطئ الملعون،لتغوص الام فى اقل من لحظة الى الأعماق،وفى تلك اللحظة اختفوا جميعهم،ولكن لم يشغل"مصطفى"بهم بالا ولا ابنائه ايضا،فكان كل ما يشغلهم هو تلك التى سقطت فى قاع البحر،ولكنها لم تختفى كثير،نعم هى غاصت لثوان قليلة،ولكنها ماهرة فى السباحة مما جعلها تطفوا مرة اخرى على سطح الماء،لتسبح وتستطيع الخروج الى اليابسة،تلهث وتأخذ انفاسها بصعوبة.
مصطفى"
-"راقية"طمنيني،انتى بخير؟
راقية بصراخ ودموع:
-ولادى،عيالى غرقوا يا"مصطفى"،انا متأكدة،خسرت عيالى بسبب اهمالى،خسرتهم انا واثقة انهم غرقوا،انا حسيت بحد منهم لمس جسمى وانا تحت المياه.
مصطفى بخوف:
-راقية حبيبتي،اكيد انتى غلطانة،اكيد مخدتيش بالك كويس،اكيد الرؤية مش واضحة،تلاقى اى حاجة من اعشاب البحر هى اللى لمست جسمك،مستحيل يكون حد من الاولاد.
راقية بانهيار:
-انا السبب،أنا اللى ضيعتهم،خسرت ولادى.
مصطفى:
*حبيبتى،أحنا مدورناش فى كل الجنينة كويس،اكيد هما فى مكان هنا ولا هنا،خلينا نرجع للبيت تانى،اكيد هنلاقيهم،وخلينا نبلغ احسن،اكيد الشرطة كمان هتقدر تساعدنا.

بالفعل عادوا جميعا الى المنزل،وقام الاب بأبلاغ الشرطة،التى لم تستغرق وقتا طويلا لتصل اليهم،استمع رجال الشرطة الى ما حدث،وقاموا بتمشيط المنطقة بأكملها،حتى وصلوا بالفعل ومرافقا لهم"مصطفى"و"راقية"الى الشاطئ،بالفعل قام اكثر من غواص بالنزول الى قاع الشاطئ،ليخرجوا وهم يشعرون بأمر غير طبيعي.
غواص:
-يافندم،مش البلاغ بيقول ان الطفلين اللى اختفوا،مختفيين من اقل من ساعتين؟
الظابط:
-ايوة فعلا.
الغواص:
-طيب احنا فعلا لقينا حاجات فى قاع البحر،لكن مش جثث يافندم،دى هياكل عظمية لأطفال كتير،مش طفل او اتنين،ودليل على ان الجثث دى من فترة طويلة للدرجة اللى خليتها اتحللت.
الظابط:
-يعني ايه بقى الكلام ده؟،معقول يكونوا فيه حاجة بيحاولوا يضللونا عن الوصول ليها؟
عاد الغواص مرة اخرى الى المياه،اكملوا عملهم،ولكن ما وجدوه فى القاعد تطلب منهم استدعاء عدد اكبر من الغواصين،فكان القاع عبارة عن مقبرة كبيرة،يحتوى على كم هائل من الهياكل العظمية،ظلا يخرجاها واستغرق ذلك الكثير من المجهود والوقت.

كانت تجلس"اميرة"امام"مروان"تلك الحالة الاخيرة التى قامت بتذكيرها بجميع ما حدث لها داخل ذلك المنزل صاحب الاسرار،استمعت اليه بتركيز واضح،لتكتشف ان هذا الطفل متيقت تماما مما يقوله،بل هو لا يختلق احدى الكذبات،او حتى يتوهم.

أميرة:
-"مروان"،تعرف ان انا مصدقة كل كلمة انت قولتها.
مروان:
-انا مش بكدب فعلا.
أميرة:أنا عارفة صدقنى،بس انا ملاحظة ان انت اتكلمت كتير،وده تقريبا سبب ليك ارهاق،عارفة ان الكلام اللى انت بتحكيه مش سهل،وده مخليني محتاجة اسيبك ترتاح شوية،واطلع اتكلم مع ماما وبابا خمس دقايق،تحب ابعت اجيبلك حاجة تشربها؟
مروان:
-لاء،شكرا،انا هستنى حضرتك.
اميرة بأبتسامة:شكرا ليك يا"مروان"
بالفعل نهضت"اميرة"وتدور فى رأسها الذكريات التى مرت بها هى واسرتها فى ذلك المنزل،خرجت لتقابل"مصطفى"و"راقية"،فهى تود ان تؤكد ما استمعت اليه من"مروان".
اميرة:
-مدام راقية،مروان قال كلام كتير جدا،بالنسبة لتركيزه فى الكلام،والثقة اللى كان بيتكلم فيها والجدية،انا شايفة انه اكيد مش بيكدب،لكن سامحونى،أنا كنت محتاجة أتأكد منكم برضه.
راقية:
-البيت،الاطفال،البحر،الارواح،كل ده حقيقي لو اتكلم مع حضرتك عنهم.
اميرة:
-يعنى فعلا البيت كان فيه ارواح؟
راقية:
-مش البيت بس،دى البلد كلها،المنطقة كلها.
اميرة:
-تمام،كنت محتاجة اسمع ده من حضرتك،بعد اذنكم،لازم ارجع لمروان مرة تانية،ولا حضرتك تحبي نحدد ميعاد تانى؟
مصطفى:
-لاء،لو هو مرتاح فى الكلام مع حضرتك خليه يتكلم براحته،لحد ما هو يقرر انه يسكت،وقتها نحدد ميعاد تانى،احنا ما صدقنا انه يقرر يتكلم بهدوء.
أميرة بأبتسامة:
-شكرا لحضرتك،ومتقلقوش،فكرة انه اتكلم دى بداية كويسة هتكون سبب فى انه يرجع لطبيعته بسرعة،بعد اذنكم.
بالفعل عادت مرة اخرى الى حالتها الجديدة،جلست امامه تنظر اليه،تجده شاردا ينظر للفراغ،وبرغم جلوسها امامه،الا انه لم يلاحظ وجودها،مما جعلها تحاول ان تلفت انتباهه.
أميرة:
-أحم..أحم.
لم ينتبه اليها"مروان"
أميرة:
-سرحان فى ايه طيب احكيلى؟
عاد مرة اخرى الى وعيه،لينظر اليها بتفحّص،ليسترسل فى حديثه دون تردد:
-الموضوع كبر جدا،البوليس انتشر فى المكان كله،جابوا ناس من الطب الشرعي،فحصوا الهياكل،وقدروا يحددوا انها كلها لأطفال صغيرين،وان كلهم ماتوا فى فترات قريبة من بعض،يعنى بين كل حالة والتانية مش وقت كبير،فكروا فى ان اللى عمل كده حد مينفعش يتشك فيه،لأن الجثث كتير جدا،وده دليل على ان اللى بيعمل كده فضل مجهول ومحدش قدر يعرف هو مين،ابتدا الظابط يستجوبنا كلنا،بداء يسأل بابا فى الاول.
الظابط:
-أستاذ"مصطفى"،ممكن اعرف من حضرتك هما امتى بالتحديد اختفوا من البيت؟
مصطفى:
-قبل ما نتصل بحضرتك بساعتين تقريبا او تلاته بالكتير،يعني مش من وقت طويل.
الظابط:
-طيب حضرتك تعتقد ان فيه حد اخدهم؟،او فيه حاجة لاقدر الله حصلتلهم؟،يعنى مثلا حيوان اكلهم؟،او طلعوا يلعبوا فبعدوا عن البيت ومعرفوش يرجعوا؟،وهل دى اول مرة يخرجوا من البيت ويغيبوا كده،ولا بتحصل منهم دايما؟
مصطفى:
-لاء طبعا،نهائيا،الاتنين صغيرين اصلا وبيخافوا جدا من الضلمة،واحنا مش بقالنا هنا فترة طويلة،يعنى لسه مأخدوش على المكان للدرجة اللى تخليهم يطلعو من البيت متأخر كده،او حتى يبعدوا عنه ده فى حاله انهم خرجوا فعلا.
الظابط:
-طيب حضرتك مشوفتش قبل كده اى حد غريب قريب من البيت هنا؟،يعنى حد يثير الشك؟
مصطفى:
-لاء يافندم،حضرتك عارف ان كل البيوت اللى فى البلد بعيدة عننا هنا،يعنى مفيش اى سكّان من البلد بييجوا هنا.
الظابط:
-اى بلد يا استاذ مصطفى؟،قصد حضرتك البلد اللى تم اخلائها من السكّان؟،دى فاضية من سنين،هو حضرتك روحت هناك ولا ايه؟
فى تلك اللحظة علم"مصطفى"ان ايا ما سيقوله عن ما حدث معه عندما ذهب الى هناك سوف لا يصدقه رجال الشرطة،ولذلك اخذ قراره بكتمان ما حدث معه بداخل تلك البلدة.
الظابط:
-مرديتش عليا يا استاذ"مصطفى"!
مصطفى:
-ها!،لاء يافندم انا مروحتش هناك،لكن سمعت عنها مش اكتر.
الظابط:
-تمام،يعنى اللى اقدر اوصله من كلام حضرتك انك معندكش اى فكرة عن السبب اللى ممكن يكون ورا اختفائهم،عموما هكمل تحقيق مع باقى الاسرة،وبعدين حضرتك هتضطر تيجي معايا للقسم علشان نقفل المحضر هناك.
مصطفى:
-طبعا يا فندم،تحت امر حضرتك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي