الفصل الخامس عشر

مهما حاول الأنسان أن يفهم حقيقة مشاعره فلن يصل لشيئا ابدأ، أحيانا تضارب كل الأشياء بداخلك ولا تفهم ماذا أنت به وماذا أنت عليه، ولا تعرف أيضا حقيقة ما تشعر به، ولكنك فقط تستمتع، كنت ترى فيما سبق بعض اللحظات أنها أسعد لحظات حياتك، ولكن ما من شئ أسعد وأجمل من أنك تجد نفسك تائها فى طريق لا تعرفه، ولكنك تشتم به رائحة جميلة لم تستنشقها أنفك من قبل، رائحة جعلت منك شخصاً، تحركه الأصوات والروائح، فينقد عليها لينعم بها، ولتبقى معه للأبد.

هذا الشعور المتضارب والممتع والغير مفهوم، هو ما كنت أشعر به حينما اعطتنى شروق تلك الهدية واخبرتنى بأنها هدية عيد ميلادى، فبعيدا عن انه ولأول مرة بحياتى أجد من يهتم بيوم مولدى هذا الإهتمام، وأجد من يريد ان يدخل السرور على قلبى ولكن أرادت هى أن تكون أول الناس الذين يتزكرون عيد ميلادى، لا أعرف من أين علمت بذلك التاريخ ولكن لا يهم المهم فقط هو ما تفعله معى الأن.

بعدما نظرت إلى ذلك الصندوق وقالت لى تلك الجملة، لم اشعر بنفسى بعدها، ولا اقدر على التحكم فى حواسى، فبدأ قلبى فى إعلان طبوله بطرقات متتالية، تتسارع مع مرور الوقت، وبدأت أشعر أن جكيع حواسى ترتجف، واصاب جسدى قشعريرة لم تحدث لى من قبل، ولا أي شئ مما سبق قد حدس لى، وزاد الأمر حينما بدأ الأمر ينفضح على وجههى حينما بدأت اتصبب عرقا وبغزارة، بالرغم من أننا كنا فى شهر نوفمبر وهذه الليلة هى الحادية عشر من الشهر، لاحظت شروق هذه العلامات التى ظهرت على ولكنها أيضا لم تنطق ولا تتكلم فقط اكتفت بالصمت، ولكن كلما يزداد الامر على حينما أنظر إليها فاحست أننا سنظل واقفين بهذا المكان إلى الأبد، فأرادت أن تخرجنى من تلك الدائرة التى أنا بها، ليست دائرة السعادة، فقد احكمت اغلاق دايرة السعادة وهى بداخلها، إنما ما اقصده هى دايرة الأسئلة والتفكير، فثالت بصوتا يكاد أن يخرج من كثرة الخجل الذى ظهر عليها حينما رأتنى بهذه الحالة:

_ طب ممكن نقعد طيب!

نظرت حولى فوجدت أننا أصبحنا الان بمنطقة كامب شيزار، تعجبت كثيراً هل نحن نتحرك وأنا أظن أننى واقفاً بمكانى، هل العالم يدور من خولى وكل كا أشعر به هو أننى أقف معها فقط، رددت عليها مسرعاً:

= معلش آسف والله، بس سرحت شوية.
_ لا ولا يهمك كان باين عليك.

نظرت حولى أين يمكننا الجلوس، فأنا وهى لم نكن حبيبين يريدان أن يجلسا سويا على إحدى الصخور ويتقاسما ما بداخلهم مع البحر، رأيت إحدى الاماكن التى يوضع بها بعض الأشخاص مقاعد ويقدمون مشاريب فتجلس أمام الصخور وتطلب ما تشاء، أشرت إليها على تلك المكان وأنا انظر إليها وأقول:

= تيجى نقعد هنا طيب؟
_ مفيش مشكلة يلا بينا.

تحركت أنا وهى وجلسنا على كرسيين وامامهم طاولة أتى رجلا إلينا وطلبت هى عصير برتقال، لا أتذكر ماذا طلبت انا فى وقتها أتذكر فقط ما طلبته هى، نعم ف نسيت كل شئ ومحوت كل شئ إلا صورتها وصوتها وتلك الشعور الذى أنا به.

قالت بعدها:

_ مش حابب تشوف الهدية؟
= بصراحة، كان نفسى أشوفها فالبيت لمل أروح.
_ أنا بس خايفة متعجبكش!
= طب خلاص خلينا نشوفها دلوقتى.

بدأت فى فتح غطاء ذلك الصندوق ونظرت بداخله، كان يعتليه حزاما، ومحفظة، وساعة يد، جميعهم بنفس اللون ونفس الدرجة، فنظرت لهم بإعجاب شديد لدقتها فى اختيار اللون والدرجة أيضا، فوجدتها تقول:

_ أنا اخدت بالى أنك بتحب كل حاجة فى اكسسواراتك تبقى نفس اللون، يعنى الجزمة والحزام والساعة، بس بصراحة معرفش مقاسك كام فخوفت اجبلك جزمة.

نظرت لها ولاول مرة أجد أحدا مهتم لهذه الدرجة بالاشياء التى أحبها، كان هناك بعض الأشخاص الذين يقدمون لى هدايا، ولكن كان الحميع يختار هداياه على ذوقه الخاص، أما شروق قد اختارت هديتها على ذوقى أنا، لذلك كانت وستظل أعظم ما اهدانى إياه أحد، ردت عليها ببهجة:
= انا اللى مش عارف أقول إيه، أول مرة الاقى حد واخد باله من التفاصيل الصغيرة اللى بحبها.
_ طب حابب تكمل وتشوف فى ايه تانى ولا لأ؟
= ايدا هو لسة فى حاجة تانى؟

وجدت فى تلك الوقت وجهها يخرج الكسوف الذى بداخلها كله، كانت شروق فتاة شديدة البياض، ولكن حينما نظرت إليها فى تلك اللحظة، لم أرى تلك البشرة الشقراء، كان وجهها يملأوه الأحمرار، كنت أظن أنه كذلك وأننى لم الاحظه من قبل من كثرة إنتشار ذلك اللون الأحمر على وجهها، فقد تدفق الدم كله واعلن اختبائه خلف طبقات الجلد التى على وجهها.
قالت شروق بصوتا ناعماً جداً متردد:
_ اه فى، بس لو مش حابب دى تشوفها عادى ممكن تشوفها فالبيت.

شعرت فى تلك الوقت أن ذلك الشئ به أهمية كبيرة، فقررت أن افتحه وانا معها، فقلت لها:

= لا أنا هشوفها دلوقتى.

بحثت بداخل ذلك الصندوق، كانت هناك بعض الأشياء التى توضع للزينة وكانت تغطى على كا تريد شروق أن أراه، حتى مددت يدى، فوجدت زجاجة صغيرة لمست يدى امسكت بها وأخرجها، كانت زجاجة صغيرة ورفيعة، يوجد بداخلها ثلاثة أوراق، ولها غطاء خشبى، يبدو أن هذه رسائل قد كتبتها شروق إلى، نظرت لها بابتسام، وكانت كلما ألتفت لأمظر إليها تخفى وجهها عنى وهى به إبتسامة خجل، فتحت ذلك الغطاء، ولكنى قبل أن أخرج أولى الأوراق طلبت منها شيئاً، فقلت:

_ طب ممكن قبل ما اطلعهم تقوليلى سبب كل ورقة هقراها إيه!
= مش فاهمة!
_ يعنى كتبتيلى الكلام دا ليه، ممكن!

نظرت إلى وقالت وهى لا تعرف أنها ستقوى على ذلك أم لا وقالت:

= حاضر

بدأت فى إخراج الأوراق بالترتيب الذى موجود عليه فيبدو من وضعهم بداخل الزجاجة أنهم مرتبون حتى أننى لاحظت أن كل ورقة منهم تحمل رقماً، فلابد وأنها تريد أن اقرأهم بالترتيب، بدات فى قراءة الورقة الأولى، وكان مكتوب عليها شيئاً بالإنجليزية:

"Thank you for being by my side "

فندرت إليها بعدما قرأتها وقلت:
_ العفو بس على إيه؟

فأجابت على قائلة :
= عشان مساعدتك ليا فى الفترة اللى فاتت وأنك خصصت من من يومك عشان تحللى مشكلتى.

أبتسمت لها، من ثم اخرجت الورقة التالية، وفتحتها وقرأتها، وكانت تقول فيها:

" I am so proud of you "

لا أعرف سبب هذا الفخر ولكنى نظرت لها كما طلبت منها فقال:

= دى عشان الحاجات اللى حكتهالى، وأنى حسيت قد إيه أنت شخص مكافح وبتحب كل حاجة بتعملها، حتى ولو ضد أحلامك المهم أنك بتحب السعى دايما.

بدأت بعدها فى إخراج الورقة الأخيرة ولكنى قبل أن اخرجها وجدتها تمسك يدى وتقول:

= بص معلش بلاش تقراها خلاص.
_ ليه أحنا مش اتفقنا!
= لا خلاص مش عيزاك تقرأها، يلا بينا عشان اتأخرت كمان ولازم أروح.

أحسست أن تلك الورقة تحمل ما انتظره، فقلت لها لكى اطمئنها:

_ طيب ممكن اطلب طلب، انا هقرى الورقة وأنا معاكى، بس هقراها فسرى، ومش هقولك تقوليلى السبب!

لم تجيب على طلبى، ولكنى شعرت أنها وافقت حينما وجدتها قد هدئت قليلا أخرجت الورقة، ونظرت بها وها هو ما توقعت، فأنا وشروق منذ أن التقينا، وأنا أجد تشاباهات كثيرة فى حيات بعضنا، نجد أنفسنا نفهم كل شئ يريد الأخر أن يوصله، كانت شروق تكتب فى الورقة الثالثة:

"Thank you for finding my soul mate"

ها أنا الآن علمت ما كنت انتظره، ولكن لم يسعنى قلبى على الإنتظار، وقد فضحنى باعتلاء نبضاته، حتى أننى إذا قلت لأحدهم، أنها كانت تسمع فى ذلك الوقت صوت دقاته لم يصدقنى أحد، ولكن هذا ما حدث، فبالرغم من أننى كنت أتوقع ذلك ولكننى لا أعرف، لماذا تفجأت ولماذ لم يهدئ قلبى ولو للحظة منذ أن قابلتها اليوم.


فى ذلك الوقت وجدت نفسى أتحدث إليها بطريقة لا إرادية، وأقول لها :

_ شروق أنتى واثقة من الجملة دى؟

لأجد شروق تستجمع ما تبقى بها من قوة وترد علي قائلة:

= عمرى ما عرفت اقول كلمة غير لو حسيتها.

أسعدنى كثيرا ذلك الرد، لأجد نفسى أريد ولأول مرة فحياتى أن لا تنتهى تلك اللحظة أبدا، أجد نفسى متمسكاً بكل شئ يحدث الأن، لملمت كل ما اهدتنى به شروق ووضعته مرة أخرى بداخل تلك الصندوق وبعدها اغلقته، من ثم نظرت إليها لكى اشكرها:

_ طبعاً أنا عارف ومتأكد أن أى شكر هقوله ليكى دلوقتى مش هيوفى اللى أنتى حسستينى بيه، بس كل اللى أقدر اقولهولك أنك فعلا خليتى يومى ليه إحساس مختلف جدا، وحفرتيه جوايا.

ردت على شروق بعدما خف الخجل من وجنتيها وقالت:

= أنا معملتش حاجة يا عمر أنت تستاهل كل خير، وكفاية وقفتك جنبى فى مشكلتى.
_ انا برضو معملتش حاجة.

فى تلك الوقت وجدت هاتفى يصدر انينه نظرت إلى المتصل فوجدته إحدى اصدقائى يريد معرفة أين أكون فأبلغته بأننى لن أقدر على العودة له مرة أخرى، من ثم أغلقت المكالمة.

نظرت لى شروق وقالت:

= انا عطلتك عن شغلك أكيد!
_ عطلتينى إيه بس دا ياريت اليوم دا كان حصل من زمان، متعرفيش أنتى اللى أنا حاسس بيه دلوقتى عشان كدا بتقولى الكلمة دى.
= طب يلا نتحرك عشان متأخرش بس.
_ يلا بينا طيب.

قمت من جلستى أنا وشروق وتحركنا ولكننا لم نركب أى وسيلة مواصلات قررنا أن نترجل على البحر قليلا، كنا نمشى بجوار بعضنا ولم نكن نريد أن ينتهى اليوم ابدأ، وصلنا إلى منطقة كليوبترا سيؤا على الأقدام كان قد مر من الوقت ما يقرب ساعة ولم نحس بأنفسنا، فى ذلك الوقت قررنا أن نركب باصا لأن الوقت قد تأخر بعض الشئ.
وبالفعل ذهبا إلى الطريق الأخر لكى تعود لمنزلها، ولكننا بعدما ممرنا الطريق كان هاتفى يرن، نظرت للمتصل كانت نور أختها، حقا قد نسيت أن نور معى بتلك البروفة، لابد أنها تريد أن تسألنى الأن عما حل بى، بحكم صداقتنا المقربة، ولكننى لا اريد أن أفسد تلك اللحظة التى اعيشها الأن، ولكننى يجب أن أجيب على اتصالها، أجبت عليها وأنا أقف أنتظر سيارة نركبها:

_ الو، ايه يانور، ايه الأخبار؟
= إيه يابنى اختفيت فجاة وقولت فى مشكلة ولازم تنزل!
_ آه واحد صاحبى كان تعبان جدآ وكان لازم أوصله، فنزلتله.
= طيب هو بخير دلوقتى؟
_ هو أحسن، هوصله للبيت كدا وبعدها هروح.
= خلاص ماشى فل، اما تروح أبقى كلمنى.

أغلقت بعدها المكالمة وجلست أفكر فيما فعلت الأن، لا أعرف لماذا كذبت على نور ولم أخبرها أننى بصحبة شروق، ربما هذا لأن شروق كانت تريد أن لا تعلم نور شيئاً، ولكننى يغضبنى كثيراً الكذب، فكسف لى أن أفعله انا!
شعرت شروق أننى ينتابنى شئ من الجزن فى ذلك الوقت فقامت بسؤالى:

_ هو فى مشكلة حصلت ولا ايه؟
= لأ مفيش، يلا نركب.

فى تلك الوقت أوقفت سيارة تاكسى وركب أنا وهى بالخلف، وجلسنا ولكنها لاحظت أننى فعلا يملكنى شئ من الحزن، فسألت مرة أخرى:

_ أنت متأكد أن مفيش حاجة مضيقاك؟
= بصراحة متضايق، اللى كانت بتكلمنى دى نور أختك، ومعرفش ليه كدبت عليها وقولتلها أنى حصل مشكلة مع صاحبى وهوصله البيت، ودا ضايقنى جدا أنى عملت أكتر حاجة بكرهها فى حياتى.

فى تلك الوثت نظرت إلى شروق وبدأ يظهر الندم على وحهها بعدما أحست أنها من تسببت فى الأمر بالبداية حينما كلبت منى أن لا أخبر اختها وقالت:
_ انا آسفة جدآ ليك، انا السبب فى دا.
= لا مش أنتى السبب ولا حاجة.
_ لا أنا، عشان طلبت منك أنك متقولهاش.
= وأنا لو مكنتش عايز أعمل كدا مكنتش هعمله، المهم سيبك من الوضوع دا دلوقتى خلينى أكمل اليوم مبسوط.

أكملت يومى مع شروق حتى اوصلتها وعدت بعدها إلى منزلى، كانت أميرة فى انتظارى تناولنا العشاء وبعدها ذهبت إلى غرفتى لكى أنام ولكن لم يأتى النوم ابدأ. كان اليوم أشهد بيوم عرسى كنت فى شدة البهجة حتى أننى قمت من سريرى مرة أخرى وامسكت بتلك الصندوق وبدأت فى تصويره مرات كثيرة، واخترت الصورة الأفضل بينهم وقمت بانزالها على مواقع التواصل الاجتماعى، فوجدت نور تحدثنى وتريد معرفة من الذى قام باهدائى تلك الصندوق، لأجد نفسى للمرة الثانية فى تلك اليوم لا أريد أن أخبرها وأكذب عليها ثانية وأنا أقول إنها اختى من اهدتنى إياها، كنت أشعر بالغضب والنفور حينما أكذب عليها، ولكننى لا أعرف كنت فى ذلك الوقت أخشى أن أخبر أحدا بأمر شروق، بالأخص أخشى أن أخبر نور، وهذا بناءاً على رغبة شروق، ولكنى تركت هذا الأمر من تفكيرى حينما رأيت بعض التهانى من الاصدقاء والاقارب على مواقع التواصل الاجتماعى، فقد بد البعض بالمعايديات، سواء برسائل أو بمنشورات على موقع الفيس بوك ، تركت هاتفى بجوارى بعدما أرسلت شكراً لشروق على ذلك اليوم وقمت بالنوم وأنا فى سعادة عارمة بما حدث فيه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي