الفصل السادس عشر

أستيقظت من نومى مبكرا كانت الساعة فى ذلك الوقت تدق الثامنة صباحاً، هذا الاستيقاظ على غير عادتى فدائماً ما أستيقظ ظهرا، ولكنى قد شبعت نوما وراحة، وكأننى أنام على بساطا يملأوه الراحة والاطمئنان، أستيقظت وأول ما أتى بخاطرى أن أمسكت هاتفى وارى رد شروق على رسالة الأمس، ولحسن حظى أننى وجدتها أيضا مستيقظة، رددت عليها من ثم توجهت سريعا للأغتسال، وعدت لكى أتحدث معها ظللنا نتحدث بعض الوقت كانت تريد أن تعرف ماذا أفعل فى ذلك اليوم كيف أرتب واريد أن يمر يوم مولدى.

كنت فيما مضى وحينما يأتى ذلك اليوم، أجلس بمفردى على إحدى شواطئ البحر، وأمسك بورقة وقلم وأقوم بكتابة خطة وأحلام أريد تنفذيها أو أن تحدث لى فى العام المقبل، أضع آمالا كثيرة لنفسى، وحينما يأتى ذلك العام فى السنة التالية أفتح تلك الورقة وأقرأ ما كتبته بها، وأجلس لكى أرى ما حققته منه، وهل أنا قادراً على تحقيق ذلك أم لا، وحينما انتهى من مراجعة العام السابق أجهز للعام المقبل مرة أخرى، ولكنى العام السابق لم أقم بذلك ولا أعلم أيضا ماذا كنت أريده فالعام الذى قبله، فقد مر على هذا اليوم فى العام السابق وأنا بداخل السجن ولم يكن لدى نتسعا من الوقت للتفكير فى تلك الأمر أو أن أرى لمستقبلى نورا، فقد كنت بحالة يائس كبيرة، ولكنى الأن أملك من الأمل ما ضغطى الكواكب والنجوم، أرى فى احلامى أشياء بشأنها أن تجعلنى متربعا وسط نجوم السماء، محلقا ولا أرى أحدا سوى شروق، تلك الفتاة التى فقط بنظرة من عينيها أشعر وأن العالم أجمع يريد أن يحعلنى سعيداً.

تحدث مع شروق واخبرتها عما كنت افعل فى ذلك اليوم، وأنه حدث معى ظروفا خاصة جعلتنى عاجزاً عن فعله فى العام السابق، وأننى فى ذلك العام، أو اليوم بالتحديد لا أعرف ماذا سافعل، حتى انتهى بنا الأمر أننا قررنا أن نلتقى وأن أجلس معها ونضع كل شئ أريد فعله.

كانت أميرة فى ذلك الوقت متواحدة بالكلية، ولا أعلم متى ستأتى إلى البيت ولكن لابد وأنها كالعادة ستذهب إلى فى الكافيه أولا وبعدها تعود للمنزل ولكننى قررت أن أترك لها ورقة بالبيت تعلمها أننى سوف أخرج اليوم حتى لا تقلق، وكان هذا بعدما قررت أن أغلق هاتفى كوال اليوم فلا أريد أن اتحدث مع أحدا ولا أريد أن يكون باليوم سوى شروق، وبالغعل كتبت تلك الورقة ووضعتها على دولاب الاحذية نظرا لقربه من باب الشقة، من ثم بدأت فى ارتداء ملابسى ووتحركت على الكافيه لكى اتابعه ما حدث بالأمس وبعد التحيات والمعايدات، ذهب إلى مكتبى وجلست لكى اراجع الحسابات من أحدهم، وفى النهاية كلبت منه إذا أتت أميرة أن تخدل إلى المكتب، واننى تركت لها شيئا بالداخل، فقد وضعت لها ورقة لكى تعؤف أين أنا ولا تقلق.

وفى غضون الساعة الرابعة عصراً تحركت لكى التقى بشروق التقيت بها فى منطقة سيدى جابر، كانت هذه المنطقة ممتلئة بالكافيهات والمطاعم، حلسنا بإحدى الكافيهات التى كان يمتلكها صديقا لى، جلسنا بهذا المكان وكان يتهم جدا بأمرى.
كنت أجلس أنا وتجلس شروق إمامى كنا نتحدث قليلا، ولكن أغلب الوقت أنظر إليها وتنظر لى دون البوح بكلمة واحدة،. لا أعرف سببا لذلك، ظللنا جالسين هكذا حتى مر علينا ثلاثة ساعات من الوقت حتى أننى لم أشعر بصديقى الذى كان يقف بجوارى ويحدثنى، فقد تلاشى العالم من حوالى وأصبحت شروق هى عالمى، تحدثت إليه وبعدها طلبت منه الشيك ولكنه أبى أن يأخذ منى أية مبالغ، وتحركنا بعدها لإحدى المطاعم تناولنا الغذاء، ومن ثم قررنا أن نتمشى قليلا.

كنت امشى بجوارها وأنا لا أريد هذا اليوم أن ينتهى، كانت الساعة فى ذلك الوقت قد اصبح العاشرة، ولكنى لا اريدها أن تعود إلى بيتها أريد أن تظل معى حتى تنقطع انفاسى من الدنيا، لا أعرف احسست باشياء تتداخل فى بعضها ولكننى أنا وهى لم نتحدث فى شئ نكتفى بالنظر لبعضنا البعض ونكتفى بأن كلا منا يشعر بالأخر، كانت شروق تنظر للساعة لكى تعود لمنزلها ولكننا فى النهاية قررنا أن نعود بالترام هذه الوسيلة التى تجعلك تشعر أن الوقت ليس له أهمية، وبالغعل تحركنا من على طريق البحر ذهاباً إلى طريق الترام، حتى وصلنا إلى طؤيق سيارات بجوار الترام وكنا نريد أن نعبر الطريق، وجدت نفسى ودون ارداة منى لذلك ممسكاً بيدها دون أن أنظر إليها، وعبرت بها الطريق، ليس هذا بالغريب الغرسب فى الأمر أنها لم تبدى أى اعتراض على ذلك، وأننى أيضا ظللت ممسكا بيدها حتى يعدما ركبت أنا وهى وجلسنا بالترام، وجدت نفسى أخرج هاتفى من جيبى واضع سماعة الهاتف واحدة بأذمى وواحدة بأذنها، وجلسنا نستمع لعبض الأغنيات التى سيطرحها علينا مشغل الموسيقى، كنا لا نتحدث إلا كلمتين ثلاث على الأكثر حتى وصلنا إلى نهاية الترام وبعدها تمشينا مسافة طويلة إلى أن وصلنا أمام بيتها، تركت يدها فى ذلك الوقت لكى تصعد بيتها، ولاول مرة أشعر بالفراغ من حولى كلما ابتعدت هى من امامى، تحركت من أمام بيتها وذهبت إلى الكافيه الخاص بي، ودخلت إلى المكتب جلست به، كان المكان يعمل حتى الشاعة الواحدة صباحاً، وكان الوقت الأن الثانية عشر منتصف الليل.
جلست بمكتبى وفتخت هاتفى لاجد رسائل كثيرة وأن هناك الكثيرون قاموا بالاتصال بى، بدات فى معاودة الاتصال بهم والاعتذار لهم، بما فيهم نور التى حدثتنى فيما يتخطى العشرون مرة، لابد وأنها كانت تريد أن تحتفل معى بيوم مولدى، ولكنى كنت فى شيئا أهم من أن يحتفل معى أحدهم به.
وبعدما أستغرق الأمر منى ما يقرب الساعة فى الرد على الرسايل والمنشوارت وأيضا الإتصالات، بدأت فى التحدث مع شروق بعض الوقت، حتى انتهى العمال بالكافيه من إغلاق المكان، اغلقت مكتبى وتحركت للخارج، ومن ثم عدت لمنزلى.

كانت أميرة فى انتظارى.. وحينما فتحت باب المنزل .. كانت الاذاة مطفئة تحركت بتاحاه مقبس الكهرباء لكى أشعل الضوء وما أن وضعت يدى عليه، حتى تفاجأت بأميرة واقفة وامامها تورتة عليها صورتى وبجوارها هدية خاصة لى والصورة التى قامت برسمها من قبل، كانت أميرة قد اشعلت اغنية عيد الميلاد على مكبر الصوت الخاص بها، وبدأت فى الغناء معه، تحركت لاقف بجوارها وأنا احتضنها واغنى معها، حتى انتهينا من كل ذلك وقالت لى:
_ كل سنة وأنت طيب ياحبيبى واخويا وابويا وكل حاجة حلوة فحياتى.

قبلت رأسها فى ذلك الوقت وأنا اجاوبها:
= وانتى يطبة ياحبيبتى، وربنا يخليكى ليا وما يحرمنى منك أبدا.
_ كنت عايزة اخدك ونخرج انهاردة، بس شكلك سبقتنى وخرجت مع حد تانى، لأ وايه بقى جايبلك كمان هدية وحركات.

ضحكت كثيرا على كلمتها فمن المؤكد أنها رأت تلك الهدية التى اهدتنى بها شروق، رددت عليها قائلا:

= لا دى هدية شكر اكتر ما هى هدية عيد ميلادى.
_ بص هو أنا مفتحتهاش بس حسيت أنك مبسوط لما لقيتك حاطتها استورى.
= بصؤاحة كنت مبسوط بيها جدا.
_ طب تعالى بقى شوف هديتى.

بدأت فى الامساكل بتلك الشنط الورقية التى توضع على الطاولة وقلت وأنا افتحها:

= هى كل دا هدايا ليا أنا.
_ اه ياعم مستكترهم عليك ولا إيه.
= لا ياختى ولا مستكترهم ولا حاجة بس أكيد بكرا هتاخدى منى فلوسهم.

وضحكت بعد هذه الجملة، حينما ضربتنى اميرة بكتلة يدها فى كتفى، كانت تعرف أننى فقط اداعبها بالكلام.

بدأت فى تفحص الحقائب، كانت منهم شنطتين يوجد بكل واحدة منهم طقما كامل من كل شئ، قميصا وبنطلونا وحذاء، ومع كل طقم الاكسسوار الخاص به، وهو ساعة ونظارة وحزام، أما عن الشنطة الثالثة فكانت بها بعض أدوات التجميل، مثل معطر للجسم، ومزيل عرق، وبعض الكريمات والبرفانات، اعجبنى كثيرا ذوق أختى فى الهدية تلك وقمت باحتضانها مرة أخرى وشكرا على اختيارتها، وجلسنا معا نتقاسم قطعتين من التورتة من ثم اخبرتنى أنها يجب أن تنام نظراً لأن لديها محاضرات كثيرة فى وقتا مبكر.

ذهبت أميرة لغرفتها لتنام، وذهبت أيضا أنا للاستحمام من ثم إلى غرفتى وجلست أتحدث مع شروق هاتفياً، وابلغتها أننى سعيد بذلك اليوم، ولكنها اخبرتنى بشئ جعلنى أشعر بالغضاضة بعض الشئ، كانت نور غاضبة منى، فقد وقفت البوم كله لكى تصنع لى تورتة عيد ميلادى بيدها حتى أنها أعدتها وانتهت منها وبعدها وجدتنى لا اجيب عليها، واغلقت هاتفى، فجعل هذا الغضب يتملك منها، زعلت من نفسى فكيف أن هناك صديقا يريد أن يهتم بأمرك وأنت تعامله بهذه الطريقة لابد لى وأن اعتذر لها، وبالفعل أغلقت المكالمة مع شروق ثم تحدثت إلى نور وابلغتها أننى لم اقصد أن افعل ذلك معها واننى أعرف أنها كانت تريد أن تختفل معى باليوم ولكن، رغما عنى لم أكن متواجدا معها اليوم، من ثم عدت لأتحدث مع شروق كان الوقت يسرقنا قى الحديث ولا أعرف لماذا، كنت اشعر بالارتياح فى الحديث معها طوال الوقت، لم أرد أن أنام فقط أريد سماع صوتها، وسماع همسات قلبها، وتلك التنهيدات التى تخرج فى منتصف الكلام، وفى النهاية حينما وحدنا أنفسنا فى الساعة السادسة صباحاً قررنا أن نغلق المكالمة ونذهب للنوم على أن نلتقى غدا بعدما تنتهى من المورس الخاص بها.

وفى صباح اليوم التالى كنت مستعدا لمقابلة شروق ولكن يجب وكالعادة أن أذهب للكافيه، فهذا هو عملى ومكانى ويجب متابعته، ارتديت طقما ممما أتت بهم أختى لى، ووضعت العطر الذى اهديتنى إياه، من ثم تحركت للكافيه وبعدها ذهبت لكى التقى بشروق، كانت تنتظرنى بجوار المكان الذى تاخذ به الكورس بمنطقة كامب شيزار، تحركنا سويا ولا أعرف إلى أين نذهب وفى النهاية قررنا أن نتناول الطعام أولا، وبعدما تناولنا الكعام قررت أن أذهب معها إلى حدائق المنتزة، وبالغعل ركبنا سيارة وتحركنا إلى ذلك المكان، دخلنا إلى المنتزة وكان هذا الامر مثابة إعلان منى لشروق أن تطلق العنان للطفلة التى بداخلها، فمبجؤد عبورنا البوابة وأن وصلنا الجناين التى بالداخل بدأت شروق فى الرقص وكأنها فراشة ترقص وتتطاير حول الزهور والاشجار، ترفرف مع نسمات الهواء المنعشة، وتنبعث منها رايحة تجعل المكان ممتلئاً برئحة المسك، كنت أركض معها وانل فقط أريد أن استمتع بذلك الوقت، أمسكها من يدها فى بعض الوقت، وفى البعض الآخر أقوم بشدها وتقع على الأرض ثم تقم هى بفع ذلك الأمر معى، كنت أشعر فى تلك اللحظات أننى أب وهى ابنتى وأقوم بمحاولة منى أن اسعدها، وها هى ذاك يخرج من عينيها شعاعا يدل على سعادتها العارمة بتلك اللحظات، كنت كلما نظرت لعينيها أجد كلاماً كثيراً لا أعرف هل أنا الذى يقال له هذا الكلام، أم أن كل ما أراه هو فقك من وحى خيالى.
استمتعنا باليوم معا وكان هذا اليوم ملي بالضحك واللعب، والمغامرات، حتى قررنا العودة، وفى الطريق وبعدما ركبنا الباص الذى سيوصلنا، سألتها عن شعورها:

_ اتبسطى باليوم انهاردة؟
= اتبسط إيه ياعم، أنت مكنتش شايفنى، أنا كنت حاسة أنى طفلة صغيرة طالعة رحلة.
_ هتصديقنى لو قولتلك أنى كنت حاسس نفس الشئ وكنت حاسس كمان، حاجة كدا مش عارف ينفع اقولها ولا لأ.
= ينفع، لأنى حسيتها، من يوم ما بابا مات محستش الشعور دا غير معام انهاردة.

فى تلك الوقت تذكرت حينما اخبرتنى نور أختها أن والدهم قد توفى، فنظرت إلى شروق ومن ثم أخرجت هاتفى، كنت أسجل رقمها على هاتفى بأسمها، ولكننى فتحت الهاتف وبدأت فى محو الإسم وهى تنظر للهاتف لترى ماذا سأفعل، فوجدتنى أسجلها على هاتفى "ابنتى" لم تيجب على شروق ولم تقل شييا فقط اكتفت بالأبتسام، فقمت مسك يديها والبرط عليها حتى اجعلها تشعر بما أشعر به، وظللنا هكذا حتى وثلنا إلى مكان بيتها طلبت منى أن لا أنزل فالبيت قريب جدا، ونزلت هى واكملت أنا إلى أن عدت إلى بيتى.
دخلت إلى غرفتى بعدما اطمأنيت على أختى، لأحدنى أفتح موقع التواصل فيسبوك، واضع على صفحتى الشخصية أننى قد دخلت فى علاقة حب.

ومن ثم تحدثت إلى بعدها شروق فى الهاتف لتسالنى قائلة:

_ أنت غيرت الحالة بتاعت الفيس عندك؟
= اه، قولت أنى فى ريليشن، هو أنا كلامى مش صح أو ضايقك!
_ لا خالص، استغربت بس أنك حتى مقولتهاش، وروحت منزل علطول.
= مكنتش محتاج أقولها ولا أنتى محتاجة تقوليها، كفاية بس اللى بشوفه فعينك وبتقوليه

لم تجيب شروق على كلماتى لابد وأنها تخجل منى الأن، ولكنى ناديت عليها باسمها حتى أجابت:

_ ايه ياعمر فى إيه؟
= بحبك.
_ وأنا كمان.

فى تلك الوقت وبعدما قالتها شروق لم أكن اريد أن أسمع شيئاً آخر وظللت لدقائق لا أتكلم ولا أقول شيئاً ولا حتى هى، كنا كتفى بالصمت، حتى أن دخلت عليها أختها غرفتها فقررت أن تغلق المكالمة.

جلست قليلا على سريرى اتفحص الهاتف وبعض المباركات التى كانت ترسل لى فى التعليقات على المنشور، واكنى وجدت رسالة من نور جعلتنى أقف قليلا، كانت نور تريد أن تعرف من هى التى أحبها ولماذا لم أقل لها، جاوبتها وأننى ساجعلها تلتقى بها غدا، كنت لا أعرف كيف سأفعل ذلك وكيف لى أننى بعدما خبأت عنها ذلك الأمر سأقول لها، ولكنى الأن قلت ذلك لعله يعكينى مساحة من الوقت لكى أعرف ماذا سأفعل. ولكن قبل أن تجيب نور على ردى وقبل أن أفكر فى الأمر، رن هاتفى من شروق فأجبت عليها لاجدهل تبكى، وصوتها يملأوه الحزن ولا أعرف لماذا، فقد تركتها منذ قليل فى قمة سعادتها، هل حدث أمرا فى بيتها، حاولت أن أفهم منها شيئاً فكانت تبكى كثيرا، ولا أفهم ماذا تقول فقلت لها:

_ شروق ممكن عشان خاطرى تهدى طيب وتفهمينى فى ايه عشان اعرف أحله.
= أنت السبب أنت هتخسرنى أختى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي