الفصل الثامن عشر

أصبحت كاطئر يرفرف فى سماء صافية لا يوجد بها غيوم، أطير وبجوارى من أحب ولا نرى الطيور التى حولنا، نحلق ونحلق عالياً، من ثم نهبط مرة أخرى ونجلس على إحدى الأشجار نتبادل الحب والمشاعر التى لم أعرف معناها من قبل، دائما كنت حينما أدخل فى علاقة ما وأشعر ببعض الأشياء بداخلى، فى وقتا قصير أجدها تتلاشى، وكنت أظن أنه سيأتى يوماً وأجد الحب الذى تمنيته والذى رسمته بخيالى، دائما كنت أصدق ما يقوله لى قلبى، لم يكن من الخطأ مثلما يقول الكثيرون أن تصدق قلبك أو تجعله يتحكم بك، ولكن كل من قال تلك الجملة لم يشعر فى يوما من الأيام بما أشعر به أنا الأن لم يجد من يحبه ويفهمه ويدعمه مثلما وجدت أنا شروق.
أصبح يومى لا يمكن أن يكون يوماً إلا بها، أصبحت حياتى سعيدة جداً حينما دقت هى ابواب قلبى، حتى أننى بعدما كنت أغضب كثيراً بدأ الأمر فى التلاشى وأصبحت شخصا هادئا من الداخل، كل ما أتمناه فى دنياى هو فقط أن يجمعنى الله بشروق فى بيتا واحد، نتقاسم كل شئ بالحياة مثلما نتقاسمه الأن، ولكن على نطاقا أوسع، لكى تصبح حياتنا مغلقة علينا لا يرى أحدا ماذا نقول أو نفعل.

فى اليوم التالى تحركت أنا وشروق وذهبنا إلى منطقة الننشية وتجولنا فى المحلات وبدأت فى اختيار أنواع الأقمشة التى تريدها كنت اشعر وأنا معها أننى ارافق ابنتى وهى تشترى ملابس العيد، وارى فرحة وبهجة العيد على وجهها، كانت شروق اشبه بالطفلة فى بعض الأحيان، وفى أحيانا أخرى وحينما أحتاج لمن يعيننى على إختيار ما، أجد أفضل صديق يمكننى استشارته، وحينما أشعر بأن هناك حزنا ما بداخلى، أجد من يطبطب على قلبى ويأخذنى فى حضنه وكأنها أمى، كانت شروق مثال يحتذى به للفتاة التى تعرف كيف تقوم بكل الأدوار.

انتهينا من شراء الملابس بعد ساعات طويلة ولكننى لم أشعر بهم، فكالعادة يمر الوقت معها كالبرق وهو يتسارع مع الضوء، انتهينا وجلسنا نتناول الطعام مع بعضنا، من ثم تحركت أنا وهى وعادت إلى منزلها، على أمل أن نلتقى غدا وتذهب لمصممة الملابس وتفصل لها ماتريد.

مرت العشرة أيام وأتى يوم عيد ميلادها واحتفلت به أنا وهى فقط لم أكن أنا أو هى نحتاج من يقاسمنا تلك اللحظات كانت تكتفى بشعورها وأنا معها وكذلك أنا، مر اليوم على وانا أشعر أنها كما قالت لى:

_ انا حاسة أنى بحتفل بعيد ميلادى لأول مرة.

حقا كانت صادقة جدا فيما تقول فكل كلمة قبل أن تتفوه بها كنت أشعر بها بداخلى حينما أنظر إليها.

ظللنا انا وهى طيلة يومان نحتفل بعيد ميلادها حتى أننى فى كدت أنسى أننى قد قدمت لها هدية عيد ميلادها حينما كنا نجلس بإحدى الأماكن على شواطئ البحر فوجدتنى ملتزم الصمت فقامت بسؤالى:

_ حبيبى هو فى حاجة.
= مش عارف، بس للأسف نسيت فى وسط كل دا اجبلك هدية عيد ميلادك.

ضحكت شروق على ما أقول كثيراً وكنت متعجباً من ذلك حتى وجدتها مسكت يدى وهى تقول:

_ حبيبى آمال الفستان اللى لابساه دا مين اللى جابهولى والفستان اللى كنت لابساه امبارح من اللى جبهولى، لا فوق والنبى بعد أذنك.

ضحكت على نفسى حينما تذكرت ذلك فقد نسيت أن هذه هى هدية عيد ميلادها وبدأت فى نسيان الأمر، جلسنا نضحك على أمرى قليلا وظللنا باقى اليوم نلهو ونلعب مع بعضنا حتى انتهت مراسم احتفالى بعيد ميلادها.

فى تلك الفترة التى قابلت بها شروق لم أرى اصدقائى ، لا أدرى هل أنا حينما قبلت شروق جعلتنى أنسى كل من حولى دون إرادة منها أم ماذا! ولكنى وجدتنى بالفعل لم أقابل أحد فقط أرى أختى واطمئن عليها، أذهب إلى الكافيه لكى أتابعه، تذكرت ذلك الأمر حينما وجدت رسالة على الواتساب من هبة صديقتى وأنها منزعجة منى كانت تقول لى فيها:

_ صاحبى اللى بقاله فترة ناسينا ومختفى عننا، بس مش مشكلة هقول عندك حاجات ومتكعبل فيها، اتمنى أنى اشوفك قبل ما أسافر، انا مسافرة الاسبوع الجاى ياريت نتقابل قبلها.

زعلت من نفسى حينما قرأت تلك الرسالة كيف لى أن أنسى من وقفوا معى وساندونى فى وقت شدتى، حقا فأنا منذ وقتا طويل لم اتحدث مع مروان زهبة ومريم وعبدالله أعرف أن عبدالله قد أخذ جنبا بعيدا وقرر أن يعيش حياته بعيد ولا يتحدث معنا كثيرا، ولكنى حتى لم اسأل عنه، وكذلك عن الباقيين.

ردت على هبة واعتذرت لها كثيرا عن ذلك واتفقت معها على أن التقى بها غدا ونحدد ميعاد نلتقى به كلنا، وبالفعل قابلت هبة بالكافيه الخاص بى وجلست اتحدث معها وحكيت لها عن شروق وعن كل شئ حدث حينما دخلت حياتى، واخبرتنى أنها حينما قامت بالأتصال بى ولم اجيب اخبرتها اختى أميرة بأمر شروق، وأنها أتت مرتين إلى الكافيه الخاص بى ولكنها لم تجدنى، جلسنا نتبادل الحديث حتى علمت أنه اقترب موعد زواج مريم ومروان، وأن مروان غاضباً منى ولا يريد التحدث معى فقد، زعلت من نفسى كثيرا بسبب ذلك الأمر، وقررت أن اتحدث معى مروان وأن أحل ما حدث بيننا من سوء فهم.

ذهبت إلى مروان وجلست معه فى مكتبه فقد قرر مروان أن يقوم بالعمل بشركة الحسابات التى تخص والده وذهبت إليه وتحدثت معه فى كل شئ وسريعا ما تقبل عذرى وعلمت منه كل شئ وبدأت فى التحضير معه ومساعدته فى كل شئ حتى أتى ميعاد فرحه، وكنت طوال كل هذه الفترة لم أقم بشئ سوى أننى بجانب مروان وأحاول تعوضيه عن فترة تقصيرى الفترة الماضية، حتى أننى فى اليومين الذان قيل الفرح لم اتركه لحظة واحدة.

أتى الفرح وذهبت أنا وشروق وكان اليوم مبهج كثيراً وكان هناك بعض الاصدقاء الذين لم أراهم منذ وقتا طويل وكان اليوم جميل جدا والكل سعيدا، به حتى انتهى الفرح وانتهى اليوم، وبعدها بيومين سافرت هبة أيضا وأصبح كلا من اصدقائى فى وادى خاص به.

فى تلك الفترة لم افكر فى شئ سوى أننى أتقدم لخطبة شروق وبالفعل اتفقت معها على أن أتحدث إلى والدتها وتحدثت معها ولكنها اخبرتنى أنه يجب أن نأجل هذا الأمر بعض الوقت نظرا لأن عمها يمر بحالة صحية سيئة وأنه هذه الفترة مقبل على عملية جراحية وحينما ينتهى منها ويمر الأمر بسلام يمكننى أن أذهب إليهم، وبالغعل قررنا أن ننتظر قليلا، ولكن حدث ما لم يتوقعه أحد.

فى إحدى الليالى وبعدما انتهيت من العمل بالكافيه، واغلقت المكان كنت عائدا إلى منزلى وفى ذلك الوقت وجدت هاتفى يرن فرددت كانت شروق ولكنها تتحدث معى بنبرة غضب شديدة ولا اعرف سببها:

_ الو
= إيه ياحبيبتى، عاملة إيه
_ أنت فين؟
= أنا بقفل الكافيه أهو ومروح، فى حاجة ولا إيه؟
_ آه فى، أنا مش عايزة أكمل معاك، وكل واحد فينا يروح لحاله.

تعجبت مما تقوله شروق، ماذا حدث لكى تقول لى ذلك وأنا لا أفهم شيئاً، فرددت عليها قائلا؛

= ايدا فى ايه، هى الهرمونات اشتغلت معاكى أنتى كمان.

كنت أقول ذلك على سبيل الذاح فقد توقعت أنها مثل أى فتاة تمر بفترة تكون فيها تضارب فى الحالة النفسية، ولكنها ردت على بجدية:

_ على فكرا أنا مش بهزر ها، أنا مش حابة أكمل معاك خلاص.

فى تلك الوقت وكنت قد ابتعدت عن المكان، وبدات فى التحدث بهدوء:

= تمام، لو دى رغبتك مفيش مشكلة بس أفهم!
_ تفهم إيه؟
= أفهم السبب ورا القرار دا ايه، أو بمعنى أصح إيه اللى اتقالك دلوقتى خلاكى تاخدى القرار دا؟
_ مفيش حاجة اتقالتى أنا واخدة قرارى من نفسى.

تأكدت فى ذلك الوقت أن هناك أحدا املى عليها شئ جعلها بهذه الحالة ولكنى كنت واثقا من نفسى وأنه لا يوجد شئ افعله وهى معى يجعلها تقرر هذا القرار، فجاوبتها:

= لأ فى، مهو أنا مش عبيط ولا حتى تايه عنك عشان تقوليلى كدا، فطالما انتى سمعتى ورميتى ودنك لكلام حد وشيلتى ثقتك فيا، خلاص قوليلى بقى ايه الى اتقالك وارد أنا عليه!
_ تمام، يعنى أنت عندك رد؟
= أنا عندى رد لكل حاجة، طالما اللى بتتكلمى فى يخص حياتى.
_ تمام، أنت كان فى إيه بينك وبين نور؟
= نور مين! اختك؟
_ اه.
= مكنش في حاجة صحاب واخوات بس.
_ يا سلام يعنى مكنتش بتحبها وبتجرى وراها!
= لا طبعاً محصلش اللى قالك كدا كداب.
_ لا مش كداب دا اللى قالى قال بدليل كمان.
= طب خلاص طالما مصدقة اللى قالك أوى كدا، يبقى أنا موافق على قرارك، بس قبل ما ننهى أى حاجة أنا محتاج اوجه اللى قالك عشان أعرف مين المنافق اللى بيتعامل معايا وبيخوض فى ضهرى كلام بنفاق؟
_ لو سمحت متغلطش فى حد، أتكلم باحترام زى ما بتكلم معاك باحترام.
= انا كل دا بتكلم باحترام، أصلى لو ممسكتش نفسى واتكلمت باحترام هنفجر فيكم أنتوا الأتنين، واحدة المفروض أنها عارفانى كويس جدا، وعارفة شخصيتى، ومن يوم ما قابلتى مجرد ما بتكلم معاها بتعرف حيقية كلامى، لكن لما جه حد ملهوش أى ستين لازمة كلمها كلمتين ملا دماغها، انا لو كان جه حد ثالى كلام عليكى كدا حتى لو أنتى عملتيه، كنت موته.
_ قولتلك متغلطش فى حد بعد أذنك.
= تمام أنا كدا عرفت مين اللى وصلك الكلام دا ولعب فى دماغك خلاص.
_ مين!
= مش مهم بقى أقولك مين المهم أنى عرفت، وتمام يا شروق متكمليش، خليكى مصدقة اللى بتسمعيه، مع السلامة.
لم اتمالك اعصابى فى ذلك الوقت وقد ثار غضبى كثيرا وأغلقت فى وجهها، عاودت شروق الإتصال بى عدة مرات ولكنى لم أجيب عليها، ذهبت إلى البيت وجلست أفكر فى ذلك الأمر وتلك الكلمات التى قيلت لها، وكيف أنها بهذه السهولة انجرفت وراء ما سمعت، ولكنى قررت بداخلى أن أصبر حتى اهدئ وبعدها اعاود الأتصال بها، ولكننى قبل أن أفكر فى ذلك وجدت رقم أمها يتصل بى كنت أظن أنها تحدثنى من هاتف أمها حتى وجدت رسالة منها على هاتفى تقول:
_ على فكرا ماما اللى بتتصل بيك مش أنا.

فى تلك الوقت قلت بداخلى لابد وأن فى ذلك الوقت أن أتحدث إلى والدتها وأعرف ماذا تريد أن تقول، عاودت الإتصال برقم والدتها، فأجابت علي:
_ السلام عليكم.
= عليكم السلام ازى حضرتك.
_ ازيك يابنى، فى إيه حصل بينك وبين شروق؟

شعرت فى ذلك الوقت أن زالدتها لا تعرف شيئاً عما دار، فقلت لها.

= هى محكتش لحضرتك بعنى؟
_ لا مش راضية تحكى، أنا دخلت عليها اوضتها لقيتها بتعيط ومش راضية تقول وبعد محايلات كتير عرفت أنك قولتلها أن كل واحد فيكم يروح لحاله.
= هو مش أنا اللى قولت حضرتك، هى اللى سمعت كلام وصدقته وخدت القرار وحتى مفكرتش تناقشنى فى الكلام اللى سمعته، وبعد محايلات منى كتسر لما لقيت أنها مش راضية تتكلم، قولتلها خلاص اللى يريحك وقفلت.
_ طب بص يا عمر أنت زى أبنى، أسمعها واعرف إيه اللى مضايقها وبعد كدا فهمها، البنات بتتكلم بمشاعرها، فهتلاقسها فثانية بتزعل وفثانية تفرح، أتكلم معاها وأعرف إيه اللى مضايقها وبعد كدا فهمها.
= حاضر هعمل كدا.

تحركت والدتها إليها ووجدتها تعطيها الهاتف وتقول لها:
_ خدى عمر عايز يكلمك.

انتظرت قليلا وسمعت باب غرفتها وهو يغلق ولكن لم ترد على شروق فقلت لها:

_ الو
= ايه ياعمر.
_ ممكن بقى نتكلم بهدوء بدل ما حد يعرف أى حاجة ولو فى مشكلة نحلها!
= عايز تتكلم فى إيه، منت أخدت قرارك خلاص.
_ أنا مأخدتش قرارات، أنا صدقت على قرار أنتى واخداه عشان كلام سمعتيه عنى ومردتيش تقوليلى اللى قالك، ولا حتى عطتينى فرصة أدافع عن نفسى، وكأن اللى حكالك دا شخص صادق وأنا اللى كداب.
= أنا مش مكدباك، ومقولتش أنك كداب، بس فى نفس الوقت اللى حكالى مينفعش برضو يكدب عليا.
_ عشان اختك يعنى.
= مين قالك أنها أختى، يعنى معنى ان أنت عرفت يبقى بتحكى صح!
_ لا طبعاً، ولكن الشخصين اللى هيحلوكى تقفى محتارة ما بينى وبينهم فمين الصادق ومين الكداب هما اختك ومامتك، وبعد ما مامتك كلمتنى يبقى أكيد أختك، صح ولا إيه؟
= آه هى اللى قالتلى.
_ طيب ممكن بقى بهدوء كدا تقوليلى قالتلك إيه، وتدينى مساحة أنى كمان أرد، دا أمر طبيعى المفروض.
= تمام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي