الفصل الحادى والعشرون

مرت عدة أيام لم أتواصل فيهم مع شروق، كانت طوال تلك الأيام تحاول الأتصال بى ولكنى كنت أحاول أن لا أجيب عليها، لم يكن الأمر قسوة منى أو أننى لم أعد أحبها، فأننى لن أحب أحدا فيما بعد ولا أحبب قبلها، كانت هى الأولى فى كل شئ كان مميزة وستبقى مميزة، فكيف لى أن أرى غيرها، كان قلبى ينتفض حينما أرى إسمها إمامى على شاشة هاتفى، ولكن عقلى يحدثنى بأن لا أجيب فإذا أجبت عليها سأضعف حينما أسمع تلك النبرة الباكية التى حتما سيتحدث معى بها، علي أن أبتعد كى تعرف هى أن تتخطى تلك الأمر.

كنت يوميا كلما نمت على وسادتى، أضع تلك الصورة التى صنعتها هى وجعلت بها منتصف وجهى مع منتصف وجهها، كنت أنظر إلى تلك الصورة وأسب نفسى على ما فعلته بها، كيف لرحلا أن يكون بكل هذه القسوة على نفسه؟ كيف لى أن احاول أبعادها عنى، وأنا لا أتحمل أن لا أراها يوميا؟ أجلس كل يوم بالمساء أتحدث إلى صورتها، كان بين يدى أن اتحدث معها هى ولكنى أبيت ذلك، كانت تخطر لى أفكارا واهواء تجلعنى أريد أن اخذها ونهرب بعيدا عن تلك العالم المزيف، العالم المليئ بالخداع والنفاق، لم يعد بهذا العالم مكانا يصلح للعيش الآدمى، لم يكن هناك متسعا لكى تلتقى القلوب، لربما كان الله يخبئ لنا أمرا لا نعرفه، عسى أن بحدث ذلك ولكن حتى يحدث ذلك الأمر، فأننى قد حكمت على نفسى بالسجن المؤبد داخل حصون قلبها، فأنا أصبحت أسيرا لتلك الشروق، ولا أهوى رؤية نساءا غيرها.

بدأت حالتى فى التدهور وأنا لم أشعر فقد أردت أن أخرج مما أنا فيه بالغناء والمسرح، ولكننى أيضا كنت أزايد فيهم فكان يومى عبارة عن عروضا وبروفات وحفلات، لا أفعل شيئاً غيرهم ولا أتحدث مع أحدا، سوى من يعمل معى فى تلك الأعمال، كنت أحاول قدر الإمكان أن أخرج بعيداً عنها، أعرف أن هذا كان طريقا خاطئ ولكننى اخترته لكى لا أفعل شييا يؤذينى جسدياً فأن أضيع وقتى بالعمل بالمسرح، أفضل بكثير من أن أضيعه فى ملاهى ليلية وبين السكارى.

ظللت على هذا الوضع شهرين، شهرين ليس بحياتى شيئا سوى، امطئن على أختى بهم واذهب لتلك البروفات، وأقوم ببعض العروض، كانت هناك مبالغ مادية ولكنها ضئيلة، ولكن ايضا كانت تساعدنى فى بعض المصاريف.
وفى إحدى الأيام، كنت ذاهبا للنوم ووجدت القلق ينتابنى لا أعرف لماذا وكلما حاولت النوم استيقظ، لا أعرف كان لابد وأنها لحظة ضعفا منى، كانت شروق لا تفارق خيالي فى تلك الوقت، وصوتها فى أذنى تكرر وتكرر كلاماتها، أعلم أنى أشتاق إليها ولكن أنا من ابتعدت وفضلت ذلك، وكعادتى أننى انجرف دائما وراء ما أريد، أمسكت بهاتف، ثم بدأت العبوث به قليلا، كانت الساعة الواحدة صباحاً، وجدت نفسى أفتح المحادثة الخاصة بها وأقرأ بعض الرسائل، لا أعلم لماذا رجعت لبداية المحادثة وقرئتها من أولها، حتى وجدت الساعة قد قاربت على السادسة صباحاً، لم يعسنى ثبرى وتحملى فوجدت نفسى اكتب لها:

_ شروق، عاملة إيه، أنا عارف أنى مش من حقى أكلمك دلوقتى، بس زى ما عودتك على الصراحة والوضوح، هقولك اسبابى، أنا دخلت أكلمك عشان عايز اطمن عليكى، انا من الساعة ١١ بليل وأنا على السرير وقلقان وخايف، ومفيش غير صوتك وصورتك اللى شايفهم، اتمنى تطمنينى عليكى.
تركت لها هشه الرسالة ولا أعرف كيف كتبتها، حتى أننى بعد ما قمت بأرسالها، شعرت أنه من الخطأ أن أفعل ذلك، وحاولت مسحها، ولكن لسوء حظى حذفتها من عندى فقط بدلا من عند كلانا، وبهذا فإنها حتما ستراها وأنا لن أعرف أن امسحها، لابد وأن القدر هو ما أراد ذلك، فى تلك الوقت شعرت بالنعاس ذهبت للنوم ولكن كلما غفلت عيناى استيقظ، لا اعرف ماذا حل بى، ظللت جالسا أكتب فى بعض الاوقات، اقوم بالعزف على الجيتار، أفعل أشياءا لا اعرف سببها، فقط كنت أريد أن الهى نفسى.

وفى غضون الساعة الثانية ظهراً، كنت أجلس اتناول الفطور مع أميرة، ولعدها ارتديت ملابس وتهيأت للخروج، ركبت المواصلات وذهبت إلى إحدى المقاهى التى إلتقى بها بالناس الذين يعملون معى بتلك المسرحيات، كان لم يصل أحدهم حين ذاك، فجلست بمفردى، أمسكت بهاتفى وبدات فى فتح الانترنت وتفحصه، حتى وجدت رسالة خارجية تدل على أن شروق قامت بالرد على، وجدتها ارسلت لى ثلاث رسالات كالتالى:

_ كنت أتمنى سؤالك وقلقك دا يكون بدرى شوية، بس الحمدلله
_ سامحنى ياعمر، أنا آسفة مش هينفع أكلمك.
_ أنا حالياً خرجت من حياتك، خلى بالك من نفسك، انا بخير.

شعرت من تلك الرسائل أنها أصبحت لا تريد الحديث معى مرة أخرى، ولها كل الحق فى ذلك، فمن هى التى تريد الحديث مع رجلا فى أول تعثراتهم أبتعد، شعرت بالدنائة حيال نفسى، وكم أنا خطي فى حقها، رددت عليها لكى أنهى هذا الحديث بكل إحترام:

= أنا آسف حدا أنى كلمتك، معلش أنا كنت متعود أعمل دا، أنى لما اقلق أكلمك، ولقيت نفسى بعمل كدا بطريقة لا ايرادية بس أوعدك مش هتتكرر تانى، واسف ليكى مرة تانية.

خرجت من المحادثة وأنا أحاول أن ازيل هذا عن عاتقى وأن لا أفكر فى الأمر بعد الان، فكل ما بيننا قد انتهى، ولم تعد شروق تفكر فى ابدأ، فلابد وأن لا يأخذ منى الأمر حيذ أكبر من ذلك.

انتهى يومى وبروفاتى وعدت إلى منزلى ليلا، كنت لم انم بالأمس ولذلك ذهبت مبكرا للبيت، ولكن على عكس المتوقع، فما كان يحدث لى بالأمس يحدث لى الي م والنوم يفارقنى ولا تذهب شروق من خيالى، غضبت من نفسى وبدأت فى أن اخبط كل ما هو إمامى، لماذا تطاردنى هكذا لماذا لم تخرج من رأسى، لا أريد أن أفكر فيها بعد الآن، حتى أن ما احدثته من ضجة شعرت به أميرة والتى أتت، ولكنى لم أبوح معها بشئ، مر هذا اليوم على بصعوبة حتى نمت فى الساعة التاسعة صباحاً، كنت أعرف أننى لن استيقظ مبكرا، واننى ساظل نائما وبهذا لن أذهب لبروفة اليوم التى من المقرر أن تكون فى الساعة الخامسة عصراً، ولكن من يعرف طريق النوم وقلبه وعقله يشعران بالقلق والتوتر، استيقظ بعد ساعتين، لاجد ان الساعة دقت الحادية عشر صباحاً، علمت أن كل محاولاتى للنوم ستبوء بالفشل، قمت من السرير وذهبت لكى استحم، وخرجت اعددت قهوتى وجلست فى الشرفة، تذكرت هاتفى فدخلت وأتيت به، من ثم جلست وفتحت موقع التواصل واتساب، لأجد ما جعل قلبى يشعر بالغضة، لأجد ما كسرنى فى تلك اللحظة، لم أصدق ما تراه عيناى حتى أننى ظللت أنظر إلى تلك الصور عدة مرات واتفحصها، هل جقا ما أره صحيحا، هل كل هذا الخفقان والقلق والتوتر، كان لأننى أشعر أننى آتيا على أمر سينهى بى.

كانت تلك الصور تجمع شروق بواحد من اقاربى صديق لى، وكانت صور لخطوبتهما، ويبدو من المباركة أن الخطوبة كانت بالأمس، وهذا يدل أن حينما كانت شروق تجاوبنى على الواتساب، فانها كانت تتهئ فى ذلك الوقت للذهاب إلى الكوافير، او ربما كانت تجاوبنى وهى هناك.

لا أعرف فى هذه اللحظة ماذا أفعل فقط اعيد النظر لتلك الصور مرارا وتكرارا حتى أننى قمت بحفظها على هاتفى، علق حاجباى وظلوا هكذا طول الوقت، ارتديت ملابسى، ونزلت من البيت لا أعرف ماذا سافعل ولا حتى لأين سأذهب، ولكننى فى النهاية وجدت نفسى واقفاً أمام إحدى الصخور على شواطئ البحر، نعم هو تلك المكان الذى تقابلنا به يوم عيد ميلادى، يوم أن شعرت بحبها، جلست بتلك المكان، وكان كل هذا يحدث دون وعيا منى، كم أردت أن ابكى فى تلك الوقت لاننى اعرف أن البكاء يخرج كل الحزن الذى بداخلك، ولكننى فى تلك الوقت كنت صامتاً وثابتا، كحائط بنى لكى يفصل مدينتين عن بعضهما.


جلست قليلا أمام البحر أنظر إليه وكانت عيناى تشتكى إليه مما فعلته شروق، ها هى الأن تخطت علاقتنا وأصبح بحياتها شخصاً آخر، أعرف أن لها كامل الحرية فى ذلك الأمر، ولكننى أقسم أننى لم ارد يوماً أن أتركها، ومن تسببت فى ذلك كانت أختها ليس أنا، وجدت نفسى فى تلك اللحظة أخرج هاتفى وأقوم بالأتصال بنور أختها، وحينما أجابت على:
_ الوو
= إيه يانور، يارب تكونى مرتاحة دلوقتى وسعيدة!

كنت أتحدث إليها بكل برود أعصاب أعرف أنها فعلت ما تريد ولكنى أردت أن أقوم بتلك المكالمة لكى اعلمها بحقيقة نفسها، ردت على فى محاولة منها أن تظهر أنها لا تعرف شيئاً:

= بتتكلم على إيه يا عمر مش فاهمة!

ضحكت قبل أن أرد عليها، وبعدها جاوبت:

_ بجد مش فاهمة، طيب مبروك على خطوبة شروق.
= الله يبارك فيك، بس أنت كلامك غيرب ومش مفهوم!
_ ولا غريب ولا حاجة دا اللى كنتى عيزاه ودا اللى كنتى بتتمنيه أننا نبعد عن بعض، واهو حصل أهو، وكمان اتخطبت لحد غيرى، يعنى مفيش محاولات تانى.
= أنت ليه شايفنى وحشة كدا يا عمر.
_ لا خالص لا سمح الله أنا مش شايفك وحشة، أنا مش شايفك أصلا، لأنى مش بشوف غير الأشخاص الاسوياء.
= للدرجادى أنت شايف أنى أنا السبب فى دا.
_ ملهوش لازمة الكلام دا اللى حصل حصل، لنا بس حبيت أقولك مبروك لأنى على ما أظن أنك سعيدة اكتر منها دلوقتى.
= يابنى والله أنا مفيش حاجة بينى وبينك ولا فى حاجة من ناحيتك، وليه هبقى عايزالك الوحش، ولو كان على اللى بينك وبين شروق فدا نصيب وربنا يعوضك بالاحسن، وتشوف حياتك.
_ مفيش أحسن من شروق، وحياتى أنا عارفها كويس مش محتاج حد يقولى عليها.
= عمتا يا عمر براحتك، أتمنى تبقى بخير.
_ مش مهم، المهم أنى بلغت رسالتى، وبلغيها مباركتى، مع السلامة.

من ثم أغلقت الخط معها، ولكن بالغرم من شعورى بأننى ولأول مرة أقول لأحد أنك شخصاً سي وأنك لا تصلح أن تكون إنسانا، وأننى فعلت ذلك لكى اهدأ قليلا، واكننى بمجرد ما اغلقت تلك المكالمة حتى رجعت إلى تلك الحالة التى كنت عليها، حتى أننى تحركت من مكانى وذهبت اجول بالشوارع دون وجهة حتى وصلت إلى ميعاد البروفة الخاصة بى، وتحركت إليها، وبعدما وصلت ودخلت إلى المكان كنت أتعامل أنه لا يوجد شيئاً يستحق كل هذا الحزن، فقط اكتفيت بالصمت، وأن أتعامل كأنه أمرا لم يكن، ولكن هل يقدر شخصا على إخفاء حزنه من وجهه ولسانه وقلبه، كل ذلك بدأ فى الظهور على وجهى، حتى أن الحميع كان يلاحظ ذلك، وحينما أقول إنه لا يوجد شئ، لم يصدقنى أحد، ولكننى اصررت على إخفاء ذلك الأمر.

كتن الجميع يعرف علاقتى بشروق، ويعرف مدى حبى لها، وأيضا هى، فكيف لى أن أقول لهم بأن الفتاة التى قررت أن أتحدى كل شئ بها الظروف والأماكن والحزن والأشخاص ، تركتنى وتخطت الأمر سريعا، وليس هذا فقط، فقد اختارت رجلا آخر يقاسمها حياتها، منت أشعر بالكسرة من كل مكان ولكن هناك هدوءا ظاهرا كان يرعبنى كثيرا، كنت لا أقوى على القول بحرف، وكنت هادئا جدا، ولكن أخشى أن تكون نهاية هذا الهدوء عاصفة تنفجر أمام الحميع.

ظل هذا الهدوء يخيم علي لمدة قاربت من الخمس أيام، خمسة أيام امارس حساتى بشكلا طبيعى ولا افكر فى شئ ولا أتحدث فى شئ، وكان الأمر مر مرور الكرام على قلبى، كنت اتعجب فى بعض الأحيان من ذلك الأمر ولكننى فى النهاية ظللت هكذا، أجلس مع اصدقائى، أذهب إلى البروفات، أضحك واناغش الجميع، وكأن شيئاً لم يكن، وكأننى لم أرى تلك الصور ابدأ.

حتى أن جاء يوماً وكنت أتمشى على طريق البحر، وقابلت إحدى أصدقائها، كانت فتاة تسكن بجوارى ولكنها تزوجت قبل أن أترك شروق بفترة قليلة، وكنت أعرفها وأعرف زوجها، وقفت لكى احييهم حينما نده على زوجها الذى يدعى علي:

_ عمر، عمر

ألتفت إليه وتحركت باتجاههم، مددت يدى للسلام وأنا أقول له:

= على عامل ايه، ازيك هدى.

رد علي علي قائلا:

_ أحنا بخير الحمدلله، لقيتك ماشى سارح وببصلك مخدتش بالك قولت انادى عليك.
= معلش بقى دماغى مشغولة شوية الفترة دى.
_ ليه بس كدا ياعم، أحنا شباب ياباشا ومش عايزين نضيع شبابنا.

فى تلك الوقت ردت عليه هدى وهى تنظر لى:

= معلش بقى معو اللى بيخطب جديد بيكون لسة فى مرحلة التفكير فى الشقة والعفش والقصص دى.

لم أفهم مقصدها فرد علي علي قائلا:

_ اه صح مبروك على الخطوبة هدى قالتلى أنكم اتخطبتم، بس هى زعلانة عشان شروق معزمتهاش.

فى تلك الوقت وجدت عيناى ستهرب منها الدمع، حاولت قد الإمكان أن امنعها ولكنها سالت رغما عنى، فوجدت على ينظر إلى فى عدم فهم ويقول.

_ هو فى حاجة ولا ايه، أوعى تكونو اتخانقتوا، انتوا لسة مخطوبين.

رددت عليه بعدما جففت دموعى، ارتسمت على وجهى ابتسامة صفراء:

= لا ياصديقى، انا وشروق سبنا بعض من شهرين، اللى اتخطبتله واحد تانى.

فى تلك الوقت نظر علي وهدى إلى بعضهما وكان يملؤهم الإحراج والخجل من الوضع الذى وضعونى فيه ووضعوا أنفسهم، فرد علي قائلا:

_ أنا آسف جدا ياعمر، صدقنى حتى مشفتش الصور ولا أنا ولا حتى هدى، أحنا بس عرفنا المعلومة وعشان كدا كنا فاكرين أن أنت.
= ولا يهمك يا صديقى، مبسوط أنى شفتكم، عن أذنك.

تحركت من أمامهم، ظل علي وهدى واقفين ينظرون إلى وأنا أتحرك أمامهم.

بعدما تحركت كان هناك سؤالا يطارد ذهنى، هل هناك أسوء من أن يبارك لك أحدهم على خطبتك بمن تحب؟ لا أظن أن يبارك لك أحدهم على جلوس شخصا أخر بجوار من تحب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي