الفصل الثانى والعشرون

وصلت إلى البيت وأنا فى حالة من السكون، كنت طوال الطريق أسمع تلك السؤال يتكرر ويتكرر فى رأسى، وما أن وصلت البيت ودلفت إلى غرفتى حتى خرج كل هذا الحزن منى، بدأت فى البكاء الشديد، كانت صرختى تسمع المنطقة بأكملها، ألقيت بكل شئ أرضا بدأت فى تمسير كل ما بالغرفة، لم أترك شيئاً يمكنه أن يخرج الغضب من داخلى إلا وقمت بالقائه ارضا وتكسيره، حتى تلك الجيتار الذى كان يساعدنى فى بعض الأحيان على الهدوء والراحة، لم يعد الآن كذلك لم يكن هناك شيئا بأمكانه تهدئتى، حتى أميرة أختى الذى أستيقظت فزعا من تلك الأصوات التى تسمعها حاولت أن تحدثنى من خلف الباب، فأنا قد اغلقت على باب غرفتى بعد دخولى ولكن كل هذا دون جدوى، لم أحس بأحد ولا أريد أن يشعر بى أحد ولا يرانى، كانت تنادى باسمى وتترجانى أن أهدئ أو على الأقل أن أفتح لها الباب، ولكن هيهات وإذا ظلت هكذا فلن أفتح لأحد، أنهار جسدى منى وأصبحت قدماى لا تقوى على حملى، ارتميت على سريرى، وزاد البكاء والنحيب، كانت أختى مازالت تتحدث من الخارج، أردت أن اسكتها ولأول مرة بحياتى لا أريد أن أرى أحدا أو أتحدث مع أحد فقلت لها صارخاً:

_ مش عايز حد يكلمنى سيبونى لوحدى.

احست اختى بأننى الأن بداخلى غضب وأنه سيخرج لا محال، وبعدما جاوبتها اطمئنت قليلا أننى لن أقوم بأيذاء نفسى فردت علي:

= هسيبك لوحدك ياعمر موافقة، بس قبل ما اسيبك، ممكن تفكر شوية أنا ليت مين غيرك يكون جنبى وأكون جنبه؟ مين يطمنى واطمنه؟ مين يخفف عليا اللى أنا فيه واخفف عليه؟.

كانت كلمات أميرة تزيد حزنى أكثر اعرف أنها تريد مساعدتى وأن أخرج من تلك الحالة التى أنا عليها ولكن أن حاولت مهما حاولت ساظل هكذا حتى ينطفئ تلك البركان الذى بداخلى، قلت لها ولكن بصوتا أهدى من المرة الأولى:

_ أميرة أنا مش حمل كلام، أبوس إيدك سيبينى وأنا هبقى كويس.
= حاضر يا عمر هسيبك، وأنا قاعدة مستنياك برا.

سكتت أميرة وشعرت بقدمها تتحرك بعيداً، انهرت أكثر وأكثر، كان كل هذا آثار ما اخفيته فى تلك السنين التى مرت، كانت التراكمات تتكون بداخلى وأنا لا أعلم ذلك، وأقنع نفسى أننى كنت اتخطى الأشياء ولكننى لم اتخطى شيئاً.

وجدت نفسى ممسكا بهاتفى وبدأت فى تفحص صورى أنا وشروق وأيضا تفحص تلك الصور التى كانت تخص خطبتها، كانت من بينهم صورة تنظر فيها شروق للأرض وتبدو عينيها حزينتان لابد وأن هذه الصورة ارسلت لى بالأخص لكى أرى تلك العينين، الذى شعرت حينما رأيتهما هذه المرة بما يحملانه من كلمات لي.
سريعا ما وجدت نفسى أفتح الماحدثة الخاصة بها، وبدأت فى كتابة الرسائل لها:

_ ليه ياشروق، ليه تسيبينى وتبعدى، طب حتى لو مش قادرة تكملى حياتك معايا ليه تكسرينى مرتين ببعدك وبأن دبلة راجل غيرى هى اللى تكون فى إيدك، أنا مبقتش قادر أفهم هو أنتى بتحبينى فعلا ولا كان بيتهيألى، عارفة لما شوفت صور خطوبتك، لقيت فيهم الصورة دى، فضلت ابصلها كتير، انتى كنتى بتفكرى فيا صح، كنتى زعلانة أن مش أنا اللى قاعد جنبك وبلبسك الدبلة، وأنا كمان زعلان أنا كمان بتمنى حياتى تنتهى بدل العذاب اللى أنا فيه دا، ليع طالما مش هنكون لبعض وقعتى فى طريقى وحبيتك بالشكل دا.

كانت هذه اللحظات التى كتبت بها الرسالة هى أكثر لجظات ضعفى على الإطلاق، لم أمر بها مسبقاً ولن تأتى مرة أخرى، لا أعرف لماذا ظهرت بكل هذا الضعف أمامها، لماذا كنت أشبه بالطفل فى تلك الوقت، ولكنى حتى الأن لا أجد جوابا على ذلك، كتبت تلك الرسالة وتركت هاتفى بجوارى، اغمضت عينى بالرغم من تورمها من كثرة البكاء وذهبت فى النوم، لا أعرف هل هذا كان نوما، أم أنه اغماء نتح عن تعبى وتعب عقلى وقلبى وجسدى.

أستيقظت فى الصباح، فتحت عينى، لأجد الغرفة من حولى رأسا على عقب، لايوجد شيئاً بمكانه، اشتغرق عقلى قليلا حتى تدارك ما حدث بالأمس وما فعلته، وفى النهاية تزكرت رسالتى لشروق، سريعا ما بحثت عن هاتفى واخرجته، ومن ثمت فتحت الواتساب لكى اعرف هل رأت الكلام أم لا، وبالفعل وجدتها رأت الكلام، ولكنى أيضا وجدت رسالة أخرى ترد بيها جلعتنى أتوقف عن كل شئ:

_ أنا بحب خطيبى، ومفيش فحياتى غيره فاهم

تلك الرسالة التى كتبتها رأيتها ولم أرد عليها، اكتفيت بأننى قمت من مكانى وذهبت لكى استحم، نظرت عل. أختى كانت مازالت نائمة ولم تستيقظ، استحميت ويعدها ذهبت إلى المطبخ واعددت الفطور وقمت بايقاظ أختى لكى نفطر سويا، لم تسألنى عن شئ وأنا أيضا لم أتحدث فقط اكتفت بسؤالى:

_ أنت كويس؟
= أنا تمام يا أميرة مفيش حاجة.

اتممت فطارى معها وبعدها ذهبت لغرفتى فى محاولة منى لكى ارتب ما تم يمكن أن أستخدمه مرة أخرى، وجمعت ما تلف فى صندوق من ثم اخذته والقيت به فى صندوق القمامة، بعدها ارتديت ملابسى وترحكت من البيت ونزلت على المقهى أريد أن استنشق الهواء قليلا، أريد أن اعاود العيش بدونها قد انتهى الآن كل شئ، وما أن جلست على القهوة واطبت قهوتى الخاصة حتى وجدت هاتفى يرن، نظرت إلى المتصل كان رقما غريبا، لم أرد عليه وتركت الخاتف بجوارى، حتى وجدت رسالة على هاتفى من هذا الرقم تقول:

_ عمر رد عليا ضرورى أنا شروق وأنت عملتى مشكلة كبيرة بسبب رسايلك دى.
نظرت إلى هاتفى كانت بالفعل شروق تتصل بى من رقمها ورقم أمها وهناك بعض الأرقام الأخرى تقوم بالأتصال بى، لا أعلم ما هى المشكلة التى حدثت ولكن لابد وأنها بخصوص تلك الرسالة التى ارسلتها لها والأن يجب على معالجة الامر، عاودت الأتصال بتلك الرقم، وأجابت شروق على:

_ الو، أنت فى حد كلمك.
= حد مين؟
_ حد تبعى يا عمر يعنى.
= لأ
_ طب الحمدلله، الرسايل اللى بعتهالى امبارح خطيبى شافها كلها وعمل مشكلة عليها، ولأنه مكنش يعرف عنك حاجة وصمم ياخد منى التليفون بس أنا الحمدلله أن الواتساب كان ممسوح من عندى ومكنش فى حاجة قديمة، بس هو أخد التليفون عشان يكلمك، بالله عليك حاول تعدى الدنيا، ياعمر عشان خاطرى.
= تمام، والمطلوب.
_ مطلوب ايه وأنت ليه بتكلمنى كدا؟
= بصى ياشروق كفاية اللى بيحصلى لحد كدا، انا أول مرة اشوف نفسى بالضعف دا، وعشان كدا مستحقر نفسى، ونخاية المواضيع دى هعملكم اللى أنتوا عايزينه، وبعدها مش هتشوفو وشى تانى.
_ ياعمر أنا مش بهاجمك، ولا بقولك أنك غلط فى اللى أنت عملته، كل الموضوع انك لما بعتلى كدا كان هو عندنا فالبيت وأنا كنت فالمطبخ وسايبة الفون مفتوح فشاف كل حاجة، وعشان اهلى والكل شايف أنى لسة بكلمك فقولت اتفق معاك.
= طيب لما يكلمنى عيزانى أعمل ايه؟
_ تجاوب تعتذرله بش وتقوله أنك مكنتش تقصد، وأن الموضوع مش هيتكرر.
= تمام ماشى.
_ معلش يا عمر أنا آسفة على البهدلة دى.
= بهدلة ايه؟
_ أنى هخليك تكلمه يعنى.
= ههههههه، لا ولا بهدلة ولا حاجة.
_ بتضحك ليه؟
= ملهوش لازمة ياشروق، أنا هستنى يكلمنى وأشوف هيقول ايه.
_ ماشى ياعمر، خلى بالك من نفسك.
= بإذن الله، مع السلامة.


أغلقت معها المكالمة وجلست قليلا بالمقهى، ومن بعدها احركت إلى البيت كنت لا أطيق شيئاً، ولكن فى النهاية قررت تبديل ملابسى والذهاب للبروفة، وفى حوالى الساعة الخامسة عصراً تحركت للبروفة، كنت قد تحدثت مع الاخ الأكبر لشروق واعتذرت له عما حدث وفهم وجهة نظرى فى ذلك الأمر ولم يعاتبنى على ما حدث منى فهو يرى أننى شاباً مثله، كما اخبرنى أنه أيضا فعل مثل ذلك الأمر من قبل، فمن الصعب على الرجل أن يقتنع بأن من كانت تحبه ستصبح بين يدى غيره، ولكن وفى النهاية كنت أنا المخطئ فكان يتوحب على الاعتذار له وهذا ما قمت به، وما أن وصلت وكدت أنزل من المشروع حتى وجدت نور أخت شروق تقوم بالأتصال بى، لا اعرف لماذا كل هذه الثرثرة فى الأمر، ما حدث قد انتهى، تأفأفت قبل أن أرد عليها، من ثم اجبت:

_ عايزة إيه يا نور؟

ردت علي ساخرة وكأنها تريد الانتقام منى، بعدما جعلتها تشعر أنها المرأة الأكثر سوءاً على الأرض:

= أنا مش عايزة، أنت اللى هتعوز حد يطلعك من المصيبة اللى حطيت نفسك فيها.
_ بقولك إيه متقعديش تكبريها كدا وأهدى شوية ها، دا موضوع ميخصكيش.
= صح ميخصنيش، استلقى اللى هيحصلك بقى يا حلو.

كانت تكلمنى بصيغة التهديد فغضبت من ذلك فأنا لم يهددنى أحد من قبل ولا يجرؤ على فعل ذلك أحدهم معى، رددت عليها لكى اجعلها تكف عن كل ذلك:

_ بقولك ايه، الشويتين بتوعك دول تعمليهم على حد غيرى أنا لولا احترامى لأخوكى مكنتش سكت على كلامك دا وكنت قولتلم أعلى ما عندكم اعملوه، أنا مبخافش من حد وهاتو أخركم لو عايزين.

شعرت أنها سكتت قليلا بعد كلماتى تلك، واتبعت فى النهاية قائلة:

= يعنى أنت كلمت اخويا؟
_ برضو ميخصكيش ويلا سلام مش فاضى لرغي بنات انا.

من ثم أغلقت فى وجهها المكالمة، فلم يكن لدى القدرة على التواصل مع هؤلاء المستفزين وأنا أعلم تماماً أن تلك المكالمة ليس الهدف منها أمر أختها أو حل المشكلة التى حدث لها ولكن هذه المكالمة كان الهدف منها مكايدتى، وهذا ما علمته بعد ذلك.

فبعدما انتهى يومى، وكنت فى طريقى للعودة إلى المنزل، وجدت رقما يتصل بى أجبت عليه، كان الأمر مضحكا جدآ، فمن يتحدث معى يظن أنه ضابط شرطة ويعمل فى التحقيقات كان يقول:

_ الو.
= أيوا مين معايا؟
_ مش مهم مين معاك، مش انت عمر عادل؟
= آه انت مين؟
_ مش مهم أنا مين ياعمر، قولى بقى أنت ساكن فين؟

فى تلك الوقت علمت أنه هو ولكن لا أحب من يتعامل بأسلوب الثعابين تلك فثورت عليه قائلا:

= لا مهم ولو مش هتقول أنت مين هقفل فوشك عادى جدآ.
_ شكلك قلبك جامد!
= معلش.
_ أنت تعرف واحدة إسمها شروق حجازى؟
= آه أعرفها، مالك بيها؟
_ أصبر بس هتفهم كل حاجة، هو مش المفروض أنك عارف أنها مخطوبة!
= آه عارف.
_ طب ينفع تكلم واحدة مخطوبة؟
= وأنت مالك عشان تسألنى سؤال زى دا؟
_ أنا قريبها يا عمر، وهما وكلونى اكلمك عشان المشكلة اللى اتسببت فيها

ضحكت على كلماته قبل أن اجاوبه، ثم قلت:

= هو أنت مكسوف تقولى أنك خطيبها.
_ طب منت عارف كل حاجة أهو.
= بالظبط كدا، فمتلفش وتدور بقى وقول عايز ايه.
_ إيه اللى يخليك تكلم واحدة مخطوبة مش فاهم.
= والله أنا عارف أن اللى عملته غلك وقولت لاخوها أنى غلطت، واعتزرت فعلى ما أظن ملهاش لازمة المكالمة دى.
_ مهو أخوها بقى اللى عايزنى أكلمك، وقالى أنك عايز تتربى وحد يحكمك، وعشةن كدا خلانى اكلمك.
= امممم وأنت بقى هتربينى .
_ لأ هو مش أنا بالظبط، انا هجيلك ومعايا كام حد كدا.
= تشرف، طالما جايلى بيتى يبقى تشرف.
_ لا مهو أنا مش جاى اتضايف، أنا هاجى اخدك معايا وامشى.
= طب بص ياحبيبى، أنا جو التهديد دا مبياكلش معايا، أنا قولتلك من الأول أنا غلطت واعتزرت وكمان اعتزرتلك فجو التهديد دا تروح تعمله لحد تانى بيخاف تمام، لكن لو فكرت معايا أنا أنت اللى هتترازى.
_ خلاص ياعم عمر يبقى نتقابل يوم الخميس فى قسم باب شرق.

ضحكت مرة أخرى على تلك التهديد، فهو من المؤكد أنه أختار ذلك المكان نظرا لوجود واسطة له بالداخل، فقلت له.

= طب بص أنا مش هغلط فيك ولا هغلط فى حد ماشى، بس قبل أى حاجة روح بس اسأل الواسطة اللى فرحان بيها فى القسم عن عمر عادل وبعد كدا تعالى كلمنى، سلام يا حبيبى واللى عندك اعمله برضو.

فى تلك اللحظة أغلقت فى وجهه المكالمة فكفى ثرثرة عند ذلك الحد، ثد سئمت من المكالمات المللئة بالثرثرة الفارغة.

جلست أمام المرآة المتواحدة بغرفتى، كنت اتحصر على نفسى، ماذا فعلت بنفسى لماذا جعلت من هؤلاء السفهاء قيمة؟ لماذا وضعت نفسى فى تلك الوضع المحرج؟ فأيا كان ما سبحدث فهو رجلا فى النهاية ولابد وأن يكون لدية غريزة الغيرة تحاه خطيبته أو فيما يوف تكون زوجته، فلابد من أننى مخطئ ولكنى أيضا تمت اهامتى وتحملت ذلك، جلست أمام المرآة والوم نفسى على تلك الفعل واكرر اللوم والعتاب، وفى نفس الوقت هناك صوتاً بداخلى يحاول التبرير أيضا.

قررت أن أرسل رسالة إلى شروق ابلغها أن الأمر قد انتهى، وهذه الرسالة ارسلتها على تلك الرقم الذى حدثتنى منه صباحاً، ومن بعدها قمت بإرسال رسالة أخرى لأخيها احذره فيها من أن يلحق بهذا الشخص ضررا إذا حاول المساس بي، وبعدها ذهبت لكى أرتاح فقد تسببت لى كل هذه المكالمات فى صداعا جعل رأسى تتخبطت كثيراً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي