-6-

أخذت اسمع عن جولات وأسفار ابن عمي الكثيرة. لم اشغل نفسي به فكانت حياتي بها ما يكفيها فأخذت أحاول أن أخرج أختي من حالتها التي أصبحت تكره كل شيء ولا تطيق شيء. فأبناءها الصغار هم كل حياتها فكيف لحياتها بدونهم لم تكتمل؟ أخذت تنهك نفسها في كل ما حولها وتتولي مسؤولية أخي الصغير لم نتدخل في شؤونه حتي لا نغضبها ونثير حنقها علينا.

فكنا نظن أنها ترى فيه أبناءها الصغار الذي أجبرت على تركهم كنت أشعر بالذنب الكبير عليها لأنني السبب في كل هذا. فهي وقفت في وجه زوجها لأجلي. لا أعرف لماذا خاطرت بحياتها لأجلي كانت تتمنى أن ترى أبناءها الصغار لكنها لا تعرف كيف تحقق كل ذلك؟
فقدت ذهبت لزوجها ترجوه بأن يترك لها أبناءها، لكنه رفض كل الحلول يظن أنها جرحت كبريائه أمام الجميع أما هو وما فعله لم نتأثر به فهو بشر وذا قلب يشع وينبض. أما نحن قوم النساء فقلوبنا حجارة أو اشده قسوة لا يحق لنا أن نثور أو نغضب ولا حتي أن نتحدث ونتألم أي قوانين وعقول هذه التي تحكم عقول الرجال ..

كانت تقص علي ذكريات من حياتها فكانت دائما تتشاجر مع زوجها علي بعض تصرفاته وحرصه الزائد في كل شيء فهما الاثنين معاً بمثابة انفجار دائما كان يصرخ فيها ،لكنها كانت تتجاهل كل ذلك وتستمع لصوته وهو يصرخ. فكل شيء بالغياب عنه يصبح جميلاً وأنها كانت تحتضر ,لكننا لم نشعر بها فإنها كانت تهاتف صغارها في الهاتف وتزداد كل يوم سوء عما قبله لكننا كنا منشغلين في حالة والدي عن كل شيء مضي العام الأول لنا
بالقاهرة ونحن نحافظ علي ما تبقي منا وان نبقي معاً ..

أمضيت يومي بالعمل والجامعة وكنت أحاول أن استريح من كل هذا الإرهاق. فلم أتناول شيء سوي كوب من الماء وجلست بجوار أختي وأخي الصغير فوجدتها تغمض عينيها. ظننت أنها نائمة فلم أشاء أن أوقظها جلست وقد طبعت قبلة علي وجه أخي الصغير ثم شعرت بالضيق. فقمت الفتح النافذة لتغير الهواء وتجدده داخل المكان ،لكني لاحظت ارتخاء جسد أختي وبخاصة يدها التي أسقطت متدلية بجوارها. انتبهت لها وأخذت أحاول ان أوقظها لم تنهض. فحاولت أن استوعب الموقف وامتصه قبل ان أخبر أمي وأنا لا اصدق ما حدث فهي مازالت صغيره السن ولكن كيف ومتي وماذا افعل؟

انسابت الدموع علي وجهي بشدة وكان الوقت وقت أذان العشاء. خرجت أمي وجدتني علي حالتي هذه فاستوعبت ما رأت ولم تصدق أنها توفيت. فما لبثت أن تناولت معها الطعام منذ قليل وكانت تلاعب أخيها فكيف حدث ذلك لا أعلم؟ أخبرت خالي وجاء بالطبيب " أحمد" وأجرى لها العديد من الفحوصات وتأكد من وفاتها ,لكنه لم يخبرنا فذهبنا بها إلي مشفي قريب حكومي من منزلنا. فبصعوبة شديدة وجدنا سرير لها في حجرة بها خمسة عشر سرير غيرها وبابها لا يغلق. أظنهم ليسوا بمرضي بقدر ما شعرت أنهم موتي لشدة الإهمال الذي هم فيه أخذت سرير خاص بها وعلقت لها الأجهزة والمحاليل.

واستمر هذا الوضع ليومين متتاليين ونحن بجوارها في المشفى وأنه لم نطمئن عليها بهذا المشفى. فانتقلنا لمشفى خاص وأخذنا لها حجرة. منذ أن ذهبنا ونحن جميعاً نحاول أن نكذب أنفسنا لعلهم يصدقون وتكون ظنونا خاطئة. ولم يؤثر شيء في سوي أختي تركت جامعتي طوال فترة مرضها وأنا وأمي وأبي وأخي الذي يحمل وهو لا يعي شيء وخالي وزوجته وأبناءه الجميع حولنا ,لكن الأمور جرت سريعة كنت أتمني أن تظل أختي تحت هذه الأجهزة وان ظلت مئة عام بهذه الحالة خيراً من أن اسمع خبر وفاتها أنهرت للمرة الثانية.

فكنت أتمني أن تعيش أختي وان كانت عاجزة ,لكن أريدها بجواري. لا يهتمون الأطباء بشيء سوي جمع الأموال. أخذنا أختي وهي جثة في منتصف اليوم الثالث. أخبرنا زوجها الذي جاء لنا بالمشفى كان لم يهتم بها. ذهبنا جميعاً للقرية لكي نضعها في مثواها الأخير. أظن أن الموت يأخذ من كان يكبر كثيراً في العمر ,لكن أختي كانت في ربوع شبابها لم تتجاوز حتي عقدها الثالث. ذهبنا لبيت أختي بالقرية وأوردناها موطنها الأخير ثم ذهبنا إلي منزل زوج أختي لتأخذ منه أبناؤها.

لا أرى أمامي لكثرة البكاء علي أختي فجاءت جلستي أمام الحجرة التي بها زوج أختي فكان الباب ليس مغلقا. أري زوج أختي وهو يضع راسه علي الحائط ويبكي بشدة وحين هم بالخروج جفف دموعه وجاء وانتبه أنني رأيته فاشحت بوجهي بعيدا بسرعة ،لكنه انتبه لي . وجاء جلس وأخبرته أمي أنها تريد أن تأخذ أبناء أختي ولكنه جلس وهو في قمة كبريائه ورفض ما قالته أمي فخرجنا عائدين إلى القاهرة ، لكن اعترض الطريق علينا ابن عمي وأوقف السيارة و حملني رغماً عني من يدي إلي خارج السيارة وانا أمسكت بيده لأحملها بعيدا عني ولكني لم استطيع وهبطت أمي لخارج السيارة.

هي ترفع راسها تحدق فيه بنظرات غاضبة وهي تقول: دعنا وشأننا فالوضع لا يحتمل ما تفعل.

فاقتربت منه أمي لتخلصني من يده ,لكنه دفعها بشدة حتي وقعت وارتطمت رأسها بالسيارة وجرحت جبهتها ,لكنها اعتدلت لتنهض له من جديد. استنكرت ما فعله لأمي فلكمته بيدي الصغيرة في صدره وأزحت بقوة يده عني لا أعرف من أين أتتني هذه القوة وجثوت علي أمي امسح عن وجهها دماءه بطرف حجابي.لم يمهلني فرصة الاطمئنان على أمي وانكب علي يجذبني من رأسي بحجابي حتي تألمت لما فعله بشدة وكان يظنني استسلمت له وأنه لم يتخيل ما قد يمكنني أن أفعله فأدرت له وجهي ولطمته علي وجهه مرة أخري فازداد من قوة غضبه ورفض أن يتركني وجذبني بشدة اكبر.

بعد أن اجتذبني إليه بشدة كان كالثور في ثورته لم استطيع ان ادفعه عني. فقد تملكني لقوته وأخذت أحاول تخليص نفسي ولكني لم استطيع فلطمني علي وجهي بشدة فأسقطني علي الأرض بجوار أمي وسقطت علي ظهري وراسي. فتألمت بشدة ونظرت علي ما سقطت وجدته حجراً صغيراً ورغم صغره فهو ثقيلاً وكان هو علي مسافه مني يتقدم تجاهي وكنا بمنتصف الطريق وأنا وأمي على جانب من الطريق وهو علي الجانب الآخر منه وهو يتقدم.

أحاول أن احرك ذاك الحجر الصغير الذي حتي هو لم يستسلم لضعفي وهزل قوتي. لم استطيع تحريكه من مكانه ,لكني لم استسلم.أخذت ادفعه بقدمي ويدي معاً. لم استطيع وكان ابن عمي يقترب اكثر فهو قطع نصف المسافة إلينا. وانا ارتعد منه بشدة فتارة انظر إليه وتارة انظر إلي الحجر الذي استعصي علي تحريكه ,لكن ما حدث افزعني اكثر مما كنت أتوقع .جاءت سيارة مسرعة بسرعة هوجاء أخذته في طريقها ابن عمي وأسرعت به إلينا فجاء بجسده الثقيل علينا وحرك بجسده الحجرة ودفعني بعيد والدماء تملأ وجهه .

لم أصدق ما حدث فكان نفسه هذا الشاب منذ بضع لحظات يختال علينا بقوته وجبروته. يضربني بكل ما أوتي من قوة وجبروت دون أدنى رحمة لم يرحم ضعفي ومقاومتي أمامه ووجهي الذي لطخ دماء منه. نظرت حولي أحاول ان استوعب كل هذه الأحداث المتلاحقة أشعر وكأنني أشاهد مسلسلا تلفزيونياً في حلقاته الأخيرة . في لحظة انقلب كل شيء عكس ما كنت أتوقع ,لكنها عدالة السماء. أخذت أنظر أحد حولي غير أمي وحاولت أن أوقظها وجففت دماءها ونهضت للسيارة وفتحتها وأخذت منها زجاجة مياه معدنية ولم استطيع أن افتحها لارتجاف يدي فكسرتها وسكبت الماء بسرعة علي وجهها فشعرت بي وتحركت حمدت الله على سلامتها.

نهضت لتصعق بجسد ابن عمي والدماء تسيل عليه وعلي فقامت وأخذتني خلفها من يدي لنصعد السيارة وهي تقول: ليس لنا شأن به فهذا نتيجة أفعاله.

نظرت لها وأنا امسك يدها واستوقفها وأقول : أمي نعم اعلم أنه قتل بداخلي كل شيء تجاهه ولم أعد أكن له بداخلي أدني ذرات الاحترام ,لكني لا لن اتركه يموت تلك الموتة فحربي معه لم تنهي.

فلابد أن أثار لنفسي مما فعله بي. فكيف يموت بهذه السهولة والراحة التامة. وانا مشتعلة هكذا للانتقام منه كيف يفارق الحياة ؟وأنا وحقي والدي وأذرفته من دموع وجلست والدي قعيد هكذا وحق أختي وحريق منزلنا وتشردنا وذلنا بالقاهرة وأيام الفقر والحاجة .أتوسل اليكِ يا أمي بكل شيء لا نتركه يموت هكذا وبهذه السهولة.

لم تتأثر أمي بكل حديثي وكل ما ذكر تهابه حدث لنا بسببه .أمسكتني وعاودت السير إلي السيارة سقطت منها متعثرة في ذاك الحجر الصغير وانا استعطافها وأقول لها: أمي أن كان هذا أخي الصغير هل ستتركه يموت هكذا؟

فلمستها تلك العبارة الأخيرة من الداخل و نظرت لي وهي تقترب مني لتساعدني علي الوقوف والدموع تنهمر من عينيها حتي سقطت على وجهي دمعة منها. أحاول إخفاء دمعي عنها والذي يظهر في قسمات وجهي فنهضت وأنا امسك بيدها وانحني عليها لأقبلها شكرا وحباً لها علي موقفها.

نظرت لي وهي تقول : هيا نحاول وضعه بالسيارة لنقله القرب مشفي قريب من هنا .

أخذنا نحاول تحريكه ولكن أين نحن من هذا الكائن؟ فنحن معاً لا نعادل شيء في قوته ورغم أننا نحاول فحتي وهو ساقطاً عند أقدامنا فهو الأقوى في هذه الحالة. رغم أنه في قمة ضعفه بحثنا عن شيء لنضعه داخل السيارة لم نجد سوي غطاء السيارة. فحاولنا أن نقلب جسده عليه ونحمله للسيارة ,لكن أقصي ما فعلناه هو أن نقلب جسده ونضعه على غطاء السيارة وراينا سيارة قادمة من بعيد أشارنا لها.

لم تعبأ بنا وتحركت لطريقها حتي توقفت سيارة وهبط منها رجل واقترب إلينا وكان هو زوج أختي المتوفية. اذهله ما نفعل ,لكنه استنتج ما حدث وساعدنا علي أن نحمله ونضعه بالسيارة .لا لم يساعدنا بل حمله هو بمفرده فقوتنا لا تعادل قوة الرجال في شيء.ذهبنا جميعاً لمشفى المحافظة التابعة لها قريتنا الحبيبة دلفنا للداخل ووقعت كل الأوراق المطلوبة وتم دخوله المشفى ولسوء حالته دخل طوارئ فإنه نزف بشدة. لم نخبر أحد من عائلته ولم نشغل عقلنا بهم حتي من هول ما حدث اهملنا أن نسأل زوج أختي عن سبب قدومه إلينا في هذا الوقت ورغم جفاء حديثه معاً في آخر مرة التقينا به..

ذهبنا جميعاً ننتظر أن نعرف شيء عن هذا الشاب وانا لا اعرف لماذا توسلت لأمي أن أساعده؟ كنت اجلس جسداً معهم ,لكن عقلي وتفكيره في مكان آخر فاغتنمتني الكثير من الأفكار وذهبت بعقلي بعيدا.

أخذت احدث نفسي أحقاً يعقل أن أكون قد أحببته؟ فانتفض جسدي لما فكر به عقلي انتفاضة شديدة لاحظتها أمي فمررت يدها علي وجهي وهي تقول بصوت منخفض ولكني سمعته لاقترابي منها: بسم الله الرحمن الرحيم..

نظرت لها نظرة حانية باكية بالدموع تسجن داخل جفوني. عاودت ذاك التفكير وأنا أقول وقد اعتدلت من جلسة الضعف التي كنت أجلسها واستقمت بظهري علي حافة المقعد خلفي ورفعت رأسي الشيح بها لا لا يمكن أن يعقل أن أحب هذا الوغد. امقت شخصيتي وطيبة قلبي التي دائماً توردني مورد الهلاك فخفت أن اتركه وهو وسط دماءه إلا أسامح نفسي علي قتله. قلبي ذاك الكائن الغريب الذي لا اعرف لماذا لا يتغير؟ لماذا لا يقسو؟ لماذا لا يعرف أن يتجبر؟ لماذا لايحترف فنون القتال والانتقام؟

فما أن رأيت مشهده وهو في لحظة هوي علي صريعاً. تحول موقفي من رغبتي في قتله والانتقام منه إلي توقف تام في جميع أعضاء جسدي وتحولت من الانتقام منه وقتله إلي المحاربة له وتركي صف أمي للوقوف بصفه هو ورغبتي في حياته ،فبعض الأشخاص أخطائهم الوحيدة أنهم يمتلكون عقل وقلب كبير لا يعرفون أن يعاقبوا لا حتي ثورتهم وغضبهم مؤقت كالأطفال لا أعرف اهده هدية من الله أم ابتلاء رحمة أم ضعف .




الفصل الخامس
أخذني التفكير لأبعد من ذلك لما لا اتركه يموت لعلي استريح مما فعله بي ولكن نزعة الأيمان باهل بداخلي وأخلاقي وتلك المبادئ الواهية منعتني من أن اتركه يموت منعتني من أن أقاتل خصمي وهو يحتضر منعتني من أن اتركه يموت حتي وان كنت لست السبب في هذا الموت فكعادتي تنازلت علي حساب نفسي وحاربت لنقله إلي المشفى فلم اعتاد أن أسير علي جثث الآخرين حتي وأن كان ذلك علي حساب نفسي ولكن ما حدث جعلني أرى أشياء كثيره لكني لا أعرف لماذا تساق دائما كل الأشياء والحوادث إلي ؟

لأتذوق المها وازداد ضعفا ووهنا علي ضعفي فأصبح هشة أقل رياح وأبسطها يسقطني فكنت أتأمل ما يحدث حولي وأنا علي يقين تام بأن هناك حكمة تختفي حول كل ما يحدث من أمور حولنا ولكننا بجهلنا نظن أن ما يحدث لنا شر انتبهت لما حدث البن عمي فكان في قمة جبروته والآن في قمة ضعفه لا بل والأشد من ذلك أن من ينقذ حياته هو خصمه اللدود الذي كان قبلها ببضع خطوات أن امتلكت أن أرفع الحجر الضربة به لفعلتها ولكن السيارة سبقتني إليه والآن أن من أصرت علي نقله للمشفى فال أريد أن تنتهي حياته عن هذا الحد وبهذه الطريقة أريد أن أقتله روحا وجسدا وقلبا أن اجرعه الألم كؤوس وكؤوس أخذت ابتهل هلل أن يشفيه فكيف أن لا يستمع إلي الله
فرحمته وسعت كل شيء.

توقفت جحافل جيوش سيدنا سليمان لصوت نملة وأيضاً ذاتها النملة التي تقتل فيل وتحدث بسقوطه دويا هائل مع
انه بضخامته يقتل كل يوم المئات منها وال أحد يشعر فكيف لي أن لا أدعو هللا فصوتي أن تجاهله الجميع يسمعه الله بحكمته وعدله أخذنا ننتظر خروج الطبيب المختص بعالجه والذي تأخر كثير ونحن نتأمل في وجه الله خير ..

أن هول الأمور من حولي أنساني فاجعة موت أختي بتلك الحادثة التي وقعت أمام عيني فإن هذا اليوم المؤلم لم ينتهي عند ما حدث بل جاء هذا الضابط المتعجرف الذي عاملني بقسوة أنا وأمي وأخذ يوجه لنا العديد من الأسئلة بناء على أننا من تسببنا في الحادثة له وليس أننا من أنقذناه وأخذنا ثالثتنا علي القسم واخبر زوج أختي احد أخواته فجاءت ومعه أحدي المحامين المعروفين ،لكنه لم يغير من الأوضاع كثيرا فاصر علي التحفظ علينا حتي يري ما يحدث لنا.

ربما يموت عمي فنكون نحن الفاعلون في نظره ويغلق القضية فإن ابن عمي ارهقني في كل أوضاعه فكنت أسير استند علي الجدار فحالتي سيئة للغاية ووجهي ازداد شحوبا وأتمسك بأمي، لكن زوج أختي ورغم الخلافات التي بيننا تفاوض مع الضابط علي أن يتركنا نخرج وذلك في مقابل أن يتحفظ عليه هو وكاد يفعل ذلك ،لكني رفضت خفت ان يحدث له شيء فيصبح أبناء أختي بال أب وأم.

فكيف أن أتحمل ذنب الأثنين معا؟ رفضت بشدة مما جعله يستريب في امرى ولكني لم أبرر تصرفي هذا ألحد واكتفيت بمجرد الرفض ثم نظر لي هذا الضابط المتكبر يقول : هو أنا شغالة في أملاك والدكِ يوم أجدك في قضية ما ...

حاولت ان امضي هذا اليوم بدون شجار فالوضع لا يحتمل صراعا جديدة ومقاومتي كلها انهارت في كل هذه الحروب التي ليس لي فيها باعا ..سقطت على الأرض من شدة الإرهاق وذهبنا مجدداً للمشفى ذاته وقد كان انتشر الخبر بالقرية ولكن الغريب هو أن الخبر انتشر علي اني أنا من قتلت ابن عمي وصدمته بسيارتنا فكيف وأنا لا أعرف قيادة السيارة ولم أحاول حتي في أن أتعلمها فاقصي ما فعلته هو دفاعي عن نفسي أمامه، لكننا في قوانين الصعيد الأنثى خطأ مهما فعلت من صواب.

أخذت استنشق أنفاسي وأنا علي فراشي بالمشفى ولكن إذا نظرت للصورة من خارجها لا تجدها صورة لمشفى وال مريضة فكانت الحجرة تعج بالكثير من الناس بالقريب والغريب الضابط وعمي وأبناءه والطبيب المعالج والممرضة وزوج أختي وأمي الأعرف هل هي حجرة بمشفى لمريضة ام صندوق مواصلات عامة فجمع الناس
من كل حدب وصوب لا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كانوا يتحدثون لا بل الأصح يتشاجرون وتطور الشجار إلي أن ضرب بعضهم بعض لم تعجبت فقد رأيت نفس هذا المشهد عند حادثة والدي وحين رأيت الجميع يحيطون بالفراش اعتدلت في جلستي في خجل.

نظر لي عمي وهو يقول: دم ابني في رقبتك وان لم يقتلك هو أنا سأقتلك بنفسي بيدي هذه ..

كان يقول هذا وهو يرفع يده في وجهي والجميع ينظر لما يحدث فرد عليه زوج أختي وهو يقول: ماذا تقول وماذا تفعل أنها لم تتعرض له وتقتله وكيف تقتله ثم تأتي به إلي المشفى؟

يتأمل الضابط المشهد في ترقب وينظر لي كأنه علي يقين تام بأنني لا يمكن أن اقتل نملة صغيره فكيف أن اقتل رجل كهذا ولكنه ليس له دخل أمامه فضية وتحتاج لمتهم وفاعل ومجني عليه توافر له جميع حلقات القضية اقترب مني عمي واخفض صوته بجوار أذني وأخذ يقول: سأقتلك لن ادعك تهربين كما تفعلي كل مرة.

لا اعرف أحارب مرضى امت هؤلاء الذين يحملون ميراث من الجهل والعقول العتيدة لماذا هؤلاء يسمعون وال يفكرون يترجمون كل شيء علي أنني أنا من أخطأت أما ابن عمي فهو ذاك المالك البريء الذي لم يفعل شيء وأنا تلك الساحرة الشريرة التي تقتل الأطفال الصغار وتلتهمهم أي عقول هذه لا تدرى إلا النقص وال تعرف الاكتمال فإنهم كالذي ينعق بما لا يفهم نظر إلي زوج أختي نظرة شعرت فيها بالندم علي ما فعله لا ختي بسببي.

تمني لو أن يعود الدهر بنا للخلف لأصلحنا أشياء كثير لكن الفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة فقط فأنا أيضاً تمنيت إلا أفقد أختي فكنت أريد أن اخبرها أشياء كثيرة أتحدث إليها أجادلها اسعدها كثيرة ففي الفترة الأخيرة لها كانت قد اعتزلتنا ونحن أيضا حتي لا ندخل معها في جدل ليس له آخر كنت أريد أن اخبرها الكثير تضمني إليها فتنسيني الكثير فمنذ وفاة أختي قد عاهدت نفسي أرفض شيء ألحد وال أغضب من أحد وارضي كل عائلتي فأنا الأمن وجودهم بجواري مرة أخرى فال أريد أن أفقد أحد منهم وهو غير راضي عني أو بداخلي شيء لم اذكره له فالحياة أقصر من كل هذا الصراع ...

حاولت أن أبتعد عنه بنظراتي ولكني وجدته يتأمل في وجهي بشدة وتفرسني كأنه يرى وجه أختي في وجهي كنت من حين آخر اطمئن علي حالة ابن عمي وما قد وصلت إليه صحته وأدعو هللا أن يرزقه حياة جديدة الجلي ألجل أن انتقم منه ألجل أن أذيقه مما فعل بنا هو وعمي وتأخر الوقت كثيرا ولكن هذا الضابط لم يأمن أن يتركنا بالمشفى فوضع أمام حجرتي حراسة أمنية مشددة وكأنني من قتلته لا فانه يظن أنني قاتلة محترفة اعتدت الظلم دائما كأنه أصبح أسلوب حياة لديهم فالجميع لا يحترم الضعيف ليت الأمر ينتهي عند الاحترام بل حين يعلمون أنه ضعيف يبدأ الجميع في التهامه كأنه وجبة دسمة شهية لهم فهذه هي قوانين الحياة ولكني لن ارضخ لها حتي وإن كنت أشلاء بشرية متجمعة في هيكل واحد فلم اعتاد الهزيمة حتي وإن حاربت مجتمع بأسره فإن كان المجتمع لا يحترم أبناءه فكان من أولي به إلا ينجبهم ...

نهضت من فراشي حتي انظر من شرفة الحجرة علي حلمي فقد سمعت صوت صافرته أنه قطاري فمنذ فترة أخذته للهرب وأول أمس أخذته لأعود به الشيع جثمان أختي العزيزة نظرت له وأنا ابتسم ابتسامة أظنها طبعت علي وجهي لكثرة تصنعي لها فنظر لي الجميع يتعجب لما اهتم كعادتي فاشعر بالراحة النفسية الداخلية فرغم وجودي بالمشفى والمحاليل بيدي إلا أني أشعر بعودتي لنفسي لمنزلي الذي سلب منا وأمالك وأراضي والدي رغم أنها تحت سطوة عمي وأبناءه ولكني استمتع الاستنشاق هواء نقي من هواء قريتي لم أكن أعلم شدة حبي لهذا المكان إلا حين بعدت عنه وعدت إليه من جديد فكنت أشعر أنه ينتظر قدومي ينتظر عودتي فكل شيء فيه كان يناديني الأرض وغروب الشمس وتحليق الطيور وصوت المؤذن الذي اعتدته وكل شيء في يناديه فكنت أود أن احتضن الأرض من أسفلي والجدران ورائحة منزلنا وهواء الصباح كل شيء وفقد أخذني صوت صافرة القطار لبعيد فلم انتبه لصوت أمي التي معي بنفس الحجرة إلا حين وضعت يدها علي كتفي فارتجفت منها واشحت بوجهي النظر لها .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي