الفصل الخامس والعشرون

دائماً ما يكون لدى كل واحدا منا شرفة، تلك الشرفة يطل منها على أحلامه تعتبر تلك الشرقة هى المنفذ الوحيد له، يرى منها كل شئ يريد تحقيقه، كل ما خطط له ويسعى من أجله، فيبدأ العمر فى التسارع، وتبدأ أنت فى إغلاق تلك الشرفة رويداً رويداً، حتى يتبقى منها سرب صغير، فقط يدخل منه طرفاً من النور، ولكنك تظن أن هذا الطرف هين، بالرغم من أنه إن لم يكن موجوداً، لما تمكنت من رؤية أي شئ بداخل غرفتك.

كانت علاقتى بعاليا بدأت فى التطور، وبدأت مع الوقت أتعرف عليها أكثر وتتعرف هى أيضا على افكارى وأرائى، وبدأت احكى لها عن حياتى، وعن كل ما كنت أريد تحقيقه، فقد أصبحت فى تلك الفترة لا أخشى شيئا قد حدث لى بالماضى، وكنت فخورا بنفسى إلى أبعد الحدود، كنت أرى أننى لولا ما حدث معى، لما كنت قادراً الأن على أن أمتلك تلك الكافيه، أو ختى أننى أغنى وأكمل مسيرتى بالحياة.

كنت جالساً فى إحدى الأيام مع عاليا بالمكتب الخاص لتلك الشركة الفنية، نتبادل الحديث فقد أصبحت حينما يكون لدى بروفة عندهم، أذهب مبكراً وأجلس معها نتحدث لبعض الوقت ومتبادل الحديث فى أمورا عدة، كانت عاليا تريد أن تسألنى:

_ عمر هو أنت ليه مفكرتش تنزل أغانى ليك؟
= هو أنا نزلت فعلا أغانى ليا، بس مكانتش بأسمى لوحدى كانت بأسم الفرقة اللى كنت عاملها، هتلاقيهم موجودين على اليوتيوب لو حابة تسمعيهم.
_ قولى طيب ونسمعهم مع بعض.

بدأت فى أن املى عليها أسماء الاغانى، وكانت هى تشغلها من جهاز الكمبيوتر المتواجد بالمكان، وبعد سماع أربعة اغانى عادت لتقول لى:

_ الاغانى حلوة أوى، طب ليه مكملتش.
= أنا يا عاليا حصلى أكبر مشكلة بسبب الفرقة دى، وانتهت بأنى قعدت فى السجن ست شهور فى تحقيقات لغاية ما أخدت براءة، ولما طلعت عرفت بخبر وفاة والدتى، ساعتها شوفت أن صوتى اوحش حاجة ممكن تقابليها فحياتك، صوتى خلانى مش قادر أكون جنب أمى وهى بتموت، صوتى كان هيدمر مستقبلى لو كنت فعلا اتحكم عليا وكملت فالسجن شوية، عشان كدا بعدت، ومن فترة قريبة بس هى اللى رحعت أغنى تانى.
_ أنا آسفة لو فكرتك بزكريات وحشة.
= لا خالص أنا مش بنساها لأن الزكريات دى علمتنى حاجات كتير جدا.
_ طب مفكرتش تغنى مع نفسك؟ يعنى أقصد اديك شايف اليومين دول اليوتيوب بقى مدى للناس كلها مساحة تظهر موهبتها!
= والله فكرت فى كدا كتير، بس بلاقى نفسى فى الأخر مش راضى اخد الخطوة دى، على فكرا أغلب الاغانى اللى سمعتيها دى من تأليفى وتلحينى، سعنى مش ببقى محتاج حتى حد معايا غير الموزع بس.
_ كمان، يعنى عندك موهبة الكتابة والتلحين وكمان صوتك حلو وبتبخل علينا بأنك تعمل أغانى.
= الموضوع مش بخل يا عاليا، قد أنى بقيت شايف أن مش كل الناس هتحب اللون بتاعى، اديكى شايفة تطور المزيكا بقى عامل أزاى والجيتار مبقاش ليه اهمية اليومين دول زى الدرامز مثلا، واللى بقى كل الاغانى بكل انواعها بتعتمد عليه.
_ لا طبعاً فى ناس كتير لسة بتحب لون المزيكا بتاعك وبالدليل مكنتش فضلت الباندات الاندر جراوند دى بتعمل حفلات لحد انهاردة، أنت بس اللى متشائم شوية.
= ممكن.
_ طب إيه رأيك تبدأ تكتب، وتعتبرنى أنا اللى هغنى وتاخد رأيى فى الكلام!
= على قكرا يا عاليا أنا عندى حوالى أربع أغانى كاتبهم وموجودين فى البيت أنا بس اللى مكسل زى ما قولتلك.
_ لا من انهاردة مفيش كسل، أنت هتروح كدا انهاردة تبعتلى كلماتهم، وبعد كدا تقولى أنك لحنتهم وتبدأ فى التسجيل كمان، اتفقنا!
= كل دا هعمله انهاردة؟
_ مليش دعوة أنا هقراهم انهاردة، وبكرا هسمع الألحان.
= ماشى يا ستى هروح ابعتهملك، كدا كدا أنا كنت ملحنهمهفتكر الحانهم واسجلهملك كمان.
_ أيوا كدا وأنا واثقة أن صوتك هياخد كل اللى يستحقه.

انتهيت من يومة وبعدما ذهبت إلى البيت بدأت فى إرسال تلك الأغنيات إلى عاليا، ومن ثم أبدت إعجابها بالكلمات حتى أنها قالت لى:
_ لا دا الكلام عن الموضوع دا مينفعش شات.
= آمال!
_ لما تيجى هبقى افهمك.
= خلاص ماشى كدا كدا أنا موجود بكرا.
_ خلاص هستناك.
ظللت أتحدث مع عاليا طيلة الليل وفى الصباح وبعدما ذهبت أولا إلى الكافيه، وجلست به عدة ساعات قررت أن أتحرك مبكرا على الشركة التى تعمل بها عاليا، وجلست اتحدث معها حول أمر الاغانى وامورا أخرى عديدة، كانت عاليا تحاول أن تدفعنى للإمام وكنت أنا مبسوطا بذلك، فمنذ زمنا طويل لم أجد من يفعل ذلك معى.

بدأت علاقتى بعاليا تطور شيئا فشئ، أصبحنا نتحدث كثيراً أذهب إليها فى الأيام التى يكون لدى بها بروفات مبكراً عن ميعادى، وحين انتهى واعود للمنزل نتحدث عبرا الواتساب، وظللنا هكذا لمدة، كنت ألاحظ أن عاليا معجبة بى، ولكنى فى تلك الوقت لم أكن جاهزاً على أن اخوض تجربة جديدة، وبالمعنى الأفضل كنت مازلت متعلقاً بشروق، حتى أننى حينما أفكر بعاليا أجد سؤالا يطرح برأسى يقول، (ماذا عن شروق؟) تلك السؤال الذى دائما أجده إمامى ولا أد أى إجابة عليه.

كانت حياتى تسير بشكلا طبيعي، لا يوجد جديد قد أصبحت عاليا صديقتى المقربة واتحدث معها بالرغم من معرفتى بأنها تحاول أن تظهر لى إعجابها ولكنى كنت فى كل مرة أتحدث فيها معها أحاول أن أظهر لها عيوب شخصيتى ومساؤها، ولكن كان هذا الأمر يجعل إصرارها فى إزدياد، فقررت أن أتعامل معها على هذا النمط لم أتحدث فى شئ ولم نكن سوى اصدقاء فقط، ولكننى فى النهاية قررت أن لا اصارحها بمعرفتى.

فى إحدى الأيام وبعد أن قررت من أجعل زيارتى لها قليلة حتى لا تتعلق بى أكثر من ذلك وكنت أجلس بالكافيه، وجدت صوتا يصدر من هاتفى، كانت رسالة عبر الماسنجر، فتحت تلك الرسالة كانت من شروق يبدو أنها قامت بإنشاء حسابا جديداً وتحدثنى منه، لا أعرف لماذا أرتجف قلبى حينما رأيت إسمها وقرأت رسالتها كانت تقول:

_ عمر عامل إيه، أتمنى تكون بخير، لو معندكش مشكلة ممكن نتكلم شوية.

وقفت قليلا ولا أعرف ماذا سأفعل قرأت تلك الرسالة أكثر من عشر مرات وأنا أنظر للهاتف وهو بيدى، ولكن وفى النهاية ردت عليها قائلا:

= الحمدلله بخير، معنديش مشكلة، بس فى حاجة يعنى حصلت تانى منى ولا إيه؟

تركت الهاتف وفطرت قليلا لماذا تحدثنى شروق الأن وماذا تريد منى أن أفعل، حتى سمعت صوت رسالتها مرة أخرى فقرأتها:

_ لأ محصلش حاجة، أنا بس اللى محتاجة للكلام معاك، لو مش حابب خلاص.

شعرت فى تلك الوقت وأنه يبدو لى الأمر أن هناك مكروها أصابها، فرددت عليها:

= شروق أنتى بخير .
_ أنا بخير ياعمر مفيش حاجة هتصل بيك دلوقتى طيب.

بدأ قليى فى تزايد نبضاته وشعرت أننى اتعرق والحو يصبح حارا من حولى بعدما قرات رسالتها الأخيرة، وقبل أن أفكر فى شئ أصدر هاتفه رنينه معلنا عن اتصالها، أجبت عليها وأنا صامتاً حتى سمعت صوتها:

_ الو، ازيك ياعمر؟

تنهدت وخرج من صدرى فى ذلك الوقت كل ضيق كان به، وكأن صوتها من كثرة حبى له، بعث بداخلى السكينة والهدوء مرة أخرى، ظللت صامتاً بعض الوقت حتى أجبت عليها:

= أنا بخير الحمدلله انتى إيه اخبارك؟
_ أنا تمام، قولى عامل ايه فحياتك وبتعمل ايه؟
= مفيش جديد والله، يادوب بس فتحت الكافيه تانى ورجعت للمزيكا والغنا.
_ قولتلك قبل كدا عمرك ما هتعرف تبعد عنهم.
= كان ممكن أبعد بس للأسف محصلش.
_ هو إيه دا اللى محصلش؟
= مش مهم تعؤفى يا شروق، طمنينى عليكى، وايه اللى فكرك بيا؟
_ والله أنا منستكش عشان افتكرتك دا أولا، ثانياً أنا حسيت أننا لما نهينا كل حاجة وحصلت المشكلة اللى حصلت مكنش فى فرصة أننا نتكلم، أو حتى اعتذرلك عن كل دا.
= بالعكس أنا اللى المفروض اعتذرلك على الموقف الباسخ اللى حطيتك فيه.
_ أنهى موقف؟
= أنا آسف، هما موقفين صح.
_ كمان، وايه هما بقى؟
= الأول أنى كلمت وأنتى مخطوبة لراجل غيرى، والتانى أنك لما جيتى القسم عشان تاخدى حقك منى واعتذرلك حصل عكس ما توقعتى ولقيتيه هو اللى بيعتذرلى.
_ وهو أنت فاكر أن أنا السبب فى أنكم تتقابلوا فى القسم؟
= المهم فى النهاية أنك جيتى.
_ لأنى يا عمر لو مكنتش روحت كان هيبقى منظرى قدام اهلى وحش بالذات أن موضوعك فضل مفتوح حتى بعد ما سبته.
= سيبتى مين؟
_ البنى آدم الزبالة اللى كنت مخطوبة ليه.
= وأنا إيه علاقتى؟
_ لأن أنا مردتش أكمل معاه بعد اللى حصل فى القسم وساعتها الكل وقف ضدى وقال أنى لسة عيزاك وبفكر فيك، ودا بدأ يعمل مشاكل لأن الكلام كان بيكتر، فسكت وكملت معاه، بس بعد تلت شهور مقدرتش خلاص وكنت هنتحر بسببه، ومن ساعتها وأنا بيحذرونى من أنى أكلمك.
= ودلوقتى بتكلمينى ليه يا شروق، عشان تعشمينى بحاجة مش موجودة، ولا عشان لقيتينى مش بدور وراكى وبتابعك، فقولتى تشوفى يمكن فى حد دخل حياتى ولا لأ.
_ للدرجادى أنت مبقتش عايزنى فحياتك، على فكرا أنا مش بكلمك عشان نرجع، أنا بكلمك عشان اعتذرلك بس.
= وأنا بقولك ياشروق مفيش حاجة تستحق الاعتذار، أنا نسيت المشكلة أصلا.
_ طب وأنا؟
= انتى إيه يا شروق!
_ نسيتنى أنا كمان!
= تصدقى أنى بيتهيألى لو فقدت الزاكرة أنتى الحاجة الوحيدة اللى مش هنساها، ربنا مايوريكى كنت بتعذب كل يوم أزاى ولما بفتكرك، أزاى عينى مكنتش بتبطل عياط بسبب أنك هتبقى لراجل تانى، ازاى شايف أنى شخص سهل عندك ونسيتيه بالسرعة دى وقدرتى تتخطينى.
_ ومين قالك ياعمر أنى قدرت اتخطاك، مين قالك أن حياتى كانت حلوة من غيرك أو كنت حتى عايشة مرتاحة، أنا شوفت بهدلة محدش شافها، بس كنت بدارى دا قدام الكل عشان مسمعش كلمتين من حد.
= ودا الفرق بينى وبينك ياشروق، أنا بينت حبى ليكى قدام الكل، حتى الناس كلها عرفت أنك نقطة ضعفى، وأنتى خايفة تقولى بس لحد أن قلبك اتعلق بيا، مش أنك حتى عيزانى، أحنا الأتنين بنحب بعض بنفس القدر، بس الفرق أن أنا قادر أتكلم واقف قصاد أى حد، وأنتى مش قادرة حتى تقفى قصاد نفسك.
_ أنا وقفت كتير ياعمر، بس أعمل إيه طيب.
= كان فى مليون حل غير أنك تفكرى تهربى منى ومن التفكير فيا بأنك تروحى تتخطبى وتبقى بتقولى الكلام اللى كان نفسك تقوليهولى لراجل تانى.
_ ومسألتش نفسك أنا اتخطبت ليه.
= عشان مش قادرة تقفى قدام حد، مش قادرة تبقى صريحة مع نفسك وقلبك وتقولى أنا بحبك وأنت اللى اختارتك خلاص، مش قادرة تقولى لنفسك أنك شوفتى فيا اللى مش هتشوفيه بعدى، مش قادرة تقولى لنفسك أنك هتفضلى تهربى منى وفى الأخر مش هتقدرى برضو.
_ وأنت شايف إيه يا عمر!
= شايف أنك مش عيزانى يا شروق غير والدنيا وردى ومفيش مشاكل، عايزة حب عمر وكل حاجة قدمهالك عمر، بس من غير المشاكل اللى حت من ورا الحب دا.
_ ودى حاجة وحشة يعنى؟
= مش حاجة وحشة، بس مفيش بنزين من غير نار، مفيش حب من غير مشاكل وتعثرات، أحنا مش هنكدب على الحياة ونضحك عليها، كل حاجة فى الدنيا فيها مشاكل بس أنتى مش عايزة تقفى قصاد المشاكل دى.
_ بجد، شكرا ليك ياعمر، كنت بكلمك مفكرة أنك هتحتوينى وتخفف عنى بس طلع كل كلامى غلط، مش مصدقة فعلا أنك مبقتش شايفنى كويسة زى الأول.
= بالعكس أنا هفضل شايفك أجمل بنت فى الدنيا، بس هفضل برضو شايفك جبانة وبتهربى.
_ أيوا بهرب، بهرب وهفضل أهرب منك ياعرم، طالما أنت كمان مش عايز تساعدنى، هتخطب تامى وتالت ورابع لحد ما أنساك.
= دى حياتك أنتى مش حياتى أنا.
_ تمام، شكرا ليك جدا، مع السلامة ياعمر.
= مع السلامة.

أغلقت المكالمة معها وجلست اعاتب نفسى على تلك الأسلوب الذى تحدثت به معها، لم أكن أريد أن أحدثها بهذه الطريقة كان لسانى يقول تلك الكلمات، وقلبى يرتجف حبا ويريد أن يقول لها كم توحشتها، أشتقت إليها واشتقت لسماع صوتها، زادت عصبيتى واكن هذا بينى وبين نفسى، كيف لى أن اقسو على من أحب بهذه الطريقة، ولكنى كنت أفعل ذلك فى محاولة منى لرد كرامتى، ولكن هل هناك كرامة فى الحب، هل أن تعبر عن كل ما بداخلك لمن تحب يعتبر ذلك اهانة لك، لا أظن ذلك ولو كان ذلك الكلام صحيحاً فلم يكن هناك حبا على الإطلاق بهذا العالم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي