العشرين

مر اسبوعين وهو لا يعرف عنها شيء، والأسوأ أنها قد تركت منزلها، محاولات بائسة في معرفة مكانها، حتى معتز لم يعرف عنها شيء ولكن بأمر منها !

أما عنها هي فكان رد فِعلها مختلف تماماً عن منار، فهو خانها وبدمٍ بارد، خان ثقتها به، ويأتي في نهاية الليل عقلها الوقح ليذكرها بكل شيء ولكن هي لم تنسى، هي تحاول جاهدة أن تفعل ذلك .

كان منتصر يرتدي ملابس رجال الأمن ويضع القبعة على رأسه حتى فقط يرها ويتأكد أنها مازالت هنا، على الناحية الأخرى كانت تقف بسيارتها وترى من على مرماها المكان إذا هو موجود أم لا، مثلما يفعل كل يوم، هبطت من سيارتها عندما ملت من أن تجد له أثر في داخلها كان هناك شيء يقول لها :
" استمر في مهمته شفقة، وبحثه عنكِ لم يكن سوى مصلحة "

حاولت أن تجمد عبراتها داخل عينيها وهي لا تريد أن تضعف، ضعفها هذا من كان سبب في دخولها في علاقة بدايتها صداقة و نهايتها محتومة، حب !
حب ولكن جنته نار تنهش في خلايا القلب دون رحمة، وتبدأ في إغفال العقل، وتنويم الجسد، ويبقى الليل هو ووسادتك الاحتواء الوحيدة والونيس الذي لم يتخلى عنك سواء في فرح أو حزن دموعك .

دخلت إلى مكتبها تتابع أعمالها في هدوء دون أي كلمة، دخل معتز وراءها قائلاً :
" سارة، لدينا الكثير من العمل اليوم، أرسلي بنود العقد الجديد إلى عمر، حسناً "

أومأت له سارة برأسها وقالت وهي تأخذ بعض الأوراق التي على مكتبها :
" هذه الأوراق التي تريدها، لقد طبعت الإمضاء عليها "

قال معتز وهو يأخذها ويتجه إلى الخارج :
" اشكرك كثيراً "

ابتسمت سارة وجلست مرة آخرها تتابع ما كانت تفعله ولكنها وجدت الباب يطرق فقالت :
" تفضل "

قالت كلمتها ونظرت إلى اللاب توب الخاص بها مرة أخرى، دخل منتصر بهدوء وقال :
" قهوتك "

قالت سارة وهي مازالت تنظر إلى ما بيدها :
" لم اطلب قهو… "

نظرت أمامها للتحدث مع ذلك الذي جلب لها شيء لا تريده، ولكن اتسعت حدقتيها عندما رأته أمامها، نهضت واقفة أثر صدمتها ونظر لها بندم وكاد أن يقترب منها ويفتح فمه أوقفته مشيره له بأصبعها محذره إياه قائلة :
" أقسم لك أنك إذا اقتبرت أكثر من ذلك سأقتلك "

لم يبالي لكلماتها واقترب قائلاً :
" سارة أرجو أن تستمعي لي، فقط استمعي للشيء الذي أجبرني على ذلك "

قالت له بصراخ :
" ما الذي يجبرك على أن تكون محتال ؟ ماذا ؟ لا يوجد ظروف تجعل أحد محتال وانا أدرى بذلك تعلم لماذا ؟ لأن تركني أبي وأمي وعائلتي بأكملها وبقيت وحيدة لا املك ثمن كسرة خبز وفي النهاية عملت قصاري جهدي لأكون بهذا المكان، لماذا لم تفعل ما هو المبرر ؟ "

صمت أمام كلامها وهو لا يعلم ماذا يقول كل ما سبق كان مبرره والٱن لا مبرر عن فعلته مرت بنفس ظروفه وهي الآن شخص أخر، هي مرأة وهو رجل ولم يفعل نصف إنجازاتها، ما المبرر لهذا ؟ .

أكملت كلامها قائلة :
" كان هدفك معرفة أسرار وخفايا عملي، ولكن لماذا جعلتني أحبك ؟ "

هبطت عبراتها اللعينه على وجنتيها وبدأت تتنفس بعنف
فقال بخذى وهو ينظر إلى الأرض :
" ما جعلني أستمر أنني أحببتك، أقسم لكِ أنني أحببتك
بصدق "

قالت بصوت عالي للغاية :
" لا، أنت أجدت تمثيل الحب، في وقت احببتك به بصدق، أنت قمت باستغلال ضعفي وتعلقي بأي شيء "

اقتربت منه وقالت وهي تضربه بعنف في صدره بقبتضها الصغيرة :
" أنا لا أكره شيء في حياتي مثلك، اتمنى أن تبهط علي عيني غيمة سوداء حتى لا أراك مرة أخرى في حياتي، أريد أن تُمحى ذاكرتي اللعينه التي تذكرني بك في كل شيء وكل كلمة قلتها لي كذب أيها المحتال "

امسك يديها وقال بتوسل :
" أعطيني فرصة واحدة فقط، أعدك ستجدين شخص آخر "

قالت بوجع ظاهر في صوتها :
" مُت في قلبي قبل عيني وماتت فرصك معك "

أكملت وهي تبتسم بسخرية لاذعة :
" يا مختصر، أليس هذا أسمك الحركي ؟ "

أنهت جملتها وأشارت بيدها له بالخروج، خرج دون إضافة أي كلمة كانت محقة بكل كلمة قالتها كانت تستحق أن تقتله دون عقاب .

خرج من الشركة بأكملها وذهب إلى بيته، ألقى التيشيرت الخاص به على الأرض وألقى بجسده فوق الفراش وترك لدموعه الصامته العنان، حتى الحب لم يتوفق به أو بمعنى أدق لا تريد له الدنيا شيء من هذا القبيل .

ظنت سارة أنها عند مواجهته ستتخلص من كم المعاناة الذي بها تسترجع قوية مثل سابق ولكن حدث العكس وزادت الأمور سوءاً وتعمق الجرح الذي بقلبها أكثر .

على الناحية الأخرى بالتحديد في الغردقة كانت منار نائمة في هدوء وأيهم جالس بجانبها يتطالع بها وفي كل لحظه يحمد الله أنها قد سامحته وإن كل شيء مر بسلام، مد يده ليمسك بخصلاتها المتمردة تلك ولكنه فزع للغاية وجدها تفتح فمها وتلتقط يده داخل فمها !

صاح ٱيهم بألم فتركت يده قائلة :
" ماذا كنت تريد أن تفعل ؟ "

قال ٱيهم بألم :
" كنت اريد أن أفعل شيء رومنسي، ولكن قمت بإختيار الشخص الخطأ "

قهقة منار بشدة وقالت :
" لا يهم، كيف كان صباحك "

قال أيهم بسخرية :
" فعلت أشياء قليلة للغاية، قمت بإرضاع طفلي و أحضرت لزوجي الفطور، والان سأذهب إلى صالون التجميل حتى أغير لون شعري، ما رأيك في اللون الاخضر ؟ "

قالت منار وهي غير قادرة على التنفس من كثرة الضحك :
" اخضر ؟ "

ظلت تضحك بشدة وشاركها ضحكها بكل حب، حتى قاطع لحظتهم صوت هاتفه فقالت منار :
" هذا عمر "

امسك ٱيهم الهاتف وقام بالرد قائلاً :
" وعليكم السلام، حسناً سأذهب أنا وهي الآن … وداعاً "

أغلق ٱيهم الهاتف وقال وهي يحتوى وجنتيها بكفه :
" هيا، ارتدي ملابسك يجب علينا الرجوع الٱن "

قالت منار بتذمر :
" لا، أريد أن أبقى هنا قليلاً "

قال ٱيهم وهو يعانقها :
" صغيرتي، سنذهب اليوم ونعود لاحقاً "

قالت منار وهو تنظر إلى عينيه :
" أريد أن أقول لك شيئاً "

ضحك ٱيهم وهو يرفع رأسها بـ بذقنها :
" كلي ٱذان صاغية "

ابتسمت بخجل وقالت :
" المرة الأولى التي نظرت بها إلى عينك كنت أشعر أنني أمام البحر "

قهقه بخفة وقال :
" وكيف هذا ؟ "

قالت منار وهي تشبك يديها بتوتر :
" أمم أعني أنني عندما نظرت لك كانت عينك تشبه البحر الذي استغنى عن أمواجه "

أكملت قائلة :
" أمواج عينيك المتلاطمة أخذت قلبي مستقر لها، كلما أطلت النظر أليك ازدادت ثروة أمواج قلبي "

كان كلامها كفيل أن يعانقها بشدة تجعل عظامها تتهشم من قوة عناقه لها، غاب عقل الأثنين عن الواقع في عالمهم الذي لم أحد يكن على دراية به .

كان عمر يدندن ببعض النغمات وهو يستحم مما أزعج زهرة للغاية، فهي جالسة قرابة ساعة تنتظره أن يخرج من الحمام ولكن كان إذا أنتهى من أغنية بدأ بغيرها، زفرت زهرة بضيق ونهضت متجهه صوب الباب وظلت تضرب بيدها عليه قائلة عندما استعمت إلى صمت :
" انتمنى أن تكون انتهيت من حفلتك الغنائية تلك، اريد الإستحمام، لقد استنفذت المياه كلها "

عادت بعد أن أنهت جملتها مكانها وجلست على الفراش تتنفس بحنق، خرج عمر من الحمام وهو يقوم بلف المنشفة حول خصره ومازال يدندن ببعض النغمات اتجه صوب الخزانة، فهضت زهرة من مكانها مدت يدها لتأخذ ملابسها ولكن أمسك عمر يدها قائلاً :
" زهرتي، لماذا تتعبي نفسك سأخرج أنا ملابسي "

نظرت له بعدم فهم وقالت :
" أترك يدي، هذه ملابسي انا ذاهبة لأستحم، ادعو الله أن يكون بعض المياه "

صفعت الباب وراءها فقال عمر بفقدان أمل في أن تحاول أن تبادله رومانسيته :
" لقد فقدت أمل "

أخذ ملابسه وعاد إلى كرته مرة أخرى ليدندن وهو يرتدي ملابسه .

كان ربيع يجلس ومعه منتصر قائلاً بضيق :
" كيف لم تصل إلى الأوراق ؟ "

قال منتصر بصوت عالي ومختنق، فقد جاء أحد رجال ربيع أخذه من المنزل ولم يمهله فرصة لإرتداء التيشيرت الخاص به :
" قلت لك أن أيهم قد سافر ليجلب لك اوراق ! "

قال ربيع بغضب :
" وماذا عن سيكا ؟ "

قال منتصر بحنق :
" لا اعرف عنها شيء "

قال ربيع وهو يقهقه بسخرية :
" قريباً لم يعرف أحد بالعالم عنكم جميعكم شيء "

ضحك انور ذراعه الأيمن وابنه في نفس الوقت لضحكات أبيه المريضة، وهو يتمنى في داخله أن يجد زهرة هو بنفسه ويقوم بقتلها بيده وينتقم لكل شيء فعلته به بدايةً من الصفعة التي هبطت من يدها على وجهه، واهانتها المستمرة له أنه مثل الحائط لا يعمل شيء ولكن هو مازال على يقين أنه سيأتي الوقت .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي