الفصل الواحد و الثلاثين

ميهمنيش، بعدين احنا هنعمل ايه لما ننزل؟ كفاية اتصال صغير بزياد و هنديه العنوان هيتصرف، مش كل حاجة تتحل بالقوة.
استل هاتفه من جيب سترته، ليجري اتصالا بزياد ليطلعه بما يحدث، لكن تلك النقرات على زجاج السيارة أوقفته، نظر لحازم الذي قال بغيظ:
_شوفت يا عاقل؟ أهوه ده اللي كنت عامل حسابه، مش عاوز أسمع حسك سيبني أتصرف،اوعى تقفل الفون.
ثم نظر لذلك الضخم بابتسامة باردة، بينما همس جواد بحنق:
_منك لله با ابن فارس، على آخر عمري أموت مدعوس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لوح بيده لهم بينما يجر حقائبه، لم تستطع وجدان الصمود لحين وصوله فانطلقت نحوه بخطوات شبه راكضة لتختضنه بشوق، بادلها هو بآخر مضاعف، وجدان ليست شقيقته بالرضاعة فحسب، بل صغيرته المدللة رغم أنهما في نفس السن، أخرجها من أحضانه بصعوبة قائلا بمرح و هو يتفحص ملامحها المشرقة:
_وريني كده، لا الجواز ماشاء الله مخليكي منورة، قوليلي الواد عاصم مزعلك و لا ماشي زي ما علمته؟
عاصم بسخرية:
_لا يا خويا ماشي زي ما علمتني جنابك.
ترك حمزة شقيقته، ثم احتضنه بقوة قائلا بشوق:
_وحشتني يا ابو ماجد.
بعد اطفاء نيران شوق شهر كامل، خرج الجميع من المطار، يجر عاصم الحقائب بينما يتبادل سيف و حمزة أطراف الحديث حول ما حدث في غيابه، لكن سيف استثنى عمدا خطبة زياد و نجوم، و عقد قرانهما الذي سيقام في الغد، أراد اعفاء صديقه من جرح بالغ لن يستطيع كتم أنينه أمام الملأ، أما هو فيجهز قلبه بكل ما يملكه من أسلحة للقائها المحتوم، هل ستتبعثر حواسه كعادتها أم أنه شفي من لعنة عشقها للأبد؟
ــــــــــــــــــــــــــ
ظلت تقلب ذلك الخاتم الذي يزين بنصرها الأيسر بابتسامة حالمة، شهر مر منذ عقد قرانهم كل لحظة عاشتها حتى الآن بقربه، كانت كالجنة لم يدخر جهدا في إسعادها، و كان أكثر من صبور على خجلها المفرط أما حضوره المهلك.
فلاش باك
دلفا للمطعم الذي كان مغلقا في هذه الساعة المتأخرة، لا تصدق أن والدها الذي لم يكن يسمح له حتى بلمح طيفها يعطيه الحرية الكاملة للخروج معها كل ما واتته الفرصة، اتجه للمطبخ ممسكا بكفها بحنان، فهتفت باستغراب:
_هو احنا جينا هنا ليه؟
سيف بمكر باتت تعشقه رغم أنه يشعل نيران الخجل في كل خلية من جسدها:
_هنتعشى يا مهجتي.
مهجته ذلك الاسم يدغدغ مشاعرها ببراعة، خاصة عندما ينطق حروفه ببطء كأنه كل حرف يعزفه قلبه لا شفتيه فقط، حاربت حروفها المبعثرة لتجمعها بصعوبة:
_طب ليه مروحناش مطعم تاني، اشمعنا هنا؟
سيف بعتاب:
_هتاكلي فمطعم تاني، و جوزك أشطر شيف فمصر كلها، ده حتى هيبقى عيب فحقي..بعدين مش قولتي أنك حابة تتعلمي طبخ مني؟ اعتبريها كورسات قبل فرحنا..تقدري تقلعي الخمار عشان تكوني براحتك مفيش حد هيجي هنا.
أصالة بحياء:
_لا بلاش أنا مرتاحة كده، مش هقدر اظبطه مرة تانية.
سيف ببساطة:
_على راحتك.
قضت يومها ليلة كالحلم، تقديره و احترامه للمسافة التي خلقتها بينهما أثلجت قلبها، كان و لازال حذرا في التعامل معها، يتوغل شيئا فشيئا ليشعرها بالأمان لمشاعر لم يسبق لغيره أن جعلها تجربها.
باك
تلاشت ابتسامتها الواسعة عندما لاحظت حزن حفصة الذي تحاول مداراته، لكنه اليوم مختلف حزن امتزج بسعادة خفية كأنها تخشى الشعور بها، فقالت بابتسامة مواسية:
_نصيبك هيجيلك يا حبيبتي، متشليش هم.
حفصة بجهل مصطنع:
_قصدك ايه؟
لم تشأ اطلاعها بشكوكها نحو مشاعرها اتجاه حمزة، فقالت بينما تنظر لمياه النيل الصافية:
_عرفت سيف لما كان عندي ست سنين، وقتها جه مع أخواته عشان يعيشوا فالشقة اللي جمبنا على طول، عشان يكون أبيه آدم جمب صويلا، لما بابا دخل المستشفى فضل معانا أنا و حازم أسبوع كامل ما سابناش و لا لحظة، مع أنه كان صغير بس كان بيتصرف كراجل فغياب أخوه، كان بيحضرلنا الأكل و يلاعبنا حتى ننسى غياب بابا، يوم ورا يوم ابتديت أتعلق بيه فكرته حب طفولة هيروح لحاله بس كبر معايا، مع أن معاملته ليا اتغيرت، حط بيني و بينه حاجز محدش فينا قدر يعديه، كنت كل ما اشوفه أدعي ربنا أنه يكون ليا أنا، دعيت أن يحبني زي ما بحبه.
حفصة بترقب:
_و بعدين؟
أصالة بحب:
_و بعدين ربنا استجاب لدعائي، طلب ايدي بعد ما اتخرج من الجامعة، قبل ما يسافر باريس أصر أننا نلبس الدبل، حسيت يومها أني طايرة من الفرح، عرفت أن ربنا مش بينسى عبده لو دعاه بقلب صادق، انتي كمان ادعي بقلب صادق، أكيد ربنا هيجمعك بيه قريب.
حفصة برجاء صامت، تدعو بقلب وقع أسيرا لصاحب اللحية السوداء بأن يبادلها هواها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتسامته الباردة استفزت ذلك الضخم الذي قال بغلظة:
_انتوا مين يالا؟
قاطعهما ذلك الصوت المدهوش:
_راكان باشا!!
نظر له ثلاثتهم بردود متضاربة، خاصة حازم الذي رمق ذلك الغريب بنظرات متفحصة سرعان ما أسعفته ذاكرته ليتذكر هويته، تحولت نظراته الباردة الى أخرى مخيفة جعلت جواد يوقن أن من أمامه راكان و ليس حازم، لكنه لم يعقب ربما يعتبر هذا نقطة لصالحهما، رمى بصره ناحية الهاتف ليجد أن زياد قد أجاب عن المكالمة، زفر بارتياح مؤقت،.
قال حازم ببرود:
_ايه الاهمال ده يا محمود؟ يعني العربية توصل لحد هنا و محدش فيكم أخذ باله؟
كان ذلك المحمود الذي ارتعد بخوف من هذا الشيطان كما يلقبونه، كيف لا و هو الذي لم يرحم أحدا قط على وشك تبرير ما يحدث، لكنه قاطعه بصرامة:
_مش عاوز مبررات سخيفة، أمجد فين؟
محمود:_جوه.
أبعده بصفاقة ثم أشار لجواد للحاق به، لم يمنع نعته بهويته القديمة خوفه، ربما يكون مجرد فخ للثأر منه فخبر القبض على مهران قد انتشر في كل مكان، كيف لم يصل لبؤرة الفساد هذه؟ احتمال واحد خطر بباله أن مهران يواصل عمله المشبوه من السجن، و هؤلاء يظنونه قد أتى من طرفه، فشهادته ضده ظلت طي الكتمان لا يعلمها الا قلة من الناس، سار باتجاه البناية التي تتوسط الأخريات، يتبعه جواد الذي يضغط على الهاتف، وصلا لزاوية بعيدة عن الأنظار ليجذب الهاتف بسرعة واضعا اياه على أذنه:
_زياد أنت فين؟
أتاه صوت زياد القلق:
_أنا فالطريق، انتوا كويسين؟
حازم:_أيوة كويسين بس استعجل، مش هقدر الهيهم أكتر من كده.
زياد:_تمام خمس دقايق و هكون عندكم، حظكم حلو كنت قريب من المنطقة.





احتضن والدته بشوق يتشرب من أمومتها دون كلل، بينما تنتظر سمية دورها حمزة ليس مجرد طفل أرضعته بل هو عوض من الله على عقمها الذي أصيبت به بعد ولادتها لوجدان، لم يكن حزنها نقمة على انجابها لفتاة بل جل ما أحزنها أنها لن تستطيع ترك سند لها بعد موتها، ليكون حمزة نعم السند حتى عند عراك عاصم و وجدان كان دوما يقف في صفها.
خرج من أحضان والدته الأولى، لينتقل لها دون تردد، ربتت على ظهره بحنان بينما يبتسم هو بحب تلاشى فور رؤية ذلك الخاتم الذي يزين بنصرها، تحولت نظراته السعيدة الى أخرى جامدة، فليكن صادقا مع نفسه لم يكن في نيته أن يتوسل قربها ثانية، لكن ذلك القلب العاق لازالت شظايا ألمه تتطاير مزهقة روحه التائهة، لكنه عاهد نفسه على عدم الضعف و الخضوع لأحد مرة أخرى، ليسرع بالتحلي بقناع الجمود:
_مبروك يا بنت عمي.
حل الصمت على الجميع فجأة، اما هي فقالت بابتسامة خجلة:
_الله يبارك فيك يا حمزة..عقبالك.
حمزة بتكلف:
_بإذن الله، بس مين صاحب النصيب؟
نجوم:_سيادة المقدم زياد.
حمزة:_ما شاء الله، ربنا يوفقكم..عن اذنكم يا جماعة هطلع ارتاح شوية لأني هلكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخيرا انتهى سجنها القسري، أخيرا تحررت من رباط سليم الذي ضيق خناقها، وضعت يدها على خافقها الذي لم يستطع سليم جعله ينبض كما ينبض الآن باسم ملاكها الحارس، ذلك الذي أنقذها من مستقبلها المجهول ليعلمها بشهامته فنون العشق، جالت ببصرها أنحاء الغرفة التي كانت تخصه، لازالت رائحته تعبق أرجائها، لتشعرها أنه بجانبها يلفها بجناحيه أينما ثقفت.
تناهى لمسامعها صوت جرس الباب، فأسرعت بارتداء أسدالها و خرجت من الغرفة، تزامنا مع فتح الشيخ صابر له، لتكون عينها أول ما يراه فور دخوله، تعالت نبضات قلبها بوجيب يصم الآذان، لتتذكر كلماته المعدودة في ذلك اليوم(قريب أوي هتكوني ملكي)، كأنه قرأ ما يجول في خاطرها فابتسم مؤكدا لها، لم يطل حديث العيون أكثر من ذلك، احتراما للشيخ صابر الذي هلل بحضوره، مشيرا له بالدخول.
جلس قبالته بارتباك ملحوظ، يخاف أن يفهم طلبه كإجبار لمجرد أنه تركهم يمكثون في منزله، يخاف أن يسأله عن ماضيه، تراكمت حوله المخاوف من كل صوب، لكن عينيها قد بددتها وضعت أمامهما فناجين القهوة،ثم انصرفت بخطوات خجلة.
صابر:_اتفضل القهوة يا بني.
فادي بتوتر:
_تسلم يا شيخ صابر.
ارتشف القليل ببطء شديد، يستعيد ما كل حفظه على يد زياد، الذي أمضى الليل بطوله يقنعه أن الشيخ صابر لن يهتم بالماضي بل بحاضره الذي يشهد الجميع على نقائه:
_شيخ صابر أنا بصراحة جاي عشان...شيخ صابر أنا يشرفني أطلب ايد بنتك رونق.
قالها دفعة واحدة كأنه يخاف أن تسقط احدى الحروف سهوا، ابتسم الشيخ صابر بصفاء لأن أمنيته قد تحققت أخيرا، رفع فادي رأسه ليرى رد فعله ليجد ابتسامته قد زينت ملامحه البشوشة مما جعله يستبشر خيرا، فأكمل قائلا:
_أنا عارف أنك لازم تعرف عني كل حاجة قبل ما توافق، عشان كده أنت لازم تعرف كل حاجة عن الماضي الأسود، لأني مش عاوز أخدعك..
قاطعه الشيخ صابر بجدية:
_قبل ما تقول أي كلمة يا بني، أنا مش عاوز أعرف حاجة عن ماضيك لأن ربنا سترك، بلاش تفضح نفسك.
نظر له فادي بدهشة، بينما أكمل الشيخ صابر بهدوء:
_((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) أنت توبت و ده كفاية، أنا هكلم رونق و أنت تقدر تجيب أهلك بكره بالليل عشان الرؤية الشرعية.
فادي بابتسامة واسعة:
_بإذن الله بعد كتب كتاب أختي، هجيب أهلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلفا معا لوكر ذلك الذي يدعى أمجد، وقف الأخير بصدمة من رؤية أسوأ كوابيسه أمامه:
_راكان!!!
حازم بابتسامة خبيثة:
_مالك يا أمجد متفاجأ ليه؟
أمجد بتوتر:
_مكنتش متوقع زيارتك، اتفضل اقعد بس أنت طلعت من السجن امته؟
حازم ببرود:
_مدخلتش السجن حتى اطلع منه.
أمجد بدهشة:
_ازاي يعني؟أنا وصلني أن الغول و رجالته اتقبض عليـ...
قبل أن يتم جملته دوى في الأرجاء صوت الرصاص، ليسرع حازم بوضع المدية على رقبة ذلك الأمجد قائلا بابتسامة سمجة:
_ما أنا اللي خليتهم يقبضوا عليهم، و دلوقتي دورك يا كلب، فين العيال اللي جت من شوية؟
أمجد بخوف:
_نزلوا تحت عشان يستلموا البضاعة.
جواد بغضب:
_قصدك سم مش كده؟ السم اللي قتل كرم و غيره؟ هتروحوا من ربنا فين بعمايلكم دي؟
في تلك الأثناء قام زياد و باقي الظباط بالقبض على كل من في الخارج، بمن فيهم أصدقاء كرم القدماء، لكن ذلك لم يمنع غضبه الساحق عندما رأى كليهما أمامه:
_انتوا ازاي تيجو لمكان زي ده من غير ما تقولوا لحد؟
حازم بهدوء:
_كان لازم نعرف العيال دي بتشتري المخدرات منين.
زياد بغيظ:
_غلطان و بجح كمان، تقدر تقولي لو مكنتش قريب من هنا كان هيحصل ايه؟و انت ازاي تلحقوا كده فكرتك أعقل منه طلعت مجنون زيه.
جواد بحدة:
_اومال عاوزني أشوف حق صاحبي بيضيع و اسكت، تقدر تقولي البوليس عملت ايه عشان تلاقي تجار السم دول؟
زياد:_البوليس لسه بيحقق و يدور، لو كنت اديتنا المعلومات اللي عندك كنا لاقينهم بدل البطولات اللي عملتها أنت و ابن الباشا.
تجاهله حازم تماما و اتجه لسيارته، بينما ظل جواد يرمق اولئك المحرمين بحقد، وضع زياد يده على كتفه بمواساة:
_حق صاحبك رجع خلاص، بس بلاش المرة الجاية تتهور كده حاول تخلي حازم زيك مش أنت اللي تبقى زيه، هو لسه مقتنع بفكرة أنه يقدر يقتل اللي عاوزه و ياخد حقه من غير رقابة و قانون.
جواد:_على فكره أنا مكنتش هدخل معاه، و الدليل أني اتصلت بيك و هو كمان مكنش هيدخل لولا اللي حصل، عن إذنك.
أنهى كلامه ثم لحق بحازم الذي كان يحاول تنظيم فكره المشوش، لازال لم يعتد على حياته الجديدة بعد، يبدو أن والدته محقة في خوفها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج من الحمام يجفف خصلاته ليجدهما يتوسطان سريره، يتهامسان بخفوت فهتف باستنكار:
_على فكرة دي أوضتي مش كافيه العشاق أنت و هي.
عاصم بغيظ:
_لسانك لسه متبري منك.
حمزة بسخرية:
_و أنت جرعة النحنحة زادت عندك حبتين، جاي تحب فأوضتي.
وجدان بحنق ووجنتيها تشتعلان بحمرة الخجل:
_حمزة اتلم شوية الله، أنت فاهم الموضوع غلط، احنا جايين نكلم معاك فموضوع مهم.
عاصم:_أهوه وشك الأحمر ده دايما بيجيبلي الكلام، الناس بتفكرني شمال و انا بكلم عادي.
حمزة بسخرية:
_تصدق أقنعتني ده انت طلعت مؤدب، و انا اللي نيتي سافلة.
وجدان:_سيبك من جوزي يا حمزة و خليك معايا أنا.
حمزة باستنكار:
_معاكي، لا يا جوجو لا معاكي و لا معاه، يلا منك ليها هش هش من هنا عاوز اغير هدومي عشان انزل اتغدى.
جذبه عاصم بقوة ليجلس بينهما، قائلا بجدية:
_هما كلمتين هنقولهم و بعدها هنسيبك تعمل اللي عاوزه.
حمزة بنزق:
_خير اللهم اجعله خير.
وجدان بحماس:
_لقيتلك عروسة.
رفع حاجبه باستغراب:
_عروسة!! شكل عاصم مش مكفيكي فقولتي اما اشتغل خطابة أجيب فلوس.
وجدان بغيظ:
_ده جزاتي عشان فكرت فيك يا معنس؟
حمزة و عاصم في صوت واحد:
_معنس!!!! أحيه
دفعت حمزة ناحية عاصم ثم وقفت بنية مغادرة الغرفة، مردفة بغضب:
_الحق عليا أني بكلمكم.
أسرع حمزة بالوقوف أمام مدخل الغرفة قائلا بمرح:
_يا بت بنهزر، قوليلي مين العروسة؟
عاصم بهدوء:
_لما توافق هنقولك مين هي، غير كده لا.
وجدان برجاء:
_و قبل ما ترفض اسمعنا للآخر.
حمزة:_أنا موافق.
عاصم بدهشة:
_ببساطة كده؟ يا خسارة الموشح اللي سهرت أحفظه على ايد اختك.
حمزة بمكر:
_شكلها قطعت راس القط يا ابو ماجد.
عاصم بهمس:
_ميغركش الشكل يا حبيبي، دي لو اتعصبت بتتحول الهي ما يوريك آخر مرة اتعصبت نيمتني ليلتين على الكنبة.
كتم خمزة ضحكته بصعوبة، أما وجدان فقالت بانزعاج:
_ممكن تركز معايا هنا، أنت بجد موافق و لا بتسكتني؟
جلس على حمزة على الفراش بأريحية، ثم هتف بجدية:
_أنا موافق يا وجدان بجد، لأن آن الأوان أني اشوف حياتي، بس مقولتيش مين دي اللي شوفتيها تليق بيا؟
وجدان:_بنت الشيخ صابر حفصة، فكر فالموضوع و قولي رأيك عشان نحدد معاد نروح نطلبها.
ثم خرجت برفقة زوجها بابتسامة متفائلة، أما هو فأخذ يردد اسمها ببطء:
_حفصة.. يا رب تكوني زي اسمك.
ـــــــــــــــــــــــــ
كان الصمت هو سيد الموقف ما عدا نبضات قلب الجنين التي جعلت أعينهما تترقرق بالدموع، كأنه يصبح أبا للمرة الأولى و هي كذلك، لا تنكر أن لذة هذا الشعور كانت مختلفة معه، كل شيء كان و لازال مختلفا معه، يكفي أنها تعلمت فنون العشق على يديه، بعد وقت ليس بطويل أنهت نيروز الفحص، لتناولها المناديل لكن يد آدم كانت أسرع منها، ساعدها في ترتيب ملابسها و ارتداء حذائها بابتسامة عاشقة، ثم لحقا بنيروز التي قالت بتفاؤل:
_الظاهر أن المدام أصالة ماشية على العلاج بحذافيره.
صويلا:_و هو آدم بيسيبني فحالي من غير ما اشرب الأدوية.
نيروز:_بس ده ميمنعش أنك تاخذي بالك من نفسك، خصوصا سن حضرتـ..
لم تكد تنهي جملتها حتى هبت فيها صويلا بحدة:
_سمعيني كده يا ختي؟ سن ايه يا عينايا دنا لسه فعز شبابي.
نظرت لها نيروز بدهشة، بينما كتم آدم ضحكته بصعوبة، سرعان ما جذبها لخارج المكتب تحت نظراتها الحانقة التي تطوق نيروز.
دلفا للمصعد ليقول بمكر:
_على فكرة الدكتورة معاها حق، لازم نراعي سنك شوية.
جحدته بنظرات حارقة، ليكمل بنفس النبرة:
_انا مش فاهم حكاية السن اللي بقيتي تتحسسي منها فجأة، ده حتى انتي اللي كنتي بتقوليلي أننا كبرنا.
أشاحت بوجهها للجانب الآخر بحزن، فوضع أنامله تحت ذقنها و أدارها اليه:
_مالك بس يا حبيبتي؟
صويلا بصوت مبحوح:
_مش عارفة مالي اليومين دول، بقيت بتعصب من أي حاجة، خصوصا لما لقيت شعرة بيضة و أنا بسرح شعري.
آدم بذهول:
_كل الدراما دي عشان شعرة بيضة، دنا على كده لازم انتحر بقا.
صويلا بعبوس:
_أنت راجل، و الرجالة مبتكبرش.
آدم بشك:
_انتي خايفة أبص لغيرك؟..انتي اتجننتي هو أنا حبيتك عشان صغيرة و حلوة؟ صويلا حبيبتي لو انتي شايفة أن السن ده مشكلة فانتي غلطانة أنا بحبك عشان انتي صويلا صغيرة أو كبيرة ميهمش، المهم قلبك ميعجزش و يفضل يدق باسمي دايما، احنا هنفضل مع بعض و نسند على بعض لآخر نفس لينا.
صويلا بعبوس:
_يعني مش هتبص لغيري؟
آدم بقلة حيلة:
_يعني بعد كل اللي قولته لسه عندك شك؟ يبقى ده مش خوف دي هرمونات ضاربة عالآخر، و أنا هظبطها بمعرفتي، ايه رأيك دلوقتي نروح نشتري هدوم البيبي.
أومأت بصمت، ليلثم كفها بعمق، و رماديته تطوق عسليتيها بعشق:
_عمري ما هفكر أني أبص لغيرك، لأن العيون اللي عشقتك مستحيل تقدر تبص لغيرك، و القلب اللي دق باسمك مستحيل يميل لغيرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم أعرف العشق يوما... و لم تعزف نبضات قلبي على ايقاع أنثى من قبل.. لأنه كان ينتظرك أنت يا مهلكة القلب و مؤنسة الروح..وقعت أسيرا لغابات الزيتون التي كان ضياعي فيها أسمى ما أتمنى..ليس لجمالها الذي لا تكفي لوصفه الكلمات بل لأني وجدت بينهما ملجأي من وحدتي.. وجدت بينهما الدفئ الذي أفقدتني اياه قسوة الأقدار..
غمزها بمكر، فقالت بحنق:
_ايه؟
زياد بمرح:
_مبروك عليا يا زيتونتي.
اتسعت عينيها بعدم تصديق، ثم قالت بتهتهة:
_زيتونتك؟ يا حزن الحزن يا با رشدي، بقا دي آخرتها أتسمى زيتونة!!!
جالت المكان بزيتونيتها اللتان تقدحان شرارات الغضب، فقال باستغراب:
_بتدوري على ايه يا نجمتي؟
نجوم بغيظ:
_هو أنت خليت فيها نجمتك؟ أنا بدور عالمأذون يجي يطلقني منك، قال زيتونة قال، كله من مشورتك الزفت يا فادي، قال ايه مش هلاقي زيه اتنين، ده لو كان منه اتنين كانت خربت.
جذبها لأحضانه عنوة، دون اعتبار لأي من الموجودين فأينما يوجد زياد، يوجد الجنون، قال بمرح عكس الوضع الذي جعل وجنتيها تحمران خجلا:
_طلاق ايه بس يا نجمة، هو دخول الحمام زي خروجه، ده حتى فادي قالي البضاعة التي تباع لا ترد و لا تستبدل.
قالت بينما تضع يدها على صدره تحاول دفعه، بقلب يكاد يخرج من مخدعه، لم تكن بهذا الضعف في حضرة رجل من قبل، لم يستطع مازن اكتساحها بهذه الطريقة، ربما رأته لمرات معدودة، و جميعها مرت في عراك لذيذ تعشقه، لم يغازلها يوما، و لم يحاول استمالة قلبها بنظرة، لكنه أحدث فوضى لم يستطع كلام مازن المعسول احداثها، خفف قبضته حولها لكنه حصار عينيه بقي محكما، أو هذا ما ظنته هي قاطعهما رنين هاتفه الذي تعالى فجأة، نظر لهوية المتصل دون اهتمام، لكنه سرعان ما أجاب باحترام:
_سيادة اللوا.
بقي للحظات يستمع لتعليماته، ثم أغلق الخط قائلا بأسف:
_مضطر أروح عندي مهمة مستعجلة.
نجوم باستغراب:
_مهمة ايه دلوقتي؟ و أنا و الناس دي؟
زياد:_صدقيني غصب عني يا حبيبتي، هكلم فادي قبل ما اروح، وعد هعوضك بكره بس دلوقتي مضطر اروح.
نجوم بتفهم:
_تمام اتفضل، أكيد هما محتاجينك أكتر مني.
لثم وجنتها بخفة مكررا اعتذاره، بينما تكتم هي دموعها بصعوبة، يبدو أن فرحتها ستظل دوما ناقصة، جرت فستانها النبيتي ثم صعدت باتجاه غرفتها، غير آبهة بنداءات الفتيات القلقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي