الفصل السادس والعشرون

كانت مكالمتى مع شروق بمثابة فتح لأبواب كثيرة كانت قد أغلقت كان تفكيرى باتجاهها قد أصبح أقل من الأول، كنت لا أفكر فيها إلا فى أوقاتا قليلة حينما يتعلق الأمر موقف مشابه حدث معها أو ما إلى ذلك، ولكن بعد تلك المكالمة وكأن كل ما كنت أحاول الهروب منه يفق إمامى الأن، سيطرت على عقلى مرة أخرى.

بدأت فى محاولات الهروب ولكن على هذه المرة كانت محاولات فاسدة، فأننى بدلا من أن أهتم بمظهرى وأن أطور من نفسى بدأت أن الجأ للمخدرات، وهذا بعدما دعانى أحدهم لكى أشرب معه، تلفت اخلاقى وأصبح الناس الطيبون ينفرون منى، تبدل شكلى للأسوء، وكنت أرفض مقابلة الأشخاص، حتى أننى فى النهاية قررت أن أختفى عن الأنظار لفترة حتى أستفيق من كل ذلك، فما أفعله الأن لا يضر أحدا غيرى.

كانت حياتى أشبه بالطفل الضائع الذى يبحث عن أهله ومسكنه ولكن لا يجد طريق الوصول، حتى أختى تلك الفتاة التى كانت ترانى السند والدعم، وكانت ترى أننى اعوضها عن كل الخوف الذى كانت تشعر به أصبحت الأن أتشاجر نعخا كثيراً، كل هذا تلفنى وحعلنى أصبح فى نظر الجميع شخصاً مستهتر، كنت أفعل كل ذلك لأننى لا أريد أن أبوح بما أشعر به، فكنت أحاول أن اداوى ذلك بتلك الأفعال، ولكن فى النهاية قد أخترت طريقاً خاطئا سيؤدى بى فى النهاية أما بالسجن أو الموت من كثرة اضرار ما اشربه.

أخذت مبلغا من المال ما جمعته من تلك الكافيه، وبعدها توجهت إلى إحدى مصحات معالجة الإدمان والذين قاموا باحتجازى، كنت أريد أن اتخلص من كل ذلك ولكننى لا أريد أن يعانى أحدا معى اكثر من ذلك، ولذا قررت أن اتخلص من كل هذه السموم بعيدا عنهم، وبعدما اتفقت مع المصحة وبجست مع الدكتور أخبرنى أننى سأتواجد بها لمدة أربعين يوما وهى المدة التى يتخلص فيها الجسم من كل تلك السموم واخبرنى أن الأمر هين ليس بالصعب ولا يوجد له أعراضا تهلكنى.

جلست بتلك المصحة، كنت يوميا اتفحص الكتب، وأقرأ فيها، أتابع الكافيه عن طريق الهاتف وأيضا وكلت أختى بتلك المهمة أن تذهب لمتابعة المكان، واتحدث إلى عاليا، كنت قد أخبرت الجميع أننى فى رحلة عملا، وأننى من الممكن أن أقوم بأنشاء مشروعاً جديدا، ظللت هكذا أنتظر أن يشعر جسدى بالتغيير، كانت يوميا رأسى تؤلمنى كن كثرة الصداع الذى كان يؤدى فى النهاية أننى لا أقوى على فتح عيناى من المه، ولكننى فضلت أن اعالج دون ادوية أو شئ من هذا القبيل طالما أن العلاج بدونهم سيوفى بالغرض وانا من يريد الإمتناع، وهذا ما ساعدنى عبيه الدكتور.

مر على وجودى بتلك المصحة ما يقرب من عشرة أيام كانت تلك الأيام قد أخذت منى إرهاق شديد من كثرة ألم الرأس، ولكنى فى النعاية بدأت أن اتحسن، وبعد مرور خمسة عشر يوماً أصبح جسدى يستفيق وأصبحت امارس الرياضة بالمكان، كنت فى ذلك الحين أدخن السجائر فقط ولكن كان هذا بطلب منى، ولكن بدأ بالفعل جسدى يظهر عليه علامات الاستفاقة وبدأت فى التطور بدنياً حتى أننى بدأت اشعر بزيادة فى وزنى وفى الكتل العضلية لدى، كان هذا يزيد من شغفى حول التهافى من تلك السموم، ولكن ما السبب وراء ذلك ما الذى يجعلنى ادمر نفسى وجسدى بهذا الشكل، هل فعلت ذلك بنفسى بسبب التفكير، لللعنة على التفكير وعلى كل الأشياء التى تجعلنى أفقد ثحتى مقابلها، لن يكن أحدا بجانبى طوال العمر، فقط جسدى هو الوحيد الذى يمكنه اعانتى على كل شئ، فكيف لى أن أفسده بتلك الأشياء.

مر الأربعون يوماً على وخرجت من المحصة كان وجهى تضخ فيه الدماء كنت أشعر بتحسن كبير فى صحتى، عدت إلى المنزل وكانت أميرة أختى غير موجود بالمنزل، ذهبت لكى أستحم وبعدها ارتديت ملابسى وجلست بالمنزل بعض الوقت كان لا أحدا يعلم بعودتى ولا يعلم أين كنت وطنت قد اخفيت ذلك الأمر على الجميع، قمت بمراسلة أميرة والتى اخبرتنى أنها عائدة إلى المنزل وكانت تلجب الطعام، وبعد مرور ربع ساعة من الزمن شعرت باحدا يضع المفتاح بباب الشقة، وقفت لكى أستقبل أميرة، التى بمجرد ما رأتنى ركضت نحوى وارتمت بأحضانى، كانت سعيدة جداً فقد مر على غيابى فترة طويلة جدا، كانت هى وحدها بتلك الفترة.

جلسنا سويا نتحدث أنا وهى، كانت أميرة تريد أن تعرف أين كنت وماذا كنت أفعل:

_ برضو مش هتقولى كنت فين المدة دى؟ أنت بقالك شهر ونص بعيد!
= طيب هحكيلك بس ياريت اللى هقوله دا محدش يعرفه أيا كان مين، اتفقنا!
_ حاضر.
= أنا الفترة اللى فاتت دى اتأذيت من كذا حاجة وكانت الضغوط كتير عليا وكل يوم كنت بحس أن فى حاجة عايزة تخبطنى فى دماغى، وباخد الخطبة من هنا واعمل نفسى محصلش حاجة وأقوم أكمل لغاية بقى ما اتخبطت آخر خبطة دى، وكنت أنا السبب فيها، بعدها مثدرتش أنى أواجه حاجة، قررت أهرب وكان هروبى بطريقة غلط، شربت مخدرات وقرف وبلاوى زرقا، لدرجة أنى حسيت باحتكار لنفسى.
_ كنت بقولك والله يا عمر أنك فيك حاجة مش طبيعية، مكنتش طايق كلامى وكل شوية تتعارك معايا.
= بالظبط ومش لوحدك دا كان بيحصل مع ناس كتير، دا غير طبعا شكلى اللى اتغير.
_ وبعدين؟
= مفيش قررت أنى اتعالج فروحت مكان وقعدت فيه الأربعين يوم دول لغاية ما جسمى كله خف ورحعت طبيعى تانى.

أرتمت أميرة فى حضنى وهى تقول:

_ ربنا يبعد عنك اى شر ياحبيبى، ممكن أطلب منك طلب ياعمر؟
= طبعاً.
_ ممكن لو فى أى حاجة مضيقاك تحكى معايا تشاركنى متبقاش كدا عايش لوحدك عايز تسند الكل ومش عايز حد يسندك، وأنا اختك يعنى أكيد مش هاجى عليك وهيبقى هامننى أكتر حاجة أنك تكون بخير.
= متخافيش يا أميرة أنا بخير والله.
_ أنا مش بتكلم عن دلوقتى بتكلم على اللى جاى.
= اللى جاى دا مش بتاعنا، سيبيها على الله،. كل حاجة هابقى كويسة.
_ ونعم بالله.
= قوليلى بقى أخبار الكافيه إيه؟

قامت أميرة من جلستها وبدأت فى فتخ الأكل الذى كانت تأتى به وهى تقول:

_ بس عشان أنت تعبتنى معاك جدا.
= ليه كدا؟
_ أنا مش فاهمة أنت أزاى بتتعامل مع الناس اللى بتشتغل معاك دى، تقريبا كلهم مفيش عقل.
= بس غلابة والله يا أميرة، عارفة أنا بستحملهم بس عشا. عارف ظروفهم إيه، وبقول يمكن لة اتغلوا عند غيرى ممكن ميستحملش، فكويس أنى عارف أعمل دا.
_ ربنا يجعله فى ميزان حسناتك، يلا بقى نأكل عشان أنا جعانة جدا.
= يلا.

جلست أتناول الطعام أنا وأميرة، وبعدها تحركت من البيت وذهبت إلى الكافيه لكى أطمئن على بعض الأمر وارجع كل ماحدث فى تلك الفترة، أعرف أن أميرة تملك من الذكاء ما يكفيها لكى تدير هذا المكان ولكن لم يكن الذكاء فقط هو ما تحتاجه فى تلك المهنة، ذهبت وجلست بالمكان وبدأت فى مراجعة كل شئ أتسغرق منى الآمر وقتا طويلا فوجدت نفسى قد أستغرقت أربع ساعات وسط الاوراق والبضائع والدفعات التى تدفع للتجار، عرت بالتعب والنعاس فتحركت عائدا مرة أخرى للمنزل، وهذا بعدما انتهيت من مراجعة كل شئ.

فى اليوم التالى وبعدما انتهيت بعض المشاوير خطر برأسى أن أذهب وأجلس بعض الوقت مع عاليا، وحينما وصلت للمكان تفاجأت من أننى جئت من رحلتى:

_ أنت جيت امتى؟
= يادوب امبارح.
_ طب ومقولتش ليه.
= كنت مشغول شوية بتقفيل شوية حسابات فى الكافيه، وشوية أوراق كدا كان لازم اراجعها.
_ حمدالله على سلامتك، قولى بقى عملت إيه فرحلتك دى.
= أهو رجعت إنسان جديد.

لم تفهم عاليا ما أقوله، فقامت بسؤالى؟
_ يعنى إيه رجعت إنسان جديد؟
= أصل الرحلة دى مكانتش عشان شغل وكدا، دى زى ما تقولى فترة نقاهة اخدها عشان كان فى شوية مشاكل عندى وكنت بحاول افصل منها شوية.
_ المهم أنك اتبسطت!
=جدا أنا راحع متحمس لحاجات كتير جدا، أولها أنى اخدت قرار وهبدأ أشتغل على البوم كامل هنزله بأسمى.
_ دا خبر حلو أوى مبسوطة بيك جدا أنك أخيرا وافقت تعمل الخطوة دى.
= الفضل ليكى أنا قولت اجى ابلغك بقى بيها بدل ما اقولك شات وكدا.
_ وانا مبسوطة والله أنى شوفتك.

جلست أتحدث معها بعض الوقت، واثناء ذلك الحديث كنت ممسكا بهاتفى، وافتح الواتساب فوجدت رسالة من محمد وهذا هو الأخ الأكبر لشروق، أستغربت من ذلك الأمر فهو لم يتحدث معى منذ أن حدث بيننا تلك المشادة بسبب محادثتى لأخته، ماذا يريد إذن، فتحت تلك الرسالة لكى أعرف ما بها:
_ عمر أخبارك إيه، كنت محتاج أتكلم معاك شوية.

وقفت قليلا أمام تلك الرسالة ماذا يريد منى هل هذا الأمر لم يكتب له النهاية أبدا؟ هل سأظل عالقاً بشروق مدى الحياة وكل ما حولى يذكرنى بها؟، رددت عليه لكى أعرف ما فى جعبته:

= بخير الحمدلله، أومرنى!

وبعد مرور عشر دقائق من جلستى مع عاليا وجدته يرد علي قائلا:

_ أنا معرفش أنت عرفت أن شروق اتخطبت تانى ولا لأ، ومش عارف أثر المعلومة عليك قد إيه لأنى مش فاهم مدى علاقتك بيها، ولكن السؤال ياعمر فى حاجة فى شروق غلط؟

لم أففهم معنى سؤاله أو ماذا يريد:

= مش فاهمك بالظبط، ممكن توضح كلامك.
_ بص ياعمر شروق لما اتخطبت أول مرة جت فترة كدا حصل ما بينهم مشاكل واتدخلنا وصلحناها بعدها بدأت تتلكك، ومن فترة جالها عريس تانى أفضل الأول كانت رافضة وبعد أسبوعين لقيناها جاية لوحدها وبتقول أنها موافقة تقابل العريس، وفعلا اتخطبت ليه والراجل جاهز ويهتجوز بعد ٦ شهور، ومن يوم ما عرفت المهلومة دى وهى بدأت تلكك.

فى هذا الوقت فهمت مايدور براس أخيها لابد وأنه أساء الظن بها، ولكنى كان حتما علي أن افسر له هذا الأمر:

= بص يا محمد بكل صراحة كدا، شروق لسة ماعلقة بيا، وكل خطوبة بتتخطبها بتعمل كدا لمجرد أنها عايزة تهرب من التفكير فى الموضوع دا، وصدقنى أختك فعلا كدا بتضر نفسها قبل أى حد وبتظلم نفسها جدا.
_ طب وطالما هى متعلقة بيك كدا، وانت كمان قاهمها أكتر مننا أحنا، ليه مكملتوش مع بعض!
= لأن بأختصار يا صديقى كان فى مشكلة أكبر بكتير منى أنا واختك، المشكلة كانت فى أن فى شخص بيوقع مابينا دايما وكمان مش بيمل، وأنا مكنتش هقبل أن أختك تتحط قدام احتيار من الأتنين وانها تبقى مجبرة تختار شخص مننا.
_ قصدك على نور صح؟
= بالظبط يامحمد، المشاكل كانت بتوصل لكلام بيتقال عليا، وهو محصلش وبيكون بالدليل كمان، ولكن محدش فينا يعرف هى كانت بتعمل كدا ليه.
_ والله أنا اللى مبقتش فاهم حاجة خالص، ومبقتش عارف أنا بيوصلى إيه، وبيتخبى عنى إيه.
= لأنك بعيد عنهم، أنت لو عايش معاهم فى مصر كنت شوفت كل حاجة قدامك وقدرت تحكم عقلك لكن أنت خاليا بتسمع بس فدماغك بتمشى مع كل واحد شوية، قرب ليهم يا محمد حتى ولو مش هترجع خليك متابعهم دايما متفوتش يوم غير لما تطمن عليهم، حسسهم أنك موجود ساعتها هيتكملوا معاك براحتهم
_ أنا لازم أعمل كدا فعلا، شكرا ليك ياعمر على مساعدتك.
= لا عادى ولا يهمك، المهم ان الدنيا تبقى كويسة بس.
_ هحاول أعمل كدا.

جلست بعدها بعض الوقت مع عاليا، والتى لاحظت أن هناك أمرا جعلنى شاردا، كانت تريد أن تعرف ماذا حل بي ولكنى لم أكن أريد أن أخبر أحدا بعد ذلك عن تلك القصة، وقررت أن أغلق هذا الأمر حتى وإن حدث شيئاً يظل بينى وبين نفسى.

فى صباح اليوم التالى، كنت جالساً احتسى القهوة بالكافيه، وأتابع العمل وبعض الأشياء التى يجب على انهائها اليوم، وجدت هاتفى يرن من رقما لا أعرف من صاحبه، لم أجيب عليه فكنت مشغولاً كثيراً فى ذلك الوقت، ولكن ظل هذا الرقم يعاود فى الإتصال حتى رددت عليه:

_ الو، مين معايا؟
= إيه يا عمر أنا شروق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي