الفصل السابع والعشرون

فى بادئ الأمر كنت متعجباً، لماذا تتصل بي شروق الأن بعدما انتهى كل ما بيننا وقد أصبح هناك خلافات، لكن ربما حدث معها شيئاً، أو ربما اخبرها أخيها بحديثه معي، رددت عليها قائلا:

= إيه يا شروق، فى حاجة ولا إيه؟
_ اه فى، أنت ليه مش عايز تسيبنى فحالى؟
= أسيبك فحالك أزاى مش فاهم يعنى!
_ أنت مش كنت بتتكلم مع أخويا امبارح؟
= آه سألنى عن كام حاجة وجاوبته، ايه المشكلة؟
_ أيوا ليه أصلا تكلمه وتحكى معاه حاجة وأنت عارف أصلا أنى قفلت الموضوع دا وأنى أصلا اتخطبت تانى!
= لا هو مش أنا اللى كلمته يا شروق، اخوكى اللى دخل كلمنى وكان فاكر أن أنا وانتى على تواصل، وانا كل اللى عملته نكرت دا، وبعدها وضحتله الحقيقة اللى عمره ما هيقدر يشوفها.
_ وايه الحقيقة يا عمر اللى أخويا عمره ما هيشوفها؟
= الحقيقة أنك جبانة ياشروق، وعمرك فحياتك ما هتقدرى ولا تواجهى حد ولا تواجهى نفسك أصلا.
_ أنا مش جبامة ياعمر، أنا بعمل كل شئ أنا عيزاه.
= آه دا بأمارة أنك عشان تبطلى تفكير فيا بتروحى تتخطبى لراجل مش بتحبيه ولا عيزاه وتظلميه معاكى لمجرد بس أنك ميبقاش فبالك عمر، وطبعا دا مبيحصلش فبتقعدى تقارنى فدماغك وتخلقى مقارنات كتير وفى الأخر تيأسى فتفركشى وتكلمينى تانى.
_ لا يا عمر انا مش بخطب عشان أهرب منك، أنا وأنت اللى بينا انتهى وأنت عارف أننا مكناش هنعرف نكمل وآخر مرة اتكلمنا فيها كانت بتدل عن دا، وبعدين حتى لو بعمل كدا أنا حرة دى حياتى وانا حرة فيها.
= وأنا معملتش حاجة غير أنى جاوبت اخوكى على سؤاله، أنا فعلا قولتله أن مفيش تواصل مابينا ودا الصح ولكن أنتى بتتصلى بيا دلوقتى معرفش ليه.
_ بتصل بيك عشان أقفل صفحة مش عارفة هتتقفل امتى وازاى، بس هى لازم تتقفل عشان تعبت منها وتعبت من الكلام عنها، شوف جياتك يا عمر روح أخطب وحب وعيش حياتك.
= ياريتنى يا شروق بعرف أضحك على نفسى زيك.
_ عمر أنت ليه مصدق نفسك أوى كدا، مش يمكن أنت غلط!
= غلط فى إيه؟
_ يعنى مين قالك أنى لسة بحبك وبفكر فيك؟
= دى حاجات مش محتاج اعرفها من حد يا شروق، عمرك مهتبطلى تحبينى طول منا لسة بحبك، لما الاقى نفسى بطلت أحبك، ساعتها أنتى هتقدرى على دا، وأنا زى ما قولتلك صريح مع نفسى جداً، عشان كدا بقولك أنى بحبك وهفضل اقولها طول عمرى أنى محبتش غيرك وأن اللى حصل بينا بسبب الظروف المحيطة هو اللى بعدنا، لو كان حبنا دا اتولد فى ظروف تانية مكنش في حاجة تقدر تقف قصاده، بس يمكن هى دى محنة الحب اللى وقعنا فيها.
_ مشكلتك يا عمر أنك درامى زيادة عن اللزوم وخلقت لنفسك جو أنك أخر راجل فالكون، وأنى من بعدك مش هعرف أعيش مع أنى خطبت بعدك مرتين.
= والنتيجة؟
_ النتيجة دى بتاعت ربنا مش بتاعتنا يمكن ربنا مش رايدلى الشخص دا.
= أو يمكن كان عايزك تصبرى شوية معايا لغاية ما الأمور تهدى بس أنتى عايزة كل حاجة بسرعة!
_ معرفش ياعمر كل اللى أعرفه دلوقتى أن أنا مينفعش أتكلم معاك وأن دا غلط وأن أنا فحياتى شخص تانى دلوقتى، وأنى بحبه وبحترمه.

ضحكت كثيراً حسنما قالت تلك الجملة، فهى الأن تحاول أن تثير غضبى كى انفعل وتنهى كل شئ، ولكننى كمثل شجرة بها غصون تتطاير مع الهواء، وإذا بعاصفة تأتى تجعل من الغصون تنحنى، ولكنى أنا الجزع فيها فيظل الجزع ثابتاً بمكانه، ممسكاً بالغصون جتى تعود لأستقاماتها مرة أخرى، لم أميل مع كلماتها تلك وظللت أكرر ضحكى عليها حتى قالت:

_ عمر متستفزنيش ومتضحكى وأنت بتتكلم معايا بعد أذنك.
= بالعكس أنا مش بتستفزك خالص، أنا بقول الحقيقة والحقيقة هى اللى بتزعلك.
_ الحقيقة بتقول أن فحياتى راجل تانى، ويكلمك دلوقتى عشان انبهك لنفسك وأنك تبطل تفكير فيا لأنى خلاص مبقتش معاك.
= لا ياشروق الحقيقة بتقول أن ولا أنا ولا أنتى هنعرف ننسى أى حاجة كانت مابينا.
_ بس أنا عرفت أنسى ياعمر.
= أمال بتكلمينى ليه دلوقتى وبتحاولى تثبتيلى أنك مبقتيش تفكرى فيا.
_ بكلمك عشان أى حاجة حلوة كانت مابينا، وعشان أنت ياما وقفت جنبى وساعدتنى ونصحتنى، ودا واجب اردهولك ولو لمرة أخيرة.
= وكلامك دا أكبر دليل أنك منستيش حاجة.

فى تلك الوقت أثارت جملتى تلك زعر شروق، لم يكن هناك شخصاً قادراً على رؤية ما بداخلها ومرعفة ما تقكر فيه سواى، لم يكن هناك من أحبها واحبته من قلبها غيرى أنا، ليس هذا لأننى أفضل رجلا بالعالم ولكننى فقط من أجست معه بأنها وجدت نصفها الأخر، وكذلك أنا فمنذ الوهلة الأولى للقائى بشروق وأنا أحسست بأنى اتحدث معى جزءًا منى وكأنها هى من خلقها الله من ضلعى كأنها هى الضلع الذى ولدت بظونه لتتكون هى فى خلال الثلاث سنوات التى تصغرنى فيهم من ذلك الضلع، كما خلقتحواء من ضلع آدم، كأنها هى قدرى وقضائى الذى حكم على به، كانت شروق تعلم كل ذلك مثلى تماماً ولكنها فقط تخشى المواجهة لا تقوى على قول كلمة لا، لا تقوى على الوقوف أمام أهلها والبوح عما بداخلها، لا تقوى على أن تثول لأختها أنها قد اختارت عمر شريكاً لها ولا تريد أحدا سواه، فقط أنا من كانت لدى الجراءة بأن أقول هذا أمام الحميع، لم يكن الأمر منها سوى الخوف الزائد عن الحد، كانت شروق غاضبة كثيراً حتى وجدتها تنفر فى وجهى بالكلمات وهى تقول:
_ والله نسيت، وخلاص بقيت عايشة حياتى أبعد عنى بقى ياعمر وسيبنى فحالى.
= أنا سايبك فحالك ومكلمتكيش وأخر مرة اتكلمنا فيها كنت بقسى فكلامى لأنى كنت حاسس بالأهانة، وبالرغم من أنى ندمت على كدا بس كنت متوقع أن صفحتك انتهت للأبد وأننا مش هنتكلم تانى وهتفضلى تحبينى بس كرامتك مش هتخليكى تكلمينى، بس كل مرة بتثبتيلى أنى مكانتى فقلبك أكبر بكتير من تخيلى، فعمرى ما خصدقك يا شروق حتى لو قولتى أنك مش بتحبينى.
_ وأنا مش بحبك يا عمر.
= ممكن.
_ والله مبقتش أحبك خلاص، مش بحبك أنت مش فاهم!

فى تلك الوقت ولأول مرة منذ أن عرفتها، أشعر بنغزة بقلبى وكأن كلمتها بتلك الصرخة التى كانت تتحدث بها تركت أثراً سلبياً بداخلى، لم يكن لدى القدرة لتدارك الموقف وأنها تفعل ذلك من غضبها، فوجدت نفسى ارد عليها، وأنا أريد لأول مرة أن ينتهى الحديث، فكنت أحاول طوال تلمكالمة أن أجعل الحديث يستمر أكثر وقت ممكن ولكن ما فعلته جعلنى لا أقوى على نطق شيئاً أخر، فرددت عليها:

= تمام، يبقى مفيش داعى نكمل كلامنا، سلام يا شروق.
_ عمر استنى أنا لسة مخلصتش كلامى.
= ملهوش لازمة خلاص، مع السلامة يا شروق.

فى تلك الوقت أغلقت أنا المكالمة دون الألتفات لما تقوله وجلست قليلا بمكتبى أنظر للاشئ، و جدت عيناى تدمع لأول مرة حسرة على قلبى وما فعلته به شروق بتلك الجملة، فلو تعلم هى هذا الإحساس الذى شعرت به حينما قالت تلك الجملة، لما فعلت ذلك أبدا، لملمت نفسى سريعا فلم أكن أريد أن يرانى أحد العاملين بهذا الوضع، وخاصة أن أميرة قد تأتى فى أى وقت، خرجت من المكان ولا أعرف إلى أين سأذهب، كانت شروق تتصل به مراراً وتكراراً ولا أجيب عليها ظلت تتصل حوالى خمس مرات ولم اجيب عليها.

وصلت إلى البحر وركبت باصا تحرك بى، وجدت نفسى أذهب إلى أول كافيه جلسنا به سويا، كان هذا المكان فى السابق ملك لصديقى والذى باعه فى فترة الكورونا، ولكن لم يغير من الديكور شيئاً، جلست بنفس الطاولة التى جلسنا عليها فى أول مرة، حينما أحسست بحبها لى وأبلغت عيناى كلا منا الأخر بما يحمله بداخله من مشاعر، ظللت جالس على تلك الطاولة، لا أفكر فى شيئا، سوى ما حدث منذ قليل وما حدث حينما ةلتقينا بتلك المكان، كانت شروق مازلت تتصل بى ولم تيأس ولكنى لا أريد أن أجيب عليها، ولأول مرة أشهر بأننى أريد أن تخرج شروق من حياتى تماماً أريد أن أنهى كل شئ.

قمت من المكان لأننى كلما زادت لجستى به وهى تتصل أتذكر كل شئ ممرنا به أكثر أتذكر فقك كل لحظات الحب التى كانت بيننا، وفى النهاية وجدت نفسى أغلق الهاتف، ومن ثم تحركت بطريقة عشوائية، ووجدت نفسى نى نهاية الأمر بالقرب من تلك الشركة التى بها عاليا، وقفت قليلا أنظر إلى المكان ولا أعرف هل أصعد أم ماذا وكلنى فى النهاية قررت الصعود.

صعدت إلى المكان ودخلت إليه كانت عاليا غير متواجدة، ولكنى جلست قليلا مع إحدى الففتيات التى تعمل معها ، جلست ولا أتحدث كنت أجلس فى إنتظار حضور عاليا، كانت رأسى تكاد أن تنفجر، تحركت من غرفة المكتب إلى غرفة أخرى قد تم تخصيصها لكى يجلس بها من يتنظر ميعاد البروفة الخاص به، وجدت نفسى جالسا على إحدى الكراسى بتلك الغرفة، وأرجع رأسى للخلف واغمض عينى لكى ينتهى كل ذلك.

لم أشعر بنفسى إلا وعاليا تحاول ايقاظى، فقد نعست من كثرة التفكير والتعب الذهنى الذى أمر به، نظرت فى ساعة هاتفى فوجدتنى قد مر على ساعتين وأنا نائمل هكذا، لا أعرف كيف حدث ذلك، ولكنه لابد وأنه بسبب الأرهاق، نظرت إلى عاليا التى قالت:
_ صباح الخير يا أستاذ، جيت لقيتك نايم قولت اسيبك بس لقيتك طولت فقلقت لتكون تعبان.
= لا أنا بس الشمس تعبتنى شوية، ومعرفش نمت أزاى أصلا.
_ مش مشكلة عادى، لو عايز طيب أسيبك ترتاح شوية ماشى.
= لا لا، أنا كنت حاى عشان الموضوع اللى أنتى عيزانى فيه، بس مكنتيش هنا.
_ آه معلش كنت بجيب هدية لأختى عشان يعد ميلادها كمان تلت أيام.
= كل سنة وهى طيبة.
_ وأنت طيب وبخير يارب، أعمل حسابك أننا هنعمل عيد ميلادها فكافيه قريب من هنا وأنت معزوم ها.
= هيبقى امتى طيب.
_ يوم الحد الجاى.

سكت فى تلك الوقت قليلا، كنت اتذكر عيد ميلاد شروق وكيف كنت أحاول بكل جهدى أن افجأها ولكن فى النهاية كان أمرى مكشوفا بالنسبة لها، لاحظت عاليا تلك السكوت فقالت:

= إيه فى حاجة ولا ايه؟
_ مش عارف يا عاليا هعرف أحضر ولا لأ.
= ليه كدا بس، على فكرا هزعل منك جامد لو محضرتك.
_ أصل أنا المفروض يوم الحد دا كنت هروح أتقدم لواحدة بس هما قالوا ممكن نأجل يومين والمفروض هيردو عليا بكرا.

فى تلك اللحظة تحول وجه عاليا من الوجه المبتسم فبدأت تزول تلك الأبتاسمة شيئاً فشئ حتى أصبح وجهها جافاً تماماً من أى تعبيرات، وقالت لى وهى تستعد للخروج من تلك الغرفة:
= طب تمام مفيش مشكلة، مبروك.
_ الله يبارك فيكى، متزعليش.
= لا خالص ولا يهمك.

خرجت من الغرفة وأنا جالسا، لا أعرف لماذا فعلت ذلك، وما الهدف ومن حرق قلب فتاة تعلم جيداً أنها تحبك، دخلت صديقتها التى تعمل معها والتى كانت جالسة بالخارج، فوجدتها تسألنى:

_ عمر هو حصل حاجة لعاليا؟
= اشمعنا!
_ خرجت لمت حاجاتها وبتقولى أنها مروحة ومش هتقدر تقعد أكتر من كدا.

ضحكت كثيراً ومن ثم بدأت فى أيضاح الأمر لصديقها، وضحكت هى أيضا وقامت بسؤالى:

_ هو أنت بتلاعبها كدا ليه طيب؟
= والله مكنتش أقصد أنا كنت بهزر، على العموم أنا هخرج من الأوضة دلوقتى هنديهالك وهقعد برا لغاية ما تفهميها
_ خلاص ماشى.

خرجت من الغرفة وندهت على عاليا التى كانت ترد على بأمتعاض، وأخبرتها أن تدخل للغرفة للتحدث مع صديقتها، وانتظرت لالخارج حتى سمعت صوت الضحات العالية من صديقتها، فتقدمت للدخول إليهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي