الفصل التاسع والخمسون

يكفي نظرات أبيها لها فلا ينقصها غضب وانفعالات شقيقتها ووالدتها من الأساس فزفرت بضيق هاتفة:
_ ماخلاص ياشهد مش ناقصاكي بجد
صمتت شقيقتها فنظرت إليها والدتها بعتاب:
_ اختك بتحبك وخايفه عليكي وعلي كرامتك اللي دوستي عليها
أغمضت عيناها بقوة تستقبل نصائحهم بصمت وفي النهاية هتفت:
_ ممكن تسبوني أختار حياتي بقه! أنا بجد تعبت من المعافرة وماصدقت أوصل لبر الأمان ونكون مع بعض
_ تقومي تروحيله برجليكي! يوم فرحه!
تلاقت نظراتها هي ووالدتها بصمت فقطعته بعد برهة هاتفة:
_ لو كنتِ مكاني كنتي هتعملي أكتر من كدا
الإجابة جاءت من الذي دخل عليهم هاتفاً بجدية:
_ لا لو أنا بحبها مش هوصلها إنها تقلل من نفسها وأنا اللي هعمل المستحيل عشان أرجعلها
ثم كرر الكلمة ببطء:
_ أنا.. مش هي
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ثم نظرت إلي تعابير ملامح والدها التي لا تعبر عن خير فحل الصمت بينهم لدقيقة قطعه هو:
_ معلش ياشهد إنتِ وماما سيبونا لوحدنا
نظرت بطرف عيناها إلي خطواته التي استقرت علي المقعد الذي أمام فراشها فتلاقت عيناهما لدقائق، عيناه غاضبة بالتأكيد وعيناها متوترة لكن ملتمعه بالراحه هذه المرة لذا هتفت:
_ بص أنا سمعت كلامك في كل حاجة علي أساس أنه هيرجع زي ما قولتلي لكن هو مرجعش وكان لازم أرجعه
هز رأسه نافياً ثم زفر بهدوء قائلاً:
_ لا اللي عملتيه كان غلط، أنا لمّا وافقت علي جاسر قولت هشوف هيعمل إيه لكن مفيش خطوة جد أخدها بالعكس كمل في الهبل بتاعه وقبل ما أنزل من البيت قولتلك هو اختار وانسيه
أرجع ألاقيكي روحتيله!
لم تبكي! لم تضعف، هذه المرة ستقنعه بدلاً من أن يقنعها هو كعادته:
_ أنت غصبتني عليه مرة وأنا مكنتش موافقة، اتمنيت التاني وأنت موافقتش، ولم أنت وافقت علي التاني أنا حبيته هو، حمزة بيحبني وأنا متأكدة من دا، كان هيضيع حياته لو فضل معاها وهيظلمها وأنا برضو هظلم أي واحد تاني
هدأت نبرتها نوعاً ما وهي تهتف :
_ كلكم معترضين علي مرواحي ليه، بس محدش عارف ولا شايف أنا وهو هنكون عاملين ازاي واحنا مع ناس مبنحبهاش ولما تمر السنين ونبص لبعض كنا هنقول ساعتها ياريت حد فينا كان خد خطوة
هزت رأسها بقوة هاتفة:
_ أنا مش ندمانه إن روحتله يابابا، بالعكس أنا أرتحت كدا،
قام من مكانه هاتفاً بجدية:
_ تمام يانغم أما نشوف هيستحمل لغاية فين
بثقة أجابته:
_ زي ما أنا كنت السبب في أن يتغير للأسوء، أنا برضو اللي هرجعه زي الأول تاني
………………………………………………………………………
يبدو أنه عقاباً صارماً عكس ما تخيل، فمر عليهم أكثر من عشرين يوماً وهو علي نفس الحالة، كان يظن أنه مجرد يومان وعندما يتحدث معه مرة ثانية سيتفهم الأمر، لكنه في كل مرة يأتي ويهم بالحديث يخرسه بكلماته،
وما يجعله يصبر هو مهاتفتها له سرقة ورسائلها، تخاف الساذجة أن يقتحم والدها غرفتها ويأخذ الهاتف كي يعرف أهي تهاتفه أم لا، يكفي أخر لقاء بينهما عندما عاتبها علي ما فعلته لكنها أخبرته بمنتهي الجدية أنها حقاً تريده، أنها تحبه، وهو يتقبل ذلك علي مضض،
اليوم والدها يجلس بجانب شقيقه يتحدث معه، ويخبره مازن عن تغير حال أسِر وهمومه من ناحية حكايته مع ابنة شادي، رغم استغراب حمزة للأمر لكنه تمني له أن يعيش حياة هادئة مليئة بالحب :
_ وهو ناوي علي إيه!
وشقيقه يزفر بقلق ويهتف:
_ مش عارف، المشكلة إن الفترة دي تقريبا نهي معاها كل حاجة
عقد حاجبيه بإستغراب قائلاً:
_ مش بتقول بيحبو بعض، ليه نهي كل حاجة!
هز كتفيه بعدم معرفة لكنه تفوه برجاء:
_ حاول أنت تتكلم معاه، لإن كل ما أكلمه يقفل الموضوع ويزعق
قام حمزة من مقعده ثم دخل عليه غرفته فرأي حمزة يجلس علي الأريكة، فتضايق بعض الشيء من وجوده لكنه تعامل في حدود هاتفاً:
_ معلش ياحمزة ممكن تسيبني مع أسِر شويه، عاوز أتكلم معاه
هز رأسه بتفهم ثم وقف تاركهم علي إنفراد لكنه تحدث قبلها بتردد :
_ هنجيب المأذون أمته طيب!
تطلع إليه بإستفهام هو وشقيقه لكنه أردف بزفرة قوية:
_ بقالك عشرين يوم مذنبني كدا ولا أكن عيل صغير والله
لوي أسِر شفتيه بسخرية وكتم ضحكة كادت أن تخرج منه عفوياً ناظراً إلي ملامح عمه التي بقت علي جمودها فأجفله:
_ أنت فعلا بقيت بالنسبالي عيل صغير، لمّا تكبر كدا وتبق راجل هوافق ساعتها
كز علي أسنانه بغيظ ثم أغلق الباب خلفه في صمت، فنظر إليه أسِر هاتفاً:
_ بلاش تقسي عليه أوي ياعمو، هو بيحبها والله
_ عارف إنه بيحبها بس لازم يتربي
ثم أردف بإبتسامة وهو يتطلع إليه بشرود:
_ سبحان الله ياأسِر اتبدلت أنت وأخوك، زمان كنت بقولك أمته تعقل وتبق زي أخوك حمزة، أهو دلوقت أنت بقيت العاقل وهو اللي فلتت منه
ابتسم اسِر بتهكم ثم تفوه بتنهيدة:
_ محدش بيفضل علي حاله ياعمو، الحمد لله علي كل حال
رتب علي قدميه قائلاً:
_ أبوك قالي علي قصتك مع أسيل، إيه رأيك أخطبهالك
مازال علي تهكمه وهو يتحدث:
_ الموضوع مش سهل زي ما انتم شايفين، إذا كان مامتها بتضغط عليها بسبب شخص متقدملها ومقتنعه بيه وموافقه، هتيجي توافق عليا أنا بظروفي!
الأن فهم السبب الذي لم يعرفه شقيقه فعلق بنبرة حازمة:
_ مالها ظروفك إن شاء الله! أنت بس قدامك وقت وترجع تمشي تاني، وهما عارفينك كويس ولو هي فعلا بتحبك هتستناك،
ظل علي صمته فأردف حمزة:
_ بلاش تضيعها من إيدك المرادي ياأسِر، لإنك هتندم ساعتها
أسند رأسه علي طرف السرير ثم أغمض عيناه بقوة يتذكر أخر حديث بينهما وهي تخبره ببكاء عن تقدم أحد الشباب لها وموافقة والدتها بل إنفعالاتها معها وما كان منه إلا أنه هدأها حتي غطت في سبات عميق وفي اليوم التالي أخبرها أن تفكر في الأمر وإذا وافقت فعليها أن تتأكد أنه سيكون سعيد لها، ومنذ ذلك الوقت وهو لم يحادثها، تحاول معه لكنه في النهاية أغلق الهاتف جالساً في قوقعته.
دخول شادي عليهم في هذه اللحظة هو أخر شيء كان يتوقعه،
………………………………………………………………………………
أرادت أن تستنشق الهواء وتخرج من هذه الغرفة التي اصحبت فيها مايقرب من الخمسة عشر يوماً منذ إندفاع والدتها بالحديث معها في امر خِطبتها، مناوشات أصبحت بينهما حتي أن جميع من في البيت عرف، لم تلقي حتي السلام عليهم فأوقفها خالها حينها قائلاً:
_ إيه ياأسيل واخده بعضك ورايحه فين
والإجابه كانت خافته بعض الشيء:
_ خارجة أشم شوية هوا
لكنه تحدث بإبتسامة هادئة:
_ طب تعالي إقعدي شويه معانا، عاوز أتكلم معاكي
نظرت إليهم بتردد، جميعهم هنا فقط أدهم بالخارج استجابت لحديثه ثم جلست في مقابلة والدتها فأخفضت بصرها عنها فبدا آدم الحديث قائلاً:
_ إنتِ هتفضلي واخده جنب كتير ياأسيل! موقف وعدي ليه الزعل
تمتمت بصوت مُختنق:
_ مش موقف ياخالو، ماما زودتها معايا أوي لدرجة إنها عاوزه تخلص مني وخلاص
أغمضت أميرة عيناها بألم هاتفة:
_ أنا عاوزة أفرح بيكي
ابتسامة باهتة ظهرت علي محياها فتمتمت:
_ أنا لسه مفوقتش من اللي فات عشان تدخليني في جوازة تانيه أنا مش عاوزاها، ولا عندي استعداد دلوقت لدخول علاقة تانية وأنا نفسيتي وحشة
لكنها هتفت بتهكم:
_ لكن إنتِ كويسه ياأسيل وأعتقد نفسيتك دلوقت أحسن بكتير وحياتك ماشية ومبسوطة حتي جسمك بدأ يرجع زي الأول وملامحك نورت
نظرت إليهم واحداً تلو الأخر ثم هتفت تلقائياً:
_ عشان أسِر السبب في دا ياماما، لولاه مكنتش أنا بقيت كدا
_ أسِر
كلمة تفوه بها كل من آدم شادي حازم روان حتي والدتها في صوت واحد، هي يٌسر فقط من صمتت وكأنها تترقب الوضع بصمت تام.
مازالت محتفظه بإبتسامتها وأيضاً هدوئها، هي ستواجه حتي ولو هو كان يرفض هذا، لكنها تعرف جيداً مشاعرها تجاهه لذا ستصمد حتي لا تضيع هي منه جسدها ساكن كملامحها وايضاً حديثها:
_ وقف جنبي كتير، رجعت أحب نفسي تاني، بعد ما كنت ببص للمرايه قلبي ينقبض من شكلي بقيت أبصلها وأبتسم بثقه،
ثقتي بنفسي اللي إتهزت هو عرف يرجعهالي تاني
ثم أردفت بعيون شاردة وابتسامة مُتهكمة:
_ كنت شايفة نفسي وشكلي أكبر من سني، كنت حاسه إن عندي 60 سنه، بسببه حاسه إن لسه بنت مراهقة مستنيه أعيش حياتي من أول وجديد وكإن معشتهاش
وضعت راحتها أمامهم في إشارة بعدم معرفه وكذلك تهز كتفيها:
_ معرفش لقيت نفسي بحبه يوم بعد يوم، بس حب مختلف برئ، أحلام بسيطة
مسحت دمعتها التي هربت منها دون وعي:
_ حلمه يقوم يخطبني، وحلمي أشوفه واقف علي رجليه تاني
نظرت روان إليها بشفقة علي حالها فتفوهت:
_ بس أسِر لسه قدامه وقت، وقت إحنا مش عارفينه قد إيه، يوم أو سنه أو أكتر
بإبتسامة ونبرة مهزوزة تفوهت:
_ وأنا برضو ياطنط قدامي وقت كبير أوي علي ما أتقبل فكرة وجود زوج وبيت وأسرة ومشاكل، مش قبل خمس سنين علي ما أحسن إن فعلاً عاوزة أتجوز
هز آدم رأسه بعدم فهم:
_ إزاي بتقولي بتحبيه وبرضو تقولي خمس سنين!
أخرجت ما بجبعتها هاتفة:
_ أنا في الوقت دا محتاجة وجود أسِر كصاحب أكتر ماهو حبيب، عارفة ومتأكدة لو أتجوزت دلوقت حتي لو إتجوزت أسِر أنا حياتي مش هتمشي، وممكن ننفصل لإن الماضي لسه مأثر عليا، أنا عصبية ولساني بيفلت وقت غضب، التجربه مكنتش سهله وغيرت فيا حاجات كتير فيا، لازم قبل ما أتجوز أكون صلحت دا فيا، ودا محتاج وقت كبير
نظر والدها إليها بصمت يحاول فهم سبر أغوارها ،حتي والدتها قد فوجئت بما تعانيه ابنتها هي لم تصل إلي بر الأمان حتي الآن،
شقيقها لا يعرف ما يجب أن يقوله، في حيرة مما يحدث لكن صمت التي بجانبه جعله يشرد بعيداً عن الحوار مركزاً علي ملامحها.
أسندت أسيل ذراعيها علي قدميها ثم براحتها فركت وجهها بضيق هاتفة بعد صمت:
_ لولا أن عارفة ظروف أسِر في الوقت دا أنا كنت مستحيل أقرب منه أو أحبه، لكن أنا عارفة إن زي ما هو قدامه وقت فأنا برضو قدامي لسه وقت، وإحنا الإتنين محتاجين بعض الفتره دي لغايه ما نقف علي رجلينا تاني
هنا تفوهت والدها أخيراً:
_ وهو عارف إنك هتتكلمي معانا
لوي شفتيها بإبتسامة مريرة ثم تفوهت ما قاله بالنص:
_ لمّا قولتله كان رد فعله إنه خلاني أهدي وبعدها بيوم قالي أنا عاوزك تفكري بواقعية أكتر، وإنا مش هزعل منك بالعكس هكون مبسوط من جوايا وهتمنالك كل خير
لكنها أردفت بجدية تامة:
_ أسِر يستاهل يعيش حياة طبيعية ويفرح، أنا لولا إن محتاجة وقت لسه كنت خليته يكلمكم ونتجوز، موضوع إن يمشي أو لا دا أنا مش فارق معايا،
أنهت حديثها بقرار حاسم:
_ أنا عمري ما هتخلي عنه في يوم ولا أجرحه، لإن أنا شفيت علي إيده هو
ثم تركتهم في ذهول ونظرات تجاه بعضهم البعض
قطع هذا الصمت حازم يوجه سؤاله إلي خطيبته:
_ إنتِ كنتِ عارفة!
تطلعت إليه في صمت دام لثواني ثم تمتمت:
_ أيون
لوي شفتيه بإبتسامة متهكمة ثم هز رأسه بإستنكار قائلاً:
_ ومقولتيش ليه! ولا دي برضو قالتلك فيها متحكيش!
عيناها تلتمع بغضب من طريقة حديثه علناً أمام أسرتها لكنها حاولت تماسك أعصابها التي من الممكن أن تنفلت إذا زاد الحديث في هذا الجو المتوتر:
_ لا عشان الموضوع ميخصنيش ياحازم، دي حياتها هي
_ بس كان لازم تقوليلي، علي الأقل أنا أخوها وإنتِ مراتي
نبرته إرتفعت بعض الشيء عليها فتمتمت بهدوء علي عكس الضيق الذي بداخلها:
_ مين قال إنه لازم! هل أنا أعرف علاقة أخويا بخطيبته إيه! شوفتني في يوم إتدخلت بينهم !
زفر بضيق ثم كاد أن يتحدث لكنها وقفت هاتفة بضيق:
_ لو سمحت ياحازم لمَ تحب تتكلم معايا في حاجة يبق بيني أنا وأنت وبس
ثم استاذنتهم ذاهبة إلي غرفتها
نظر آدم إلي شقيقته هاتفاً:
_ إنتِ رأيك إيه ياأميرة، وأنت ياشادي
أطلقت أميرة زفرة حارة ثم تفوهت:
_ مش عارفة ياآدم، مش قادرة أستوعب كلامها أصلاً
تمتم شادي بعدها بتنهيدة:
_ أنا أهم حاجة عندي هي راحة أسيل، وموضوع إنها ترتبط دلوقت دا أنا مش موافق عليه أصلا
………………………………………………………………………………
دخوله عليهم دون سابق إنذار جعل تفكيره يقف علي جملة واحده ، هو أتي يخبرهم عن خطبة ابنته، رحب به كل من مازن وحمزة وظل يتحدثون في أمور كثيرة حتي انهي شادي حديثه قائلاً بتساؤل:
_ أسِر صاحي! عاوز أتكلم معاه شوية
نظر كلاهما إلي بعض في قلق فإستشف هو من نظراتهم بشيء غامض فتمتم حمزة قائلاً:
_ أتفضل
نظر شادي إلي مازن الذي أخفض بصره دون حديث فتنهد ذاهباً إلي الأخير في صمت،
تلاقت عيناهما في صمت، شعر حينها أسِر بشيء غير سار، نظرته تخبره بمعرفته بعلاقته بإبنته، هل شعر بالرعب في هذه اللحظة! هو أبدا ما خاف من شيء ولا حتي شخص، واليوم أصبح يخاف ويخشي عواقب حبه، ابتلع ريقه بصعوبه ثم تمتم بخفوت:
_ اتفضل ياأونكل، عامل إيه
أغلق شادي الباب خلفه ثم استدار إليه ينظر إلي ملامحه المنكمشة وعيناه الذابلة فعقد ساعديه أمامه قائلاً بترقب:
_ أنت علاقتك وصلت لفين مع بنتي
دب الرعب داخل قلبه وهو يستمع إلي جملته، لا بد أن ابنته أخبرته بكل شيء، شعر بتوقف عقله الأن ولم يسمع غير نبضات قلبه المنفعلة، عندما لم يتحدث ضيق عليه شادي المسافة قائلا:
_ ما تتكلم ياأسِر
نبرته كانت منفعلة بعض الشيء:
_ أحاول أستوعب الموقف بس ياعمو وهرد عليك لإن دماغي وقفت دلوقت بجد ومفيش كلمه راضيه تطلع
ابتسم شادي عفوياً من طريقة انفعاله ثم صمت منتظر تفوه بأي شيء
دقائق مرت عليهما يحاول أسِر تنظيم أنفاسه بهدوء وهو يغمض عيناه حتي هدأ أخيراً بعد ما يقارب العشر دقائق، ثم بدأ حديثه بنبرة غامضة:
_ في الدولاب بتاعي في صندوق صغير ممكن حضرتك تجيبه
استغرب شادي حديثه وطلبه لكنه هز رأسه بإيجاب ذاهباً تجاه هذا الدولاب ومن ثم أحضر الصندوق الخاص به، تطلع إليه بترقب ثم وضعه علي الفراش أمامه فتمتم أسِر في هذه اللحظة:
_ الصندوق دا في كل أحلامي اللي عاوز أحققها، لمَّ أقوم إن شاء الله ،ممكن تفتحه
عقد حاجبيه بإستغراب وهو يستمع كلماته فيما بعد:
_ أنت أول واحد هتشوف اللي جوه الصندوق دا، بالترتيب
تطلع شادي إلي محتوياته بالداخل أوراق مطوية بداخلها كلمات بخط يديه،
أمسك أول ورقه أمامه ثم فتحها فتطلع أليه بدهشة وهو يقرأ محتواها فأكد أسِر علي الكلمات المكتوبة هاتفاً بتنهيدة:
_ أيون حلمي أتجوزها وأخلف منها ولد
ثم ظهرت ابتسامة باهتة علي شفتيه وهو يفرز الورق أمامه واحدة تلو الأخري هاتفاً:
_ كنت متخيل إن أحلامي بسيطة ممكن أقدر أحققها، أتاري الحلم الأول فيهم كبير أوي، لدرجة إن ممكن ميتحققش
ابتسم شادي وهو يقرأ محتوي الورقه التي أمامه:
_ تقدم في الثانويه!
_ أكتشفت أن العلم أهم من كل شيء، لا الانسان بيدوم ولا الفلوس، اللي بيدوم هو عملك وتأثيرك علي الناس
غير أسِر مجري حديثهم ثم هتف بهدوء:
_ ممكن تعدل رجلي ياعمو! معلش هتعبك معايا
ظهر شبح ابتسامة علي ملامحه وهو يستجيب إلي حديثه فإقترب من قدميه وضغط بأنامله عليها حينها تحدث أسِر بنبرة ذات مغزي:
_ من فترة مكنتش بحس بأي حاجة تلمس رجلي، دلوقت بقيت أحس ، يعني دلوقت حاسس بصوابعك وهي علي رجلي
ثم ابتسم مٌردفاً:
_ أسف مكنتش عاوز أعدل رجلي ولا حاجة، كنت حابب أوصلك رسالة
_ الرسالة وصلت ياأسِر
قالها بإبتسامة شقت ملامحه هذه المرة، فسمعه يهتف مرة أخري ليس توتراً كما كان في البداية لكن بتعقل، بتحكم:
_ أنا بسعي وبعمل اللي عليا وأتمني ربنا ميضيعش تعبي، من يوم ما دخلت أسيل حياتي وأنا حاسس إن بسابق الزمن، خايف ونفسي أقوم النهاردة قبل بكرة، حاولت أتخيل حياتي من غيرها الفترة اللي فاتت وإنها هتبق مع غيري لقيت الموضوع صعب تقبله، ومع ذلك راضي باللي ربنا كاتبهولي،
اهتزت نبرته نوعاً ما مع سؤاله:
_ مش ربنا هيراضيني!
ربت شادي علي قدميه بحنان هاتفاً:
_ هيراضيك ياأسِر، أنت تستاهل كل خير
ابتلع ريقه مع سؤالة المتوتر:
_ يعني أستاهل بنتك! ولا ظروفي تمنعني
قام شادي من جلسته يدور في الغرفة ببطء هاتفاً:
_ أنا رافض دخول بنتي في علاقة دلوقت ، عاوزها تشم نفسها وتعيش حياتها مش تخرج من واحدة وتدخل في التانيه
_ أنا مش عاوز غير إن أربط كلمة مع حضرتك، الوقت دا بتاع ربنا، صدقني لو ربنا مأرداش إن أقوم أنا مش هظلمها معايا ،بس أنا حاسس أن هقوم، وخايف لما أقوم متكونش معايا
ظل صامتاً يسمعه بإعجاب علي طريقة يقينه بالله وإصراره علي ما يفعله، لذا هتف بعد صمت دام لدقائق بنبرة غامضة بعض الشيء، ذات مغزي قوي:
_ انا جيت اشكرك عشان كنت السبب في ان بنتي ترجع تحب نفسها تاني ياأسِر
ثم تركه خارجاً من غرفته يعقد حاجبيه بإستغراب يشوبه ضحكة غريبة ودقة قلب منفعلة ..
…………………………………………………………………………………
دخل غرفتها بعدما عاد منزلهم يطمئن عليها، رأها تنظر إلي السقف بشرود فإبتسم تلقائياً ثم دخل وأغلق الباب خلفه
اعتدلت هي في جلستها ثم هتفت:
_ إتفضل يابابا
نظر حوله فتحدث متسائلاً:
_ شادي فين!
_ مسك في يٌسر قالت هتنيمه
هز رأسه بتفهم ثم جلس مقابلتها فتمتم:
_ أنا كنت عند أسِر
انتفضت هاتفة:
_ إيه! ليه، أوع تكون اتخانقت معاه يابابا
ظهرت ابتسامته الحانية ثم ملس بأصابعه علي وجنتيها هاتفاً:
_ لا كنت بشكره إنه كان السبب إنك ترجعي أحسن
هدأت ملامحها بعدما أخذت أنفاسها ثم سألته:
_ واتكلمتو في إيه
قص عليها كل شيء فإتسعت ابتسامتها تدريحياً ثم تفوهت:
_ يعني حضرتك شبه موافق!
هز رأسه فما كان منها غير أنها ارتمت داخل احضانه تخبره كم هي تحبه.
………………………………………………………………………………
قاربت الساعة علي الواحدة صباحاً وهو جالس في مكانهما المعتاد ينتظرها، لكنها تأخرت كثيراً، يبدو أنها غاضبه منه بسبب حديثهما صباحاً بسبب شقيقته، يزفر بضيق من وحدته، هو اعتاد نومتهما علي الأرجوحة منذ ان عادو من الخارج، يحتضنها ثم ينام، أيهاتفها! أم ينتظرها! حدسه يخبره أنها ستأتي..
لم يدم تفكيره طويلاً وهو يراها تقترب منه لكن بوجه ضائق حتي أنها جلست دون أن تتفوه بكلمة، لوي شفتيه بإبتسامة علي طفولتها هذه ثم قطع هو المسافة بينهما واضعاً ذراعيه حول عنقها يجذبها داخل احضانه، هامساً في أذنيها:
_ كنتِ هتنامي وتسبيني قاعد كدا لوحدي
بنبرة ضائقة أجابته:
_ عشان بجد مضايقة منك ياحازم، طريقتك النهاردة مكنتش حلوه
قبل رأسها بحنان:
_ أنا بشاركك كل حاجه في حياتي، الصغيرة قبل الكبيرة بقولهالك، لكن إنتِ لا، ودا مضايقني
هدأت نبرتها هي الأخري ثم تفوهت:
_ أنا بشاركك حياتي أنا ياحازم مش حياة غيري، وبعدين المفروض تبق مبسوط أن مش زي البنات التانيه اللي تفضل ترغي وتصدع خطيبها ولا جوزها
بأنامله وضعها علي ذقنها فرفع وجهها كل يكون في مقابلته هامساً أمام عيناها:
_ كل حرف بيطلع من شفايفك أنا بعشقه، فما بالك لو حديث طويل، صدقيني مش بكون مركز غير في تعابير وشك ورفعة حواجبك، وابتسامتك حتي ضحكتك
أغمضت عيناها تنتظر خطوته القادمة وهي شفتاه التي تجوبان علي وجنتيها ببطء حتي تصل إلي شفتاها فتستجيب لعاطفته لدقائق هاتفة بعدها بنبرة غريبة ومشاعر أكثر غرابة تجاهه:
_ احساسي معاك غريب ياحازم، كلمة منك بتخليه يدق بطريقة غريبة، فما بالك لمسه منك!
ضمها بقوة لصدره هامساً ومازالت أنفاسه تلاحقة:
_ نفس أحساسي معاكي، إنتِ جننتيني يايٌسر والغريب أن حابب الجنان دا
ابتسامة ظهرت علي شفتاها وهمسة سمعت هي عواقبها علي صدره:
_ بحبك
……………………………………………………………………………
_ أنا مسافر بكرة، أتصرفي عاوز اشوفك بدل ما أتجنن وأعمل مشكلة
جملة قرأتها وهي تمسك هاتفها تتطلع إليه بقلق تراسله:
_ هتشوفني إزاي، أنت عارف بابا مزودها معايا
_ ماليش فيه يانغم إتصرفي، أحسن والله هطلعلك واللي يحصل يحصل
ظلت تدور في غرفتها بتوتر، تفكر في شيء لعلها تخرج من هذا المأذق الذي وضعها فيه فأمسكت هاتفها عندما تعالي برنين رسالته من جديد:
_ هسبقك علي الشقه فوق، ربع ساعه لو مطلعتيش هتلاقيني عندك

زفرت بضيق من جنونه فذهبت إلي غرفة شقيقتها لعلها تساعدها
نظرت إليها شهد بإبتسامة ساخرة بعدما قصت عليها ما يريده فهتفت:
_ سبحان مغير الأحوال، ماقولنا من زمان بيحبك لازم يعني جو الأكشن والبلاوي اللي حصلت دي
ظلت تأكل في أضافرها بتوتر هاتفة بضيق:
_ شهد أنا مش ناقصاكي، أنا خايفه بجد عليه، إنتِ عارفه بابا مش طايقه أصلاً
هزت كتفيها بلا مبالاه هاتفة بتأكيد:
_ بصراحة ولا أنا طايقاه
_ شهد
اطلقت شهد ضحكة صافيه وهي تري نظرة الحِدة وكذلك النبرة، شقيقتها أصبحت تعشقه لأبعد حد ممكن، حتي أنها أصبحت تغضب إذا تحدث أحد عنه بشيء لم يعجبها لذا تنهدت هاتفة:
_ طب إطلعي ولو حد سأل هقولهم إن روح اتصلت عشان عاوزاكي تعملي معاها حاجه
هزت رأسها بإيجاب ثم خرجت تتسحب كلص خارج الشقة،
تدور ببصرها أعلي وأسفل تخاف أن يراها أحد حتي وصلت إلي شقتهما فقبل أن تطرق الباب كان هو يفتح يجذبها غالقاً الباب خلفهما بالمفتاح
تنفست الصعداء وهي تتفوه بضيق علي مايفعله:
_ أنت مفيش فايدة في جنانك! أفرض حد كان شافني بقه
بأنامله يزيح حجابها كي يري شعرها الذي في كل مرة ينسدل أمامه يثير جميع حواسه فيقترب أكثر يستنشق عبيره هاتفاً بصوت متقطع:
_ وحشتيني يانغم ومبقتش قادر أصبر أكتر من كدا
تلاقت عيناهما لثواني معدودة وانفجر حينها بركان شوقهما الأثنان مع تلاحم جسدهما بإعصار
قبلاته المنجرفة علي عنقها ومن ثم وجهها تجعلها تبتعد عنه بحذر مما سوف يحدث، يكفي المرة الماضية فهمس بنبرة مشتعلة وهو يبتعد عنها بنبرة جعلتها تضحك:
_ عارفة ياست نغم إنتِ لم أكتب عليكي أنا هعمل فيكي إيه
وعيناها اللامعة وهتافها المشاكس جعله يخبرها ماذا هو بفاعل:
_ هتعمل إيه يعني
كاد أن بقترب منها مرة أخري لكنها ابعدته هاتفة:
_ خلاص خلاص بهزر ياحمزة
زفرة أطلقها جعلتها تحاوط وجهه براحتها هاتفة أمام عيناه :
_ أنا بحمد ربنا إن لحقتك ورجعتك لحضني تاني
ثم هتفت بغيرة واضحة:
_ كنت زمانك في حض...
قاطع باقي كلمتها بضمة إلي صدره يخبرها كم هو يعشق تفاصيلها هي فقط وكل ما حدث ماهو إلا غباء وانتحار من نفسه :
_ أنا اسف علي كل اللي حصل مني تجاهك، أنا بحمد ربنا إنك فوقتيني يانغم في أخر لحظة
تلاقت عيناهما في صمت وهو يضع جبينه علي جبينها هاتفاً بهمس ضائق:
_ ليه سبتي اللي اسمه جاسر دا
لكنها اجابته بهمس جعل قلبه يقفز بين ضلوعه :
_ مكنتش معاه عشان اسيبه، أنا قلبي وجسمي بقه ملك ليك أنت، حتي لو أنت كنت أتجوزت
أهة أطلقها جعلها تهتف بغمزة:
_ سلامتك
قبل رأسها بإعتزاز هاتفاً :
_ سامحيني يانغم علي اللي عملته معاكي، أنا مش قادر بجد أسامح نفسي
ملست علي وجهه بحنان هاتفة:
_ هسامحك لو صبرت علي بابا وبطلت جنانك دا
_ نظرة عنيكي يانغم اللي مخلياني صابر وهصبر لغايه ما يوافق
احتضنها بقوة عاصرة يخاف أن تأتي اللحظة التي تخبره فيها أنه ستذهب إلي شقتها مرة اخري ..
غدا سيسافر إلي عمله بعدما مكث هنا مايقارب الشهر بسبب اختبارته الدورية ،شهراً لا يستطيع ان يتقابل معها، منذ أخر موقف حدث، اليوم يشعر أن روحه تعود من جديد،
…………………………………………………………………………
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي