الفصل التاسع عشر

كانت تشعر بالتوتر و الكثير من الخوف تهز جزعها إلى الأمام و الخلف نتيجة لذلك ، كلما تتخيل أن أختها وحدها بالداخل وسط مجموعةٍ من المتوحشين تصاب بالمزيد من الرعب ، انتبهت لقبضة يدٍ تدق على النافذة بجانبها ، زعرت لوهلةً و لكن سرعان ما رأت وجه على و تذكرت أنها سبق و اتصلت به عندما شعرت بالتوجس من تأخر عمر و شمس بالداخل
فتحت زجاج النافذة فاندفع سؤاله الملح إليها : أين هما ؟
-إنهما داخل الحلبة منذ أربع ساعات
التفت إلى سحر الواقفة خلفه : ابقى معها داخل السيارة إلى أن أعود
-لما لا نتصل بالشرطة . يبدو هذا المكان غير قانونياً
-إن أتت الشرطة فلربما يتورط عمر و شمس مع الذين في الداخل
فتش بين جماهير الحلبة عن وجهيهما و لكن دون جدوى ، استغل انشغال رجال الأمن مع المباراة البادئة للتو و تسلل إلى الغرف المنزوية بالمبنى يفتشها تلو الأخرى إلى أن عثر عليهما مقيد كل منهما ظهره للآخر ، اقترب منهما و أزال اللاصق من على فمهما فكان عمر أول من تحدث : خالى العزيز كنت أعلم أنك ستأتي لتخليصنا
بدأ بفك يديه و هو يجيبه : اصمت أيها الأحمق ….أفعل هذا لأجل أمك المسكينة و حسب
تحدثت شمس وهي تقلب عينيها : هل يمكن أن تسرع لم أعد أشعر بيداى
-حاضر يا جلالة الملكة
توقفوا عن الحديث حينما وجدوا أنفسهم محاصرين من رجال الأمن موجهين المسدسات نحوهم ، رفع على يديه مستسلماً فاقتادوه إلى غرفةٍ مليئة بالأثاث الفاخر ، يجلس على المكتب فى صدارتها رجل يرتدي حلةً سوداء : إذا هذا هو المتسلل يا حامد
أجابه الرجل الممسك بعلى : نعم يا سيدى
-لم آتى لإحداث بلبلة……أردت فقط أخذ الفتاة و الفتى المحتجزان
- ماذا يقربان لك ؟
- الفتاة ابنتى و الفتى ابن اختى صدقنى لولا خوفى على ما سيحدث لأختى كنت تركته لكم
- عمر زبون دائم لدينا و يعلم جيداً قوانيننا و التى تقتضى بعدم السماح بدخول النساء
- سأدفع لك المبلغ الذى تريده مقابل اطلاق سراحنا و أعدك أن لا يصل الأمر إلى الشرطة
اشعل غليونه بعود ثقاب و من ثم وضعه فى فمه و هو يجيبه : المسألة ليست مالاً يا سيد……لم تخبرنى عن اسمك
-اسمى هو على
- اسمعنى يا سيد على نحن الآن بحاجة إلى مصارع فى المباراة الأخيرة لأمسية اليوم و إن لم نجده سيقلب هؤلاء الغوغائيون فى الخارج المكان رأساً على عقب
نظر إليه على بمزيد من الدهشة فلم يكن يتوقع أن يصل حوارهما إلى هذه النقطة : تريدنى أن أكون أنا المصارع……و لكنى لم أمارس هذه الرياضة من قبل
-لديك بنية قوية هى الشئ الوحيد الذى ستحتاج إليه أما بالنسبة للقوانين فلا يوجد….. فقط عليك أن تبقى على قدميك حتى تفوز
ظلت سحر تروح و تجئ ذهاباً و إياباً تفرك يديها بعصبيةٍ بينما تراقب الخارجين من الحلبة و كلما مضى الوقت ازداد رعبها و كثرت التكهنات فى عقلها لما يمكن أن يكون قد حدث لهم ، لاحظت أن رجال الأمن الواقفين أمام البوابة قد بدأوا فى التهامس و النظر نحوها فآثرت العودة إلى السيارة لتجد قمر تبكى بحرقة
: أرجوكِ يا قمر توقفى عن البكاء…. أعصابى تالفةٌ بما فيه الكفاية
تحدثت من بين دموعها و شهقاتها : أنا خائفة لا أريد أن أفقدهم كما فقدت أمى
ربتت سحر على ظهرها بينما تخرج هاتفها من الحقيبة و هى تشعر بالشفقة لحالها : اهدئي و أنا سأجد حلاً
اعتصرت عقلها و هى تمر بقائمة الأسماء لا يمكنها الاتصال بأمها فستغضب و تنزل عليهم عقوبة لا تحتمل ، جاء فتحى فى بالها فهو الوحيد الذي يمكن أن يشاركها التفكير فى أمرٍ كهذا
أخبرت فتحى بكل ما حدث فوعدها أنه سيجد الحل و لكن عليها أن تبقى فى السيارة دون ارتكاب أي حماقة
وجد على نفسه فى القفص محاطاً بالهتافات و أمامه رجل ذكره برؤيته بالحكايات التى كان يسمعها في صغره عن رجل الكهف ، كان مفتول العضلات بشكل لا يصدق ، شعر رأسه متطاول غير مهذب و كذا لحيته و شاربه ، بدا و كأنه على وشك مصارعة كائن لا يمكن التواصل معه بأية لغة ، نظر إلى شمس و عمر و شعر بالضيق لأنهم سيشاهدونه وهو يضرب ، مضت نصف ساعة كان قد تلقى فيها العديد من اللكمات فى جميع أنحاء جسده أكثرها فى وجهه ، لم تستطع شمس التحمل إثر ما رأته فجثت على ركبتيها من الخوف و بدأ الندم يأكلها وهي السبب في ما يحدث الآن ، أصبح على الآن ملقىً على الأرض لا يعلم كيف إلى الآن بعد كل هذه الضربات ما زال يتنفس بل و يعى ما يدور حوله ، شعر بذلك المصارع وهو يمسكه من قدميه يجره فى أنحاء القفص آخر ما سمعه هو صوت سارينات الشرطة و بضعة أقدام تدور حول القفص و الكثير من الهرج و المرج قبل أن يفقد الوعى ، رأى نفسه جالساً أمام والده فيما يشبه المحكمة ، بدأ والده بتدخين سيجارة و من ثم أطلق دخاناً من أنفه و هو ينظر إليه نظرة شاملة : ماذا فعلت يا على فى الخمسة أعوام التى غبتها عنك ؟
-أصبحت مهندساً معمارياً بارعاً وأصبح يشار لى بالبنان فى مجال عملى
ضحك ضحكة هازئة : لم أقصد هذا أيها الساذج……عندما كنت في مرض موتى هرطقت كثيراً و قلت أنك ستودع أتباعى السجن و لكنك إلى الآن لم تفعل شيئاً من ما هددت به
أصابته الدهشة فكيف يعرف بهذه الأمور . هل تطوف الأرواح بعد موتها و تعلم بأخبار ذويها : لا تقلق سيدخلون عاجلاً أم آجلاً
وضع السيجارة فى فمه قبل أن يخرج دخانها من فمه و أنفه و هو يتابع : أتعلم يا على أنت مجرد فاشل كبير …..أنظر إلى نفسك تنتفض كورقةٍ فى مهب الريح خوفاً منى على الرغم من أنك تعرف جيداً أننى ميت و لن أستطيع إيذائك
بدأت الأصوات حوله فى الازدياد و عجت الغرفة بأناس لم يعرف من أين أتوا يرددون خلف والده كلمة فاشل و من ثم تصدعت أرضية الغرفة وخرجت منها أيدى لأناسٍ يشبهون الزومبي يسحبونه من قدميه نحو هوةٍ عميقة بينما تمطر السماء من فوقه بغزارة وعند هذه النقطة سمع صوت فتحى ينادي باسمه
فتح عينيه ليجد وجه فتحى أمامه و بيده زجاجة ماء يرش منها قطرات على وجهه : حسناً توقف يا فتحى ، لقد استيقظت
نظر حوله فوجد نفسه ما يزال داخل القفص و تذكر المباراة: ماذا حدث ؟ أليس من المفترض أن أكون ميتاً الآن !
-أنقذناك في اللحظة الأخيرة
- ماذا تعنى !
- أتت الشرطة و أخذتهم جميعاً ، لم يكمل جملته حتى وجد الجميع حوله سحر و قمر تبكيان بينما شمس صامتة و عمر ينظر بنظرة نادمة إلى ما آل إليه وجهه
نهض ينفض ملابسه متحاملاً على أوجاعه و بلهجةٍ حازمه : أنا بخير توقفا عن البكاء
تحدثت قمر من بين شهقاتها : أنا آسفة حقاً كل ما حدث بسببي كان على أن لا أسمح لشمس بالدخول…….
كان يشعر بالكثير من التعب و يكاد يفتح عينه اليمنى بصعوبة بسبب اللكمة التى أخذها من خصمه فيها فتحدث من بين أسنانه : حسناً يا قمر لنتحدث لاحقاً ، أنا سأذهب مع فتحى و أنتم عودوا إلى المنزل مع سحر
اطمئن إلى أن فتحى قد ابتعد بالسيارة عن سحر و البقية و من ثم بدأ بالصراخ و قد فاض به الكيل من الألم الذى يجتاح جسده ، ارتبك فتحى من المفاجأة و انحرفت السيارة منه قليلاً : ماذا هناك يا على !
جاهد كى يتحدث و يرتب الكلمات فى عقله قبل أن ينطقها : خذنى إلى اقرب مستشفى بسرعة الألم سيقتلنى
-أين بالضبط ؟
- إنه ذراعى الأيمن كسره ذلك اللعين
- احمد الله أنك خرجت من تحت يديه حياً و لطن لماذا بدأت تشعر بالألم الآن …..كنت بخير منذ قليل
- أيها الذكى هل كنت تريد أن أصرخ أمام سحر وقمر ألم ترى كيف كانت حالتهما
عاود على الصراخ و الأنين مرةً أخرى فألقى فتحى إليه قطعةً بلاستيكية على شكل ضفدع : عض عليها فى فمك ، بدأ أصحاب السيارات الأخرى ينظرون إلينا
وضعها فى فمه امتثالاً لأمره و هو يتسائل عن ماهيتها ، وضع له الطبيب جبيرة على ذراعه و نصحه بوضع الثلج على كدمات وجهه كى تزول سريعاً و بينما هم عائدون إلى بيت فتحى تسائل على و هو يقلب قطعة البلاستيك الآخذة شكل الضفدعة : مين أحضرتها يا فتحى………إنها رائعة لإمتصاص التوتر
-إنها لعبة كلبى بوبى ينساها أحياناً فى السيارة
انقلبت معدة على و شعر بالغثيان : لا تمزح معى يا فتحى
-لا أمزح إنها لعبته المفضلة يمضغها منذ ولد
تأكد من ما قاله حينما لاحظ الكثير من آثار الخدش عليها فما كان منه إلا أن أخرج رأسه من النافذة و بدأ فى التقيؤ
…………….
جلست قمر مستندة على فراشها تنتحب بينما شمس تتقلب بانزعاج واضعةً الوسادة أعلى رأسها و حينما وجدت أنها لن تستطيع النوم أبداً بسبب الضوضاء التى تحدثها قمر ، انتفضت بعصبية مشعلة الضوء بجانبها : متى ستكفين عن الانتحاب و تنامين
-كيف تريديننى أن أنام و والدنا بهذه الحال
- أولاً لا تقولى والدنا ، ثانيا إن لم ننم الآن لن نستطيع الذهاب إلى المدرسة غداً عندها سيأتى والدك العزيز و يسمعنا التوبيخات كعادته إن لم يعاقبنا
- عندما ماتت والدتنا فى تلك الليلة كانت بخير أيضاً كانت قد نجحت عمليتها حينها ربما كانت تشعر بالكثير من الألم و لكنها لم تخبرنا ، أنا خائفة أن يحدث له مثل ما حدث مع أمى ، لا بد أنه كان يتألم كثيراً و لم يرد أن يظهر ذلك أمامنا أنهت كلماتها و انخرطت فى بكاء مرير رق له قلب شمس فحاولت تهدئتها : ما رأيك أن نجعل حازم يتصل به و بذلك نطمئن عليه
توقفت عن البكاء و مسحت دموعها و هى تجيبها : و لما لا نتصل به نحن
-لن يجيب أيتها الذكية……إنه غاضب من كلينا و بشدة
طرقتا باب حازم فأجاب بصوت ناعس : ادخل
دخلت شمس خلفها قمر و التى ندمت على مطاوعتها لشمس فها هما قد أيقظتاه من نومه ، جلس حازم متكئاً على الوسادة يفرك عينيه بإحدى يديه : ماذا هناك يا توأم المشاكسه !
جلست شمس على طرف الفراش : نريد منك أن تتصل بعلى و تطمئن عليه فلم يعد إلى المنزل إلى الآن
أمسك حازم بهاتفه يضغط عدة أزرار و قد بدأ القلق يرتسم على ملامح وجهه ؛ أضافت له شمس ملاحظة : لا تخبره أننا من دفعناك إلى الاتصال
-حسناً لا تقلقى
دقائق من الصمت قبل أن يجيئهم من الطرف الآخر صوت على رائقاً عندها تنفست قمر الصعداء فهمست لها شمس : قلت لكِ إنه قط بسبعة أرواح و لم تصدقينى
أنهى مع حازم الاتصال قائلاً : دعنى اتركك لترتاح الآن يا على لا بد أن لديك عملاً شاقاً غداً
-حسناً و لكن أخبرنى كيف عرفت أننى خارج البيت إلى الآن فأنت لا تغادر غرفتك و سيارتى أمام البوابة بالتأكيد رأيتها من نافذتك
تلجلج حازم و لم يجد ما يا يقوله فتابع على :أعلم جيداً أن توأم النحس وراء معرفتك…..قل لهما أننى سأغيب أسبوعاً عليهما الالتزام خلاله بالمدرسة و إن وصلتنى أى شكوى فلن يعجبهما العقاب أبداً
نظرت شمس إلى قمر نظرة ذات معنى : رأيتِ بكاءك لن ينفعك إن تخلفنا عن المدرسة ……هيا لننم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي