الفصل الثانى الجزء الثانى

تقف همسة فى تلك الغرفة الكئيبة القاتمة برغم اضائتها تنظر الى حقيبتها الموضوعة بجوار قدميها، كم تتمنى لو فى نهاية تلك الرحلة تلتقى بمن يساعدها على اجتياز جميع ما مر فى حياتها، فهى بالفعل قد عانت كثيرا، افتقادها لوالدتها، هجرة شقيقها الوحيد، معاناتها فى مرض والدها الذى كان هو الشخص الوحيد فى حياتها، وفاته ووحدتها وعزلتها، تذكرت همسة كل ذلك لتعود نظرة اليأس فى عيناها، ولكنها التفتت حولها مرة اخرى، فهى تشعر بالرهبة من وجودها فى تلك الغرفة لتغمغم قائلة:
-  ما تلك الغرفة الموحشة؟، الا يوجد بداخل هذا المنزل الكبير غرف اخرى تبعث على الهدوء والراحة؟، أنا واثقة من أن هذه الغرفة الموحشة لن يراودنى بداخلها سوى الكوابيس المفزعة.
لم تجد اى ردود على ما قالت، فهى لا تحدث به سوى نفسها، شعورها بالارهاق جعلها تحمل حقيبتها لتذهب بها الى ذلك السرير الموضوع بمنتصف الغرفة، وضعت حقيبتها اعلاه، واخدت تفتحها بملل وهى تتفحص جميع زوايا الغرفة التى كانت تشعر ان حوائطها تنظر اليها، هذا ليس حقيقي، ولكن هذا ما شعرت به همسة.
-  قامت بأخراج ملابسها، خلعت نعليها من قدميها، فهى تستطيع ان تتحرر ولذلك بدأت بقدميها، وضعت اغراضيها بداخل خزانة الملابس، وتركت على السرير ملابس اخرى قررت ان تستبدلها بالملابس التي ترتديها، فهى لا تريد الان سوى ان تستعيد نشاطها وتترك جسدها يهدأ من حرارة الطريق، افرغت ما بداخل حقيبتها بأكمله واصبحت فارغة تماما، اخذت حقيبتها لتضعها بجوار الخزانة بهدوء، نظرت همسة الى نفسها داخل المرءاه الكبيرة بجوار السرير، الهدوء يتخلل الارجاء بطريقة موحشة جعلتها تشعر بالملل والاحباط، فلم يأتى احد سواها حتى الان، اما بالنسبة الى السيدة التى قامت بمساعدتها كانت هادئة هدوء مبالغ به، لم تشعر همسة بنفسها سوى وهى تتجه نحو النوافذ وتقوم بأزاحة الستائر لعلها ترى نور السماء
-  ولكن حتى الضوء الخارجى الذى اتاها من خلال تلك النوافذ كان يكاد ان يضئ حافة النافذة، لم ترى امامها سوى حديقة المنزل التى تحتوى فى المنتصف على حوض كبير ملئ بورود جافة ومياه راكدة، مما يجعل الرائحة بالاسفل كريهة نوعا ما، ظهر أمامها الممشى السفلي، فها هى ترى امامها الغيوم وتتغلل انفها تلك الرائحة الكريهة، وخلفها تقبع تلك الغرفة المخيفة التى تشعر بأنها تراقبها وتراقب حركاتها.
-  وأخيرا استمعت همسة الى صوت يأتى من الطابق السفلي، وكأن أحدهم قام بأغلاق الباب، ركضت مسرعة تتخطى الدرج خائفة من ان تكون تلك السيدة قد تركتها وحيدة وأنصرفت، ولكن لا، فهى اخيرا وجدت من سيشاركها وقتها فى ذلك المنزل المخيف..تلك الفتاة الجميلة المتحررة، تقف امامها تحمل حقيبتها وتتجول بنظرها فى جميع ارجاء البهو، لتعود بنظرها مرة اخرى الى همسة التى تهرول لتقف امامها هاتفة:
-  أخيرا، لقد اعتقدت انه لم يستطع احد اخر ان يقبل تلك الدعوة.
رانيا:
-  ماهذا المكان؟ هل سيقومون بمعالجة حالات الانعزال والانطوائية فى ذلك المنزل القاتم؟
همسة بأبتسامة:
-  ااااه، هذا ما رأيتيه بمجرد وصولك الى البهو، ما بال ان رأيتي ما ينتظرك بالأعلى؟!
رانيا:
-  ما قصدك؟
همسة بأبتسامة تعرف عن نفسها:
-  أولا أسمي همسة، وصلت الى هنا قبلك بقليل، لقد استلمت الغرفة التى سوف اقيم بها،....
قطعتها تلك السيدة بحديثها ونظراتها المقتضبة:
-  أتفضلي يا انسة رانيا اوصلك لأوضتك.
فى تلك اللحظة شعرت همسة أن تلك السيدة قد استأت من حديثها على غرفتها بتلك السخرية، وكأنه غير مسموح لأحد ان يبدي اعتراضه او رأيه فى ذلك المنزل المخيف.
نظرت رانيا الى السيدة التى تقف أمامها بشموخ، وعادت بنظرها الى حقيبتها معتقدة ان تلك السيدة سوف تقوم بعملها فهى بالتأكيد ليست مالكة لذلك المنزل، بل بالتأكيد هى الخادمة، ولذلك عليها حمل الحقائب، ولكن فردوس نظرت اليها بثقة وتحركت أمامها بنظرة معناها ان تتبعها رانيا، ولكن همسة لاحظت التوتر اللحظى الذى حدث بين زميلتها الجديدة وبين تلك السيدة الغامضة، هرولت همسة الى رانيا وقامت بحمل احدى الحقائب:
-  هيا بنا ايتها الفتاة الجميلة، سوف اساعدك فى حمل حقائبك، كما انا متحمسة لكى أرى غرفتك.
ابتسمت رانيا:
-  الم يصل الدكتور هاني حتى الأن؟
همسة وهى تخطو نحو الدرج فى خفة وحماس:
-  لم يظهر احدا سواكي من بعد وصولي، أما قبل وصولي فلم ارى سوى تلك الاشباح.
رانيا بأبتسامة:
-  اتقصدين تلك المرأة، وحارس المنزل؟
همسة وقد صعدت لأعلى:
-  نعم، السيدة فردوس، والسيد عبدالله، أشباح ذلك المكان.
قهقهت رانيا بصوت مرتفع، والتفتت همسة لكى تلحق بفردوس ولكنها صُدمت بها ترمقها بنظرات حارقة، فلقد استمعت فردوس الى ما قالته همسة التى شعرب بالخجل من نفسها:
فردوس:
-  أنا لم اعتقد أنك قد رأيتي ااشباح ذلك المنزل حتى الأن، ولذالك لا تتلاعبي بتلك الكلمات كثيرا فلن تستطيعي مواجهاتهم.
قالت فردوس تلك الكلمات، وتركتها وهى تشير بأصبعها الى رانيا ان تتبعها، نظرت همسة الى رانيا بخجل وذهول مما استمعت اليه، ولكنها اعتقدت ان تلك السيدة لا ترد سوى اخافتها نظيرا لما قالته هى عنها.
أضطرت رانيا ان تسير خلفها دون ان تعلق على ما حدث، ولاحقتها ايضا همسة وهى تحمل الحقيبة بيدها، دلفا سويا خلف فردوس، ليجدن الغرفة لا تتميز بأى شئ عن نظيرتها.
همسة:
-  لقد كنت اتمنى ان تحظى بغرفة مميزة، ولكن من الوضاح أن ذلك المنزل لم يكن سوى سجن لمن يعيش بداخله.
رمقتها فردوس بنظرة حادة، لتهتف قائلة ذات الكلام التى قامت بألقائه على مسامع همسة عند وصولها، مواعيد انصرافها، وعودتها، مواعيد تحضير وجبات الغداء والافطار، تعليماتها بخصوص ترتيب الغرف، وكانت تقف خلفها همسة تردد ما تقوله دون ان تصدر صوتا أكتفت فقط بحركة شفاهها لتلاحظ رانيا ما تفعلها صديقتها الجديدة وتحاول ان لا تترك لأبتسامتها العنان، لكى لا تعتقد تلك السيدة التى اقرب الى التمثال الشمعي ان رانيا تسخر منها او من حديثها، انهت فردوس حديثها وهى مقتضبة متجهمة انصرفت تاركة الفتاتان بمفردهما يحاولان كتم اصواتهما فى اصدار الضحكات، لتكتفى همسة بتقليدها اثناء سيرها، لتضع رانيا يدها على فمها كى تمنع صوتها من الخروج اثناء ضحكاتها.
همسة:
-  كم كنت خائفة ان لم يأتي احدا سواي، فأنا ارتعب من فكرة بقائي فى ذلك المنزل بمفردي، وايضا استغرب كيف للشخص الذى قام بدعوتنا ان لا يصل حتى الأن.
رانيا بأريحية وهى تفرغ حقائبها:
-  سوف يصل قريبا بالتأكيد، ولعله يكون متعمدا ان يصل متأخرا، من الممكن انه يرغب فى ان الاعضاء يتعرفون على بعضهم بنفسهم.
همسة:
-  أهااا، وارد ايضا، لم تأتى تلك الفكرة الى مخيلتي، عموما انا سعيدة جدا لوجودك.
رانيا:
-  أسمي رانيا، واصدقائي يدعونني ب روني.
همسة بسعادة:
-  روني، ياله من سم جميل، اتمتلكي اصدقاء ايضا؟
رانيا:
-  وهل يوجد من لم يمتلك اصدقاء؟
همسة:
-  نعم، بالتأكيد، فها انا هنا امامك لا أمتلك اى نوع من الاصدقاء، بل انا وحيدة تماما، ولكن بما انك تمتلكي بعض الاصدقاء ما الذى اتى بك الى هنا؟
رانيا تتجاهل الاجابة:
-  أننى اتضور جوعا، وارغب بشدة فى ان أقوم بأخذ حمام دافئ.
قامت همسة بالتوجه فى اتجاه باب خشبي كبير قبضت على مقبضه واخذت تحركه يمينا ويسارا، ليفتح أمامها الباب ويظهر الحمام من خلفه، كم هو انيق للغاية، ولكنه ايضا مخيف.
رانيا:
-  هذا المنزل يشعرني وكأنه لا يصلح للسكن والمعيشة، تشعرين وكأنك بداخل مشفى او سجن.
همسة:
-  ها هو الحمام، هيا بنا لأريكي غرفتي، لا تختلف كثيرا عن غرفتك، فقط هى الالوان ليس الا.
رانيا:
-  ولكن اهو حقا انه لم يأتي أحد الى هنا فى المساء؟، ماذا ان أحتاجنا الى اى نوع من انواع المساعدات؟، هل سننتظر الى الصباح كى تصل السيدة فردوس او زوجها؟
همسة:
-  نعم هذا ما قالته هى فى لائحة تعليماتها.
رانيا:
-  حقا! حسنا، علينا ان نتجول فى ارجاء المكان، يجب ان نتعرف على ذلك المكان المقيت الذى سوف نقيم بداخله، أنا لا اريد ان اتواجد بمكان لم اعرف خباياه.
همسة بسعادة:
-  هيا بنا، كم كنت أشهر بالملل قبل مجيئك.
رانيا:
-  وها انا قد وصلت، ولن ارحل من هنا من دونك، هيا بنا لنرى غرفتك.
بالفعل تحركت رانيا وهمسة ليتجولوا بالمنزل الكبير، كم كان مخيف، دلفا سويا الى غرفة همسة وأخذت رانيا تتفحصها وهى تدور حول نفسها وتنظر الى جميع الزوايا:
-  منزل كبير للغاية ولكنه موحش ومخيف، لا اعلم لماذا وقع الاختيار على هذا المكان خصيصا.
همسة:
-  الا تعلمي من سوف يرافقنا فى تلك التجربة؟
رانيا:
-  لم اعلم عن احد من الوافدين سوى الدكتور هاني.
همسة:
-  هل تعرفينه منذ فترة طويلة ام حديثا؟
رانيا:
-  لا، انا لم اعرفه قط، ولم اقابله من قبل.
همسة:
-  حقا!؟ انا ايضا لم اعرفه شخصيا.
رانيا:
-  ولكننى متحمسة للغاية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي