الفصل ٣٥، البارت العاشر من الجزء الثاني

الفصل الخامس والثلاثون
البارت ١٠ من الجزء ٢
لم تهتم بحمزة ولا بشكله ولا بتعدد صفاته والتي توسمت فيه خيرا مذ أن رأته وأستمعت لكلامه، ولم تهتم أيضا بأنه متزوج ولديه أطفال، بل ما أثقل كاهلها هو أنها كانت تخطط لأن تخبره أن جوازهما يبقى على ورق فقط، فهي لا تتخيل نفسها أن تكون زوجة لغير عز الدين، لذا كانت الفاجعة بالنسبة لها أن يخبرها أنها ستكون زوجة حقيقة، الأمر الذي لم يكن في حسابنها ولم تتحمله، لذا شعرت بالإختناق وبدأت تسعل بشدة، تفاجىء حمزة بما حدث لها وانقلاب حالها هكذا، فتقدم منها بسرعة يسألها بخوف مابها، ليأتي أبيها وعيسى على صوت سعالها، بينما يركض نبيل الذي يجلس مع بهية بسرعة ما إن رأي أخته تختنق هكذا.
ليهتف أحمد بسرعة موجها حديثه لابنه
_أسرع يا نبيل إلى غرفة أختك، ستجد علاجها بجوار الفراش.
ليهتف حمزة بارتباك فهو يعرف انه السبب في تعبها
_أعتذر لك عمي، أنا لم أقصد أبدا أزعاجها.

كان أحمد متفهما حالة ابنته جيدا لذا هز رأسه بابتسامة خفيفة بمعنى أنه لا عليك.
__
أما في المطبخ وعندما جلست سمر بهم جوار فاتن، كانت فاتن صامتة لا تتفوه بشىء ولا يصدر عنها أي حركة غير أنها تسند رأسها بيدها بشجن، ولكن فجأة اعتدلت برأسها سريعا ونظرت لسمر بفزع وقالت
_ يا إلهي، نسرين واعتماد قادمون بعد قليل، أخشى أن يعلمان بالأمر.
خافت سمر أيضا على نادين من تلك المرأتان ومن وخز كلماتهما وتأثيرها على نادين التي بالطبع لن تتحمل الصواعق التي سيرشقونها بها إن علمتا بالأمر، لكنها على أي حال كان عليها أن تطمئنها فقالت
_لا تقلقي لن يعلما بالأمر، ومن هنا سيخبرهما؟.
كادت فاتن لتفتح فمها لتعرب عن أساها بما تمر به ابنتها فحتى الزيجة التي تمنتها لابنتها لم تكن كما تمنت أبدا، كيف لها أن تتمنى أن تكون ابنتها زوجة ثانية، فيقال عنها بأنها تأخذ رجل من زوجته وأولاده، أو سارقة الرجال كما يقولون، لامت الحج عيسى وظنت أن ابنه الأخر ترفع عن قبول ابنتها، لأنها مريضة، فقرر أن تكون زوجة ثانية، أو كدمية توضع في ديكور منزل ابنه الأكبر، لكنها قبل أن تتحدث وتخرج شكواها ومكنون قلبها لسمر صديقة ابنتها، حتى استمعت لأصوات مضطربة بالخارج، فنهضت من فورها لتطمأن على ابنتها فلربما قد أصابها مكروه.

لتجد أحمد يحمل ابنته برفق شديد ويتجه بها نحو مخدعها، لتصيح فاتن وتنهض من مكانها كالمجنونة حتى كادت أن تتعثر في سجاد المطبخ، لتساعدها سمر على السير مرة أخرى، فتنطلق هي نحو ابنتها مهرولة.

كانت فاتن وسمر هم أكثر الأشخاص دراية بعلاج نادين وما تحتاجه، لكن نظرا للحالة التي كانت عليها فاتن، لم تستطع تقديم المساعدة لابنتها، أما سمر فحاولت التجلد من أجل مساعدة صديقتها وقالت
_نادين تحتاج لجلسة تنفس صناعي، أرجوك نبيل ساعدني على تركبيه.

وبالفعل فعلت سمر ذلك لتضع القناع على أنف وفم نادين، وبعدها ببضعة دقائق كانت فاتن وبهية تضعان فيهما يديهما على قلبيهما من القلق، إلى أن هدأت نادين وبدأت تتنفس براحة وبشكل طبيعي وهدأ السعال تدريجيا، ليأتي في ذاك الوقت الطبيب الذي هاتفه أحمد على الفور لإنقاذ ابنته ولم يكذب الطبيب خبرا فجاء بأقصى سرعة
وقام بفحص نادين ثم قال
_إنها بخير الآن، لا داعي للقلق، أحسنتم في إسعافها سريعا.

لترمق فاتن "سمر"بامتنان وتتنهد براحة فلقد استردت روحها بعد أن علمت أن ابنتها بخير وهي تحمد الله على ذلك
لتهتف بهية لتشد على يد فاتن
_الحمد لله، لا أراك الله فيها مكروها.

خرج الجميع ليتركوا نادين لتنال قسطا من الراحة، وبقيت سمر معها، ليجلس حمزة على الأريكة بهم فهو شعر بالأسى تجاهها وراعه أن يكون سببا في تعبها.

ليطلب الحج عيسى التحدث إلى أم نبيل بعض الكلمات الهامة، فتوجهت معه تجاة الشرفة وهي تحاول أن تحيد ببصرها عنه حتى لا تفضحها نظراتها الغاضبة والمستاءة منه، لكنه يعرفها بالطبع ويشعر بها أيضا لذا كان يتوجب عليه أن يقول قوله هذا
_أرجو ان تفهميني يا أم نبيل، قد يدور بخلدك الآن، أني جعلت نادين زوجة ثانية لحمزة، استحقارا من شأنها أو بسبب مرضها، حاشا والله ما هذا أبدا.

لم تستطع فاتن أن تخفي غضبها مما حدث فقالت بصوت بدى فظا قليلا
_أجل ولن أخفي عليك أني غضبت عندما لم تطلبها لابنك الأصغر عز، فهو أعزب.
_لكنه ليس خالي القلب، فلقى رمي سهم الحب قلبه، لذا لم يكن هنالك حل سوى أن ألجأ لذاك الذي ولو تزوج بأربعة نساء لن يظلم واحدة فيهم أبدا، ليس مدحا فيه لأنه ابني، لكنها شهادة حق سأحاسب عليها أمام الله، أضمن لك أن تعيش ابنتك حياة سعيدة في كنف زوجها حمزة، ربما لن تعيشها مع عز بقلبه المشغول ذاك، ولأنها بمثابة ابنتي أخترت لها الأفضل.
كلمات الحج عيسى تلك أراحت قلب أم يلهث وراء راحة ابنتها وهناءها، فقلوب الأمهات شمس لا تغفو.

ارتاح الحج عيسة لرؤيته الراحة في عيني فاتن، فتنهد بسلام.
_
أما ذاك الذي ظل يدور بسيارته يتهادى هنا وهناك، وكأنه شريد ضل طريقه للتو، أو هاويا يهوى قيادة السيارات لكنه لا يجيد ذلك، فكان يسوق بحماقة شديدة وكأنه لا يبالي بشىء، لا بالسيارات أو المارة، ولم يكف أحمد صديقه عن الصراخ به لأن يبطىء السرعة قليلا، لكنه كان كالأصم لا يسمع، ومع ذلك كان أحمد يكرر قوله مرارا
_هدىء السرعة يا عز، ستقتلنا يا أخي.

وعلى حين غرة أبطأ عز الدين السيارة ،ليصطدم أحمد بزجاج السيارة بحدة، لكنه لم يبالي برأسه التي آلمته وهبط من السيارة سريعا خلف ذاك المتهور الذي هو على يقين أنه فقط عقله للتو.

وجده يقف عند مقدمة السيارة ويركل عجلاتها ركلا بكل أسف واضعا ذراعه اليسري على خصره واليمنى واضعها على ناصيته، ومطأطأ رأسه وكأنما فقد إنسانا عزيزا عليه للتو، هو بالفعل كذلك فلقد خسر نادين للأبد فهو كان يعدها، الأقرب لقلبه، لذا كان فقدها شديد الوطىء على فؤاده
ويردد كلمة واحدة طوال الوقت وبكل غيظ
_لماذا! لماذا!
ليقترب منه أحمد ليتحدث معه بجدية فهو يرى أن ما حدث لا يستحق كل ذلك منه، فمن باعك لا تبكِ عليه، ومن تنازل عنك فلا تلقِ له بالا فهو الخاسر ولست أنت
_لا تخسر نفسك يا صديقي، أتركها تبكِ على ضياعها لك بكامل إرادتها.
ارتكن عز الدين بجسده على مقدمة سيارته وقال بانكسار
_كنت أحبها كثيرا، هل تراني أخطأت؟
_الحب ليس بيد أحدنا، لا تندم على جميل مشاعر أكننتها لأحدهم يوما، لكن لا تفعل بنفسك هكذا، فلا شىء يستحق
_الكلام سهل يا صديقي لكن التطبيق عسير.
_أنت قادر على فعلها.
قالها أحمد صديقه وهو يقف جواره ويضع يده على كتفه، مشددا من أزره.
___

أستعادت روحها ثانية ولم تعد بحاجة لقناع الأكسجين ذاك، فنزعته عن وجهها، وطلبت من سمر أن تعاونها على الجلوس مرة أخرى، ففعلت سمر من فورها وبدت نادين أمامها بخير الآن لذا قررت أن تسألها سمر بإهتمام عن سبب تعبها المفاجىء
فردت نادين مبتعدة على السؤال كثيرا وكأنها لا تفكر سوى في عز الدين
_أخبريني هل رأيتِ عز اليوم!

نظرات متشتتة منحتها سمر لنادين، تحاول أن تفكر في كيفية التهرب من إجابة السؤال فماذا عساها ترد أو تقول ونادين في حالتها تلك، هل تزيد من وجعها أكثر، فكل وقع يهون إلا وجع القلب، ونادين تعاني الأمرين معا.

كانت نادين متأكدة أن عز الدين لم يمرىء أمر الرسالة على خير، ولابد له أن يفعل شيئا ليعبر عن ثورته، كانت تنتظر أن يرسل لها برسالة عبر حساب آخر، يعاتبها فيها لكنه لم يفعل، لذا أستطاعت أن تستشف من نظرات سمر الزائغة وحيرتها في أمرها، أن عز الدين قد حادثها بالفعل بشأن ذلك بل هي تظن أنه ترك لها رسالة أيضاً وبالطبع هي رسالة مؤلمة بكل تأكيد، لذا تبدلت قسمات وجهها من الهدوء إلى الأسى وقالت
_لا تخفي عليّ يا سمر، لا تقلقي لن أتأثر، فلا شىء أشد وجعا على قلبي من أن أتزوج رجلا غير عز.

تلك الأحلام الجميلة التي كانت تقضيها نادين كل ليلة، تتنقل بطلاقة وبخفة فراشة جميلة بين أزهار أحلامها، وتسبح في بركة الحب وهي تتخيل حياتها مع عز الدين، بعد أن تزوجا وتم جمعهما تحت سقف واحد، يعيشان حياة هنيئة وهادئة، جميعها قد تبددت وطارت مع الرياح، هنا وهناك إلى أن تلاشت جميعها وفي غمضة عين، بعض تلك الأحلام طيرتها رياح المرض والعجز، وما تبقى من فتات تلك الأحلام قد طار اليوم بزواجها من حمزة، فلم يتبقى لها سوى الذكريات، الشىء الوحيد الذي لا يموت ولا شىء يستطيع تبديده أو منعه، فهي فوق القلب وفوق المشاعر لهذا هي لا تنسى، ذكريات أحلام كانت كيرعات نابتة، تأمل في الظهور لكن الظروف كانت أقوى منها فاقتلعتها من جذورها بقسوة وضرواة
_تكلمي يا سمر أرجوكِ.
أغروقت أعين سمر بالدمعات ولم تستطع أن تمنعها من ألا تسيل على خدها كالشلال.
لتفجع نادين وتحاول القيام من مكانها على عجل فشعرت بآلام في صدرها لكنها قالت
_هل أصاب عز شيئا؟
شهقات متتالية صدرت من سمر بينما تهز رأسها لتنفي ما ظنه نادين بشأن عز الدين، فنادين خشيت أن يكون قد أصابه مكروه، لذا قالت سمر
_لقد ثار كثيرا عندما قرأ رسالتك، أحسست به أنه كاد أن يفقد عقله، كان يحبك بصدق يا نادين، كان ليحارب معك مرضك، لكن يالا الأسف تم كل شىء بشأنك بسرعة، وكأن القدر مصر على إبعادكما.

أقصى أنواع الوجع أن تكابر وأنت مازلت تريد، وأنت في قلبك ألف غصة وغصة
_سينسى، وسيعيش حياته، أتمنى من كل قلبي له حياة سعيدة هادئة، فحياتي بها الكثير من المنعطفات الحادة لا أتحمل رؤيتها تصيبه.
__
قرر عيسى بعد أن ارتاح لأن فاتن تفهمت ما فعله، أن يأخذ عائلته ويعود لبلدته، على أن يعودوا مرة أخرى عندما تتحسن حالة نادين أكثر، إلا أن حمزة رفض التحرك من مكانه قبل أن يحادث نادين بالشىء الذي أرق عليه مجلسه، لذا نهضت فاتن ومعها بهية وتوجهتا لغرفة نادين لتجدانها تجلس مع سمر في صمت تام وكأن على رأس كل منهما الطير
لتبتسم بهية بوجه بشوش وقالت
_عروستنا الجميلة لا بأس عليك بنيتي.
رمقتها نادين ببسمة صافية، فهي وجدتها سيدة طيبة القلب فكان عزاءها الوحيد أنها ستكون بين أناس طبيين ، فالطيبة لا تراها الأعين لكن القلب قادر على أن يتلمسها بصدق، أستطاعت أن تشعر بأنهم لا يحملون في قلوبهم سوى الرحمة والإنسانية حتى حمزة استشعرت فيه ذلك.
لتهتف بهية
_حبيبتي، يريد زوجك التحدث إليك قبل أن نرجع إلى بلدتنا.

"زوجك" يالا لهذه الكلمة الكبيرة الأثر في نفسها، شديدة الوقع على قلبها، هل هي بالفعل تزوجت، هل أصبحت ملكا لرجلا بات هو جنتها ونارها، لم تكن مستعدة لذلك الآن أبدا، بل ولرجل تراه لأول مرة ولم تتحدث معه سوى بضع دقائق فقط، وفي ضعفها وتعبها هذا، رغم دومات التيه الذي كان قلبها فيه إلا أنها نفضت ذلك سريعا عنها وقالت بخفوت
_لا بأس.
لذا خرجت سمر مع فاتن وبهية لخارج غرفة نادين، ثم دعت فاتن "حمزة" لأن يدلف لغرفة نادين، فتوتر حمزة فكيف له أن يدلف لغرفة امرأة غير نوارة قلبه، لذا تسمر في مكانه لبعض الوقت وشعر بالتوتر قليلا.
ظن أحمد أنه يستحي أن يفعل ذلك فقال مشجعا
_تفضل بني ادخل فلا حرج، هي أصبحت زوجك الآن.

تشجع حمزة وأخذ نفسا عميقا ثم توجه نحو غرفة نادين، طرق الباب هنيه وعندما استمع لصوتها الخافت، دفع الباب برفق ودخل
لتقول نادين
_تفضل بالجلوس.

سحب حمزة الكرسي وجلس على مقربة من الفراش الذي كانت نادين تجلس عليه وتغطي نصفها السفلي بملاءتها القطنية
_كيف أنتِ الآن؟
_الحمد لله على النعمة
_أدامها الله عليك، كنت أود أن أتحدث معك بجدية نادين
_تفضل.
رأى حمزة أن نادين تعبت عندما أخبرها بأنه ينوى أن يكون زواجهما حقيقيا، لذا أراد أن يسألها هل هي تريده بالفعل أم مجبرة على ذلك وما سبب إجبارها أو حتى رفضها لذا قال
_فلتصدقيني القول يا نادين، كنت أراك راضية عن زواجنا، لكن ما إن علمت أنه سيكون حقيقيا، تعبت كما رأينا جميعنا هل لي أن أعرف السبب؟

كيف لنادين أن تخبره أنها قد وعدت نفسها أنها إن لم تكن لعز فلن تكن لغيره، لذا أدعت الأمر بأنه متعلق بمرضها وقالت
_وهل ترى أن من بمثل حالتي تصلح للزواج؟
ارتاح حمزة عندما أكدت له بكلامها أنها لا تمانع في الزواج منه وإنما هي ترى نفسها لا تصلح للزواج بسبب مرضها والذي هو لا يعرف حقيقته حتى الآن لذا قال ليبثها الثقة في نفسها
_وما الضير في ذلك، تأكدي أني لن أتوانى أبدا في مساعدتك على ان تتخطي تلك المرحلة بسلام.
اتسعت أعينها وهي تقول
_هل أفهم من كلامك ذاك، أننا سنتزوج بالفعل وأنا في حالتي تلك، ألن تنتظر إلى أن أتعافى حتى.
_ ستأتين معي إلى بيتي وستكونين في كنفي، إلى ان تستردي صحتك كاملة، لا تقلقي فأنا لن أطلب منكِ شيئا قبل أن تتعافي كليا.

تخضب وجهها من تصريحاته المباشرة، لكنها سرعان ما تذكرت أنها أصبحت زوجته بالفعل، لذا لا حرج عليه في التحدث بشكل جاد في سير أمورهما فيما بعد
لكنها قالت بحزن
_لكنى أريد أن أبقى مع والدي في ذاك التوقيت لا أريد أن أبتعد عنهما، أرجوك.
ابتسم لها وقال
_لا تقلقي لن تأتي إلى بيت زوجك هكذا دون أن أتجهز بحفل يليق بكِ، ستبقين هنا لبعض الوقت حتى انتهي من التجهيزات هناك، وبعدها سآتي لآخذك، هل هذا جيد؟

تنهدت بقلة حيلة وهزت رأسها بخفوت
لكنها أرادت أن تسأله
_ما الذي يجبرك أن تتزوج بأخرى غير زوجتك، وأيضا بحالتي تلك كما تعلم، أعلم أن عمي أجبرك.

أجابها بحزم لتكن عن قولها ذاك
_لم أنتِ مصرة على جعل نفسك أقل من الأخريات، فالمرض شىء طبيعي ومؤقت أيضا، كما أن الله أحل لنا بأربع زوجات إذا ما أفعله ليس شيئا غريباً.

صمتت نادين ولم ترد، فماذا عساها أن تقول لذا قال حمزة
_أعلم أنك لم تكوني تحلمين بزواج متعجل كمثل الذي حدث الآن، بل وأنه ربما أن يكون هنالك صفات معينة تريدينها في زوجك، لكن كل ما أود أن أخبرك به أني سأفعل ما بوسعي لإسعادك وسأتقي الله فيكِ قدر ما أستطيع والله على ما أقول شهيد.

طالعته بصمت وبوجه خال من التعابير، ليبتسم لها بحنان، فعلى الرغم أنه لم يشعر نحوها بأي عاطفة قط فنوارة،قد ملكت قلبه كله، إلا أنه ارتاح لها، ووجدها فتاة بريئة، نقية.
نهض من مكانه ومد يده في جيبه وأخرج بعضا من النقود كان قد جهزها ليعطيها لها، ثم وضعها جوارها بهدوء وهو يتبسم لها
_فلتجعليهم معك، أجلبي لنفسك ما تشائين، فأنا لا أتحمل أن ينفق أحدهم على زوجتي، حتى لو كان والدها، أو حتى وأننا ما زلنا في مرحلة العقد بعد، لا تترددي في الإتصال بس إذا ما احتجت شيئا، أراك لاحقاً، أستودعك الله.
لو كان قلب نادين خاليا، لكانت وقعت على الفور في حب ذاك الرجل الحاني، يالا لتلك الحنية التي تقفز من قلبه ويترجمها لسانه، وترسمها تعابير وجهه، كيف لا وهو ابن الحج عيسى لذا فليس من الغريب أن يكون ابنه لا يتخير عنه في كل الصفات الصالحة.
___
في تلك اللحظة جاءت اعتماد وابنتها ،واعتماد وزجها" أخو فاتن" فيبدوا أن المرأتان رتبت موعد الزيارة معا لتأتيان في نفس الوقت، تعرفا على عائلة الحج عيسى وعندما سألا أين العريس، فعندما علمتا أنه بالداخل بغرفة نادين، حتى نظرتا لبعضهن البعض نظرات ذات معنى، نظرات كلها استهجان للأمر، فكيف يترك أحمد ابنته وحدها مع زوجها الذي تم عقد قرانهما فقط؟

لتعرف فاتن ما الذي يدور بخلدهما فقالت بنبرة جافة وكأنها تود أن تقتلع أعينهما
_حمزة عندما تعبت نادين قليلا، لم يستطع أن يجلس هكذا دون أن يدلف للإطمئنان على زوجته قبل أن يغادر.

لتقول بسمة في نفسها
_يالا خبثها تدعي أنها مريضة ليدلف إليها، حتى الشيطان نفسه لم يفكر في حيلة كتلك، يا لها من ماكرة.
لذا أرادت أن تفسد على نادين مخططها وقررت أن تذهب لتقتحم خلوتهما كما ظنت،
وقامت من فورها لتتوجه نحو غرفة نادين على الرغم من أن فاتن أخبرتها أن زوجها معها بالداخل.

لم ترتاح فاتن لنظرات بسمة تلك، لذا قامت معها خوفا من أن تفعل شيئا بنادين، لتجدان حمزة يفتح الباب ويخرج منه وما إن رأى فتاة غريبة لا يعرفها حتى غض بصره على الفور، أما بسمة ما إن رأته حتى فغرت فاها فلقد وجدته وسيما، ملفتا بشكل يسلب العقل فحقدت على نادين لزواجها من مثل هذا الرجل صاحب الحضور الطاغي.

وجدت فاتن أن سمر تطيل التحديق بحمزة فلن يعجبها نظراتها تلك وزفرت بحنق من أن نبيل لم يفعل ما طلبته منه ويترك تلك الفتاة، لذا قررت أن تعيد طلبها منه ثانية وفي وقت لاحق.

عادت سمر لتجلس مرة أخرى مع صديقتها، بينما عادت بسمة أدراجها لتجلس مرة أخرى مع أمها ليتسنى لها رؤية حمزة.

نهض عيسى يستأذن بالمغادرة حتى لا يجن عليهم الليل في طريق عودتهم، حزنت بسمة أنها لم تلحق ان تمكث مع حمزة قليلا بل حتى لم تسمع صوته بعد، لكنها سرعان ما اتسعت ابتسامتها وهي تسمعه يودع كل من أحمد ونبيل قبل أن يغادر مع أهله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي