الفصل الخامس

بعد أن فتح الباب الرابع ودخلوا الأصدقاء منه، ظلوا يسيرون بلا هدى في طريق لا يعلمون أين نهايته وماذا سيقابل هم؟ وإذا بهم فجأة تطايرت أشعة بوت وديمتري وكيتو، كأن شئ جذبها إلى الأعلى كانوا ينظرون إليها وهي تطير فيشهقون بتعجب، يركضون خلفها ورؤسهم مرفوعة لأعلى تتبعها، وإذ بالأشعة تحط على جبل فتوقفوا الأصدقاء وكانوا يلهثون بشدة، فتكلم بوت كلمات خرجت مقطعة بسبب أنفاسه اللاهثة:
_ماهذا؟ كيف تطايرت أشعتنا وحطت على هذا الجبل كأن أحد خطفها على حين غفلةمنا.
_أمر غريب حقا..كيف سنعيدها؟
هتف بها ديمتري وكان يلهث هو الآخر.
قال كيتو وهو يضع يده على قلبه الذي كان ينبض بقوة بفعل ركضه:
_بدون أشعتنا لا نستطيع أن نعيش..ولا نستطيع أن نكمل معك ليساء ..بل قد نفنى بدونها لابد أن نعيدها لابد أن نستردها فوراً.

_لا تخافوا أصدقائي سوف نأتي بها بإذن الله.
همست بها ليساء وكان صوتها منهك أيضاً تنظر لأعلى الجبل تفكر كيف تستعيد أشعة أصدقائها.. ظلت تصعد فوق الجبل وما إن وصلت إلى قمته ورأت الأشعة وهمت أن تتناولها وإذ بهم يتطايرون قبل حتى أن تلمسهم، فحدقت في أثارهم عجبا، وتتساءل ما هذا الذي يحدث؟!
راحت تتبعهم حتى رأتهم يحطون على جبل آخر، فزفرت وهي تضرب جبهتها بيأس، واضطرت أن تنزل من على الجبل وتسعى حتى الجبل الآخر ،وما إن مدت يدها لكي تأخذهم إذ بهم يفرون منها مرة أخرى ويحطون على الجبل الأول، شهقت ليساء في يأس وهي تحدق في تلك العصي التي تفر منها كأنها تلاعبها، فهمست لنفسها:
_يا إلهي ماذا يحدث؟! ما بال العصي تفر مني كلما اقتربت منها كأنها تلعب معي، راحت عند أصدقائها كي تحكي لهم ما حدث وإذ بها تتسع حدقتيها وتسد فاها بيدها قبل أن تصيح:
_بوت.. ديمتري..كيتو..ماذا يحدث معكم؟!
_اغيثينا ليساء اننا نهلك
صاحوا بها.. وكانت الأرض تبتلعهم ببطء كأن البقعة التي يقفون عليها رخوة فهى من الرمال الناعمة، انزعجت ليساء عندما شاهدتهم وكانوا على وشك الهلاك، خشت على أصدقائها فمدت يدها تحاول أن تخرجهم من ذلك المأذق، ولكن كيتو صرخ فيها قائلاً:
_لا ليساء .. إذا قمتي بلمسنا سوف تصعقين.
بحركة لا إرادية تراجعت وهي تضم يدها نحو صدرها في خوف طبيعي، ثم قالت لهم:
_ماذا أفعل إذا؟! هل سأترككم حتى تبتلعكم الأرض.
صاح بوت:
_حاولي أن تحصلي على أشعتنا فهي قادرة على اخراجنا.
_حاضر سوف أفعل المستحيل كي احصل عليها أعدكم اصدقائي.
قالتها بحماس ثم ركضت مسرعة صوب الجبل، فسمعت ديمترى يصرخ قائلاً:
_ هيا ليساء بسرعة نحن في حاجة إليك.
_حاضر ديمترى لا تقلق.
هتفت بها وهي تركض وتصعد الجبل حتى تجلب الأشعةو كلما مدت يديها إليها لكي تلتقطهم فروا منها وحطوا على الجبل الآخر، وتأتي صورة أصدقائها وتتخيلهم والأرض تبتلعهم وأنهم على وشك أن يدفنون تحتها، راحت تركض بهمة يسوقها الخوف، وهي تدعو الله أن يوفقها لكي تنقذ أصدقائها، ظلت تسعى بين الجبلين وتهرول وفي المرة السابعة وجدت ليساء العصي مستقرة ولم تفر كعادتها بل كانت ساكنة كأنها هي الأخرى تعبت ..حتى أن ليساء ظلت تقترب منها ببطء شديد و أخيراً أمسكت بها تنفست بفرحة عارمة، تضم العصي نحو صدرها في حمد وشكر، عادت بسرعة إلى أصدقائها لكي تساعدهم وتخرجهم من تلك الحفرة التي كادت أن تبتلعهم .
عندما عادت وجدتهم على وشك أن يدفنون تحت الأرض أيديهم الرفيعة تنبش في الرمال في محاولة ضعيفة للخروج
فابتلعت ريقها بتوتر وخفق قلبها بسرعة وهتفت بصوت مذبذب:
_ ها أنا ذا عدت يا أصدقائي ومعى اشعتكم، لا تخافوا سوف تكونون بخير

فألقت إليهم اشعتهم واحد تلو الأخر وما إن اقترب الشعاع نحو صاحبه وكأنه يعرفه، حتى بدأ يصعد مرة أخرى كأنه كان مستقر على مصعد ظل يرتفع به حتى أصبح على سطح الأرض من جديد، وليساء تحدق فيهم بعينان تملؤها الدهشة، كأنها تنظر بمعجزة تحدث أمامها.. افاقت على صوت كيتو وهو يقول لها:
_أنا لا أصدق أنني نجوت.
ثم راح ينفض عنه آثار الرمال..والأصدقاء أيضا ينفضون عنهم ما علق بهم من تراب..قال ديمترى وهو يحتضن شعاعه:
_لولاك ياصديقي كنت هلكت.
صاح به بوت:
_لا تنسى أن ليساء هي من سعت حتى أعادتهم لنا.
قالها ثم نظر لها بامتنان.
ابتسمت له ليساء ثم التفتت لكيتو وديمترى عندما قالا لها:
_شكرا جزيلا لك ليساء لولاكي كنا هلكنا .

_لا شكر على واجب أصدقائي أنا سعيدة بناتكم كثيراً..حمدا لله على سلامتكم
قالتها ليساء وهي تبتسم لهم بود.
والآن هيا لكي نكمل سيرنا، مشوا الأصدقاء
وما هى إلا بضع خطوات حتى انشقت الأرض عن حائط أسود ..خروجه جعل الأرض تهتز من تحت أقدامهم وعاصفة رملية كادت أن تطيح بهم، تشبثوا ببعضهم البعض وهم يصيحون:
_مالذي يحدث؟!
الرياح تطيح بشعر ليساء جعلتها تغمض عينيها حتى تتفادها وقد كادت أن تعميها، والأصدقاء يحاولون أن يتقونها بأشعتهم، شعروا أنهم بعد قليل سوف يطيرون ويكونون كالريشة في مهب الريح، ليساء تدعو الله أن يسكن هذه الريح الشديدة، بعد لحظات سكنت الريح وهدأت الأجواء من حولهم، وتنفسوا الصعداء، تأملوا الدنيا من حولهم بعد هدوء العاصفة شاهدوا الباب الأسود الذي كان السبب في هذه الريح، جعل كيتو يهتف:
_ما هذا الحائط؟؛
قال بوت وهو يحدق في الحائط:
_أمن المعقول أن يكون هذا الباب الخامس؟
قال بوت معقبا على كلام كيتو وديمتري:
_لا أظن ذلك.. أنه يختلف كلية عنهم فهذا أسود اللون لا يشوبه شئ ولا يوجد عليه أي علامات أو كتابة تشير للغز حتى نقوم بحله.

_بل هو الباب الخامس بوت.
قالتها ليساء بنبرة مؤكدة وهي تزال تتأمل الحائط الأسود.
سألها بوت:
_كيف؟! ليساء أنه يختلف عن الأبواب الأخرى.
_انه هو بوت بل أني عثرت على مفتاحه أيضا.
_ماذا؟!!!
هتفوا بها الأصدقاء جميعا بصوت واحداً وهم يتبادلون مع بعضهم لبعض نظرات التعجب.
ابتسمت ليساء وهي ترى في عيونهم الدهشة والفضول لمعرفة كيف توصلت إلى حل اللغز بهذه السرعة فقالت لهم:
_لا تندهشون سوف تعرفون كيف عرفت حل اللغز؟ ولماذا أنا متأكدة من أن هذا الحائط هو الباب الخامس.
_اذا هيا فسري لنا بسرعة.
صاحوا بها والفضول كاد يقتلهم..فأشارت لهم بيدها أن اصبروا فهمست:
_على رسلكم سوف احكي ..أنتم تعلمون أن الباب الأول كان مفتاح حله تلك الجملة التى قرأتها وهي(لا إله إلا الله محمد رسول اللّه)
والباب الثاني الذي فتح عندما انتهيت من صلاة ركعتين لله..والباب الثالث الذي ظهر وفتح بعد أن تصدقنا بكل ما لدينا..والباب الرابع الذي فتح عندما رددنا الدعاء الذي يقوله الصائم أثناء إفطاره وهو( اللهم لك صمت وبك أمنت وعليك توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر) ومن هنا عرفت مفتاح الباب الخامس.
نظروا الأصدقاء لبعضهم البعض في عدم فهم حتى قالوا جميعا في نفس واحد:
_ لم نفهم شيئا ليساء ومازلنا نجهل كيف تولصتي إلى مفتاح الباب الخامس.
ضحكت ليساء ثم قالت لهم:
_اقصد يا أصدقائي أن الأبواب كلها كانت تشير الى أركان الإسلام وهى( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..إقامة الصلاة ايتاء الزكاة، صوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) وقد تجاوزنا باب التوحيد عندما رددت لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله..وتجازونا باب الصلاة عندما صليت ركعتين حاجة ثم باب الزكاة عندما أعطينا التفاح الذى كان معنا للمساكين الذين قابلناهم ثم باب الصوم فماذا يتبقى لدينا؟
_هتفوا جميعا بعد أن فطنوا:
_حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
هتفت ليساء:
_احسنتم يا أصدقائي.
قال بوت وهو يشير على الباب:
_ولكنك يا ليساء لم تقولي لنا طريقة فتح الباب الخامس ما هى وكيف يكون حله
ليساء وهي تشير على الباب:
_هذا الباب بوت يشبه للكعبة اشعر أننا إذا طوفنا حوله سبع مرات سوف يفتح.
قال كيتو:
_اذا هيا نجرب لن نخسر شيئا
_ أنا أتوق لفتحه ليساء هيا لنجرب.
قالها ديمترى بحماس فقالت ليساء:
_إذا افعلوا مثلي بالضبط.
ثم راحت تطوف حول الباب وهي تلبي
( لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك).
وما أن تمت سبع أشواط حتى فتح الباب بالفعل وما إن تجاوزوه حتى أختفى گأنه لم يظهر لهم.. ثم وجدوا أنفسهم في بقعة جديدة لم يشاهدوها من قبل، وتعجبوا الأصدقاء ولكنهم في نفس الوقت كانوا معجبين بذكاء ليساء، كانت ليساء سعيدة إنها تجاوزت الأبواب الخمسة فالتفتت إلى الأصدقاء تسألهم:
_هانحن قد تجاوزنا الأبواب كلها قولوا لى كيف سأعود إلى بيتي؟
صمتهم والحزن الذي ارتسم على وجوههم وهم يطأطأون رؤوسهم ويتحاشون النظر لها جعلها تهتف:
_ما بكم لماذا لا تجيبوني؟ ألم يحن أن أعود إلى بيتي؟
تكلم كيتو ونبرته بادى عليها الحزن:
_الى هنا ويجب أن نفترق ليساء ونعود إلى حيث وجدناك في البئر.
ضيقت عينيها في عدم فهم وهى تغمغم:
_ماذا تعنى كيتو؟ لماذا علينا أن نفترق.
تقدم بوت خطوة منها وقال بصوت آسف :
_ انظرى ليساء إلى هذا الباب عندما تدخلين منه سوف تعودين إلى بيتك ثقى بنا ولكنك سوف تدخلينه بمفردك.
قال هذا وكان يشير على باب كبير كأنه باب مدينة باب خشبي طوله ستة أمتار وعرضه خمسة يتوسطه حلقة كبيرة.
_كيف ستتخلون عني وقد كنت منذ البداية مع بعضنا.
همست بها ليساء في حزن وخوف.
همس ديمترى بعد أن اقترب منها وربت على يدها:
_ هنا ينتهى دورنا ليساء ولا اختفى فأنت فتاة زكية و سوف يحميكى ايمانك بالله .
كانت عيناها تذرف دموع الحزن على فراق اصدقائها وهي تقول بصوت باكى:
_سوف اشتاق لكم كثيرا.
بحزن عميق هتف الأصدقاء:
_ونحن أيضا ليساء سوف نشتاق لك، ولن ننساك ابدا.
ودعتهم وهى تعانقهم واحدا واحدا، وظلت تلوح بيدها وهم يبتعدون عنها حتى اختفوا عن ناظريها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي