الفصل 64

كيف كانت ستبدو حياتى إن لم تكونى شقيقتى ؟
..............

فى مبنى المخابرات
القائد يصرخ فى قائد الفرقة المسئول عن البحث عن الطائرة؛ التى تم قرصنتها :
_ كيف تقول أنكم لم تفلحوا فى العثور عليها؟ وأين تتبع هواتف الرهائن؟ وأين الصندوق الأسود؟ ألم يعطيكم الكابتن أنس آخر محادثات بينه وبين القائد؟ ألم تجدوا فى إشارات الرادار وأجهزة اللاسلكى ما يفيد عن مكان إنحرافها؟ أو عن جنسية أى من الخاطفين؟ أو أى معلومة أخرى؟

القائد الآخر:
ـ لقد فعلنا كل ما بوسعنا.

القائد الأعلى وهو يصيح فيه :
_لا تقل هذا! فما دمت لم تاتى بنتيجة فأنت لم تفعل شيئاً. أتعلم ما نتيجة ما تقوله ؟ لقد قررت كلاً من المخابرات الألمانية, والإيطالية, والرومانية أن يرسلوا قوات من عندهم للبحث عن أبناء وطنهم! أى انهم يعلنون فشلنا!

قائد الفرقة:
_يا سيدى ليس بيدنا شىء! وإن وافقت لإستعنت بالعقرب.
القائد وقد زفر نفس يأس وضيق :
_ إنه فى مهمة أخرى سيعود منها غداً, أو بعد غد على الحد الأقصى إلى سيناء حيث أفراد فرقته فى منزل الحاج شاهين يتداوون من جراحهم, إنه حتى لم يأخذ نفس راحة من عمليته التى لم تكن سهلة بالمرة. فكيف لنا أن نطالبه بما يفوق طاقته؟ فهكذا نحن نقدمه هدية للموت بأيدينا!
_ثم أن هناك أمينة المفتى فى إنتظاره فى سيناء, وهو الوحيد القادر على تسليمها لنا! فهل أخبره أن يترك كل هذا ويقوم بأعمال بقية فرقنا ؟

كان يقول هذا وبداخله مقتنع تمام الإقتناع بأنه لا محال من الإستعانة بالعقرب, ولكنه فى ذات الوقت لا يحب ان يعطى الحل الأسهل للقائد ؛ حتى لا يعتمد على يوسف ويجتهد بفرقته لعله ينجح, وكذلك كان بداخله يعلم إنه ليس هناك من البشر ما يطيق هذا؛ فالله كما خلق الجد والعمل والحروب , خخلق معها الهدوء والسكينة والراحة والسلم والأمان فكيف له ان يطلب من يوسف الشق الأول ويحرم عليه الثانى؟
ولما لم يجد مفر, وأراد ان يفكر فى الأمر بتركيز قال لمتبوعه :
_ أتركنى أفكر فى الأمر فربما أمدك بجنود آخرين ؛ وقد قال هذا لعله لا يطمئن ان العقرب سيحمل عنهم المهمة لا محال.

.....................
كان حمزة لتوه قد أنهى حمامه المنعش وخرج؛ فوجد فريدة تنتظره, ولكن ملامحها تومىء إنها تود أن تخبره بشىء. فقال فى نفسه بضيق :
_ يبدو أن هناك لائحة من العتاب تنتظرنى! أف يا إلهى لقد سئمت هذا الوجه, وهذه الحياة الممله معك يا فريده.

فريدة وهى تتفحصه:
_ ما بك تحاول ألا تعيرنى أى إهتمام هكذا؟

حمزة ببرود :
_أنتى حقاً إسم على ما يسمى؛ فإسمك فريدة, وفريدة أيضاً فى إختراع الهموم, والخصام والعتاب فى كل لحظة!

إكتسى وجهها بحمرة الغيظ من كلماته وقالت:
_وهل لى ألا أعاتبك وأنت لم تفكر؛ حتى أن تصطحبنى لأشترى فستان يليق بخطوبة أخى؟ ولم تصطحبنى لأى نزهة من الأساس! ألسنا فى عرف الازواج عروسين؟

رد عليها بلا مبالاه وهو يصفف شعره وينثر عطره:
_وهل لزاماً علي أن أصطحبك للمحال النسائية يا فريدة؟ فلما لم تذهبى بصحبة مها وتشترين ما تشائين؟ على الاقل ستجدين من تستشيريهم فى الرأى. أما أنا فلن أفيدك بأى شىء؛ سوى الدفع.
فريدة :
_ لكنى أريد أن أشترى على ذوقك أنت.

حمزة :
_ولماذا على ذوقى؟ حاولى أن تستقلى بنفسك, وتشترين ما يعجبك أنت, وليس ما يعجبنى أنا. فما الحل إن إخترت أنا شىء لم يعجبك؟ هل ستشتريه لمجرد أنه يعجبنى؟ حتى وإن وجدتيه لا يليق بك ؟

فريدة :
_ نعم سأشتريه! فما يهمنى أنه عجبك, وإنك قد إخترته لى.

حمزة بضيق :
_ لا تفعلى هذا أبداً؛ لأنك إن فعلتي لن يعجبنى؛ بل إختارى لنفسك ما يطيب لك. ولا تنتظرى رأيى. فكونى شخصية غير إتكاليها, وتمتعى برأيك المستقل, وناهضى من أجله.

فريدة :
وهل إن كانت شما هى التى طلبت منك هذا الطلب, هل كان ردك هو نفس الرد؟ أم أنك كنت ستتمنى أن تطلب منك أن ترافقها؟ وستلبى على الفور؟

حمزة وقد إلتفت إليها وقال بعصبية :
_ إخرجى شما من بين أحاديثنا, فكم مرة واعدتينى وتخلفى, ثم أن شما لن تطلب منى هذا الطلب على الاطلاق؛ لأنها ببساطة لها شخصيتها المستقلة. وتعرف ماذا تختار لنفسها وان أردتى الصراحة فأنا أود حقاً إن طلبت هذا منى أتعلمين لماذا ؟

فريدة بصدمة, وقهر محاولة أن تداريها :
_ لماذا ؟

حمزة :
_ لأنها إن قررت أن تحتاج إلى؛ فلن تحتاجنى إلا لشىء عظيم؛ ولهذا سأكون سعيد لأنى أعلم انى القادر على تحقيق هذا العظيم؛ وانى ما طلبت أبداص إلا لعظيم؛ فنحن هكذا جنس الرجال! نعشق من تشعرنا برجولتنا, أما كونى أشعر أن حبيبتى تحتاجنى فى التفاهات, فهذا لا يسعدنى, ولا يسعد أى رجل على الإطلاق, وإلا فما الميزة فى إحتياجك إلي ؟! هكذا أنا, او أى رجل على الإطلاق لن أشعر بما يشبع غريزتى كرجل! أفهمتى قصدى يا فريدة ؟

فريدة ويبدوإنها لم تستوعب كلامه :
_ولكنى أريدك أن تختار لى, وكنت اود أن تاتى الرغبة منك, وتعرض علي بنفسك.
حمزة :
_ نحن لا نهتم بهذا. ولا ندركه يا فريده؛ فأنا عندما علمت بخطوبة أخيكى شعرت بحاجتى لشراء بدلة أنيقة؛ خاصة بعدما علمت من كلامك أن جميلة تلك من العائلات الثرية. أى أن الحفل سيضم بالطبع أثرياء؛ فكان لابد أن أبدو أعلى منهم, وهذا كان تفكيرى, ولم افكر بنفس طريقتك! فلم اطلب منك ان تشترى لى على ذوقك؛ لأنى أنا وحدى الذى أعلم ما أرتاح له.

قطع كلامه صوت رنين هاتفه, فقام ليرى إسم الطالب؛ فتغيرت ملامحه للإضطراب؛ ففهمت فريدة أن المتصل؛ لن يكون سوى شما.

رد حمزة عليها بكلام مقتضب قائلا حالاً سآتى إليك .

قالت بغيظ :
_ يبدوأنها سمعتك تتحدث عنها؛ فاتصلت عليك لتروى ظمأك, وترضى غرورك كرجل! اليس كذلك؟

حمزة مراوغاً ليدارى توتره ,وصدق ظنها؛ خاصة إنه كان يحاول أن يتعجل من الإنتهاء من إرتداء ملابسه :
_ عمن تتحدثين لا أفهمك ؟ وأسرع ينهى إرتداء ملابسه.

ملامحة الفرحة المشرقة التى جعلت وجهه وضاء, جعلها تتأكد أنها شما كما ظنت؛ فخرجت من الغرفة وذهبت متجهة للحديقة وهى فى قمة يأسها.

وجلست مع نفسها تبكى, وقررت أن ترسل له رسالة تكتب فيها كل ما عجز لسانها أن يبوح به :
_ كم كنت أحب أن أعاتبك؛ ليس لأجل العتاب, ولكنى كنت أعتقد ان العتاب بيننا هو حب . حب بطريقة أخرى؛ فما أحلى التجديد فى الحب؛ حتى وإن كان بالعتاب.
كنت أعتقد أن الفكرة من العتاب, هى الحفاظ على الحب, وعلى أى علاقة جميلة بيننا.
كنت أهوى عتابك, وانا متيقنة أنك تفهمنى, وتفهم معنى العتاب عندى.
كنت أهوى العتاب؛ لأنى كنت فى حاجة إلى لمسة حانية, أو بسمة طمأنينة.
كنت أهوى عتابك يقيناً منى أنى بهذا أخرج منك كل ما هو جميل بيننا؛ فكلما قولت لك لما لم تعد تعانقنى؟ كنت أقصد ضمنى وبشدة.
كنت اهوى العتاب؛ لانه كان عندى شىء راقى بيننا, مثلما كان حبك راقى عندى, ولكنى وجدت عندك العتاب له معنى آخر غير الذى أفهمه وأبحث عليه عندك, عتاب لم يكن فى حسبانى معناه من الأساس.
وجدت العتاب عندك بمعنى سوء الظن, أو سوء الفهم, أو إلقاء التهم والبحث عن أى سبب لهدم علاقتنا, او هدمى أنا على الأخص.
عاتبتك فصدمتنى؛ فكان ظنى أنى سأعود بعتابى مجبورة الخاطر, واسعة الصدر, والأنفاس؛ ولكنى للأسف وجدتنى أعود بالخيبة والكسرة.
الآن فقط ادعوا الله أن ألحق ما تبقى منى, ومن سكينتى وحيائى, وربما أنوثتى أيضاً, إن لم أكن فقدتها بعد؛ فقد اشعرتنى كلماتى أن كل النساء فى عينك نساء, إلا انا فقد إختصرت جمال النساء فى شما فقط, وكأن الكون كله خلا إلا منها.
وجدت العتاب عندك, عبارة عن الموت لى, فى حين كان عندى بمثابة المسح على الروح.
جئتك وكان ظنى أنى سألهو معك تحت زخات المطر, أتدلل فتراقصنى أكثر.
لكنى إكتشفت ان الرقص عندك جبر, وعنوه مع شخص لا يحبنى, وتأكدت الآن أن الرقص تحت المطر ممتع, مع أنى على يقين إنى حتماً سأمرض!
الآن فقط إكتشفت أن تلك العيون؛ التى كنت أعشق عتابها لتضحكنى خجلاً, هى نفسها التى تبكينى الآن قهراً!

ما ان قرأ حمزة رسالتها إلا وزفر ضيقاً؛ فقد شعر ان كلماتها لا تأتيه إلا وأكسبته طاقة سلبيه تفقده اللذة باى جميل حوله, ولأنه لم يكن يريد ان يكون هذا حاله على الأقل الآن وهو ذهب لمقابلة شما؛ فقراها ببلادة, ولم تزيده إلا فتور, ونفور؛ فقال لنفسه وهو لازال فى غرفته يكمل ملابسه :
_ أنثى تعشق النكد واليأس وزفر نفس ضيق.

وما هى إلا دقائق وكان ماثلاً أمامها بطلعة جذابة؛ فراته فتحسرت على إنها لم تستطع الفوز به, وزادت غيرتها من شما.

إقترب منها وقبل جبينها, وإعتذر لها, ولكنها كانت تشعر ببرودة رده, وقبلته ظناً منها إنها ستسمع منه ما يرضيها, أو يسليها , ولكن ما إن سمعت رده المقتضب ؛ حتى إزدادت حسرة فوق حسرتها فقد قال لها وهو يربت على كتفها, إن أردتى أن تتقنى فن نسيان شما من حياتنا؛ عليكى أن تتقنى هدم أبراج المراقبة.
كلماته أزعجتها وأشعرتها بقلة أنوثتها وذاتها فى عينيه , ولم تستطع أن تتفوه بأى حرف آخر؛ فها هو يصفها بإنها تراقب شما, ومعنى هذا إنه يعلم أنها أفضل منها, وإلا؛ فلما يشعر أنها تراقبها ؟
تبعته ببصرها, وهو يرحل عنها, ويستقل سيارته, وينطلق بكل قوة؛ ليذهب إليها؛ رغم انه حتى رحل؛ لم يرحمها وينفى عن نفسه انها هى المتصلة , وانه تانق لانه حقاً ذاهب لمقابلتها.

فى تلك الأثناء خرج يوسف أخيها ذاهباً للقاء أحد قائديه؛ فوجدها تقف هكذا؛ فسألها وهو يتمعن فى ملامحها وآثار دمعاتها على وجهها
_ ماذا حدث هل تشاجرتى مع حمزة؟

فريدة بإبتسامة باهتة تسخر فيها من نفسها :
_ عاتبته لأنه لم يشترى لى فستان لحضور حفل آخر فاتهمنى أننى لست بصاحبة شخصية. وا وأخيراً جاء يطيب خاطرى فطعننى بخنجر, وقال لى إن أردتى النسيان عليك بهدم أبراج المراقبة.
كانت ترد على أخيها, وهى غير مستوعبة, ما تقول وكأنها تهذى, ولازالت عيناها معلقة على مكان حمزة.
يوسف بتعجب من كلامها الغير مفهوم , ومن حالتها الغريبة قال محاولاً ان يستشف ما لم يفهمه بعد:
_ تراقبى من؟ لا أفهمك؛ ثم لما لا تذهبين أنتى وتختارين ما شئتى بإرادتك؟ ولا تحتاجين إليه؟ إجعليه يشعر بانك فى غنى عنه وانك سيدة قرارك.

هنا صدمت وشعرت أنها تقف أمام حمزة ولوهله شعرت؛ إما هى المخطأة بالفعل ؛ وإما كل الرجال هكذا مثل اخيها ومثل حمزة وهذا ما قاله حمزة لها وربما إستوعبته الآن فقط ولهذا ردت على أخيها قائلة:
_ إنه كان محق اذاً عندما قال أن الرجال جميعها لهم نفس النظرة, والفكر.
وتركته وابتعدت عنه؛ فهز كتفيه فلم يفهم ما بها؛ ولم يحاول أن يهتم؛ فما به أكبر من مجرد تطيب خاطر أخته.
............
فى أقل من النصف ساعة كان حمزة يقف برفقة شما على ساحل البحر مكانها المفضل للفضفضة.
كانت قد قصت عليه ما حدث مع مريم.
أنصت إليها, ولكنه لم يرد عليها فى الحال؛ بل تحرك مبتعداً عنها خطوات, وأشعل سيجارته بصعوبة بسبب تيارات الهواء, ولأنها كانت فى حاجة إلى رأيه؛ ساعدته؛ فوقفت أمامه فاردة ذراعيها؛ لتصد عنه الهواء وبالفعل قد فلحت.
نظر لها؛ ولازال على نفس حالة الصمت؛ مما أزعجها فلم تعتاد منه هذا فسألته:
_ لما لم تعطينى رايك؟

حمزة بضيق منها, وهو ينفث دخانه:
_ رأيى فى ماذا يا شما؟ فى إنسانة كانت قد اختارت العهر منذ القدم ولكنك كنتى ولازلتى تبررين أفعالها وتوهمين نفسك بأنها ضحية الظروف؟

شما بانفعال وتوتر:
_أنا لا أبرر الأخطاء يا حمزة؛ فهذا ليس بإسلوبى, وأنت تعلم, وإن كنت هكذا؛ لاستطعت تبرير تصرفات كثيرة, ربما كان فى تبريرها راحة لى! ولكنى إخترت أن أواجه؛ فالتبريرات هى تصرفات وفرص عديمى الشخصية.

ولكنى أراها بالفعل ضحية الظروف؛ فهى قد نشأت من البداية فى بيت عمها؛ الذى كفلها من بعد وفاة امها وأبيها, وكم قاست من معاملته, وزوجته, وعلى التفرقة بينها وبين اولاده؛ لهذا ما إن تعرفت إلى زوجها الملعون؛ إلا ووجدت فيه طوق نجاه, ولهذا إستسلمت له.

حمزة :
_هى لم تستسلم, هى أغوته. والفرق بينهما كالفرق بين المالح والعذب يا شما.

أى إن أردتى أن تصفى فعلتهما؛ فيجب أن تفهمى إنه قد أتاها وهو لم يعلم ما تخطط له, فقد أغوته بالشهو؛ حتى ظنت أنها هكذا ملكته, وعندما وجدت منه الإنفلات من الوعود لجأت إليك مزورة الحقيقة, وانتى لم تتركيها كما كانت هى متأكدة من هذا عندما لجأت إليكى؛ بل صححتى لها مسار حياتها؛ ولكنها لم تكتفى؛ بل مع أول عرقلة لقدميها قفزت؛ حتى لا تسقط؛ بدلاً من أن تحاول أن تتجاوز العرقلة بهدوء, والان انتى تقولين انها ضحية الظروف! وأنك المسئولة الاولى والأخيرة عنها؛ لأنك لم تساعديها, ونسيتيها فى زخم حوادث حياتك؛ فلماذا الآن تحتاجين رأيى؟ وقد حكمتى على أى رأى يخالفك إنه ضد قوانين الحياة؟ وضدها هى على الأخص؟

شما وقد إبتعد عنه خطوات, وولته ظهرها, وأخذت تستنشق نسمات الهواء الباردة؛ لعلها تهدىء من نار صدرها. وظلت صامته لم ترد؛ وكأنها بكلماته فتح عينيها على قصور رأيها, أو ربما خيب ظنها فيه فهى كانت تريد رأى آخر يوافقها, أو ربما هى من البداية رأيها يوافق رأيه ولكنها تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذم من بقايا مريم لأجل طفلتها .

إقترب منها وربت على كتفها وهى لازالت على نفس وضعها من الشرود فى نقطة فى الفراغ وقال :
_ هدأى من حالك؛ ولا تحملى نفسك بما ليس لك يد فيه.
هنا إبتسمت ابتسامة باهتة, ساخرة, فهو يعيد على مسامعها نفس كلمات أخيها, وكأنهما إتفقا على إعطاءها أمل, أنها لازالت مرغوبة من أحدهم.

قالت:
_ على أية حال لن أترك لها إبنتها, وسأقوم أنا بتربيتها, وإن أرادت إبنتها؛ عليها أن تترك هذا الطريق, وتعيش معها فى بيتى؛ تحت عينى, وسأقوم أنا بالإنفاق على كلتيهما.

ابتسم لها وقال بطريقة ساخرة ليخرجها مما هى فيه :
_ ليتنى كنت مريم.

ضحكت ضحكة صافية, ونظرت له نظرة عميقة, وإقتربت منه, مما زاد من نبضات قلبه,وقالت:
_ أنت عندى أغلى, وأعلى من مريم؛ ولهذا لم أجد غيرك لأنفث معه في كل ما يؤرقنى.

حمزة بحب , وألم فى آن واحد:
_ولما لم تنفثى معى فى كل ما يخص قلبك ؟

أخذت نفس عميق وقالت له :
_ ما لك ومال قلبى يا حمزة؟ إحمد ربك انى لما انفث عن قلبى معك! لأشتعلت كما أشتعل أنا! فهى رأفة منى عليك؛ لانك عندى غالى.

مد كفه وأمسك كفها:
_أنتى عندى أغلى وأبعد, مما يخيل لك.

سحبت كفها بسرعة, وقالت متجاهلة تلك اللمسات:
_ لقد أصبح الأرق صديقى؛ حتى شعرت أنى خلقت خصيصاً لأحرس الليل, وبدأت أصدق تلك المقولة التى كنت يوماً أكذبها ( عامل الاجساد والقلوب بما تعتاد ) فكأن من حولى يعاملونى, بما إعتاد عليه قلبى من الخيانة, وجسدى من تحمله بما فوق طاقته إعتادوا على الإتكاء علي, وأنا سئمت من تأدية دور الجدار, فأنا مثلهم أريد أيضاً أن أتكىء فأستريح.

وجدته فجأة يحاوطها بذراعيه, وكأنه يقول لها بالتعبير ها أنا إتكأى ولا تخافى.

ارتعدت اوصالها ونظرت له نظرة عتاب وابتعدت على الفور.

همس لها متجاهلا فعلته:
هم فقط عشقوقى؛ ولكنهم عرفوا قدر أنفسهم ووصفهم, فإبتعدوا عنك لإنك أعلى وأغلى من اى قلب يريدك.

نظرت له متناسية ما فعله وقالت ساخرة على حالها :
_ وهل لأنهم عرفوا قدرى؛ قرروا تدميرى حتى بت لا أعرفنى ؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي