الفصل السادس عشر من الجزء الثاني

الصفقة

ينهض سيباستيان من على الكرسي الخاص به ويقول: لويس رفيقي! هل انت بخير؟ انتظر قليلا سأستدعي الطبيب!
ينظر لويس نحو سيباستيان ويحاول التكلم لكنه كان متعبا للغاية فلم يكن منه سوى ترك يد رفيقه وإغماض عينيه ليستغرق في النوم من جديد.
يحضر الطبيب الى غرفة لويس ويليه ماكس بينما سيباستيان فقد كان هناك بالفعل ينتظرهما، ينظر الطبيب نحو سيباستيان ويطلب منه الخروج يحاول سيباستيان الاعتراض على هذا الأمر إلا أن ماكس يتدخل ويقول: سيباستيان فلتنفذ أوامر الطبيب، وجودك هنا سيشكل عائقا في طريقه. لن يستغرق الأمر كثيرا لا تقلق.
يغضب سيباستيان ويغادر الغرفة رغما عنه ويقف الى جانب الباب ريثما ينتهي الطبيب من اجراء الفحوصات اللازمة للويس، في تلك الاثناء تحضر الممرضة لغرفة ليديا لتقوم بتبديل المحلول فتتركها سيرا لعملها وتغادر الغرفة لتلتقي بـ سيباستيان.
ينظر سيباستيان نحو سيرا ويهرع إليها قلقا ويقول: هل حدث مكروه لليديا؟ لما انت بالخارج؟
سيرا: لا تقلق، كل شيء على ما يرام حتى الآن، لقد حضرت الممرضة للقيام ببعض الأعمال فتركتها لعملها.
سيباستيان: حسنا فهمت ذلك.
تنظر سيرا نحو غرفة لويس والتي كانت الى جانب غرفة ليديا ومن ثم تعيد نظرها نحو سيباستيان وتقول: هل حدث شيء ما للويس؟
سيباستيان: لقد استيقظ قبل ساعة فقمت باستدعاء الطبيب ليعاين حالته.
سيرا: أرجو أن يكون بخير.
سيباستيان: أجل، ارجو ذلك أيضا!
يعود سيباستيان ليوجه نظره نحو باب غرفة لويس الذي كان مقفلا و يدعو في سره أن يكون كل شيء على أتم ما يرام بينما سيرا كانت تراقب تصرفات سيباستيان لتقول بعد برهة قصيرة: انا حقا مبهورة من رزانتك حتى الآن سيباستيان.
ينظر سيباستيان نحوها ويقول متسائلا: ما الذي تقصدينه بكلامك؟
سيرا: توقعت ان تكون غاضبا أكثر أو على الأقل لم أتوقع أن تتمالك حتى هذه اللحظة.
يفهم سيباستيان ما ترمي اليه سيرا لتستقر على وجهه نظرة باردة ويقول: يبدو أنك لا تسأمين من قذف كلماتك السامة نحوي، أليس كذلك؟
لا تجيب سيرا بشيء فقد كانت نظرة هذا الأخير كفيلة بإخراسها ليكمل هو كلامه بنبرته الباردة تلك قائلا: من الأفضل لك سيرا أن تتوقفي عن ذكر الماضي وإلا فلن أكون لطيفا معك بعد الآن، هل فهمت؟
ترتعش انامل سيرا من كلمات سيباستيان وقبل أن تُتاح لها أي فرصة للرد يخرج الطبيب من غرفة لويس ويتجه سيباستيان نحوه ليتطلع على وضع رفيقه.
يقوم الطبيب بإخبار سيباستيان ان كافة وظائف لويس الحيوية تعمل بشكل جيد للغاية لكنه لن يقدر على تحريك ظهره لفترة من الزمن ويتوجب ان يتم نقله بواسطة كرسي متحرك في الأرجاء حين يكون هنالك حاجة لذلك أما في الأحوال العادية يُفضل أن يتم إبقائه مستلقيا على ظهره، يشكر سيباستيان الطبيب ويدخل الى غرفة رفيقه الذي كان ينظر نحو السقف ومن فوره يقول: كيف حالك لويس؟
يستدير لويس برأسه ويقول: انني بخير، ما الذي حدث سيباستيان؟
يجلس سيباستيان على المقعد ويروي للويس كل ما جرى بالأمس منذ اللحظة التي طلبت بها ليديا ان تلتقي بعمها ويليها لقائهما مع سيرا وتوجه ثلاثتهم الى منزل السيد رايكلز ولقائهم بلوكاس والمواجهة التي حصلت بينهما الاثنان وكيف انتهت بكون سيباستيان قد أطلق النار على قدم لوكاس كي لا يتمكن من اللحاق به.
لويس: إذا لهذا السبب لم تكن انت برفقة ليديا.
فجأة تتوسع عينا لويس كمن تذكر شيئا ما وينهض من على السرير ويقول بصوت قلق، خائف: ليديا! ما الذي حدث لليديا؟ هل هي بخير؟
يجتاح الألم جسد لويس بسرعة ويوشك على الوقوع بقامته لولا إمساك سيباستيان به ويقول: اوي فلتنتبه على نفسك! لا تقم بهذا الفعل مجددا.
يعدل من موضع رفيقه ويعود للجلوس على مقعده وينظر نحو لويس الذي كان القلق يكتسح قسمات وجهه ويقول: إن ليديا الآن في غيبوبة اصطناعية نتيجة لارتجاج الدماغ الذي أصابها ومن المرجح أن تستيقظ غدا.
يريح لويس رأسه ويبدأ بالبكاء ويقول: حمدا لله لقد كنت قلقا للغاية!
ينظر سيباستيان نحو رفيقه ويقول: كيف انتهى بك المطاف انت وليديا في مكان واحد؟
لويس: لقد قام ماكس بالاتصال بي في وقت سابق من أمس وقد أخبرني أن هنالك ثلاثة أشخاص قد قاموا بتتبع سيرا فور مغادرتها للنزل وقد كان قلقا للغاية عليها ولم يستطع التواصل سوى معي، قمت بطبيعة الحال بتتبع هاتف سيرا وقد كنت انا وماكس متجهين للمكان الذي كنتم تقصدونه، منزل السيد رايكلز، فإذ بنا فجأة نرى فتاة ذات شعر أسود قصير تقوم بسحب ليديا الى سيارة كانت مركونة بجانب الطريق.
يدرك سيباستيان ان تلك الفتاة التي ذكرها لويس ليست سوى الفتاة ذاتها التي قد واجهها في البداية أمام القصر.
يكمل لويس كلامه ويقول: انا اعتذر سيباستيان.
ينظر سيباستيان نحو رفيقه ويقول: عما تعتذر؟ لولاك لفقدت ليديا الى الأبد!
لويس: أجل لكن بسببي هي الآن في غيبوبة اصطناعية.
يتساءل سيباستيان عما يقصده لويس بكلامه فيخبره هذا الأخير بتفاصيل الملاحقة التي جرت بينه وبين ريلا وكيف تمكن من ايقافها والمخاطرة التي قام بها وأنه كان من المحتمل أن يفقد الجميع حياته من خلال خطته تلك.
يأخذ سيباستيان نفسا عميقا ويقوم بإخراجه تدريجيا ويقول: لا بأس المهم أن الجميع على أتم ما يرام.
لويس: هل تعني ما تقول؟ لقد كنت على وشك أن اتسبب بمقتل ليديا!
يتضايق سيباستيان من كلمات رفيقه الأخيرة وللحق فقد كان يشعر ببعض الغضب من تهور لويس لكنه يعرف صديقه جيدا وقد كان يعلم ان ويس لن يقدم على تصرف أهوج كهذا إلا إن كان متأكدا من نجاحه.
يبتسم سيباستيان لرفيقه ويقول: لتنال قسطا من الراحة الآن، سأذهب لشراء قنينة من العصير.
يحاول لويس إيقاف رفيقه الا ان ذاك الأخير قد غادر بالفعل فيعود لويس للنظر نحو سقف الغرفة ويشتم نفسه على تصرفه بتلك الحماقة.
يجلس سيباستيان على أحد المقاعد في الخارج ويحاول قدر الامكان الحفاظ على أعصابه بينما في تلك الاثناء يعود ماكس ادراجه الى النزل ليحضر بعضا من الملابس النظيفة لسيرا بالإضافة الى ادويتها وفور دخوله الى الشقة يشعر بحضور شخص آخر في المكان.
يسير في الارجاء بشكل هادئ فإذا بشخص من الخلف يضع مسدسا في رأس ماكس من الخلف ويقول: لا تتحرك قيد أنملة.
ينفذ ماكس كلمات الشخص ويقول: جئت الى هنا لإخبارك شيئا واحدا واريدك ان تنقله للمدعو سيباستيان، انا اعلم انه من المفترض ان تستيقظ ليديا غدا لذا اريد ان اعقد صفقة فليقم بتسليمنا الأدلة التي قد ورثتها من والديها عن منظمتنا أو ستفقد عمها الذي لم تلتقي به بعد، انتظر الاجابة خلال ثلاثة أيام ويستحسن ان تكون الاجابة مرضية لي.
يغادر لوثر المكان من فوره تاركة ماكس واقعا في حيرته ويتساءل ما هذه الأدلة التي يتحدث عنها ومن فوره يعود ادراجه الى المشفى لإخبار سيباستيان بما حدث.

في تلك الاثناء كان لوثر يسير بسيارته على الطريق السريع ويعيد تذكر ما حدث البارحة في المشفى حيث أنه أصبح الآن وبشكل رسمي دمية بيد رئيسه ولن يتمكن من الإفلات به أبدا دون إحضار ليديا.

يحضر لوثر الى الجناح الطبي في المقر وقد كانت الممرضة تنتظره بتوتر شديد وفور رؤيتها له تهرع نحوه وتقول: يمكنك رؤيتهما لمدة عشرين دقيقة ومن ثم سيتم نقلهما إلى جناح آخر.
لوثر: وماذا عن التقارير؟
الممرضة: سيتم ارسالها بعد مغادرتك، هذا أقصى ما يمكنني فعله أعتذر.
لوثر: لا بأس، اشكرك جزيلا.
يتجه لوثر نحو غرفة كل من ريلا ولوكاس ولم يكن أبدا مستعدا لرؤية رفيقيه في تلك الحالة ابدا.

ينظر لوثر نحو لوكاس بالبداية وقد كان وجهه متورما للغاية حتى تكاد قسمات وجهه لا تظهر ابدا، بينما ساقه فقد كانت مضمدة بشكل مكثف نتيجة للنزيف الحاد الذي أصابها.
كان هنالك الكثير من الأجهزة التي تحيطه من كل جانب، يقترب لوثر نحو الفتى ويقول: لوكاس، هل تسمعني؟
يفتح الأخير عينيه تدريجيا ويحاول تحريك رأسه نحو لوثر ويقول: يبدو أنها النهاية رفيقي، لقد فشلنا بإمساك الفتاة.
يسمع لوثر بعض الحشرجة في صوت لوكاس فيشعر بالشفقة تجاهه ليقول: ما الذي حدث بالضبط؟
لوكاس: ان ذاك المدعو سيباستيان ليس بالشخص العادي ابدا! لا اعلم كيف نجت الفتاة من قبضة ريلا لكنني أؤكد لك أنهم ليسوا بأشخاص عاديين ابدا.
يتساءل لوثر ما يقصد لوكاس بكلامه ويتجه نحو السرير الآخر الذي كان مخفيا خلف الستار ليطمئن على ريلا.
يقوم بفتح الستارة لتتسع عيناه فجأة ويتراجع إلى الخلف بضع خطوات جعلته يتعثر بكرسي ما ويقع على الأرض.
يقول بصوت تملؤه الصدمة والخوف: ريلا! ما الذي حدث لك؟
يبدأ بالاقتراب تدريجيا نحوها وهو لا يصدق ما يراه أمامه أبدا، فقد كان معظم وجهها وجسدها مضمدا ولا يبدو أنها كانت مستيقظا ابدا.
ينظر نحو لوكاس من جديد ويقول: ما الذي جرى بحق الجحيم؟
لوكاس: لقد انفجرت سيارتها لا اعلم السبب تماما، لكن الفريق الطبي قد وجدها الى جانب الطريق بعيدة بعض الشيء عن الانفجار مما سبب فقط حروقا ذات درجة اولى.
يبدأ لوكاس بالسعال بينما لوثر بقي ينظر نحو ريلا فإذ به يسمع صوت بكاء ما، ينظر الى الخلف ليجد دموع لوكاس تنهمر بشدة ويبدو أنه لا يستطيع التوقف ليقول وسط بكائه: لا فائدة بعد كل هذه السنوات ظننت انني سأتمكن من تحقيق انتقامي لكن دون فائدة! كل شيء تلاشى الان هم أقوى منا، لقد خسرت فرصتي تبا لهذا العالم الظالم!

لا يفهم لوثر عما يتكلم لوكاس لكنه يعلم جيدا أنه فور نقلهم للجناح الآخر فقد كُتب على كليهما الموت لذا فإنه يجب أن يتصرف وبسرعة.
يقترب لوثر نحو ماكس ويقول بنبرة لم يعهدها أحد منه: لا تقل هذا! سننجو كما خططنا في البداية ثلاثتنا، لن اسمح بموت أحدكما ابدا!
ينظر لوكاس نحو لوثر ويهم لقول شيء ما ليقاطعهما حضور شخص آخر وقد كان يصفق بكلتا يديه ويقول بصوته الهادئ لكنه يبعث القشعريرة في الوقت عينه: يا لهذا المشهد المؤثر، صديقان تعاهدا على النجاة سويا ولن يتخلى أحدهما عن الآخر! لقد تأثرت كثيرا.
ينظر كل من لوكاس ولوثر نحو المتكلم وقد بدأ العرق يتصبب منهما و القشعريرة تسري في أنحاء جسديهما ليقول لوكاس بخوف واضح: أيها الرئيس!
يبتسم الرئيس ابتسامة هادئة ويقول: ماذا هناك لوكاس؟ هل كنت تبكي لفشلك في مهمتك؟
لوكاس: انا_
لا يقدر لوكاس على إكمال كلامه إلا أن الرئيس يقوم بتجاهله ومن ثم يوجه نظره نحو لوثر ويقول: هل قلت أنك ستنجو من قبضتي لوثر؟ للحق لم أعهد هذا الجانب منك أبدا، جانب مفعم بالحيوية والتمرد!
لا يجيب لوثر بشيء ويظل صامتا منتظرا من الرئيس إكمال كلامه فيقوم هذا الاخير بالفعل بإكمال كلامه ويقول: لقد أعجبني جانبك هذا حقا لذا ما رأيك بأن نعقد صفقة تفيد كلينا.
لوثر: صفقة؟
الرئيس: ان ليديا ليس حقا هي ما احتاجه بل انني احتاج ما بحوزتها، كما ترى قبل سنوات طويلة كان كل من والدي ليديا يحاولان بناء قضية لإنهاء امري وللحق فقد كانا ماهرين بما يفعلان وقد استطاعا جمع أدلة يمكنها أن تُنهي وجودي خلال ثوان معدودة وكما نعلم كلينا لا يمكنني السماح لأمر كهذا بالحصول خاصة وأن لدي مكانة مرموقة في المجتمع فبعد كل شيء أنا الرجل الأعمال الأول في العاصمة! لذا فإنني قررت وببساطة اختطاف كلا والديها أثناء ذهابهما إلى شركتهما وقمت بتلفيق موتهما وبهذا فقد أصبحا لعبة بين يدي.

يصمت الرئيس بعض الشيء ويتأمل بأسرير وجه لوثر التي كانت متوترة للغاية وقد بعث هذا المنظر في نفسه بعضا من الرضا والسرور ليكمل قائلا كمن يسرد حكاية أحداثها سعيدة: لقد قمت بتعذيبهما كثيرا وقد استعملت العديد والعديد من الوسائل وفي النهاية قررت التخلص منهما لكن هنالك شيء ما كان يضايقني منذ ذاك اليوم ألا وهي عبارات والد ليديا الأخير والتي لا يزال صداها يتردد في أذني في كل ثانية من اليوم، وقد كانت كالاتي: "ستنهار امبراطوريتك هذه في طرفة عين، ربما سنموت نحن لكن هي ستكمل ما بدأناه نحن ولتتذكر كلماتي جيدا جيمس!".

يتساءل لوثر في نفسه من يكون هذا جيمس ليجيبه الرئيس كمن سمع أفكاره: أجل جيمس هو اسمي الحقيقي، أشخاص قلائل من يعرفون هذه المعلومة ووالد ليديا هو واحد منهم. على كل حال لم افهم تماما ما كان يقصده بكلماته تلك حتى هذا الوقت حين ظهرت ليديا، ابنته التي تحمل الأدلة الكفيلة بتدميري!
ينظر الرئيس نحو لوثر و يحاول تمالك اعصابه ويقول: اذا ما رأيك الآن بمناقشة صفقتنا؟
يتردد لوثر في البداية قليلا الا ان كلمات رئيسه التالية جعلته يتخذ قراره في ثوان معدودة.
الرئيس: ان قبلت هذه الصفقة فسيتم تحريرك انت ولوكاس والفتاة ريلا، ما رأيك؟
ينظر لوكاس بقلق نحو لوثر ويقول بإرهاق شديد: لوثر لا توافق أرجوك، ان هذا فخ!
لا يصغي لوثر لأي من كلمات لوكاس وينظر نحو رئيسه عوضا عن ذلك ويقول: وما هي الصفقة؟
يبتسم الرئيس ويقول: ببساطة شديد فلتحضر الأدلة التي برفقة ليديا؛ لا اكترث كيف ذلك بل ما يهمني أن تكون بحوزتي في حلول نهاية الاسبوع، هل فهمت ذلك؟
يومئ لوثر برأسه فيغادر الرئيس من فوره، يجلس على كرسيه خائر القوى ولا يعلم ما يقول ليبادر لوكاس بالكلام قائلا: لقد عقدت صفقة مع الشيطان ولن تخرج منها أبدا.

فصل جديد، شكرا للقراءة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي