فصل1
هناك بعيدا حيث الصحراء ممتدة على مرمى البصر والكثبان الرملية تعطي المظهر أكثر قسوة وقفارا حيث أشعة الشمس تحرق الميت قبل الحي تحديدا في الصحراء الكبرى الإفريقية بالمغرب . ذالك الشاب ضعيف البنية أسمر البشرة غائر العينين يضع على رأسه تلك العمامة البالية لتقيه من أشعة الشمس الحارقة يسوق أغنامه الهزيلة اللتي أنهكها الحر والعطش لتلك الواحة في وسط جحيم الصحراء لم يكن من الصعب عليه معرفة مكانها فهو برغم سنه الصغير إلا أنه كان يحفظ الطريق إليها بحكم رحلاته العديدة في هذه الصحراء المقفرة وصل إليها قبل إشتداد الحر فقد قرر الإحتماء بها إلى أن تنخفض الحرارة على أن يواصل طريقه ليلا على ضوء القمر سبقته أغنامه لتلك البركة اللتي تتوسط الواحة أما هو فقد كان يحمل ذالك الحمل الصغير اللذي فقد أمه أثناء تدافع الأغنام للوصول للبركة كانت المياه باردة ومنعشة ملئ جرته وأخذ يشرب حتى أطفئ ضمأه ثم غسل وجهه لينفض عنه غبار الصحراء تراجع بعدها إلى جذع النخلة المقابلة للبركة ليبقى على مقربة من أغنامه اللتي كان بعضها يرعى الكلئ الجاور للبركة والآخر قرر أن يأخذ قيلولة بعد يومين من المسير في الصحراء كان يشعر بالإرتياح فقد مر عليه يومين عصيبين كان يعتقد فيهما أن الصحراء ستنال منه وأغنامه وتضاف جمجمته إلى جماجم ضحايا الصحراء ولكن بخبرته القليلة إستطاع النجاة هو وأغنامه عبر هذه الواحة . جذب تلك الحقيبة المصنوعة يدويا من جلد الماعز كان قد فقده قبل مدة إثرى لدغة أفعى أخرج منها بعض قطعات من الخبز اليابس صعب المضغ بلله ببعض قطرات من الماء ليجعله أكثر لينا ثم تناوله مع حبات تمر . إنتهى من وجبته الصغيرة وأعاد القطعات المتبقية من الخبز للحقيبة للمرة القادمة ثم جذب نايه المعلق في خصره بجانب سرواله الفضفاض المتهالك وكأنه سلاحه الوحيد في هذه الصحراء أخذ يعزف عليه ببراعة كان قد تعلمها من أحد رعاة الأغنام عندما كان يرافقهم وهو صغير وهي عبارة عن قصيدة تعزف عن طريق الناي تسمى "لحن الحياة" كانت هادئة رقيقة لا تتناسب مع المكان الموحش اللذي تعزف فيه حتى تلك الأغنام اللتي كان ترعى تركت العشب لوقت آخر وإختارت أخذ قيلولة على أنغام القصيدة العذبة كان صداها يتردد في كامل الواحة جعل منها قاعة مسرح تتراقص فيها ألحان عذبة يعزفها شاب بدوي جمهوره قطيع أغنام كان متأكد أنهم لا يفهمون ولكن على الأقل يسمعون وربما يشعرون أيضاا بعد تلك المعزوفة الرقيقة أعاد الناي إلى مكانه ووضع حقيبته على شكل وسادة وغاص في نوم عميق بعد تعب يومين في الصحراء . قضى مدة لم يكن يعلم كم هي وهو نائم نهض مفزوعا على إثر دفعة في رجله مسح وجهه بكفه المرتعش ليزيل حبات الرمل عن وجهه ليتبين له الأمر إنهم قطاع الطرق قراصنة الصحراء يشهر في وجهه أحدهم سيف بدى متوجه مع تأثير شمس الغروب عليه أما الآخر فلم يكن يحمل سوى خنجر صغير مربوط بإحكام في وسطه
_ماذاا تريدان مني؟؟
سألهما ببعض الحدة
أجابه من كان يحمل الخنجر
_لاشئ فقط بضع قطع ذهبية وستكمل طريقك
_قطع ذهبية ؟؟ هل ظننتني أمير إبن سلطان أنا مجرد راعي غنم من أين لي بقطع ذهبية ؟
مال عليه صديقه اللذي مازل يشهر السيف عليه
_كلامه صحيح إنه يبدو مجرد راعي فقير ومعدوم من أين له بقطع ذهبية أنظر لثيابه وكأنه متسول
_هذا رابع يوم لنا في الصحراء ولم نجد شيء هل تريد أن نعود فارغي الأيدي بعد كل هذا العناء لا لن يحصل حتى ولو إضطرني الأمر لبيعه هو وأغنامه
أجابه صديقه بسخرية
_اووه هذا رائع سيوفر لنا الكثير من المال إذ بعت جارية فسوف تأتي لك بضعف ثمنه هو وأغنامه
تجهاله صديقه ووجه كلامه لذالك الراعي اللذي ينظر لهما بذعر بعد أن فقد شجاعته المزعومة
_هل لديك شيء ثمين ينقذ حياتك ويشفع لك عندي
_ليس لي شيء سوى أغنامي تلك ولا أعتقد أنها ستوفر لك الكثير من المال
وجه قاطع الطريق انظاره لتلك الحقيبة ألتي بجانبه ثم ساله بتشكيك
_وماذا في الحقيبة
أسرع بإخراج مافيها أمامه بأيد مرتعشة
_لا شيء صدقني مجرد قطع خبز يابسة وتمر
شعر بالإحباط لرؤية محتويات الحقيبة فلقد كان لديه أمل أن يجد شيء ثمين بها يخبؤه بها الراعي ومن ثم نظر لصديقه وكأنه يسأله ماذا سيفعلان لكن صديقه لم يجبه بل أرجع سيفه لمكانه و
_أيها الراعي سأشفع لك هذه المرة ولن أقتلك إفرح بعمر جديد كتب لك
ثم وجه انظاره لماعز أسود اللون
_وسنأخذ هذه العنز طعاما لنا في الطريق
سعد الراعي وتهللت أساريره بعد تلك الكلمات فلقد نجى بحياته بأعجوبة برغم خسارة رأس من غنمه لكن أن يخسر رأس غنم خير من يخسر رأسه . ساق قاطعا الطريق هذه الماعز السوداء وأنهيا مسيرهما وعندما جن الليل قررا التوقف والمبيت هنا بجانب هذه النخلة الجرداء قسما الأدواء بينهما واحد يتجول في المكان ويبحث عن بعض الأعشاب اليابسة لإشعال النار وهو حسن أما خالد قرر البقاء ليحرس الماعز تأخر حسن قليلا فشعر خالد بالقلق على صديقه وهم باللحاق به لكن رآه يأتي مهرولا من بعيد فإطمئن قلبه أشعل حسن النار بتلك الأعشاب اللتي جلبها ثم توجه نحو الماعز السوداء وحررها من قيدها وجذب خنجره من وسطه وحفر حفرة صغيرة في رمال الصحراء وهم بنحرها لكن اوقفه صديقه
_ ماذا تفعل؟؟
_ ماذا تراني فاعل سأقوم بذبح الماعز لكي نقيم عليها عشائنا إني أشعر بالجوع الشديد وأمني نفسي بعشاء جيد
_ ألا تبدو لك مخاطرة ذبح شاه في هذا الليل رائحة الدم ستذجب أشرس المفترسات وسنكون وجبة لهم دعها غدا
_ دعك من هذا يا خالد لن تستطيع المفترسات الإقتراب بوجود النار إضافة لأني أشعر بالجوع وأريد إسكاته باللحم المشوي
بعد عدة محاولات من حسن وافق خالد فهو أيضاا يشعر بالجوع وكما قال حسن فالنار موجود إذا جذبت حيوانات مفترسة ولكنها ستذجب ما أسوء من الحيوانات المفترسة . مضى حسن في نحر الشاه فإمتلئت الحفرة اللتي حفرها بالدم ولم يردمها بالتراب حضيا قاطعا الطريق بعشاء شهي لم يذوقا مثله منذ سنين وقررا النوم قليل إلى شروق الشمس بعد تلك الوجبة الدسمة لكن خالد رفض النوم هناك بالقرب من الدم وقرر الإبتعاد قليلا عن النخلة بمسافة عشرين متر تقريبا تفصلا بينهما هضبة صغيرة من الرمال الناعمة ولم يجد صديقه حسن حلا إلا الرضوخ أمام إصراره ففرشاا بصاط مهترئ بعض الشيء . كاد خالد أن يغوص في النوم لكنه إستمع لبعض الأصوات تأتي من بعيد صوت خطوات قوية على الرمال وصوت يشبه الضحكات الخافتة لكز صديقه في جنبه
_ حسن حسن إنهض إنهض
أجابه بصوت ناعس
_ مابك ماذا هناك ياخالد دعني أنام
_ ألم تسمع الأصوات ؟؟
_أنا لم أسمع شيء ولا اريد السماع أريد النوم فقط وأنت أيضاً ارقد ودعك من التهيآت
تذكر خالد أمر الدم فسأل صديقه في توجس
_ هل ردمت الدماء ؟؟
أجابه صديقه بعدم مبالاة
_ لا لم أفعل
_ هل جننت ألم أقل لك تأكد من ردمك له هل تريد أن ننام في بطون الفترسات
مل حسن من ثرثرة صديقه المزعجة و
_ حسنا حسنا ها أنا ذاهب لردمه
_ حسناا ولا تتأخر
توجهه حسن للمكان اللذي ذبح فيه الماعز اللذي كان خلف تلك الهضبة الصغيرة والقريبة منهما ضل صديقه خالد يراقبه إلا أن إختفى في ظلام لا ينيره سوى القمر المكتمل ما إن إقترب من المكان حتى بدأ يسمع أصوات غريبة صوت لعق يبدو مقرف مع صوت أنفاس متهدجة الغريب أكثر هو صوت تراتيل بصوت هامس تجاهلها لابد أنه أحد المفترسات اللتي يخافها صديقه قرر العودة إليه دون أن يخبره بشيئ ولكن فضوله لمعرفة ماذا يكمن خلف تلك الهضبة سيطر عليه صعد بخطوات حذرة إلا أصبح على قمتها لكن لم يرى شيء برغم أن ضوء القمر ينير كل المجال إلا تلك البقعة اللتي ذبح فيها الشاه جانب النخلة كانت مظلمة تقدم أكثر لترتفع الأصوات مع كل خطوة يخطوها وترتفع معها دقات قلبه وقطرات العرق تلمع مع ضوء القمر على جبينه لم يتبقى سوى أربعة خطوات ولم يتبين شيء له لكن التراتيل صارت أكثر وضوح لكن بلغة لم يفهمها
"ماموتا يايا ...ماموتا حاجوخا ...ساي يايا ...ساي حاجوخا "
(ماموتا =كن /حاجوخا =القوة ساي=الموت /يايا =معي)
كانت تتكرر كل مرة بين الترتيلة والأخرى تنهيدة عميقة
وصوت لعق مع أنفاس متهدجة لم يعد قادر على التقدم أكثر ساقاه لم تسعفاه لكن لسانه أسعفه في لحظة شجاعة لم يكن لديه الوقت ليندم عليها
قال بصوت حاول أن يكون شديد بالرغم من إرتباكه الواضح
_من أنت ياهذا؟؟
توقفت التراتيل وكل الأصوات ومعها
كان قد غفى قليلا لينهض فزعا على تلك الصرخة القوية والمرعبة في آن واحد لدرجة جعلت بدنه يقشعر ليعم بعدها سكون الليل من جديد تذكر صديقه أين هو إلى الآن؟ ياترى هل سمع ما سمعه أم انه هو فقط يتخيل زاد قلقه عن صديقه فلقد مر وقت لا بأس به منذ غادره لذالك قرر اللحاق به لعله وقع بمأزق لم يكن الطريق طويل إلى ذالك المكان ومع خطواته السريعة وصل بسرعة للمكان ليجد صديقه يجلس على الرمال يوليه ضهره ويتمت ببعض الكلمات لم يفهمها
_مابك توليني ظهرك هل سمعت ما سمعته قلت لك أني لا أتوهم إنها أصوات حقيقية لوقع خطوات على الرمال
لكنه لم يجد جواب مجرد تمتمات مبهمة
_حسن ألا تسمعني أنظر إلي لما تدير ضهرك لي وماذا تقول أنا لا أفهمك
إقترب أكثر ليستمع لصديقه يتمتم
"ماموتا يايا ...ماموتا حاجوخا ...ساي يايا ...ساي حاجوخا "
_ماهذا الهراء لم أفهم كلمة واحد
وضع كفه على كتف صديقه حسن ليشعر بجسده كله يرتعش بقوة حتى أن يده هو أيضا أصبحت ترتعش إضافة لحرارة جسده يكاد يشعر بيده تحترق من حرارته وضع يده الأخرى على كتفه الآخر وأداره إليه ليهوله ما رآه شعر لوهلة أنه ليس صديقه حسن لقد بدى شاحب كالأموات كما أن التجاعيد على وجهه توحي بأنه شيخ في آخر عمره وليس كهل في العقد الرابع من عمره شفتيه زرقاء وجه أبيض بارد مجعد عينان غائرتان بشدة تحيط بهم هالات سوداء وكأنه لم ينم حياته كلها
_حسن ماذااا حصل لك لما أنت هاكذا أرجوك أخبرني لقد كنت بخير منذ قليل
لم يجد إجابة سوى
"إنه هنا ..لقد رأيته ..لقد رأيته ..عليا الذهاب ..حان الوقت "
ثم عاد يرتل نفس التراتيل ومعها تزداد إرتعاشته ضمه صديقه إليه وهو يبكي
_أرجوك قل لي ماذا حدث ماذا رأيت وإلا أين ستذهب وحان وقت ماذاا؟؟
حاول أن يجيبه
_للل لق د رأيت...الللل
كان كل ما نطق حرف يشعر بلسانه يسحب إلى داخل حلقه
_ح ح ح حااان ووقت الللل
_وقت ماذاا؟؟
_علل ليا عليا الذهاب إلى الللل
لم يكمل جملته ولكنه كان يشير هناك لتحت النخلة حيث ذبح الماعز لتتلاقى عيناه مع تلك الأعين اللتي تلمع مع ضوء القمر إضافة إلى إبتسامة لئيمة ويلفظ آخر نفس له بين يدي صديقه وتختفي تلك الأعين كما ظهرت فجأة . إنتظر حتى الصباح ثم قام بدفن صديقه في الصحراء بوجه حزين على خسارة صديقه المقرب وزميله إلى الآن لم يجد تفسيرا لوفاته أو سبب كل ذالك الذعر اللذي كان بادي على وجهه وهل سمع حقا تلك الصرخة أم انه يتوهم كل هذه أسئلة بقيت بدون جواب معلقة في رأسه فجأة خطر بباله شيء ماذا إن كان الماعز مسممة ؟؟ لا لا يمكن إنه أيضاا تناول منها الشيء الوحيد اللذي كان متأكد منه هو أن الأمر علاقة بتلك الماعز السوداء فهو ذهب لكي يرجع التراب عن الدماء وبعدها سمع تلك الصرخة لابد أن لتلك الصرخة علاقة بموت صديقه كما انها أتت من نفس المكان لابد أن يجد شيء في ذالك المكان يساعده على فهم ما حدث عاد لنفس تلك المنطقة المشؤومة جعل يحوم حول المكان إلى أن لاحظ شيء مكتوب على جذع النخلة لم يتمكن من قرائته لم تكن مكتوبة باللغة العربية لغة غريبة أول مرة يراها في حياته شعر وكأنها نفس التراتيل اللتي يرددها صديقه قبل الموت لابد أن تلك الشاه ملعونة وقد أصابت اللعنة حسن يعني أن الدور القادم عليه شعر بالجزع بعد هذا الإستنتاج تذكر ذالك الراعي لابد أنه يعلم شيء عن الأمر لكن كيف سيجده في هذه الصحراء قبل أن تصيبه اللعنة ليلا قرر العودة لتلك الواحة ربما بقي هناك ليوم آخر بعد مدة من السير وصل أخذ يتجول بها عله يجده ومن حسن حضه وجده يجمع أغراضه إستعدادا للرحيل فقد أمضى الليل هنا خوفا عن أغنامه من المفترسات اللتي تخرج مع إكتمال القمر .كان على وشك الرحيل إلا أن صدم برؤية أحد قطاع الطرق يتجه نحوه راكضاا خاف من ان يكون قد تراجع عن قراره وجاء ليزهق روحه ود لو يهرب لكن ماذا سيفعل لأغنامه .وصل إليه وهو يلهث والعرق الغزير يتساقط من جبينه
_ أيها الراعي ماذا فعلنا لك ؟؟ لقد عفونا عنك لماذا تفعل معنا هذا جزائنا أننا لم نقتلك
_ ماذا تقول أنا لم أفهم شيء ثم أين صديقك
_ الماعز تلك الماعز السوداء هيا السبب
_ الماعز مابها ؟؟لقد إختارها صديقك ليس ذنبي إن كانت هزيلة
_ هزيلة ماذا ؟؟ تلك الماعز السوداء ملعونة أيها المغفل
أجابه بصدمة
_ملعونة ؟؟
_ نعم ملعونة ولقد أصابت اللعنة حسن المسكين والدور القادم عليا أنا لا أريد أن ألقى نفس المصير أرجوك إفعل شيء ساعدني
ثم جثى على قدميه وأجهش بالبكاء شعر الراعي الحيرة ما اللذي يجعل قاطع طريق مذعورا لهذه الدرجة وهو من أعتى الرجال لابد أن في الأمر سراا ما حاول تهدأته وأعطاه الجرة كي يشرب أخذها منه وشرب رشفة صغيرة بلل بها شفتيه اليابسة . بعد مدة هدأ قليلا
_ هيا أخبرني بالأمر بالتفصيل ماذا كنت تقصد بالماعز الملعون
أخذ يقص عليه الأمر وهو يرتجف مع كل كلمة ينطقها أخبره كل شيء من البداية أي منذ أخذا الماعز منه في الأمس إلى وصوله إلى الواحة هذا الصباح ولم يخلو الأمر من وصلات بكاء على مصير رفيقه اللذي طالته اللعنة كما يقول
شعر الراعي بالغرابة من ما يسمع فما يقوله هذا اللص لا يمكن أن يصدقه العاقل أصوات غريبة وتراتيل كتابة بالدماء على جذع نخلة لقد سمع الكثير من الخرافات منذ صغره ولم يكن ليصدق واحدة وهذه تبدو واحدة منهم لكن الشيء بأن يصدقه هو أن شيء ما أصاب هذا اللص ذعره واضح وإرتجاف جسده الشيء المؤكد أنه أصابه الجنون أو مس من الجان فما يعلمه منذ صغره هو أن المغرب معروفة منذ القدم بالجان من عهد سيدنا سليمان بعد كل هذا التفكير نظر له بهدوء عكس الخوف والإرتباك الظاهر على اللذي أمامه
_ كل هذا هراء وغير منطقي لقد سمعت الكثير من الخرافات ولابد أن هذه واحدة منها تراتيل وأصوات وماعز سوداء ملعونة دعك من هذا أنا لديا قرابة الخمسة من نفس اللون ولم يحدث شيء أظنك قد جننت أو أصبت بمس
نظر له خالد بعصبية وأجابه بحدة
_ هراء ماذا ؟؟ هذه ليست خرافة يا هذا إنها حقيقة رأيتها بأم عيني وراح حسن ضحية لها أنا لم أجن أنت من سيجن لو كنت مكاني لم ترى وجهه كيف كان لولا وجودنا نحن فقط في تلك المنطقة لقلت هذا ليس حسن بل شيخ طاعن على مشارف الموت وكأنه كبر مئة سنة من العمر في لحضات
أحسن الراعي ببعض الإرتباك بعد كلمات قاطع الطريق لا يبدو أنه يتوهم أو جن إنه يصف له الحالة اللتي وجد عليها صديقه بدقة بدأ تفكير الراعي يلين قليلا ولأول مرة يسأل نفسه ماذا لو كان كلامه صحيح ؟؟ لا لا غير معقول وجه كلامه للجاذي على رجليه أمامه
_ وهل لديك دليل على هذا ؟؟
فكر قليلا ثم
_ وجدتها النخلة نعم الكتابة على النخلة لابد أنها مازالت
_ هل مازلت تحفظ الطريق إليها ؟؟
_ نعم أعتقد ذالك
نظر الراعي لقاطع الطريق أمامه بتشكيك ثم سأله بتوجس
_ ليس فخ الإيقاع بي أليس كذالك؟؟
_ فخ ماذا وأنت كنت بين أيدينا ولم نمسك بسوء
بعد برهة من التفكير أخذ زياد قراره
_ حسنا سأذهب معك حتى أرى ولاكن ليس الآن فلنذهب بعد مغيب الشمس
قفز خالد من مكانه بذعر وقال بشيء من الترجي
_ لا لا أرجوك سأموت عن إكتمال القمر ستطالني اللعنة فلنذهب الآن
أجابه الراعي بحكمة لا تناسب سنواته السبعة والعشرون
_ وستموت أيضاا إذا ذهبت لذالك المكان وبقيت عاريا في جحيم الصحراء لا تقلق سأكون معك ولن يحدث شيء مما قلته
بعد محاولات عديدة إقتنع خالد فهو في كل الحالات وحيدا في الصحراء ولن يجد شخص آخر يساعده غير هذا الراعي كما أن تفكيره صائب أعاد الراعي أغنامه اللتي كانت على وشك الخروج من الواحة وقرر الإحتماء بها ليوم آخر . كان كل تلك المدة اللتي قضوها في الواحة وخالد يرتعش من الخوف من أن تكون نهايته مثل نهاية صديقه المأساوية وبرغم محاولات زياد لم يأكل حتى قطعة خبز صغيرة إكتفى فقط بتجرع المياه . عندما إنخفض قرص الشمس قليلا إستعد الرجالان للمغادرة كان خالد كلما خطى خطوة إلى الأمام يزداد ذعره وإرتباكه خاصة مع إقتراب حلول الليل أما زياد فقد كان يحاول السيطرة على إنفعلاته فالأمر خرج على كونه خرافة وهاهما يسيران نحو ذالك المكان اللذي وقع فيه كل هذا لم يكن زياد يوما جبانا ولكن هذه المرة مختلفة فالأمر يبدو خارق للطبيعة حسب ما رواه خالد ذاك لكن حاول عدم التسرع في الحكم على مصداقية الحكاية ريثما يرى بعيناه فقد بدى له وكأن خالد يبالغ في وصفه .مرت العديد من الساعات وهم يسيرون مع قطيع الغنم إلى أن وصلت الساعة إلى منتصف الليل تقريباا إستطاع زياد معرفة الوقت عن طريق أداة قديمة تساعد على معرفة الوقت من خلال الظل تحت القمر بدى الإنهاك واضحا على كلاهما وحتى الأغنام أصبحت تسير ببطئ فتوقف زياد للحظة وهو يسأل خالد المذعور بجواره
_ألا ترى أننا توغلنا كثيرا شرقا وإلى الآن لم نجد هذا المكان اللذي تشير إليه
نظر خالد بضياع حوله وهو يجيبه بخفوت
_ لا أعلم ربما إقتربنا إنه لمنا الصعب تحديد الوجهة في الليل
أجابه زياد ببعض الحدة وقد أنهكه التعب
_ ليل ماذا ؟ ألا ترى القمر إنه يضيء كل شيء من حولنا وكأننا في النهار
عند ذكر القمر إرتفعت عينا خالد إلى السماء ليحدق في القمر بشرود نفس التوقيت تقريبا وعند إكتمال القمر أحس بقشعريرة تسري في جسده جراء هذا التفكير الأسود
قاطع شروده زياد وهو يقول بنبرة جادة
_ أنا سأبيت هنا وأغنامي
اجابه خالد سريعا برعب
_ لا لا أرجوك لا تفعل سوف أموت ستقتلني اللعنة قبل طلوع الشمس نفس التوقيت وعند إكتمال القمر حدثت الهجمة على حسن المسكين لا أريد فلنواصل السير لحيث طلوع الشمس
نظر له زياد بضيق وقد مل من ذعره الغير مبرر وأجابه بحكمة
_ أنا لم أعد قادر على السير وأغنامي كما ترى أغلابها مرهق لن أخاطر بصحتي في هذه الصحراء أو بسلامة أغنامي ما الفائدة في التقدم دون وجهة ؟؟المصير واضح الضيااع
لم يقتنع خالد بكلام زياد رغم صحته وقام بنبرة مرتبكة حاول جعلها جادة قدر المستطاع
_ أنا لن أبيت سأواصل السير أن أتوه في الصحراء أحسن من أن تطلني اللعنة و ألقى مصير حسن
اجابه الراعي بعدم مبالاة
_ كما تريد
لم يستطع خالد مواصلة الطريق وحده ف في الأخير هو من يحتاج زياد وليس العكس والسير وحيدا في هذا الصحراء وفي هذا الوقت بالذات مخاطرة لم يجد حل آخر سوى الرضوخ على مضض لقرار زياد بالمبيت هنا هذه الليلة
قاما بفرش سجادة بالية على الرمال الناعمة وأشعلا النار لبرودة الليل عندما هم الراعي بالنوم سأله خالد بتوجس
_ هل ستنام ؟؟
_ماذا تراني فاعل ؟؟
_ لا تنم إبقى مستيقض
_ هل أنا مجنون كي أبقى مستيقض ليلا كاملا نم وإرتح قليلا لحيث طلوع الشمس
نام الراعي لكن خالد لم يستطع بقيت أعينه تدور في كل الإتجاهات وأذناه ترصد كل الأصوات في ذعر لكن الوضع لم يكن مريحا فقرر التمدد قليلا إلا أن غلبه النعاس لم يكسر سكون الليل سوى سوى صوت صراخ رقيق بعض الشيء نهض خالد مفزوع طمأنه الراعي
_ لا تقلق لدي حالة ولادة سأهتم بالأمر وأكمل نومك
_ لا لا سآتي معك
_حسناا
بعد أن إنتهيا من مساعدة الشاه على الولادة رجعا لمطرحهما ما إن جلسا حتى سمعا صوت موسيقى عذبة لكن غريبة ليست ببعيدة منهم كانت حزينة وهادئة للغاية لكنها مريحة لم يسمع مثلها خالد في حياته
_ أتسمع أيها الراعي إنها رائعة
_ نعم إنها هادئة لكن ليست رائعة تبدو كئيبة جدا
_ دعك من الكئابة إنها مذهلة هيا فلنلقي نظرة على من يقوم بالعزف
_ أنا لن أذهب إذهب وحدك
_ حسناا
إستغرب زياد من موافقة خالد على الذهاب في هذا الليل وحيدا فهو كان جبانا منذ أتاه ٱلى الواحة لم يقلق عقله في التفكير في هذه الأمور بل عاد ليتسطح على الرداء البالي طالبا النوم والراحة
تقدم خالد نحو مصدر الصوت كلما يقترب أكثر يزداد اللحن وضوحا ويتبين لخالد إنها قصيدة منظمة حتى وصل لمصدر الصوت لم يرى سوى بقعة كبيرة مظلمة من الأرض وكأن القمر إختفى في ذالك الوقت كان الراعي زياد يحاول النوم لكن هذه القصيدة كانت تزعجه فصوتها بدأ يرتفع شيء فشيء قرر اللحاق بخالد والطلب من أي من كان يعزف التوقف في هذا الليل فالأمر مزعج لحد كبير سار قليلا إلا أن وجد صديقه يزيد نحو بقعة مظلمة تعجب منها لم يرى في حياته شيء كهذا إن القمر ينير كل الصحراء لكن تلك البقعة مظلمة ولم تكن حتى مرتفعة قليلا عن الأرض لتشكل ضلال إنتبه لخالد وهو يدخل إليها وقبل أن يصرخ فيه للإبتعاد عن ذالك الشيء كان قد سمعت أذناه مالم تسمعه من قبل
_ماذاا تريدان مني؟؟
سألهما ببعض الحدة
أجابه من كان يحمل الخنجر
_لاشئ فقط بضع قطع ذهبية وستكمل طريقك
_قطع ذهبية ؟؟ هل ظننتني أمير إبن سلطان أنا مجرد راعي غنم من أين لي بقطع ذهبية ؟
مال عليه صديقه اللذي مازل يشهر السيف عليه
_كلامه صحيح إنه يبدو مجرد راعي فقير ومعدوم من أين له بقطع ذهبية أنظر لثيابه وكأنه متسول
_هذا رابع يوم لنا في الصحراء ولم نجد شيء هل تريد أن نعود فارغي الأيدي بعد كل هذا العناء لا لن يحصل حتى ولو إضطرني الأمر لبيعه هو وأغنامه
أجابه صديقه بسخرية
_اووه هذا رائع سيوفر لنا الكثير من المال إذ بعت جارية فسوف تأتي لك بضعف ثمنه هو وأغنامه
تجهاله صديقه ووجه كلامه لذالك الراعي اللذي ينظر لهما بذعر بعد أن فقد شجاعته المزعومة
_هل لديك شيء ثمين ينقذ حياتك ويشفع لك عندي
_ليس لي شيء سوى أغنامي تلك ولا أعتقد أنها ستوفر لك الكثير من المال
وجه قاطع الطريق انظاره لتلك الحقيبة ألتي بجانبه ثم ساله بتشكيك
_وماذا في الحقيبة
أسرع بإخراج مافيها أمامه بأيد مرتعشة
_لا شيء صدقني مجرد قطع خبز يابسة وتمر
شعر بالإحباط لرؤية محتويات الحقيبة فلقد كان لديه أمل أن يجد شيء ثمين بها يخبؤه بها الراعي ومن ثم نظر لصديقه وكأنه يسأله ماذا سيفعلان لكن صديقه لم يجبه بل أرجع سيفه لمكانه و
_أيها الراعي سأشفع لك هذه المرة ولن أقتلك إفرح بعمر جديد كتب لك
ثم وجه انظاره لماعز أسود اللون
_وسنأخذ هذه العنز طعاما لنا في الطريق
سعد الراعي وتهللت أساريره بعد تلك الكلمات فلقد نجى بحياته بأعجوبة برغم خسارة رأس من غنمه لكن أن يخسر رأس غنم خير من يخسر رأسه . ساق قاطعا الطريق هذه الماعز السوداء وأنهيا مسيرهما وعندما جن الليل قررا التوقف والمبيت هنا بجانب هذه النخلة الجرداء قسما الأدواء بينهما واحد يتجول في المكان ويبحث عن بعض الأعشاب اليابسة لإشعال النار وهو حسن أما خالد قرر البقاء ليحرس الماعز تأخر حسن قليلا فشعر خالد بالقلق على صديقه وهم باللحاق به لكن رآه يأتي مهرولا من بعيد فإطمئن قلبه أشعل حسن النار بتلك الأعشاب اللتي جلبها ثم توجه نحو الماعز السوداء وحررها من قيدها وجذب خنجره من وسطه وحفر حفرة صغيرة في رمال الصحراء وهم بنحرها لكن اوقفه صديقه
_ ماذا تفعل؟؟
_ ماذا تراني فاعل سأقوم بذبح الماعز لكي نقيم عليها عشائنا إني أشعر بالجوع الشديد وأمني نفسي بعشاء جيد
_ ألا تبدو لك مخاطرة ذبح شاه في هذا الليل رائحة الدم ستذجب أشرس المفترسات وسنكون وجبة لهم دعها غدا
_ دعك من هذا يا خالد لن تستطيع المفترسات الإقتراب بوجود النار إضافة لأني أشعر بالجوع وأريد إسكاته باللحم المشوي
بعد عدة محاولات من حسن وافق خالد فهو أيضاا يشعر بالجوع وكما قال حسن فالنار موجود إذا جذبت حيوانات مفترسة ولكنها ستذجب ما أسوء من الحيوانات المفترسة . مضى حسن في نحر الشاه فإمتلئت الحفرة اللتي حفرها بالدم ولم يردمها بالتراب حضيا قاطعا الطريق بعشاء شهي لم يذوقا مثله منذ سنين وقررا النوم قليل إلى شروق الشمس بعد تلك الوجبة الدسمة لكن خالد رفض النوم هناك بالقرب من الدم وقرر الإبتعاد قليلا عن النخلة بمسافة عشرين متر تقريبا تفصلا بينهما هضبة صغيرة من الرمال الناعمة ولم يجد صديقه حسن حلا إلا الرضوخ أمام إصراره ففرشاا بصاط مهترئ بعض الشيء . كاد خالد أن يغوص في النوم لكنه إستمع لبعض الأصوات تأتي من بعيد صوت خطوات قوية على الرمال وصوت يشبه الضحكات الخافتة لكز صديقه في جنبه
_ حسن حسن إنهض إنهض
أجابه بصوت ناعس
_ مابك ماذا هناك ياخالد دعني أنام
_ ألم تسمع الأصوات ؟؟
_أنا لم أسمع شيء ولا اريد السماع أريد النوم فقط وأنت أيضاً ارقد ودعك من التهيآت
تذكر خالد أمر الدم فسأل صديقه في توجس
_ هل ردمت الدماء ؟؟
أجابه صديقه بعدم مبالاة
_ لا لم أفعل
_ هل جننت ألم أقل لك تأكد من ردمك له هل تريد أن ننام في بطون الفترسات
مل حسن من ثرثرة صديقه المزعجة و
_ حسنا حسنا ها أنا ذاهب لردمه
_ حسناا ولا تتأخر
توجهه حسن للمكان اللذي ذبح فيه الماعز اللذي كان خلف تلك الهضبة الصغيرة والقريبة منهما ضل صديقه خالد يراقبه إلا أن إختفى في ظلام لا ينيره سوى القمر المكتمل ما إن إقترب من المكان حتى بدأ يسمع أصوات غريبة صوت لعق يبدو مقرف مع صوت أنفاس متهدجة الغريب أكثر هو صوت تراتيل بصوت هامس تجاهلها لابد أنه أحد المفترسات اللتي يخافها صديقه قرر العودة إليه دون أن يخبره بشيئ ولكن فضوله لمعرفة ماذا يكمن خلف تلك الهضبة سيطر عليه صعد بخطوات حذرة إلا أصبح على قمتها لكن لم يرى شيء برغم أن ضوء القمر ينير كل المجال إلا تلك البقعة اللتي ذبح فيها الشاه جانب النخلة كانت مظلمة تقدم أكثر لترتفع الأصوات مع كل خطوة يخطوها وترتفع معها دقات قلبه وقطرات العرق تلمع مع ضوء القمر على جبينه لم يتبقى سوى أربعة خطوات ولم يتبين شيء له لكن التراتيل صارت أكثر وضوح لكن بلغة لم يفهمها
"ماموتا يايا ...ماموتا حاجوخا ...ساي يايا ...ساي حاجوخا "
(ماموتا =كن /حاجوخا =القوة ساي=الموت /يايا =معي)
كانت تتكرر كل مرة بين الترتيلة والأخرى تنهيدة عميقة
وصوت لعق مع أنفاس متهدجة لم يعد قادر على التقدم أكثر ساقاه لم تسعفاه لكن لسانه أسعفه في لحظة شجاعة لم يكن لديه الوقت ليندم عليها
قال بصوت حاول أن يكون شديد بالرغم من إرتباكه الواضح
_من أنت ياهذا؟؟
توقفت التراتيل وكل الأصوات ومعها
كان قد غفى قليلا لينهض فزعا على تلك الصرخة القوية والمرعبة في آن واحد لدرجة جعلت بدنه يقشعر ليعم بعدها سكون الليل من جديد تذكر صديقه أين هو إلى الآن؟ ياترى هل سمع ما سمعه أم انه هو فقط يتخيل زاد قلقه عن صديقه فلقد مر وقت لا بأس به منذ غادره لذالك قرر اللحاق به لعله وقع بمأزق لم يكن الطريق طويل إلى ذالك المكان ومع خطواته السريعة وصل بسرعة للمكان ليجد صديقه يجلس على الرمال يوليه ضهره ويتمت ببعض الكلمات لم يفهمها
_مابك توليني ظهرك هل سمعت ما سمعته قلت لك أني لا أتوهم إنها أصوات حقيقية لوقع خطوات على الرمال
لكنه لم يجد جواب مجرد تمتمات مبهمة
_حسن ألا تسمعني أنظر إلي لما تدير ضهرك لي وماذا تقول أنا لا أفهمك
إقترب أكثر ليستمع لصديقه يتمتم
"ماموتا يايا ...ماموتا حاجوخا ...ساي يايا ...ساي حاجوخا "
_ماهذا الهراء لم أفهم كلمة واحد
وضع كفه على كتف صديقه حسن ليشعر بجسده كله يرتعش بقوة حتى أن يده هو أيضا أصبحت ترتعش إضافة لحرارة جسده يكاد يشعر بيده تحترق من حرارته وضع يده الأخرى على كتفه الآخر وأداره إليه ليهوله ما رآه شعر لوهلة أنه ليس صديقه حسن لقد بدى شاحب كالأموات كما أن التجاعيد على وجهه توحي بأنه شيخ في آخر عمره وليس كهل في العقد الرابع من عمره شفتيه زرقاء وجه أبيض بارد مجعد عينان غائرتان بشدة تحيط بهم هالات سوداء وكأنه لم ينم حياته كلها
_حسن ماذااا حصل لك لما أنت هاكذا أرجوك أخبرني لقد كنت بخير منذ قليل
لم يجد إجابة سوى
"إنه هنا ..لقد رأيته ..لقد رأيته ..عليا الذهاب ..حان الوقت "
ثم عاد يرتل نفس التراتيل ومعها تزداد إرتعاشته ضمه صديقه إليه وهو يبكي
_أرجوك قل لي ماذا حدث ماذا رأيت وإلا أين ستذهب وحان وقت ماذاا؟؟
حاول أن يجيبه
_للل لق د رأيت...الللل
كان كل ما نطق حرف يشعر بلسانه يسحب إلى داخل حلقه
_ح ح ح حااان ووقت الللل
_وقت ماذاا؟؟
_علل ليا عليا الذهاب إلى الللل
لم يكمل جملته ولكنه كان يشير هناك لتحت النخلة حيث ذبح الماعز لتتلاقى عيناه مع تلك الأعين اللتي تلمع مع ضوء القمر إضافة إلى إبتسامة لئيمة ويلفظ آخر نفس له بين يدي صديقه وتختفي تلك الأعين كما ظهرت فجأة . إنتظر حتى الصباح ثم قام بدفن صديقه في الصحراء بوجه حزين على خسارة صديقه المقرب وزميله إلى الآن لم يجد تفسيرا لوفاته أو سبب كل ذالك الذعر اللذي كان بادي على وجهه وهل سمع حقا تلك الصرخة أم انه يتوهم كل هذه أسئلة بقيت بدون جواب معلقة في رأسه فجأة خطر بباله شيء ماذا إن كان الماعز مسممة ؟؟ لا لا يمكن إنه أيضاا تناول منها الشيء الوحيد اللذي كان متأكد منه هو أن الأمر علاقة بتلك الماعز السوداء فهو ذهب لكي يرجع التراب عن الدماء وبعدها سمع تلك الصرخة لابد أن لتلك الصرخة علاقة بموت صديقه كما انها أتت من نفس المكان لابد أن يجد شيء في ذالك المكان يساعده على فهم ما حدث عاد لنفس تلك المنطقة المشؤومة جعل يحوم حول المكان إلى أن لاحظ شيء مكتوب على جذع النخلة لم يتمكن من قرائته لم تكن مكتوبة باللغة العربية لغة غريبة أول مرة يراها في حياته شعر وكأنها نفس التراتيل اللتي يرددها صديقه قبل الموت لابد أن تلك الشاه ملعونة وقد أصابت اللعنة حسن يعني أن الدور القادم عليه شعر بالجزع بعد هذا الإستنتاج تذكر ذالك الراعي لابد أنه يعلم شيء عن الأمر لكن كيف سيجده في هذه الصحراء قبل أن تصيبه اللعنة ليلا قرر العودة لتلك الواحة ربما بقي هناك ليوم آخر بعد مدة من السير وصل أخذ يتجول بها عله يجده ومن حسن حضه وجده يجمع أغراضه إستعدادا للرحيل فقد أمضى الليل هنا خوفا عن أغنامه من المفترسات اللتي تخرج مع إكتمال القمر .كان على وشك الرحيل إلا أن صدم برؤية أحد قطاع الطرق يتجه نحوه راكضاا خاف من ان يكون قد تراجع عن قراره وجاء ليزهق روحه ود لو يهرب لكن ماذا سيفعل لأغنامه .وصل إليه وهو يلهث والعرق الغزير يتساقط من جبينه
_ أيها الراعي ماذا فعلنا لك ؟؟ لقد عفونا عنك لماذا تفعل معنا هذا جزائنا أننا لم نقتلك
_ ماذا تقول أنا لم أفهم شيء ثم أين صديقك
_ الماعز تلك الماعز السوداء هيا السبب
_ الماعز مابها ؟؟لقد إختارها صديقك ليس ذنبي إن كانت هزيلة
_ هزيلة ماذا ؟؟ تلك الماعز السوداء ملعونة أيها المغفل
أجابه بصدمة
_ملعونة ؟؟
_ نعم ملعونة ولقد أصابت اللعنة حسن المسكين والدور القادم عليا أنا لا أريد أن ألقى نفس المصير أرجوك إفعل شيء ساعدني
ثم جثى على قدميه وأجهش بالبكاء شعر الراعي الحيرة ما اللذي يجعل قاطع طريق مذعورا لهذه الدرجة وهو من أعتى الرجال لابد أن في الأمر سراا ما حاول تهدأته وأعطاه الجرة كي يشرب أخذها منه وشرب رشفة صغيرة بلل بها شفتيه اليابسة . بعد مدة هدأ قليلا
_ هيا أخبرني بالأمر بالتفصيل ماذا كنت تقصد بالماعز الملعون
أخذ يقص عليه الأمر وهو يرتجف مع كل كلمة ينطقها أخبره كل شيء من البداية أي منذ أخذا الماعز منه في الأمس إلى وصوله إلى الواحة هذا الصباح ولم يخلو الأمر من وصلات بكاء على مصير رفيقه اللذي طالته اللعنة كما يقول
شعر الراعي بالغرابة من ما يسمع فما يقوله هذا اللص لا يمكن أن يصدقه العاقل أصوات غريبة وتراتيل كتابة بالدماء على جذع نخلة لقد سمع الكثير من الخرافات منذ صغره ولم يكن ليصدق واحدة وهذه تبدو واحدة منهم لكن الشيء بأن يصدقه هو أن شيء ما أصاب هذا اللص ذعره واضح وإرتجاف جسده الشيء المؤكد أنه أصابه الجنون أو مس من الجان فما يعلمه منذ صغره هو أن المغرب معروفة منذ القدم بالجان من عهد سيدنا سليمان بعد كل هذا التفكير نظر له بهدوء عكس الخوف والإرتباك الظاهر على اللذي أمامه
_ كل هذا هراء وغير منطقي لقد سمعت الكثير من الخرافات ولابد أن هذه واحدة منها تراتيل وأصوات وماعز سوداء ملعونة دعك من هذا أنا لديا قرابة الخمسة من نفس اللون ولم يحدث شيء أظنك قد جننت أو أصبت بمس
نظر له خالد بعصبية وأجابه بحدة
_ هراء ماذا ؟؟ هذه ليست خرافة يا هذا إنها حقيقة رأيتها بأم عيني وراح حسن ضحية لها أنا لم أجن أنت من سيجن لو كنت مكاني لم ترى وجهه كيف كان لولا وجودنا نحن فقط في تلك المنطقة لقلت هذا ليس حسن بل شيخ طاعن على مشارف الموت وكأنه كبر مئة سنة من العمر في لحضات
أحسن الراعي ببعض الإرتباك بعد كلمات قاطع الطريق لا يبدو أنه يتوهم أو جن إنه يصف له الحالة اللتي وجد عليها صديقه بدقة بدأ تفكير الراعي يلين قليلا ولأول مرة يسأل نفسه ماذا لو كان كلامه صحيح ؟؟ لا لا غير معقول وجه كلامه للجاذي على رجليه أمامه
_ وهل لديك دليل على هذا ؟؟
فكر قليلا ثم
_ وجدتها النخلة نعم الكتابة على النخلة لابد أنها مازالت
_ هل مازلت تحفظ الطريق إليها ؟؟
_ نعم أعتقد ذالك
نظر الراعي لقاطع الطريق أمامه بتشكيك ثم سأله بتوجس
_ ليس فخ الإيقاع بي أليس كذالك؟؟
_ فخ ماذا وأنت كنت بين أيدينا ولم نمسك بسوء
بعد برهة من التفكير أخذ زياد قراره
_ حسنا سأذهب معك حتى أرى ولاكن ليس الآن فلنذهب بعد مغيب الشمس
قفز خالد من مكانه بذعر وقال بشيء من الترجي
_ لا لا أرجوك سأموت عن إكتمال القمر ستطالني اللعنة فلنذهب الآن
أجابه الراعي بحكمة لا تناسب سنواته السبعة والعشرون
_ وستموت أيضاا إذا ذهبت لذالك المكان وبقيت عاريا في جحيم الصحراء لا تقلق سأكون معك ولن يحدث شيء مما قلته
بعد محاولات عديدة إقتنع خالد فهو في كل الحالات وحيدا في الصحراء ولن يجد شخص آخر يساعده غير هذا الراعي كما أن تفكيره صائب أعاد الراعي أغنامه اللتي كانت على وشك الخروج من الواحة وقرر الإحتماء بها ليوم آخر . كان كل تلك المدة اللتي قضوها في الواحة وخالد يرتعش من الخوف من أن تكون نهايته مثل نهاية صديقه المأساوية وبرغم محاولات زياد لم يأكل حتى قطعة خبز صغيرة إكتفى فقط بتجرع المياه . عندما إنخفض قرص الشمس قليلا إستعد الرجالان للمغادرة كان خالد كلما خطى خطوة إلى الأمام يزداد ذعره وإرتباكه خاصة مع إقتراب حلول الليل أما زياد فقد كان يحاول السيطرة على إنفعلاته فالأمر خرج على كونه خرافة وهاهما يسيران نحو ذالك المكان اللذي وقع فيه كل هذا لم يكن زياد يوما جبانا ولكن هذه المرة مختلفة فالأمر يبدو خارق للطبيعة حسب ما رواه خالد ذاك لكن حاول عدم التسرع في الحكم على مصداقية الحكاية ريثما يرى بعيناه فقد بدى له وكأن خالد يبالغ في وصفه .مرت العديد من الساعات وهم يسيرون مع قطيع الغنم إلى أن وصلت الساعة إلى منتصف الليل تقريباا إستطاع زياد معرفة الوقت عن طريق أداة قديمة تساعد على معرفة الوقت من خلال الظل تحت القمر بدى الإنهاك واضحا على كلاهما وحتى الأغنام أصبحت تسير ببطئ فتوقف زياد للحظة وهو يسأل خالد المذعور بجواره
_ألا ترى أننا توغلنا كثيرا شرقا وإلى الآن لم نجد هذا المكان اللذي تشير إليه
نظر خالد بضياع حوله وهو يجيبه بخفوت
_ لا أعلم ربما إقتربنا إنه لمنا الصعب تحديد الوجهة في الليل
أجابه زياد ببعض الحدة وقد أنهكه التعب
_ ليل ماذا ؟ ألا ترى القمر إنه يضيء كل شيء من حولنا وكأننا في النهار
عند ذكر القمر إرتفعت عينا خالد إلى السماء ليحدق في القمر بشرود نفس التوقيت تقريبا وعند إكتمال القمر أحس بقشعريرة تسري في جسده جراء هذا التفكير الأسود
قاطع شروده زياد وهو يقول بنبرة جادة
_ أنا سأبيت هنا وأغنامي
اجابه خالد سريعا برعب
_ لا لا أرجوك لا تفعل سوف أموت ستقتلني اللعنة قبل طلوع الشمس نفس التوقيت وعند إكتمال القمر حدثت الهجمة على حسن المسكين لا أريد فلنواصل السير لحيث طلوع الشمس
نظر له زياد بضيق وقد مل من ذعره الغير مبرر وأجابه بحكمة
_ أنا لم أعد قادر على السير وأغنامي كما ترى أغلابها مرهق لن أخاطر بصحتي في هذه الصحراء أو بسلامة أغنامي ما الفائدة في التقدم دون وجهة ؟؟المصير واضح الضيااع
لم يقتنع خالد بكلام زياد رغم صحته وقام بنبرة مرتبكة حاول جعلها جادة قدر المستطاع
_ أنا لن أبيت سأواصل السير أن أتوه في الصحراء أحسن من أن تطلني اللعنة و ألقى مصير حسن
اجابه الراعي بعدم مبالاة
_ كما تريد
لم يستطع خالد مواصلة الطريق وحده ف في الأخير هو من يحتاج زياد وليس العكس والسير وحيدا في هذا الصحراء وفي هذا الوقت بالذات مخاطرة لم يجد حل آخر سوى الرضوخ على مضض لقرار زياد بالمبيت هنا هذه الليلة
قاما بفرش سجادة بالية على الرمال الناعمة وأشعلا النار لبرودة الليل عندما هم الراعي بالنوم سأله خالد بتوجس
_ هل ستنام ؟؟
_ماذا تراني فاعل ؟؟
_ لا تنم إبقى مستيقض
_ هل أنا مجنون كي أبقى مستيقض ليلا كاملا نم وإرتح قليلا لحيث طلوع الشمس
نام الراعي لكن خالد لم يستطع بقيت أعينه تدور في كل الإتجاهات وأذناه ترصد كل الأصوات في ذعر لكن الوضع لم يكن مريحا فقرر التمدد قليلا إلا أن غلبه النعاس لم يكسر سكون الليل سوى سوى صوت صراخ رقيق بعض الشيء نهض خالد مفزوع طمأنه الراعي
_ لا تقلق لدي حالة ولادة سأهتم بالأمر وأكمل نومك
_ لا لا سآتي معك
_حسناا
بعد أن إنتهيا من مساعدة الشاه على الولادة رجعا لمطرحهما ما إن جلسا حتى سمعا صوت موسيقى عذبة لكن غريبة ليست ببعيدة منهم كانت حزينة وهادئة للغاية لكنها مريحة لم يسمع مثلها خالد في حياته
_ أتسمع أيها الراعي إنها رائعة
_ نعم إنها هادئة لكن ليست رائعة تبدو كئيبة جدا
_ دعك من الكئابة إنها مذهلة هيا فلنلقي نظرة على من يقوم بالعزف
_ أنا لن أذهب إذهب وحدك
_ حسناا
إستغرب زياد من موافقة خالد على الذهاب في هذا الليل وحيدا فهو كان جبانا منذ أتاه ٱلى الواحة لم يقلق عقله في التفكير في هذه الأمور بل عاد ليتسطح على الرداء البالي طالبا النوم والراحة
تقدم خالد نحو مصدر الصوت كلما يقترب أكثر يزداد اللحن وضوحا ويتبين لخالد إنها قصيدة منظمة حتى وصل لمصدر الصوت لم يرى سوى بقعة كبيرة مظلمة من الأرض وكأن القمر إختفى في ذالك الوقت كان الراعي زياد يحاول النوم لكن هذه القصيدة كانت تزعجه فصوتها بدأ يرتفع شيء فشيء قرر اللحاق بخالد والطلب من أي من كان يعزف التوقف في هذا الليل فالأمر مزعج لحد كبير سار قليلا إلا أن وجد صديقه يزيد نحو بقعة مظلمة تعجب منها لم يرى في حياته شيء كهذا إن القمر ينير كل الصحراء لكن تلك البقعة مظلمة ولم تكن حتى مرتفعة قليلا عن الأرض لتشكل ضلال إنتبه لخالد وهو يدخل إليها وقبل أن يصرخ فيه للإبتعاد عن ذالك الشيء كان قد سمعت أذناه مالم تسمعه من قبل