الجزء الخامس و السبعون

وعلى جناح الشوق طار بها لعشهما الخاص بعيدًا عن أعين الجميع فقد اعد لهما ليلة خاصة وكأن الليلة ليلة زفافهما هما حتى يعوضها عن ليلتهما التي قضاها في نوبة بكائها ورعشات خوفها الصامتة، تفاجأت بفعلته وعلمت الأن لما رفض صعودها للمبيت مع والدتها بعد أن أوصلاها لمنزلها، فرحت كثيرًا واسعدها تخطيطه لتمضية ليلة حالمة تجمعهما سويًا كي تزيد جرعة ثمالتهما من الحب، بدأها برقصة هادئة على أنغام موسيقية ناعمة تسافر بهما لعالم مليئ بالرومانسية، ضمها له بأشتياق وكأن الأيام البسيطة التي قضتها في منزل والدها مرت عليه دهورًا جعلته يأن في بعدها ويغزل ابيات من الشعر في هجر الحبيب، دار بها ببطئ يسمعها ما خطه قلبه في أوقات عجافها.

لماذا أرى العالم دونك خاليًا
وكأن الحياة أصبحت صحراء نائية
ومثلي مثل طفل يتبع أمه ماضيًا
ثم تختفي صورتها  وتصبح خاوية
ليفزع من حاله الذي أمسى واهيًا
وأنفاسه التي خرجت عنها باحثة
ولسانًا مرتعشًا يصرخ بأسمها مناديًا
عودي يا حبيبة فحياتي بدونك ناهية
عودي لحبيب أضناه بعدك جافيًا
عودي لعاشق لو بات مخيرًا
بين روحه وروحك لأختار روحكِ باقية
فنفسه دون نفسك فانية

لتنظر له بحب غير مصدقة أن بعدها عنه جعله ينهل من شعر المحبين لها بيوتًا وكأنهما بات مثل أساطير الحب وابتسمت وهى تتخيل أنهما عادا بالزمن ليكونا (روميو وجوليت) من جديد، لفت يدها حول عنقه تضمه بقوة تعوضه عما شعر به من حرمان في فراقها، وكما غزل لها شعرًا، وجدها احاكت مشاعر ترجمها لسانها لكلمات أطربت قلبه.

يا من رأيت في عينيك حياتي
وكأنك شهدت كل سعادتي وأحزاني
وجدت في نظراتك سلامي وأماني
وكنت سبب في شفاء الآمي
عشقتك وعشقك أحياني
فحبك ترياق انتزع سم أهاتي
أهيم بك وأتمنى أن أحيا معك باقي أيامي
يا حبيب أرتقى بي لعرش أمنياتي
حتى حزت على جميع الألقابي.
أحبك يا فارس أحلامي.

- أمأ لها رصان غامزًا بطرف عينيه: الله....... يا أميرة حياتي، بحبك يا أحلى وعد في حياتي.

- اختلجت نبضات قلب وعد فرحًا وصخبت تعلن عن سعادتها فأوردت دمائها الساخنة لوجنتيها تعبيرًا عن خجلها من سهام نظراته التي باتت تتغزلها بصمت ونطقت هى بما شعرت به ناحيته بصدق وصل لقلبه سريعًا حتى نال منه: بحبك يا أجمل رصاني.

لم يكترث رصان لصوت هاتفه الذي صدح معلنًا عن مكالمة ورمى بكل شيئ خلف ظهره وحملها لفراشه كي يعيد معها أحياء ليلة رومانسية جديدة تسطر في كتاب حبهما كي يتذكراها كلما تقدم بهما العمر.


دخلت إلهام لمنزلها بعد أن أطمأنت على فلذة كبدها الصغرى هى الأخرى مع رجل خير يتقي الله فيها تنفست الصعداء وشعرت براحة تعمها وكأنها حققت جميع أحلامها التي تمنتها طوال حياتها، فماذا ستريد من الحياة أكثر من ذلك فقد ربت أبنتيها جيدًا واحسنت خلوقهما وجعلتهما فخرًا لها ولزوجها الراحل الأن فقط أكملت جميلها وحفظت أمانته لها وأدتها على خير وجه، حمدت ربها على أعانته وتوفيقه لها ووقوفه بجوارها دائمًا، ثم ولجت لحجرة نومها تستقبل فراشها بتعب بعد أن اجهدت نفسها في تجهيز منزل صغيرتها وفراشه طوال الأيام الماضية وتحملت ألم صدرها ولم تبدي به خاصة أمام (وعد ونور) اللتان وما أن خطرا على بالها مجددًا حتى انقلبت سعادتها فجأة لضيق، فزفرت بقوة تنفس عن نفسها الأختناق الذي كبلها من عنقها دفعة واحدة وجثم على صدرها فهى ولأول مرة تبيت في منزلهم بدونهما، فرت دموعها تأنيبًا على كل لحظة ضاعت منها دون أن تشبع روحها منهما وسخرت بحزن من نفسها أو ليس هذا الذي لطالما تمنتي، أن تزوجهما كي تطمئني عليهما وترتاحي من عبء مسؤوليتهما، وراحت تسأل نفسها لم الأن تشعر بالحزن وتأنيب الضمير يجتاحها، جلست بتختها بعدما أبدلت ملابسها بملابس النوم، واسبحت بعقلها في بحر ذكرايتها تتذكر يوم أن دخلت لهذا البيت عروس ثم ذكريات حلوة وأخرى حزينة تجمعها بزوجها الراحل كما تذكرت يوم مولد وعد والفرحة التي غمرتهما بمجيئ قطعه منهما للحياة ثم طفولتها الهادئة كطبعها، لتأتي بعد ذلك نور تلك الشقية التي قلبت هدوء حياتهم لشغب محبب لقلوبهم وحازت على قلوبهما كما وعد، كم تمنت أن يكون زوجها مشاركًا لها في يوم كهذا لكن قضاء الله رأف بحاله من مرارة ألم المرض الذي جعله يعاني لسنوات، هدها التفكير وراحت تتقلب على فراشها وكأن تحتها جمرًا يقلق ويؤلم منامها، حاولت مرارًا أن تغفو ولو قليلاً لكنها عجزت عن ذلك فنهضت وذهبت للمرحاض تتوضأ ثم وقفت على سجادة صلاتها تصلي القيام علّى الله يهون عليها فراق احبتها، وفي نصف الصلاة شعرت بثقل ناحية قلبها جعلها عاجزة عن أخذ أنفاسها واحست بخدر يسري في أعصاب نصفها الأيسر وتصبب جبينها عرقًا ثم خرت تلحم جسدها بالأرض بعد أن مادت بها.


- نور حبيبتي قومي بقى هو حصل ايه لكل ده.

نطق "عمر" كلماته متعجبًا ثم حاول سحب الشرشف الذي التحفت به جيدًا وغطت جميع جسدها من رأسها لأخمص قدميها، مسح وجهه متسألًا ما الذي فعله جعلها تتوارى منه هكذا، اليست فتاة ناضجة ولديها خلفية عما يحدث في ليلة كتلك ثم انها بحكم دراستها في كلية الصيدلة تعلم جيدًا ما قد يحدث.

- ضيق عمر عينيه بمكر ثم هزها برفق: بطلي تمثيل وقومي أنتِ عارفة كل حاجة وجاية تعملي عليا عبيطة لكن لا يا حبيبتي انا صاحيلك قوي.

- أطلت نور بعينها فقط من خلف درعها الواهية الذي ظنته يحميها منه: عايز ايه يا عمر أنت مش خلاص غررت بيا وضحكت عليا وخدت اللي أنت عايزه سبني في حالي بقى.

- فتح عمر فاهه مذبهلًا فزوجته لا تمثل عليه البلاهة لأنها بلهاء فعلًا : نعم ياختي غررت بيكي ليه كنت جايبك الشقة هنا اعرفك على أهلي وملقتيهمش ولا كنا صحاب ووعدتك وخليت بيكِ، فوقي يا هبلة أنتِ انا جوزك مش واحد مصاحبك.

- لم تحرر نور نفسها من شرنقتها قيد أنملة بل بقيت كما هى وخرجت كلماتها باردة كي تخرجه من تعقله: وده يديك الحق أنك تعمل فيها كدا انا مش مسمحاك عمري كله.

- وضع عمر  يده على فمه يتحكم في سبة كادت تخرج غيظًا منها: مش مسمحاني، الله يخربيت جنانك يا شيخة، وبعدين بكيفك أو غصب عنك كوني أني بقيت جوزك يديني حقوق كتير عليكِ من ضمنها حقوقي الشرعية ولا ده متعرفيهوش كمان.

- أغمضت نور عينيها تصتنع التأثر : لأ عارفة طبعًا.

- طيب يا هبلة يا عبيطة لما أنتِ عارفة، أيه اللي أنت عملاه ده؟!!... والمناحة اللي طفحت منك فجأة دي ليه؟!!.. ما كنا ماشيين كويسين.

- هزت نور رأسها بنفي: أصل...... أصل حسيت نفسي فجأة بقيت يعني كدا حاجة وحشة وأنت السبب وهفضل مش مسمحاك طول عمري.

- غطى عمر وجهه بيديه وصمت كي يحاول التحكم في اعصابه حتى لا يفقدها ويقتل تلك الحمقاء ويصبح حديث العامة ويشار إليه ( هذا المجرم الذي قتل زوجته في ليلة زفافهما) وبقى كذلك لفترة حتى شعر بيد نور تربت على كتفه بحنو.

- عمر حبيبي أنت نمت وأنت قاعد ولا أيه؟!!!.......

همست نور بالقرب من أذنه متوجسة من ردة فعله على مزاحها الذي قررت أن تعاقبه به لحرمانها من تناول المزيد من الطعام، وكما فعلت ومزاحته كان رد فعله على مزاحها اشد حيث فاجأها وأمسكها من خصرها ثم رفعها ورمى بها على الفراش، شهقت بخوف واسرعت تزحف بعيدًا عنه لكنها عاجلها وسحبها من قدميها واعتالها يثبت يديها فوق رأسها ينظر لها بأعين تشع غضبًا، ابتسم بسخرية ثم تحدث بصرامة.

- بتلعبيني يا نور وماله بس خلي بالك اللي يلعب بالنار ميرجعش يعيط لما النار تلسعة.

- جحظت عيني نور بهلع وتهدجت أنفاسها لكنها سرعان ما لونت نبرتها بميوعة كي تستقطبة مجددًا لطريقها وتجعله يعدل عن عقابه لها: أيه يا عموري أخص عليك دا انا بهزر معاك، أيه مهزرش يعني ولا مهزرش.

- أمال عمر رأسه جانبًا مقتربًا من أذنها حتى لفحت أنفاسه وجنتها: لا يا حبيبتي ودا أسمه كلام بردو هزري متهزريش ليه، دا حتى انا كمان ههزر معاكي لغاية ما أخليكِ تبطلي هزار خالص.

ثم نهض ممسكًا بيدها يسحبها بقوة حتى وقفت على قدميها وجلس على الفراش وسحبها مرة أخرى يطرحها على قدمه جاعلًا وجهها لأسفل ثم بدأ في ضرب مؤخرتها بيده، على صراخها محاولة التملص من بين يديه حتى نجحت وفرت هاربة منه للجهة الأخرى من الغرفة وقفزت فوق المقعد المتواجد هناك تحمي ظهرها بالحائط تدلك موضع الضرب بيد وتشير بالأخرى تترجاه أن يبتعد عنها.

- خلاص يا عمر انا بقول كفاية هزار كدا النهاردة.

ثم ابتسمت بخوف: ونبقى نكمل بكرة بقى أصل انا مرهقة وعايزة أنام.

-مسح على ذقنه محاولًا تنظيم أنفاسه المتسارعة، ثم وضع يديه بخصره يهز رأسه بيأس فتلك الفتاة تدفعه للجنون: أنتِ لسه فيكِ حيل عشان تكملي بكرة.

- خرجت من نور ضحكة قصيرة مرتجفة : لو مش عايز بلاش انا عن نفسي حرمت.

-ثم تمتمت بخفوت وهى تتحسس مكان صفعاته: دا انت إيدك طلعت تقيلة قوي يا جدع.

-لم يتمالك عمر نفسه وخرجت صوت قهقهته قويًا يشق سكون الغرفة، اشار لها لتأتي له: طيب تعالي كدا لما أشوف ضربتك أزاي؟!!!........

- لن تغامر وتقترب منه لربما يخدعها هكذا أوصت نفسها، أشارت له بالنفي: لا والله ما أنت تاعب نفسك انا مية مية بس هدي نفسك كدا وخليك بعيد عني أحسن.

- أحتدت نظراته يأمرها بنبرة قوية: قولتلك تعالي بدل ما أجي أجيبك وأمدك تاني.

- نزلت نور من فوق المقعد واقتربت منه متوجسة تمد يدها اليسرى لتكون حائلًا بينها وبينه: طيب خليك وانا جاية بس متقربش مني واطمن انا بقيت كويسة الحمدلله خلاص.

- غافلها عمر حينما أقتربت منه وسحبها من ذراعها ناحيته ولولا أن تلقاها بذراعه الأخر لوقعت عليه وأوقعته على الفراش ونطق بنبرة خافتة جعلت شعيرات جلدها تنتصب أثارة: قولتيلي بقى كنتِ بتهزري صح.

- علت أنفاسها من قربهما الملحمي: أنت السبب عشان مخلتنيش أكل حمام عشان انا بحبه.

- نظر بعيونها وتحدث بغواية: بتحبيه ممممم... ويا ترى بقى بتحبيه أكتر مني؟!!......

- ابتسمت نور بنعومة ونفت برقة وهى تتلاعب بسبابتها على صدره: توء، بحبك أنت أكتر حد في الدنيا طبعًا.

- رفع عمر حاجبه بمكر: ولما بتحبيني أكتر حد عايزة تسبيني وتروحيله ليه؟!!!........

- رفعت نور كتفها بخجل ثم انزلتهما سريعًا: اصل كنت جعانة وعايزة اشحن بور عشانك إنما لو دا هيزعلك خلاص هفضل معاك أنت وبس ولو عايزني أنسى أي حاجة تانية أنساها حتى نفسي كمان.

طالت نظراته المتفحصة لتقاسيمها وخاصة تلك الشفاة الوردية التي أدمت سفلاها بفعل ضغط أسنانها عليها بخجل، قربها منه يضمها هامسًا بصوت يفيح منه الشوق: بحبك يا أجمل مجنونة خطفتي قلبي بجنانك وعفويتك يا مفجوعة.

- ضمته نور تلحف نفسها بأمانه وحبه: لو تعرف بفرح قد أيه لما بسمع منك كلمة بحبك مش هتبطل تقولها ليا طول عمرنا، أنت بالنسبالي بقيت زوج وحبيب بدرجة أب.

- ابتسم لها بحنو ثم حاوط وجهها بيديه يطبع عليه العديد والعديد من قبلاته الحارة التي تلهب مشاعرهما: عمري ما هوقف أقولها يا قلبي وعمري كله، انا فرحان قوي أنك بتعتبريني مكان والدك.

- استكانت برأسها على صدره وضمته بيديها: لأنك تستاهل ده بعد ما حسستني بخوفك الكبير عليا وحبك الأكبر ليا، ربنا يخليك ليا يا حبيبي.

- لم يمهلها عمر كثيرًا وسحبها معه مرة أخرى يبثها مشاعره التي اختزنها بداخل قلبه طويلًا لأجلها، كي تعلم أن حبه لها فاق الحدود ولولا تحكمه به لفاض وأكفى كل العاشقين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي