الفصل الاول
الفصل الاول
تدور الحياة مهما حدث معنا من مواقف تجعلنا نظن فى وقتها أن الحياة حقا سوف تقف بنا إذا حدثت تلك المواقف يوماً ما، ونظن بأنها لن تسير بعدها وذلك من كثره ما شعرنا به من ألم وحزن فى وقتها، حينما حدثت تلك الأشياء التى غيرت من الحياة وأصبحت من بعدهم فارغة.
حتى بعد أن يفقد البعض منا أشخاص فى حياته كان يظن أنهم هم الحياة ذاتها، ومع ذلك أيضا تمر تلك الحياة بنا إلى أن يأتى يوماً ويأخذ الله أمانته ونفارق ونذهب إلى الدار الحق.
سيلين، تلك الفتاة التي توفى والدها بعد معاناة مع المرض والتى عانت الكثير بعد وفاته، من تحمل كل المسؤولية على عاتقها.
تلك الفتاة التي هى أكبر أخواتها والتى وضعها القدر في وضع جعلها مسؤلة عن أخواتها، وإلا سوف يصبحون مشردون في الشوارع، وليس لديهم مستقبل.
تلك الفتاة التى كانت هى من تساعد أبيها في عمله؛ حتى أصبحت مثله تماما وتمتلك نفس موهبته، وتصنع الأشياء مثل أبيها، ويمكننا أن نقول أفضل منه لأنها تحاول دائما أن تطور من نفسها وتفعل كل ما هو جديد ومميز.
سيلين فتاة بسيطة قامت بالتضحيه بكل شيء من أجل أخواتها ولم تحزن على ذلك يوما ما، بل كانت تفعل لأجلهم كل شيء وهى سعيدة وراضية، وتشعر وقتها بالتميز.
حتى التعليم لم تكمله على الرغم من أنها كانت متفوقة به جدا وكانت من الاوائل دائما فى كل عام، ولكنها أيضا كانت تعمل مع والدها بعد الانتهاء من الدراسة.
وبسبب وفاة والدها تخلت عن كل شيء بعد ذلك يمكن أن يشغلها عن أن تأتى بقوت يوم أخواتها، وأيضا لم تذكر نفسها يوما ما، كل تفكيرها من أجل إخوتها فقط.
لديها من الأخوة أربعة وهم، شادي وسعيد وسهير وسلمى،
هؤلاء الأربعة كل منهم له عالمه الخاص، فسهير لم تريد أن تكمل تعليمها برغبتها ولم يفرض أحد عليها شيء فى ذلك الامر.
وهى تكون الأخت التى تلي سيلين، طبعها سيئ بعض الشيء؛ ولكنها فى النهايه أختاً لهم والدماء تحن، ولن يستطيع أحد أن يفرق فيما بينهم مهما أن حاول فعل ذلك الأمر.
وسعيد الذى يلي سهير في الترتيب، يعمل بمهنة النجارة، حظه قليل ولكنه يعافر في تلك الحياة.
لقد مر عليه وقتا طويلا حتى يجد الفتاة التي يتمني أن تشاركه الحياة، ولكنه لم ييأس إلى أن ارسلها القدر إليه.
وبعد ذلك يأتي شادي، وهذا شادي يعشق أخته الكبيره سيلين وهو أكثر من بهم يحب سيلين ويخاف عليها، ويدافع عنها في غيابها، ويرد غيبتها إذا تحدث عنها احد بسوء.
والآن هو في عامه الأول فى الجامعة، وأختار كلية التجارة، وكان طموح ويتمنى أن يجد عملا يجعله يصرف على اخوته دون أن تتعب أخته سيلين، كان يقدر مجهودها معهم وكان يتمنى أن يأتى اليوم الذى تستريح به ويعمل هو بدلاً منها.
وأما عن سلمى، تلك الفتاة المدللة والتى فى نفس الوقت مهذبة جداً، والتى أيضا تحمل لأختها سيلين نفس الشعور الذى يحمله شادي لها في قلبه.
ولكنها لا تظهر لها ذلك الأمر إلا في بعض المواقف؛ وذلك لأنها من طبعها قلة الحديث وعدم البوح بما في داخلها بسهولة، ولكنها تدرك حقا كيف يفكر الجميع من حولها، ولكنها أيضا أكثر الأوقات تلتزم الصمت، وتجد أنه أفضل هو أفضل حل.
وهؤلاء هم إخوة سيلين وهذه نبذه مختصرة عنهم، ولكن هناك أشياء كثيرة تخصهم، وتخص سيلين سوف نتحدث عنها بالتفصيل الممل خلال قصتنا، والتى سوف تنال إعجاب حضراتكم بأذن المولى عز وجل.
المهنة التى ورثتها سيلين عن أبيها هى مهنة اصيلة، مؤصلة لدينا من أيام أجدادنا الفراعنة الذين ابهروا العالم بأفعالهم وبمقتنياتهم؛ والتى تحمل كل أنواع الحرفة والمهنية.
وهى مهنة يتمنى أى شخص منا أن يتقنها، تقليد التماثيل الفرعونية، وايضا صنع الاشكال على الخشب مثل برواز الصور مثلا.
وهذه تعتبر موهبة في حد ذاتها وليست موجودة لدي الكثير؛ وذلك لأنها تحتاج إلى شخص يستطيع فعلها بيده وليست بآلة أو ما شابة ولذلك هذا شيء مميز حقًا.
كان والدها رحمه الله عليه يستطيع أن يقوم بتقليد تلك التماثيل بشكل حرفى جداً منه، وأيضا صنع أشياء أخرى من الخشب والرسم وأشياء كثيرة، هو فنان موهوب حقا.
ولقد ورثت منه سيلين تلك الموهبة الراقية،
وكانت تلك المهنة (هى مصدر قوته) وما يأتى له بقوت يومه هو وأولاده.
لانه يقوم ببيعها وكان لديه متجر صغير جداً في اكبر شارع، تباع به تلك الأشياء وهو شارع المعز لدين الله الفاطمى بمدينة القاهرة.
تلك المدينة الساحرة، والتى يشتاق إليها من يذهب لها ولو لمرة واحدة.
كان الوالد الحاج عامر رحمة الله عليه، يعمل بتلك المهنة بحب وشغف كبيرا منه، كان يجد بها متعته وكانت بمثابة مهدئ عصبى له، ومن يستطيع أن يحسن ميزاجه؛ لان هذا العمل يخرج ما به من طاقة سلبية وحزن.
وكانت زوجته المرحومة السيدة عائشة، تشجعه دائما خاصة وأنه قد ورث تلك المهنة عن والده وإخوته، ولكن إخوته أصحاب متاجر ذهب، وحالهم ليس مثل حال عامر، بل حالهم ميسوراً أكثر منه.
فلقد اكتفى عامر بإرثه من والده، بأن يأخذ ذلك المتجر الصغير الذى كان يعمل به والده منذ أعوام طويله، وترك لاخوته كل شيء آخر ولم يطلب شيء غيره.
على الرغم من أنهم كان لديهم منزل كبير جدا، وحينما قاموا ببيعة جاء لهم بمبلغا طائلا، وأخذ كلا من اخوتة الاثنان نصيبهم فى ذلك المنزل الكبير، وكان مبلغ كبير جدا فى وقتها.
ولم يتدخل عامر فى ذلك الأمر واكتفى بذلك المتجر الصغير الذى تركه والده المرحوم، ومن ثم جاء الإخوان الإثنان الحاج صلاح، والحاج عطية وأخذ الاثنان كلا منهما متجرا والجميع إلى جانب بعضهم البعض، بجوار متجر عامر الصغير الذى يعمل به طوال اليوم.
ولكنهم، هم اختاروا تجارة الذهب، وباالفعل نجحوا بها جداً واصبحوا من أكبر تجار الذهب فى المدينة.
بينما عامر رجل بسيط يعمل كل يوم لكى يأتي بقوت يومه هو وأولاده، ومع ذلك كان يحمد ربه كل يوم على فضله وكرمه.
وكان راضياً جدآ ولا يهمه أن حال إخوته أفضل منه، وكان يرى أنه أغنى منهم لأن رب العالمين أعطى له الرضى بما كتبه له.
ومن أسباب سعادته؛ هو أنه جالسا هنا في مجلس والده، يفعل ما يفعله ويرى أن ذلك هو أفضل ثروة قد حصل عليها.
ولكنهم كان لديهم رأى آخر، فهم يريدون أخذ ذلك المتجر الصغير لكى يكبرون متاجرهم، لم يكتفوا بكل ما لديهم من أموال وذهب، وطامعين في ما يملكه أخيهم مع أنه شئ بسيط جداً أمام ما يملكونه من أموال.
فهى ومن طمعهم لا تملئ عيونهم الفارغه ولا تكفيهم، وينظرون إلى ما يملكه اخيهم، حقا هذا عارا عليهم.
ولكن عامر كان دائماً يقف لهم ويخبرهم أن ذلك المتجر الصغير هو رأس مالى الوحيد، وهو ما أعمل به لكى أنفق علي زوجتى وابنائى، ولا أفهم ما هو سبب تمسككم به، مع أن لديكم ما هو أكبر منه؟
لماذا تريدون أن تأخذونه مني؟
ويجيبه اخوته بأنهم يريدون أن يكبرون عملهم لا اكثر، ولن يحدث ذلك الأمر إلا إذا أعطاه لهم وذلك مقابل مبلغا زهيدا بالنسبه إلى ذكرى والده.
كان الجميع يتعجب من طمع الاخوه فى ما يملك اخيهم، والجميع متعاطفين جداً مع عامر وعائلته، ويرون أن إخوته لا حق لهم فى ما يطلبونه منه.
ولكن إخوته كانوا يخبرونه أنهم سوف يعوضونه بمتجر آخر ومنزل أيضا، فى مقابل اعطائهم ذلك المتجر الصغير!
الجميع متعجبا من موقفهم هذا! ولكن حجتهم هى أنهم يريدون أن يتوسعوا في عملهم، وهذا الأمر بالنسبة لي وبالنسبه لأي شخص لديه عقل يفكر به ليس مقنعاً أبداً، فأكيد هناك أمراً آخر يخفونه عن الجميع.
ولكنه أبداً لم يوافق على أن يعطيهم ذلك المتجر الصغير الذي يحمل فى طياته ذكرى والدهم المرحوم، ودائماً يقول الحاج عامر، أننى أشم رائحة والدى حينما أدخل إليه، وكل يوم وأنا جالساً به اتذكر حياتى معه كيف كانت.
لن أفرط أبداً في شئ من رائحة والدي مهما حدث، فإخوتى لم يحبون مهنة أبي، ولا يدركون حقيقة شعورى.
فهم إختاروا تجارة أخرى وأنا لم أتدخل في أمرهم، وتركت لهم حرية الإختيار، مع اننى أكبرهم سناً، إذاً لماذا الآن يتدخلون في شأني ويريدون أن يأخذوا ما املك؟ حقا أن أمرهم عجيب، الم يكفيهم ما لديهم من أموال وأملاك؟
وظل الإخوه فى صراع كبير على ذلك المتجر أعوام كثيرة، والحاج عامر أبداً لم يغير رأيه فى ذلك الأمر، نعم هو يرى أنه لديه كل الحق.
إلى أن مرض ذلك الرجل (الحاج عامر) الطيب مرض مزمن، ولم يعد يرى بعينيه حتى يعمل ويأتي بالمال من أجل الإنفاق على أولاده، وهذا الأمر بعد وفاه زوجته الحنون، فلقد تمكن منه المرض حينما توفت من كثرة حزنه الشديد عليها، فهى كانت جميلة وطيبة.
وهنا جاء دور سيلين ابنتة الكبيرة، التى كانت ترافق أبيها دائما فى عمله، حتى استطاعت أن تعرف جميع خباياه وأسراره،
وكانت سيلين أيضاً شاهدة على ما يفعله أعمامها مع أبيها، وتعرف ماذا يريدون من أبيها بالضبط.
فبدأت سيلين من هنا العمل بمفردها في ورشة ابيها الصغيرة، وأن تكمل عمله الذى لم يستطع أن يكمله بسبب أنه فقد بصره بعد أن أصيب بالمرض.
وكانت سيلين على قدرا من الثقة والمعرفة في هذا المجال، فلقد أحسن أبيها الإختيار حينما قرر أن تكمل هى ما بدأه هو.
كان إخوتها صغاراً وكانت هى من ترعاهم وتعمل بصناعة التماثيل، وتقوم بتوزيعها على التجار وتبيع منها أيضا للسائحين، الذين يأتون إلى بلدنا لكى يستمتعوا بما فيها من مناظر خلابة، كانت تبيع جملة وقطاعى.
لكى تجد المال الذى يساعدها أن تنفق على إخوتها وعلى مرض أبيها أيضاً.
وكانت الأمور تسير بشكل إلى حداً ما طبيعي، إلى أن فارق والدها الحياة، لقد ضاقت الحياة على سيلين وحزنت من بعده حزنا كبيراً.
ولم ترى الفرح بعد وفاة والدها، هى كانت تحب أبيها جدا ولم تتخيل حياتها بدونه.
لم تحزن سيلين فى حياتها كما حزنت على فراق والدها ورفيق دربها، ومن اعطى لها موهبة عظيمة وارث لم يحصل عليه الكثيرون وحتى إخوتها، لم يملكون الموهبة التى تملكها سيلين.
ولكن ما باليد حيلة، فلقد قابل أبيها وجهه كريم وارتاح من معاناته خلال عامين من المرض اللعين الذى أصاب جسده دون رحمة.
واكملت سيلين حياتها بعد موت أبيها وضمدت جرح قلبها بيديها وكتمت حزنها على والدها داخل قلبها، ومن ثم أكملت عمله من بعده لانه لا يوجد وقتا لتحزن فيه، إذا من سينفق على ذلك المنزل؟
وأصبحت سيلين هى الوالد والوالدة والاخت الكبرى أيضا منذ ذلك الحين الذى توفى فيه والدها.
وأصبحت بذلك مسؤلة عن إخوتها، ومسؤلة أيضا على الإنفاق عليهم، وتلبيه احتياجاتهم من دراسة وتعلم وكل متطلبات الحياة، وبالطبع هذا عبأ كبير ولا يتحمله إلا شخص لديه من الصبر ما يكفيه!
كانت تشعر بالمسؤولية الزائدة تجاه إخوتها، فهم صغار أمامها وهى من تكبرهم في السن، وهى أيضا من لديها أسرار مهنة ابيها، فإذاً لماذا لم تعمل وتأتى إليهم بالمال؟
لم تفكر كثيرا في قرارها، بمزاجها أو رغما عنها هو أن تعمل لكى تجد مال تنفق به على إخوتها، وإلا إلى من سوف يلجئون؟
وبالفعل حدث، وتركت كل شيء وأصبحت تقوم بدور الأب والأم بعد وفاتهما.
فجاء إليها شادي ذات يوم بينما كانت تقوم بتجهيز نفسها للنزول وقال لها:
-يا اختى هذا العمل شاق جدا عليكِ، وأيضاً المعاملة مع الناس أصعب، انا احمل همك واخاف عليكِ، وأدعو الله أن أكمل تعليمي علي خير، ومن ثم أعمل وأنفق انا عليكِ ووقتها لن احرمك من شيء.
حضنت سيلين أخيها شادي بشده، فهي حقا تحتاج أن تستمع إلى مثل هذه الكلمات من إخوتها، لكى تشعر بالتقدير تجاهها ولو بجملة بسيطة مثل الذى أخبرها بها شادى.
ولكنها تسمع من الجميع ما عادا سهير، وأيضا أخيها سعيد.
فسهير تغار من سيلين على الرغم من أنها هى من تنفق على من بالبيت ولم تفكر فى نفسها أبداً، ولكنها تحمل لأختها ضغينة الى حدا ما كبيره والأسباب لا يعلمها أحد سوى رب العالمين.
لأن سيلين لم ترض أن تعطى لأعمامها ورشه العمل الخاصة بأبيها تنفيذا لما وصاها به قبل أن يتوفاه الله.
وسهير تريد وتتمنى ذلك!
تتمنى أن تبيع لكى تأخذ إرثها وتترك ذلك المنزل وتبتعد عنهم وعن تلك المسؤولية التى تتحملها من مشقة التنظيف وتجهيز الطعام كل يوم، وترى أن ذلك عملاً شاقا بالنسبة لها!
وكل ما تفكر به ليس سوى سذاجه وجهل منها، فسيلين تعمل في تلك الورشة لكى تأتى بقوت يومها وتستطيع أن تنفق عليها وعلى باقي إخوتها، وفي نفس الوقت تريد منها سهير أن تبيع تلك الورشة لأعمامهم.
ولذلك السبب تحمل لأختها ضغينة فى داخلها ولكن سوف توضح لها الايام كل شيء، وسوف تعلم أنها قد اخطئت خطأ كبيراً حينما ظنت فى أختها ذلك ظن السوء.
وأيضا سعيد، من الأساس سعيد لا يشغل باله بأى شيء في ذلك المنزل بمن فيه، حتي أنه لا ينفق على المنزل جنيهاً واحداً من جيبه، هو أناني بعض الشيء.
ودائما يتحجج بأنه يجمع المال لانه يريد أن يتزوج، لانه تقدم في العمر، ولأنه وجد من دق قلبه لأجلها، وهى فتاة في ذلك الشارع الذين يقيمون به وتدعى دلال، وهي حقاً مدللة واوقعت سعيد فى حبها بأسرع وقت.
وتسير به مثل ما تريد هى وهو يحبها حباً شديداً، ولا يتحمل عليها أي شيئ حتى أنه يفضلها على إخوته!
ولم يخجل من قول هذا الشيء، ولكن الجميع يظن بأنها يمزح لأن ذلك هو طبعه.
على عكس سيلين التى تفني حياتها وشبابها ومجهودها لكي تستطيع أن تجعل إخوتها لا يحتاجون إلى أحد أو إلى شيئ، وتحاول على قدر الإمكان أن تجعلهم لا يحتاجون إلى أحد.
فقال لها أخيها سعيد ذات يوما، بينما كانت سيلين عائدة من العمل:
-اختي اريد أن أخبرك بأمرا هكذا.
قالت له سيلين:
-حسنا يا سعيد فقط اترك لى وقت لكى أقوم بتغيير ملابسي واتناول طعامي، فلقد كان يوما شاقاً جداً علي، لقد قمت بأعمال كثيره وأشعر بألم في ظهري؛ وتعبت جداً اليوم مع التجار.
صمت سعيد وكأن سيلين صدمته بردها ذلك عليه، ولكنه هو من أخطئ؛ لأنه لم يقوم بأختيار الوقت المناسب للحديث.
وبعد أن فعلت سيلين كل ما أرادت فعله، ذهبت إلى غرفة سعيد وطرقت بابه طالبة منه أن يعطي لها الاذن باالدخول.
وقال لها سعيد:
-تفضلي يا اختي.
دخلت سيلين وامسكت بيد أخيها وقامت بتقبيلها في مشهد يظهر لنا إلى أي مدى هى حنونة عليهم وتحبهم.
فقال لها سعيد:
-أنا حقا أشعر بالخجل منك يا أختي.
ردت عليه سيلين:
-ولماذا تخجل يا سعيد؟ لا شييء يستدعى أن تخجل من أجله فانا اختك سترا وغطاء عليك، لا تقلق يا حبيبى وأخبرنى ماذا كنت تريد منى؟ حقا انا اعتذر منك على الطريقة السيئة التى تحدثت معك بها منذ قليل، ولكن بالتأكيد أنت سوف تعذرنى إذا علمت السبب، لأنك أنت تشعر بي أليس كذلك يا اخى؟
وتعلم أنا كيف أتعب جدا فى عملى طوال اليوم، خاصة اليوم لقد فعلت الكثير من التماثيل وذهبت لكى أعطيهم إلى التاجر الذى سوف يقوم بشرائهم مثل ما اعتدنا على ذلك منذ أن كان يعمل مع والدنا، ولكنه ماطل معى في السعر وكان يريد أن يبخس بثمنهم فى الأرض، ولكن الله رب العالمين هاداه واعطانى حقي، ولكني تعبت معه جدا اليوم.
فبعد أن انهيت عملى الذى تعبت فيه جدا، اذهب بقدماي إلى تعب اخر، وهو كيف أقنع التجار بأن يشتروا بضاعتى!؟
يتبع
تدور الحياة مهما حدث معنا من مواقف تجعلنا نظن فى وقتها أن الحياة حقا سوف تقف بنا إذا حدثت تلك المواقف يوماً ما، ونظن بأنها لن تسير بعدها وذلك من كثره ما شعرنا به من ألم وحزن فى وقتها، حينما حدثت تلك الأشياء التى غيرت من الحياة وأصبحت من بعدهم فارغة.
حتى بعد أن يفقد البعض منا أشخاص فى حياته كان يظن أنهم هم الحياة ذاتها، ومع ذلك أيضا تمر تلك الحياة بنا إلى أن يأتى يوماً ويأخذ الله أمانته ونفارق ونذهب إلى الدار الحق.
سيلين، تلك الفتاة التي توفى والدها بعد معاناة مع المرض والتى عانت الكثير بعد وفاته، من تحمل كل المسؤولية على عاتقها.
تلك الفتاة التي هى أكبر أخواتها والتى وضعها القدر في وضع جعلها مسؤلة عن أخواتها، وإلا سوف يصبحون مشردون في الشوارع، وليس لديهم مستقبل.
تلك الفتاة التى كانت هى من تساعد أبيها في عمله؛ حتى أصبحت مثله تماما وتمتلك نفس موهبته، وتصنع الأشياء مثل أبيها، ويمكننا أن نقول أفضل منه لأنها تحاول دائما أن تطور من نفسها وتفعل كل ما هو جديد ومميز.
سيلين فتاة بسيطة قامت بالتضحيه بكل شيء من أجل أخواتها ولم تحزن على ذلك يوما ما، بل كانت تفعل لأجلهم كل شيء وهى سعيدة وراضية، وتشعر وقتها بالتميز.
حتى التعليم لم تكمله على الرغم من أنها كانت متفوقة به جدا وكانت من الاوائل دائما فى كل عام، ولكنها أيضا كانت تعمل مع والدها بعد الانتهاء من الدراسة.
وبسبب وفاة والدها تخلت عن كل شيء بعد ذلك يمكن أن يشغلها عن أن تأتى بقوت يوم أخواتها، وأيضا لم تذكر نفسها يوما ما، كل تفكيرها من أجل إخوتها فقط.
لديها من الأخوة أربعة وهم، شادي وسعيد وسهير وسلمى،
هؤلاء الأربعة كل منهم له عالمه الخاص، فسهير لم تريد أن تكمل تعليمها برغبتها ولم يفرض أحد عليها شيء فى ذلك الامر.
وهى تكون الأخت التى تلي سيلين، طبعها سيئ بعض الشيء؛ ولكنها فى النهايه أختاً لهم والدماء تحن، ولن يستطيع أحد أن يفرق فيما بينهم مهما أن حاول فعل ذلك الأمر.
وسعيد الذى يلي سهير في الترتيب، يعمل بمهنة النجارة، حظه قليل ولكنه يعافر في تلك الحياة.
لقد مر عليه وقتا طويلا حتى يجد الفتاة التي يتمني أن تشاركه الحياة، ولكنه لم ييأس إلى أن ارسلها القدر إليه.
وبعد ذلك يأتي شادي، وهذا شادي يعشق أخته الكبيره سيلين وهو أكثر من بهم يحب سيلين ويخاف عليها، ويدافع عنها في غيابها، ويرد غيبتها إذا تحدث عنها احد بسوء.
والآن هو في عامه الأول فى الجامعة، وأختار كلية التجارة، وكان طموح ويتمنى أن يجد عملا يجعله يصرف على اخوته دون أن تتعب أخته سيلين، كان يقدر مجهودها معهم وكان يتمنى أن يأتى اليوم الذى تستريح به ويعمل هو بدلاً منها.
وأما عن سلمى، تلك الفتاة المدللة والتى فى نفس الوقت مهذبة جداً، والتى أيضا تحمل لأختها سيلين نفس الشعور الذى يحمله شادي لها في قلبه.
ولكنها لا تظهر لها ذلك الأمر إلا في بعض المواقف؛ وذلك لأنها من طبعها قلة الحديث وعدم البوح بما في داخلها بسهولة، ولكنها تدرك حقا كيف يفكر الجميع من حولها، ولكنها أيضا أكثر الأوقات تلتزم الصمت، وتجد أنه أفضل هو أفضل حل.
وهؤلاء هم إخوة سيلين وهذه نبذه مختصرة عنهم، ولكن هناك أشياء كثيرة تخصهم، وتخص سيلين سوف نتحدث عنها بالتفصيل الممل خلال قصتنا، والتى سوف تنال إعجاب حضراتكم بأذن المولى عز وجل.
المهنة التى ورثتها سيلين عن أبيها هى مهنة اصيلة، مؤصلة لدينا من أيام أجدادنا الفراعنة الذين ابهروا العالم بأفعالهم وبمقتنياتهم؛ والتى تحمل كل أنواع الحرفة والمهنية.
وهى مهنة يتمنى أى شخص منا أن يتقنها، تقليد التماثيل الفرعونية، وايضا صنع الاشكال على الخشب مثل برواز الصور مثلا.
وهذه تعتبر موهبة في حد ذاتها وليست موجودة لدي الكثير؛ وذلك لأنها تحتاج إلى شخص يستطيع فعلها بيده وليست بآلة أو ما شابة ولذلك هذا شيء مميز حقًا.
كان والدها رحمه الله عليه يستطيع أن يقوم بتقليد تلك التماثيل بشكل حرفى جداً منه، وأيضا صنع أشياء أخرى من الخشب والرسم وأشياء كثيرة، هو فنان موهوب حقا.
ولقد ورثت منه سيلين تلك الموهبة الراقية،
وكانت تلك المهنة (هى مصدر قوته) وما يأتى له بقوت يومه هو وأولاده.
لانه يقوم ببيعها وكان لديه متجر صغير جداً في اكبر شارع، تباع به تلك الأشياء وهو شارع المعز لدين الله الفاطمى بمدينة القاهرة.
تلك المدينة الساحرة، والتى يشتاق إليها من يذهب لها ولو لمرة واحدة.
كان الوالد الحاج عامر رحمة الله عليه، يعمل بتلك المهنة بحب وشغف كبيرا منه، كان يجد بها متعته وكانت بمثابة مهدئ عصبى له، ومن يستطيع أن يحسن ميزاجه؛ لان هذا العمل يخرج ما به من طاقة سلبية وحزن.
وكانت زوجته المرحومة السيدة عائشة، تشجعه دائما خاصة وأنه قد ورث تلك المهنة عن والده وإخوته، ولكن إخوته أصحاب متاجر ذهب، وحالهم ليس مثل حال عامر، بل حالهم ميسوراً أكثر منه.
فلقد اكتفى عامر بإرثه من والده، بأن يأخذ ذلك المتجر الصغير الذى كان يعمل به والده منذ أعوام طويله، وترك لاخوته كل شيء آخر ولم يطلب شيء غيره.
على الرغم من أنهم كان لديهم منزل كبير جدا، وحينما قاموا ببيعة جاء لهم بمبلغا طائلا، وأخذ كلا من اخوتة الاثنان نصيبهم فى ذلك المنزل الكبير، وكان مبلغ كبير جدا فى وقتها.
ولم يتدخل عامر فى ذلك الأمر واكتفى بذلك المتجر الصغير الذى تركه والده المرحوم، ومن ثم جاء الإخوان الإثنان الحاج صلاح، والحاج عطية وأخذ الاثنان كلا منهما متجرا والجميع إلى جانب بعضهم البعض، بجوار متجر عامر الصغير الذى يعمل به طوال اليوم.
ولكنهم، هم اختاروا تجارة الذهب، وباالفعل نجحوا بها جداً واصبحوا من أكبر تجار الذهب فى المدينة.
بينما عامر رجل بسيط يعمل كل يوم لكى يأتي بقوت يومه هو وأولاده، ومع ذلك كان يحمد ربه كل يوم على فضله وكرمه.
وكان راضياً جدآ ولا يهمه أن حال إخوته أفضل منه، وكان يرى أنه أغنى منهم لأن رب العالمين أعطى له الرضى بما كتبه له.
ومن أسباب سعادته؛ هو أنه جالسا هنا في مجلس والده، يفعل ما يفعله ويرى أن ذلك هو أفضل ثروة قد حصل عليها.
ولكنهم كان لديهم رأى آخر، فهم يريدون أخذ ذلك المتجر الصغير لكى يكبرون متاجرهم، لم يكتفوا بكل ما لديهم من أموال وذهب، وطامعين في ما يملكه أخيهم مع أنه شئ بسيط جداً أمام ما يملكونه من أموال.
فهى ومن طمعهم لا تملئ عيونهم الفارغه ولا تكفيهم، وينظرون إلى ما يملكه اخيهم، حقا هذا عارا عليهم.
ولكن عامر كان دائماً يقف لهم ويخبرهم أن ذلك المتجر الصغير هو رأس مالى الوحيد، وهو ما أعمل به لكى أنفق علي زوجتى وابنائى، ولا أفهم ما هو سبب تمسككم به، مع أن لديكم ما هو أكبر منه؟
لماذا تريدون أن تأخذونه مني؟
ويجيبه اخوته بأنهم يريدون أن يكبرون عملهم لا اكثر، ولن يحدث ذلك الأمر إلا إذا أعطاه لهم وذلك مقابل مبلغا زهيدا بالنسبه إلى ذكرى والده.
كان الجميع يتعجب من طمع الاخوه فى ما يملك اخيهم، والجميع متعاطفين جداً مع عامر وعائلته، ويرون أن إخوته لا حق لهم فى ما يطلبونه منه.
ولكن إخوته كانوا يخبرونه أنهم سوف يعوضونه بمتجر آخر ومنزل أيضا، فى مقابل اعطائهم ذلك المتجر الصغير!
الجميع متعجبا من موقفهم هذا! ولكن حجتهم هى أنهم يريدون أن يتوسعوا في عملهم، وهذا الأمر بالنسبة لي وبالنسبه لأي شخص لديه عقل يفكر به ليس مقنعاً أبداً، فأكيد هناك أمراً آخر يخفونه عن الجميع.
ولكنه أبداً لم يوافق على أن يعطيهم ذلك المتجر الصغير الذي يحمل فى طياته ذكرى والدهم المرحوم، ودائماً يقول الحاج عامر، أننى أشم رائحة والدى حينما أدخل إليه، وكل يوم وأنا جالساً به اتذكر حياتى معه كيف كانت.
لن أفرط أبداً في شئ من رائحة والدي مهما حدث، فإخوتى لم يحبون مهنة أبي، ولا يدركون حقيقة شعورى.
فهم إختاروا تجارة أخرى وأنا لم أتدخل في أمرهم، وتركت لهم حرية الإختيار، مع اننى أكبرهم سناً، إذاً لماذا الآن يتدخلون في شأني ويريدون أن يأخذوا ما املك؟ حقا أن أمرهم عجيب، الم يكفيهم ما لديهم من أموال وأملاك؟
وظل الإخوه فى صراع كبير على ذلك المتجر أعوام كثيرة، والحاج عامر أبداً لم يغير رأيه فى ذلك الأمر، نعم هو يرى أنه لديه كل الحق.
إلى أن مرض ذلك الرجل (الحاج عامر) الطيب مرض مزمن، ولم يعد يرى بعينيه حتى يعمل ويأتي بالمال من أجل الإنفاق على أولاده، وهذا الأمر بعد وفاه زوجته الحنون، فلقد تمكن منه المرض حينما توفت من كثرة حزنه الشديد عليها، فهى كانت جميلة وطيبة.
وهنا جاء دور سيلين ابنتة الكبيرة، التى كانت ترافق أبيها دائما فى عمله، حتى استطاعت أن تعرف جميع خباياه وأسراره،
وكانت سيلين أيضاً شاهدة على ما يفعله أعمامها مع أبيها، وتعرف ماذا يريدون من أبيها بالضبط.
فبدأت سيلين من هنا العمل بمفردها في ورشة ابيها الصغيرة، وأن تكمل عمله الذى لم يستطع أن يكمله بسبب أنه فقد بصره بعد أن أصيب بالمرض.
وكانت سيلين على قدرا من الثقة والمعرفة في هذا المجال، فلقد أحسن أبيها الإختيار حينما قرر أن تكمل هى ما بدأه هو.
كان إخوتها صغاراً وكانت هى من ترعاهم وتعمل بصناعة التماثيل، وتقوم بتوزيعها على التجار وتبيع منها أيضا للسائحين، الذين يأتون إلى بلدنا لكى يستمتعوا بما فيها من مناظر خلابة، كانت تبيع جملة وقطاعى.
لكى تجد المال الذى يساعدها أن تنفق على إخوتها وعلى مرض أبيها أيضاً.
وكانت الأمور تسير بشكل إلى حداً ما طبيعي، إلى أن فارق والدها الحياة، لقد ضاقت الحياة على سيلين وحزنت من بعده حزنا كبيراً.
ولم ترى الفرح بعد وفاة والدها، هى كانت تحب أبيها جدا ولم تتخيل حياتها بدونه.
لم تحزن سيلين فى حياتها كما حزنت على فراق والدها ورفيق دربها، ومن اعطى لها موهبة عظيمة وارث لم يحصل عليه الكثيرون وحتى إخوتها، لم يملكون الموهبة التى تملكها سيلين.
ولكن ما باليد حيلة، فلقد قابل أبيها وجهه كريم وارتاح من معاناته خلال عامين من المرض اللعين الذى أصاب جسده دون رحمة.
واكملت سيلين حياتها بعد موت أبيها وضمدت جرح قلبها بيديها وكتمت حزنها على والدها داخل قلبها، ومن ثم أكملت عمله من بعده لانه لا يوجد وقتا لتحزن فيه، إذا من سينفق على ذلك المنزل؟
وأصبحت سيلين هى الوالد والوالدة والاخت الكبرى أيضا منذ ذلك الحين الذى توفى فيه والدها.
وأصبحت بذلك مسؤلة عن إخوتها، ومسؤلة أيضا على الإنفاق عليهم، وتلبيه احتياجاتهم من دراسة وتعلم وكل متطلبات الحياة، وبالطبع هذا عبأ كبير ولا يتحمله إلا شخص لديه من الصبر ما يكفيه!
كانت تشعر بالمسؤولية الزائدة تجاه إخوتها، فهم صغار أمامها وهى من تكبرهم في السن، وهى أيضا من لديها أسرار مهنة ابيها، فإذاً لماذا لم تعمل وتأتى إليهم بالمال؟
لم تفكر كثيرا في قرارها، بمزاجها أو رغما عنها هو أن تعمل لكى تجد مال تنفق به على إخوتها، وإلا إلى من سوف يلجئون؟
وبالفعل حدث، وتركت كل شيء وأصبحت تقوم بدور الأب والأم بعد وفاتهما.
فجاء إليها شادي ذات يوم بينما كانت تقوم بتجهيز نفسها للنزول وقال لها:
-يا اختى هذا العمل شاق جدا عليكِ، وأيضاً المعاملة مع الناس أصعب، انا احمل همك واخاف عليكِ، وأدعو الله أن أكمل تعليمي علي خير، ومن ثم أعمل وأنفق انا عليكِ ووقتها لن احرمك من شيء.
حضنت سيلين أخيها شادي بشده، فهي حقا تحتاج أن تستمع إلى مثل هذه الكلمات من إخوتها، لكى تشعر بالتقدير تجاهها ولو بجملة بسيطة مثل الذى أخبرها بها شادى.
ولكنها تسمع من الجميع ما عادا سهير، وأيضا أخيها سعيد.
فسهير تغار من سيلين على الرغم من أنها هى من تنفق على من بالبيت ولم تفكر فى نفسها أبداً، ولكنها تحمل لأختها ضغينة الى حدا ما كبيره والأسباب لا يعلمها أحد سوى رب العالمين.
لأن سيلين لم ترض أن تعطى لأعمامها ورشه العمل الخاصة بأبيها تنفيذا لما وصاها به قبل أن يتوفاه الله.
وسهير تريد وتتمنى ذلك!
تتمنى أن تبيع لكى تأخذ إرثها وتترك ذلك المنزل وتبتعد عنهم وعن تلك المسؤولية التى تتحملها من مشقة التنظيف وتجهيز الطعام كل يوم، وترى أن ذلك عملاً شاقا بالنسبة لها!
وكل ما تفكر به ليس سوى سذاجه وجهل منها، فسيلين تعمل في تلك الورشة لكى تأتى بقوت يومها وتستطيع أن تنفق عليها وعلى باقي إخوتها، وفي نفس الوقت تريد منها سهير أن تبيع تلك الورشة لأعمامهم.
ولذلك السبب تحمل لأختها ضغينة فى داخلها ولكن سوف توضح لها الايام كل شيء، وسوف تعلم أنها قد اخطئت خطأ كبيراً حينما ظنت فى أختها ذلك ظن السوء.
وأيضا سعيد، من الأساس سعيد لا يشغل باله بأى شيء في ذلك المنزل بمن فيه، حتي أنه لا ينفق على المنزل جنيهاً واحداً من جيبه، هو أناني بعض الشيء.
ودائما يتحجج بأنه يجمع المال لانه يريد أن يتزوج، لانه تقدم في العمر، ولأنه وجد من دق قلبه لأجلها، وهى فتاة في ذلك الشارع الذين يقيمون به وتدعى دلال، وهي حقاً مدللة واوقعت سعيد فى حبها بأسرع وقت.
وتسير به مثل ما تريد هى وهو يحبها حباً شديداً، ولا يتحمل عليها أي شيئ حتى أنه يفضلها على إخوته!
ولم يخجل من قول هذا الشيء، ولكن الجميع يظن بأنها يمزح لأن ذلك هو طبعه.
على عكس سيلين التى تفني حياتها وشبابها ومجهودها لكي تستطيع أن تجعل إخوتها لا يحتاجون إلى أحد أو إلى شيئ، وتحاول على قدر الإمكان أن تجعلهم لا يحتاجون إلى أحد.
فقال لها أخيها سعيد ذات يوما، بينما كانت سيلين عائدة من العمل:
-اختي اريد أن أخبرك بأمرا هكذا.
قالت له سيلين:
-حسنا يا سعيد فقط اترك لى وقت لكى أقوم بتغيير ملابسي واتناول طعامي، فلقد كان يوما شاقاً جداً علي، لقد قمت بأعمال كثيره وأشعر بألم في ظهري؛ وتعبت جداً اليوم مع التجار.
صمت سعيد وكأن سيلين صدمته بردها ذلك عليه، ولكنه هو من أخطئ؛ لأنه لم يقوم بأختيار الوقت المناسب للحديث.
وبعد أن فعلت سيلين كل ما أرادت فعله، ذهبت إلى غرفة سعيد وطرقت بابه طالبة منه أن يعطي لها الاذن باالدخول.
وقال لها سعيد:
-تفضلي يا اختي.
دخلت سيلين وامسكت بيد أخيها وقامت بتقبيلها في مشهد يظهر لنا إلى أي مدى هى حنونة عليهم وتحبهم.
فقال لها سعيد:
-أنا حقا أشعر بالخجل منك يا أختي.
ردت عليه سيلين:
-ولماذا تخجل يا سعيد؟ لا شييء يستدعى أن تخجل من أجله فانا اختك سترا وغطاء عليك، لا تقلق يا حبيبى وأخبرنى ماذا كنت تريد منى؟ حقا انا اعتذر منك على الطريقة السيئة التى تحدثت معك بها منذ قليل، ولكن بالتأكيد أنت سوف تعذرنى إذا علمت السبب، لأنك أنت تشعر بي أليس كذلك يا اخى؟
وتعلم أنا كيف أتعب جدا فى عملى طوال اليوم، خاصة اليوم لقد فعلت الكثير من التماثيل وذهبت لكى أعطيهم إلى التاجر الذى سوف يقوم بشرائهم مثل ما اعتدنا على ذلك منذ أن كان يعمل مع والدنا، ولكنه ماطل معى في السعر وكان يريد أن يبخس بثمنهم فى الأرض، ولكن الله رب العالمين هاداه واعطانى حقي، ولكني تعبت معه جدا اليوم.
فبعد أن انهيت عملى الذى تعبت فيه جدا، اذهب بقدماي إلى تعب اخر، وهو كيف أقنع التجار بأن يشتروا بضاعتى!؟
يتبع