الفصل الستون

جاب بعينه حول الطلبة الملتفون حوله بإزدحامٍ يبحث عنها، طوال الأسبوع المنصرم ومنذ آخر لقاءٍ بينهم لم يلمحها،

يعلم انها لا تأتي الى الجامعة حسب ما سمع من الطلاب، لكنها أخبرته أنها ستحضر الى حلقته.

تنهد بقوةٍ كبيرة ثم أكمل شرح المحاضرة التي بين يديه، لقد مر شهرٌ على دلوفه للجامعة والامتحانات النصفية على الأبواب، لم ينسى نظرات ساهر له وهو يحدجه بغيرةٍ واضحة، 

ولم ينسى أيضًا حديث عميد كلية الطب الدكتور رأفت والد سامر وعم ريما وهو يثني عليه فعله، بل عرض عليه أن يقوم بذلك عل نطاقٍ أوسع ولا أنه طالبٌ في مرحلته الأولى لعرض عليه التدريس في الجامعة، فقد أثبت آسر نباهته وذكائه.

بدأ يجيب على الأسئلة التي يطرحها الطلاب بينما ينظر لساعة يده فيجب عليه العودة للمنزل كي يساعد والده في شراء مستلزمات المنزل.

بعدما انتهى من اجابة الجميع كانت الساعة تشير الى الواحدة ظهرًا، لذلك اعتدل وهو ينفض ثيابه بعجلةٍ قبل أن يمسك كتبه ويرتدي حقيبته ثم توجه نحو بوابة الجامعة.

وقف يطلب سيارة أجرة، ليزفر بقوةٍ كبيرة، فـ يجب عليه أن يحصل على رخصة القيادة خلال اليومين القادمين، كان سيتعلمها مع عنود بعدما تضع مولدها سامر، 

لكن قبل يومين عندما ذهب مع والده كي يزورها ويجلس معها أخبرته أن يسبقها بها.

 التفت بجسده عندما استمع الى صوت ضحكٍ صاخب، ليجد مجموعةٌ من الشبان والفتيات يشكلون حلقةً بينما هناك صوت قطةٌ زقزقة عصفور!.

عقد بين حاجبيه هل يقومون بالتسلية بهم؟، تقدم منهم والفضول يتآكل عقله، ليقف بصدمةٍ كبيرة عندما وجدها ريما داخل الحلقة، بحث عن القطة او حتى عن العصفور، لكنه لم يجد غيرها بينما الدموع تهبط منها.

اسرع الخطى ثم أبعد شخصٌ ما كي ينضم إليها، وقف بجانبها ثم نظر للجميع بتساؤل حقيقي واستنكترٍ لما يفعلونه:
-ما الأمر ولماذا الضحك.

وقبل أن يجيبه أي شخصٍ استمع لصوتٍ غريب يليه صوت بكاء ريما التي تحاول أن تخرج من داخل الحلقة.

اجابه أحد الشبّان ولم يستطع السيطرة على ضحكاته:
-انها تصدر اصواتًا غريبة تجعلك تضحك.

لم يفهم آسر مقصده!، ولم يفهم عن من يتحدث لكن الصوت ظهر واضحًا هذه المرة عندما تحدثت ريما تحاول ان تبعد فتاةً عنها.

رغم أنه لم يفهم ما حدث من حوله لكنه قرر مساعدتها على أيّة حال، اقترب منها يقف حائلًا بينها وبين تلك الفتاة التي نظرت له بتهكم:
-ماذا؟، هل أنت الحارس الخاص بهذه المريضة؟.

مريضة؟! نظر لها بضيقٍ كبير، كيف لها ان تنعت شخصًا بالمريض مهما كان، خاطبها بهدوءٍ ورزانة:
-لا يجوز حديثكِ هذا يا آنسة، ومن فضلكِ ابتعدي عنها.

كلما كان يتحدث كان يسمع الأصوات التي تصدر من ريما ويبدو أنه فهم قليلًا ما يحدث، لهذا يتنمرون عليها ويسخرون.

 أخذ نفسًا عميقًا يوجه حديثه الى باقي الموجودين:
-رغم ما يحدث معها اعلموا أنه شيءٌ من الله، لربما كنتم أنتم من أصبتم به، ولربما أحدًا من عوائلكم، لا أظن أنكم كنتم ستفرحون أن تنمّر عليكم أحدهم كما تفعلون.

 نظر للجميع وهو يرى الننظرات المختلفة منها المستهزئة ومنها النادمة، لكنه أكمل ينهي الحديث:
-واعلموا أن الحياة عجلةٌ تدور، اليوم لك وبالغد عليك.

انهى حديثه ثم امسك بيدها بترددٍ بعدها سار بها مبتعدًا عنهم.


لم يشأ التحدث معها أو السؤال عما يحدث، كانت سيارة الأجرة التي طلبها قد جاءت فنظر لها بهدوءٍ:
-يمكنكِ العودة لمنزلكِ يا آنسة، فقط أخبري السائق عن عنوان منزلك.

نظرت اليه بينما تضغط ض على عينيها تغمضهم وتفتحهم ببعض التشنجات مصدرةً اصواتًا غريبة وقد توقفت عن البكاء:
-لا أريد الذهاب للمنزل، عليّ إحضار الدواء.

كانت تتحدث وبين كل كلمةٍ وأخرى تصدر تلك الأصوات الغريبة، نظر للسائق يخاطبه أن ينتظر قليلًا ريثما يعود او يمكنه الذهاب ان اراد، 

نظر اليها بتفحصٍ لحالها فقامت بمد هاتفها اليه لينظر اليه فوجد بعض الكلام موجودٌ به، أخذ الهاتف ليقرأ اسم دواءٍ ما مما جعله يتنهد بقوةٍ فقد علم ما تريده.

سار بجانبها وقد بدت تعود لطبيعتها لكن ليس تمامًا، نظر نحو الصيدلية الكبيرة ليدلف للداخل  كي يحضر الدواء لها بعدما ظلت تنتظره بالخارج

بعد أن أخذ الدواء خرج إليها فوجدها تجلس على مقعدٍ بجانب الصيدلية، فناولها العلبة لتسرع بإخراج زجاجة المياه ثم ابتلعت الدواء.

ظل آسر واقفًا في مكانه حتى اطمئن على انها اخذت الدواء، كاد أن يبتعد عنها ليستمع الى صوتها و أيقن أن هناك غضةً تجتاحها:
-شكرًا لك.

ابتسم اليها وأ مأ برأسه اليها قبل أن يتحدث ناظرًا أمامه:
-لا شكر على واجب يا آنسة، ان كنتِ ترغبين بالذهاب إلى أي مكان السيارة ما زالت تنتظر.

 لا تعلم كيف تخبره بمرضها، ولا تعلم أيضًا نظرته اتجاهها بعدما استمع الى الأصوات التي صدرت منها، اعتدلت وما زالت التشنجات اللا ارادية تأتيها لكن بصورةٍ مما سبق بفعل تأثير الدواء.

لذلك قررت الرحيل دون الحديث معه، لقد كانت تحرص كل الحرص على عدم معرفة أي شخصٍ بمرضها هذا، رغم انها لا تحضر الى الجامعة الا في أيامٍ تكون المحاضرة ضرورية.

لكن اليوم اكتشفت ان الدواء الخاص بها قد نفذ ومن الضروري أن تأخذه، كان من المفترض أن تجعل ساهر يجلبه اليها لكنه لم يجب على هاتفه، لذلك اضطرت للذهاب بمفردها وشرائه.

حيث منزلها قريبًا من الجامعة والصيدلية الوحدة القريبة منها أيضًا بالقرب من الجامعة، لكن عندما وجدت اصدقاءها بالمدرسة حاولت التهرب منهم لكنهم شكلوا حلقةً حولها وبدأوا بالتنمر عليها.

سارت للأمام تسير في الطريق تحت نظرات آسر المتابعة لها فهي لا تحتاج الى سيارة للوصول إلى منزلها،

تنهد بقوةٍ عندما قطعت الطريق ثم دلفت احدى المنازل بعدها ليصعد السيارة وهو يخبر السائق عنوان منزله بينما أخرج هاتفه يبحث عن ذاك المرض فقد سأل الدكتور الصيدلي عنه عندما أحضر الدواء.

جلست تارا بجانب عنود ثم بدأتا بتصميم العيادة الخاصة بها، رغم اعتراض عنود على ذلك إلا أنها خضعت لطلب تارا التي تحول الى جروٍ لطيف ينظر إليها ببراءة كي تساعدها،

اغمضت عنود عينيها لتنظر اليها تارا بقلق:
-ماذا؟، هل يؤلمك؟!.

نفت عنود برأسها  وهي تبتسم تجيبها واضعةً يدها على معدتها:
-لقد تحرك سامر، لم أشعر بحركته منذ يومان.

ابتسمت تارا قبل أن تجيبها واضعةً خصلاتها خلف اذنها:
-يبدو أنه يستعد للخروج هذا الشقي.

ربتت عنود على بطنها المنتفخ بهدوءٍ متحدثة:
-لقد أتعبني جدًا، أذكر أن وجد لم تعاني من الحمل ما شاء الله لذلك اطمأننت أتذكرين؟.

اومأت لها تارا بتذكرٍ فوجد عندما حملت بملك لم تتعب أو تشعر بالقلق كان حملها طبيعي وهذا ما شجعهم على الحمل.

نظرت عنود الى جهاز الحاسوب وهي تكمل وضع الأثاث في الغرفة الافتراضية التي ستطبقه تارا في عيادتها،


تنهدت تارا براحةٍ كبيرة، فـ لقد هاتفت والدة معاذ الدكتورة ليلى أحدى المهندسات على تعديل المستودع لتخبرها انها تريد تصميمًا خاصًا وان لم تفلح حينها ستقوم هي بتصميمه.

لذلك لجأت الى عنود التي تعرف في أشياءٍ كهذه فقد درست هندسة ديكور.

زفرت عنود براحةٍ كبيرة فلقد انتهت من تنسيق المخطط الافتراضي حسب مزاج تارا التعجيزي، ابتسمت تارا وهي ترى انجاز عنود حيث استغرق الأمر ساعتان.

 كان المستودع تم تقسيمه إلى صالة استقبالٍ مقاعدها على شكل سنٍ مبتسم ولطيف، بينما هناك طاولة استقبالٍ على شكل سنانٍ يحتضنان بعضهم،

داخل الغرفة الأولى والتي عبارة عن العالم البحري بتقنية الابعاد الثلاثية، حيث الاسماك التي تغوص في البحر والأمواج العاتية، بينما مقعد الأسنان الخاص بالطفل عبارة عن دولفين أبيض بأسود، وهناك شاشة منحنية معلقة على الحائط، حتى الأدوات والآلات عبارة عن كائنات بحرية لطيفة،  

أما الغرفة الثانية فهي عبارة عن غابة بحيواناتها اللطيفة وايضًا بتقنية الأبعاد الثلاثية، بينما المقعد عبارة عن دبٍ يحتضن من يجلس عليه وشاشة تلفازٍ منحنية،

 كان التصميم كما تريده تارا بالتحديد كي يستطيع الطفل الجلوس براحةٍ واطمئنان؛ لذلك احتضنت عنود بسعادةٍ كبيرة.

ربتت عنود على ظهرها ثم سألتها ببعض التوجس:
-هل اخبرتِ معاذ تارا، أم ستضعينه أمام الأمر الواقع؟.

نفت تارا برأسها بعدما ابتعدت عنها ثم اجابتها بهدوء:
-لم أخبره بعد، لكن في المقابل لن أضعه أمام الأمر الواقع.

عقدت عنود بين حاجبيها وام تستوعب الأمر لتكمل تارا شارحة قصدها:
-ما أعنيه أنه قال لي قبل مدة ومنذ آخر نقاشٍ بيننا  أنه يمكننا أن نتناقش كل شيء أريده وسيرضيني مهما حدث، لذلك سأفاتحه خلال اليومين هاذان.

تنهدت عنود من صديقتها، وهي تعلم أنها ستندم على فعلها فأكثر من مرةٍ تتعرض للتحرش المبطن من قبل آباء الأطفال، 

بعد مدة  هبطت تارا من الأعلى بعد أن رأت غرفة سامر الرائعة ويبدو أنها ستجعل عنود تصمم غرفة ابنتهم، 

امسكت بيد فراس الذي كان يشاهد شاشة التلفاز على قنوات الكرتون  تريد المغادرة لمنزلها فقد حان موعد عودة معاذ ومشاري من العمل.

ودعت عنود ثم خرجت لتجد الحارسان اللذان خصصهم معاذ لها كي يرافقونها في أي مكانٍ تريده، ولا تعلم لماذا كل هذا، هل لأنهم كادوا أن يفعلا حادثًا المرة السابقة؟، أم أن هناك أمرٌ آخر؟!.

سارت للأمام بينما هم يتبعانها بهدوءٍ حيث تلقوا تعليماتٍ من معاذ بعدم الابتعاد عنها البتة،

صعدت سيارتها في المقعد الخلفي بينما أحدهم تولى القيادة والثاني صعد بجانبه بعدما وضع فراس في المقعد المخصص له.


في منزل ياسر حيث كانت وجد تعد طعام الغداء بينما تدندن ببعض اناشيد الأكفال الى ابنتها ملك التي كانت تنظر اليها بهدوء وعينين مبتسمة.

ثوانٍ وشردت فيما تحدثت به مع ياسر حيث أخبرته بما حدث وهو بدوره اخبرها عن كل حياته السابقة مع سمر، وكم أشفقت عليه و استحقرتها.

كيف لها أن تنكر ما فعله معها، هل هذا جزاؤه أنه جعل سبب العقم منه هو؟، صحيح ان هناك عدة مشاكل تحدث بين الزوجين فليست الحياة الزوجية وردية كلها.

لكن ما قاله لها كان من المفترض أن تقف في وجه عائلتها وتخبرهم بألا يتدخلوا في حياتهم، كان يحب عليها اخبارهم ان سبب الإنجاب ليس منه بل منها.

خرجت من ذلك على احتضان ياسر لها فابتسمت بحبٍ له تقبل وجنته بعدما التفت برأسها، سألته بتعجب:
-متى جئت؟!.

اجابها مقبلًا وجنتها برقةٌ كبيرة ناظرًا لعينيها التي يعشق لونهم البني:
-قبل قليل على صوت دندنتكِ الرائعة، هل تعلمين ان صوتكِ جميل؟، لما لم تسمعيني اياه من قبل؟!.

توردت خجلًا قبل ان تجيبه وهي تنظر اليه حيث قام بحلق لحيته وتخفيف شعره بالأمس:
-أنا لم أكن أعرف أيضًا ولا أظنه جميل.

جلس على المقعد ثم اجلسها على قدميه:
-أخبريني ماذا تعدين؟، انني اشتم رائحة لحمٍ مشوي.

ضحكت بقوةٍ فـ الرائحة ليس لحمًا البتة بل هي عبارة عن بيتزا بالخضار وبعض المعجنات التي ما يطبق عليه "المبصلة"، والمكرونة الايطالية ولم تحضر اللحم بعد، اجابته بعدما توقفت عن الضحك:
-هل تعلم ياسر انك زوجٌ رائع.

نظر إليها بتعجبٍ من حديثها الان فلماذا قال هذا الحديث، علمت تفكيره فهو مهما يحدث يحب الفكاهة والضحك ولا يتوانى عن اضحاكها:
-لأنك أروعُ رجلٍ عرفته في حياتي بعد أبي.

للحظةٍ غيم الحزن عينيها وتشكلت سحابة ليحاول تغير الموضوع فقدعلم تذكرها لحسن ذلك المخنث الذي ان رآه سيفصل رأسه عن جسده:
-أخبريني وجد متى ستذهبين عند بيت والدك؟!.

اجابته متنهدة بقوةٍ تحاول مداراة الغصة التي احتلتها:
-لا أعلم، لقد كنت عند عنود بالأمس واخبرتني انها كانت قبل يومين عند والدي وهو بخير بكن آسر سيبدأ الامتحانات النصفية قريبًا، لا أعلم ربما سأهب بالغد.

اومأ لها بهدوءٍ قبل أن يخاطبها:
-في المساء لن أكون هنا ولا أعلم متى سأعود، سيكون لدينا عملًا مهمًا في المركز.

هزت رأسها وهي تبتسم فزوجها من أكفأ الضباط في المركز، اخبرتها عنود وتارا أنهم يعملون على قضيةٍ خطيرة لذلك جميعهن يدعون لهن بالتوفيق.


وصل مشاري المنزل وعلامات الضيق باديةٌ على وجهه، انه ومنذ سومان يتم ارسال رسائل فارغةٌ الى هاتفة، لكن اليوم جعل معاذ يتطلع عليها والذي فهم على الفور أنها رسائل ذاتية الإخفاء مشفرة بتقنيةٍ ما.

كانت كل الرسائل  عبارة عن جملة واحدة "ما فعلته بالأمس ستحصده بالغد"، حاول التفكير في كل شيء فعله منذ نعومة اظافره وحتى الآن لكن؛ لم يكن هناك شيء خاطئ.

لم يذهب تفكيره سوى أنه أحد الأشخاص القريبة من الذين تم إلقاء القبض عليهم  والذي لا يعرفهم.

حتى أنه حاول معرفة الرقم لكن في كل مرةٍ يكون باسمٍ وهمي ويتم تعطيله.

نظر الى فؤاد الذي يقف بثباتٍ ليسأله هل رأى او لاحظ شيئًا غريبًا هذه الأيام لكن الآخر نفى بقوة،

تنهد مشاري بضيق وحيرةٍ كبيرة وما زال يقف عنده:
-أريد تفريغ كاميرات المراقبة فؤاد، سأبدل ثيابي وأعود.

اومأ له معاذ وهو يتوجه نحو غرفة المراقبة مما جعل مشاري يسير نحو الباب يفتحه، نظر في أرجاء المنزل ينظر الى عنود لكنه لم يجدها.

صعد للأعلى بعقلٍ شاردٍ فمن يمكنه أن يرسل له، لا بد انه جاء الى المنزل بما أنه يعرف رقم منزله، واول شيء عليه فعله هو حماية عنود والحرص على سلامتها.

فتح باب غرفته ليجد وجهها شاحب بينما تنظر للأمام بدون اي تعابير تذكر، اقترب منها بقلقٍ واضح يسألها:ٌ
-عنود ما بكِ هل حدث شيءٌ ما؟.
 
نظرت اليه محاولة رسم ابتسامةٍ لكنها ظهرت باهتة بينما تجيبه:
-لا شيء فقط أشعر ببعض التقلصات.

لم يقتنع بما تقول وهو يقسم انه حدث شيءٌ ما معها، فعندما تكون متعبة لا يكون وجهها مخطوف لونه هكذا مثل الأموات وكأنها تلقت خبرًا صادمًا.

دنت منه نظرةً الى هاتفها الموجود بجانبها ليخطفه بحركةٍ سريعة يفتحه مما جعل قلبها يقع بين قدميها.
  

جلس جاك في ردهة الفندق بعقلٍ شارد وما زالت تلك الفتاة تسيطر على تفكيره، لقد بحث عنها طويلًا ولم يجد لها أثرًا وكأنها حبة ملحٌ وذابت وسط البحر.

كانت لطيفةً وملامحها أقرب للطفولة الناضجة، وما أسره أكثر هو صوتها الناعم عندما هبطت تخاطب الرجل الذي كان معها أن يتوقف ويصعد السيارة كي يغادرا.

فمنذ اسبوعٍ عندما كان يسير في شوارع القاهرة الجميلة بسيارته كادت ان تصطدم به سيارة، 

كان يريد أن يهبط عندما بدأ سائقه يتشاجر مع سائق السيارة الأخرى لكن عندما لمح الفتاة هدأت اوصاله، ولم يعرف شيئًا عنها سوى اسمها تارا!.

أخرجه من ذكرياته صوت عباس الذي جاء قبل قليل يجلس معه فقد قام منذر قبل يومان باختراق جهاز فهد وحصل على بعض الأوراق التي تخص جاك،

نظر اليه جاك بانتباهٍ عندما خاطبه عباس بجديةٍ كبيرة:
-سيد جاك الشحنة ستصل اليوم في المساء بتمام الساعة الواحدة ليلًا عن طريق شاحنة أدوات لصيانة وتصليح السيارات.

رفع جاك حاجبه بتنميقٍ واستنكار فهذه طريقةٌ قديمة في إيصالها، لكن عباس الجن فهم نظرته لذلك أكمل بذات الهدوء:
-لا تقلق ان منذر بارعٌ في ذلك لا تقلق سيد جاك لم يتم امساكه حتى الآن، وإن تم امساك به سيتحملها هو لا تقلق.

اومأ جاك برأسه بتفهمٍ لكنه ما زال قلقًا حيال ذلك، ان مرت هذه الشحنة على خير يستطيع الاكمال على ذات الوتيرة.

نظر اليه يريد أن يسأله إن كان يستطيع إيجاد تلك الفتاة أم لا:
-عباس هل ان وصفت لك فتاةً يمكنك أن تبحث عنها؟.

تجعد جبين عباس من طلب جاك الغريب لكنه أجابه بزوايا فم منحنية:
-لا أعلم، لكن دعنا نجرب.

أخرج جاك هاتفه من جيبه ثم فتح ألبوم الصور على صورةٍ ما بعدها أعطاه الى عباس، فقد طلب من أحد الرسامين رسمها بعدما وصفها له،

نظر عباس الى الصورة بتفحصٍ وسرعان ما  فتح عينيه على مصراعيها بعدم تصديق ليعيد انظاره الى جاك متحدثًا بصدمة:
-انها الطبيبة تارا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي