الفصل الثاني عشر

جلست على الفراش تحاوط ساقيها بذراعيها تحدق بالفراغ دون حديث وكلمات الطبيب تردد على أذنيها بلارحمه
_سرطان رحم

ظلت تلك الكلمات تتردد على مسامعها بلا شفقة، لم تسقط دمعه واحده منها وكأن العبرات تحجرت في مقلتيها تأبي السقوط..

أغلقت السيده ثريا باب الغرفه وتحركت تسير بخطوات بطيئة تمسح على وجهها المجعد الواضح عليه آثار البكاء..

جلست بجانبها على الفراش تربط على كتفها بصمت دون أن تتحدث، حركت دفق رأسها تنظر نحوها قائله بنبره خافته:
_لماذا يحدث معي أنا فقط كل تلك المصائب؟

أبتلعت جدتها ريقها بصعوبه بالغه وظلت صامته لا تعرف ماذا عليها أن تقول..

كادت دفق أن تتحدث مره أخري لكن دلوف دعاء إلي الغرفه وهي تهتف بنزق:
_أريد ترك العمل حقاً

قالت تلك الكلمات وقد راحت توزع نظراتها بينهم، شعرت أن هناك شئ لذلك قالت بتعجب:
_لماذا تجلسون هكذا؟، هل حدث شئ ما؟

نظرت دفق إلي جدتها نظرات محذره مما جعل الأخيره تشيح بنظراتها بعيداً قائله بنبره مقتضبة:
_لا، جالسين فقط هكذا

مطت دعاء شفتيها وهي تلقي حقيبتها على الأريكة قائله بسخرية مازحه:
_هل حدث شئ جديد بأمر زواج دفق ويونس؟

أبتلعت دفق غصتها المريره ونكست رأسها أرضاً ولم تعلق، بينما أجابتها السيده ثريا قائله بضيق:
_اذهبي إلي المطبخ، قومي بمساعده أمك

حكت دعاء أسفل ذقنها ثم مطت شفتيها وتحركت تخرج من الغرفه تاركه جدتها تزفر طويلاً ثم نظرت إلي حفيدتها قائله بنبرة حزينه:
_لماذا لا ترغبين أن تعلم باقي العائله بما قاله الطبيب يا ابنتي؟

نظرت دفق إلي جدتها نظرات بائسه ووضعت كفها على خاتم خطبتها الذي يزين بنصرها وراحت تخبر جدتها بنبره جامده:
_إلي هنا ويجب عليا ترك يونس يا جدتي، لا أستطيع أن أتزوج به بعد كل ما حدث

ربطت السيده ثريا على كتفها وقد انسابت عبره حاره تلهب وجهها المجعد، حركت شفتيها تتحدث بنبرة حانيه:
_لا داعي للتفكير في ذلك الآن، نحن سوف نذهب للعديد من الأطباء بالتأكيد هناك أمل

ظهرت معالم السخريه المريره على وجهها وراحت تردد بوجوم:
_بالطبع هناك لكن ما سوف يحدث يا جدتي هو أنني سوف أفقد أخر أمل لدي في الحياه، سوف أفقد فرصتي في الأنجاب..

قالت تلك الكلمات وهي تشعر أن أحشائها تحترق حزناً، جذبتها السيده ثريا إليها تحاوط إياها بذراعها وقد راحت العبرات الحاره تنساب على وجهها المجعد حزناً على تلك الفتاه التي تواجه كل تلك الصعوبات..

ضغطت دفق بكفها على ظهر جدتها وظلت صامته صمت مريره وقد أصبحت رغبتها الوحيده هو أن تفارق الحياه..

مر يوم تلو الآخر حتي مر أسبوع على معرفتهم، كان يونس يجلس يومياً عقب صلاة قيام الليل يرفع كفيه ويدعي الله أن يرزقها الشفاء بلا ملل وبلا توقف، كان لسانه لا يتوقف لحظه عن الدعاء لها..

تجاهل الحزن الذي يشعر به وتجاهل حديث الأطباء وظل مع الله يدعي لها وكان لديه يقين أن الله سوف يستجيب له..

كان جالساً على سجادة الصلاه يرفع كفيه للأعلي ولسانه لا يتوقف عن الدعاء والدموع تلمع في مقلتيه..

عدة طرقات على باب الغرفه لم يهتم هو لها، لحظات حتي دلفت والدته إلي الغرفه ترتدي ثوب الصلاه خاصتها..

التوي ثغرها بابتسامه طفيفه حين رأته بتلك الحاله ظلت واقفه ترمقه بنظراتها ثم تحركت تخرج من الغرفه بصمت مغلقه الباب خلفها وهي تردد إلي حالها:
_رزقك الله ما تتمني يا يونس

قالت تلك الكلمات وقد تعلقت عينيها بساعه الحائط، أومأت برأسها وقالت بهدوء:
_متبقي ساعه فقط على الصلاة

بداخل المدرسه صباحاً وقفت دعاء تضحك مع صديقتها بمرح..

تقدمت منها تلك الصغيره تنظر لها قائله بنبره هادئه:
_المديره تنتظرك في مكتبها

ضيقت دعاء ما بين عينيها متعجبه قليلا لكنها أومأت برأسها وتحركت بخطوات هادئه نحو غرفة مكتب المديره..

أخذت عدة ثواني ثم طرقت عدة طرقات على الباب حين وصلها صوت السيده ماجده تهدر بنبره هادئه:
_تفضلي

أدارت دعاء مقبض الباب ودلفت إلي الداخل وهي تقول بنبره متعجبه:
_نعم؟!

أشارت لها السيده ماجده إلي أحد المقاعد قائله بنبرة خافته:
_تفضلي دعاء، أريد الحديث معك

أومأت دعاء برأسها بصمت وتحركت تجلس ترمق إياها بترقب، شبكت السيده ماجده كفيها في بعضهم ثم تحدثت قائله بنبرة جاده:
_أنتِ طبعاً على معرفه بعائلتنا..

تعجبت دعاء من طريقتها في الحديث لكنها أومأت برأسها وقد شعرت بالتوجس، تنفست السيده ماجده بعمق ثم راحت تكمل حديثها بنبره متزنه:
_أنا علمت أنه ليس هناك أحد في حياتك..

أبتلعت دعاء ريقها بصعوبه وهي تنظر لها بتوتر شديد تتنظر أن تتابع كلماتها وهذا ما حدث بالفعل حيث تابعت حديثها قائله بنبره ثابته:
_هل لديك مانع أن يتقدم ابني زاهر لخطبتك مره أخري؟

شعرت دعاء أن الهواء قد أنسحب من المكان وقد راحت تسعل عدة مرات وهي تنظر لها بوجه قد غز إياه الأحمرار..

مدت السيده ماجده لها كوب الماء مما جعل الأخري تأخذه منها وتجرعت الكوب بأكمله..

صدح رنين الجرس عالياً مما جعل دعاء تنهض سريعاً قائله بتوتر بالغ:
_أنا يجب أن أذهب الآن، الأولاد ينتظرون

قالت تلك الكلمات ثم أستدارت تخرج سريعاً من الغرفه دون أن تستمع الي حديث آخر من تلك الجالسه..

وقفت أمام الباب تحاول التقاط أنفاسها بصعوبه بالغه تدور بنظراتها في المكان وهي تردد إلي حالها بصوت خافت للغايه:
_زاهر!

تحركت بخطوات متعثره تجلس على الدرج وهي تضع كفها على وجهها تمسح عليه وقد شردت بعقلها بعيداً..

_لن أتزوج بذلك السمين يا جدتي، هل تريدين جعلي أضحوكه بين أصدقائي؟

خرجت تلك الكلمات من دعاء التي كانت تقف في المنتصف أمام والديها وجدتها..

تحدث السيد عبدالوهاب بنبره حاده:
_لا تتذمري يا فتاه، الرجل سوف يأتي بعد قليل، أجلسي معه قليلاً فقط

ضربت دعاء بقدميها في الأرضيه وقد أنكمشت ملامحها وهي تهدر بتصميم غاضبه:
_لن أتزوج بذلك السمين يا أبي، هذا حديثي الأخير


مسحت تلك الدمعه التي أنسابت على وجهها عند تذكرها ما قالته تشعر بالذنب..

_لماذا تجلسين هكذا يا دعاء؟

خرجت تلك الكلمات من زميلتها في العمل، حركت دعاء رأسها بلا معني قائله بنبرة متحشرجه:
_جالسه هكذا

ضيقت تلك الواقفه ما بين عينيها قائله باهتمام:
_بماذا كانت تريدك السيده ماجده؟

نهضت دعاء من مكانها قائله بنبره ثابته:
_كانت تتحدثي معي عن العمل وعن الطلاب فقط

قالت تلك الكلمات ثم تحركت تهبط درجات الدرج وهي تقول بنبره مقتضبة:
_الي اللقاء

أومأت الأخري برأسها وهي تمط شفتيها بحيره..

جلست دفق على ذلك المقعد المتواجد في أحد الأماكن العامه تتابع جدتها وهي جالسه على أحد المقاعد بجانب يونس تتحدث معه..

عدة دقائق، ووجدت يونس يتحرك نحوها، تحركت هي تجلس في نهاية المقعد، أخذ هو نفس عميق ثم جلس على بعد مسافه لا بأس بها منها..

رن الصمت للحظات حتي قطعه يونس قائلاً بضيق:
_أخبرتني جدتك أنك لا ترغبين في الذهاب إلي الطبيب

حركت هي كتفيها للأعلي والأسفل ولم تعلق في حين نظر هو لها قائلاً بهدوء:
_لماذا ترفضين الذهاب؟

أبتلعت هي ريقها ونظرت له قائله بوجوم:
_أذا ذهبت إلي الطبيب وإذا وافقت على العميله بتلك الطريق سوف أكون قد خسرت أخر أمل أملكه.

ظهر التعاطف في مقلتي يونس وذلك لم يعجب تلك الجالسه بجانبه حيث حدقت بتلك الشجره المتواجدة على مقربة منهم قائله بنبرة جافه:
_لا أريد تعاطف أو شفقه من أحد

عقد يونس حاجبيه يرمقها بنظراته وهدر قائلاً باستنكار:
_أين التعاطف والشفقه في الموضوع؟، أنا حزين من أجلك

رمقته هي بنظرات جامده قائله بفتور:
_لا تحزن

زفر هو شهيق أتبعه بزفير قائلاً بنبره ساخره:
_لا تحزن!، هل الأمر بتلك السهولة؟

رفعت هي كتفيها للأعلي والأسفل قائله بنبره جافه:
_الحزن غير مفيد، هل سوف يعود الزمن؟، أنا مريضه وعلى حافة فقدان فرصتي في الأنجاب هذا الواقع..

توقفت عن متابعة كلماتها ثم رمقته بنظراتها قائله بنبره جامده:
_توقف يونس عن الوقوف بجانبي، أنت ليس لديك ذنب أن تكمل حياتك مع واحده أنتهت حياتها

عقد يونس حاجبيه بشده وتحدث قائلاً بنبرة حازمه:
_توقفي عن قول ذلك الحديث، لن أتركك دفق

حركت هي رأسها يميناً ويساراً قائله بتصميم:
_يونس، أنا أقدر لك جميع ما فعلته معي لكن لن يحدث مهما حاولت أنا لن أستطيع حتي أن أعطيك طفل هذا إلي جانب الموضوع الآخر أيضاً

تحشرجت نبرتها في آخر جمله نطقت بها وكادت أن تفقد السيطرة على نفسها وتبكي لكنها تحكمت في حالها بأعجوبة..

أنكمشت ملامح يونس وتحدث قائلاً بنبره جامده:
_من قال لك أن موضوع الأطفال مهم بالنسبة لي؟، دفق أنا أريد أن أتزوجك واتخذت هذا القرار ذلك منذ زمن

أغمضت دفق جفونها ثم عادت تفتحهم ونظرت له قائله بنبره فاتمه:
_لكنه مهم بالنسبة لي، أنا أريد أن يكون لدي طفل مثل جميع الفتيات لكن..

عضت على شفتيها وهي تبعد نظراتها بعيداً عنه قائله بنبره خافته مختنقه:
_لكن يريد الله أن يغفر لي لذلك يحدث معي هكذا

عادت تنظر له قائله بنبره هادئه أكثر:
_حقاً أنا راضيه بما يحدث لي

تمني هو كثيراً في تلك اللحظة أن يربط على كفها لكن هيهات، أخذ نفس عميق ثم تحدث قائلاً بحزم:
_دفق، سوف نذهب للعديد من الأطباء وسوف نتجاوز تلك الفترة معاً، لا تحاولي لن أتركك سوف أظل بجانبك إلي نهاية حياتي

حدقته هي بمقلتيها الذي يلمع بهم الحزن وحركت شفتيها ترغب في الحديث لكن تحدث هو قائلاً بنبره قاتمه:
_لا أريد سماع المزيد، أنا أتخذت القرار، المطلوب منك في تلك الفترة فقط أن تكوني قويه وأن يكون لديك ثقه أن الله قادر على كل شيء..

توقف عن متابعة كلماته للحظات يتأمل إياها بنظراته ثم تابع قائلاً بصوته الأجش:
_قد تحدث معجزه من يعلم دفق!، كل ما علينا فعله هو الدعاء

أومأت هي برأسها بصمت وقد ظهر عليها التأثر من تلك الكلمات التي نطق بها..

وجدت جدتها تنهض من مكانها وقد تقدمت منهم قائله بترقب:
_هل أنتهي حديثكم يا زوج العصافير؟

نكست دفق رأسها أرضاً وتحدثت بنبره خافته للغايه:
_ يمكننا الذهاب يا جدتي

التوي ثغر يونس بابتسامة باهته ونظر بطرف عينيه الي تلك الجالسه بجانبه قائلاً بصوت رخيم:
_لقد أقتنعت يا جدتي

رفعت دفق رأسها وألقت نظره حائره عليه ثم حركت نظراتها نحو جدتها وقد نهضت من مكانها تسحب جدتها من ذراعها بلطف قائله بخفوت:
_هيا يا جدتي

نهض يونس من مكانه يعدل من وضع سترته قائلاً بنبره ثابته:
_هيا

ابتسمت له السيده ثريا برضا وتحركت مع حفيدتها تستند عليها بينما كان يونس يسير بجانبهم، نظرت الجده نحوه قائله بنبرة دافئه:
_أنت حقاً كنت أختيار جيد

التوي ثغر يونس بابتسامة جانبيه وقد تفهم مقصدها، وعلي الرغم من الحزن الذي يحتل قلبه من أجل تلك التي تسير بجانب جدتها صامته..

ضغطت دفق على حزام حقيبتها وبداخلها الكثير من المشاعر المتداخله، حزن، قهر، ألم والكثير والكثير من المشاعر ولكن كنت تشعر بالأمان والطمأنينة أيضاً..

رفعت رأسها تلقي نظره على ذلك الذي كان يخرج مفتاح سيارته من جيب سترته، عادت تنظر أمامها وقد تكون على ثغرها إبتسامه باهته..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي