الفصل الرابع عشر

داخل منزل على اطراف الغابة بعيدا عن باقي المنازل، استيقظ آدم على صوت المنبه بصعوبة وهو يبحث عنه كي يطفئه وعيناه مازالت مغلقة حتى وجده أخيرا، تذكر ان اليوم يوم جلسة العلاج الكيماوي الخاصة بـ ادوارد وهو يحتاجه الى جواره.

لم يكن هناك وقت للاستحمام لهذا غسل وجهه واسنانه، ارتدى ملابسه بسرعة وهو يتجه الى الخارج عندما لمحته والدته لتبتسم له وهي تمد له يديها بصندوق الطعام تقول بمحبة:
-حسنا اعلم انك مستعجل للرحيل لهذا قمت بإعداد صندوق الغداء حتى تفطر قبل رحيلك.


لم يعترض ادم وهو يبتسم لها ثم احتضنها برفق ينظر لها كانت والدته سكينهة بعض الشيء لكنها كانت خفيفة الحركة،حنونة تهتم بكل تفاصيلهم، ربت على كتفيها بحب شديد ثم انطلق للخارج يأخذ دراجته عندما لاحظ شاحنة والده الزرقاء الضخمة وقد قام بركنها أمام المنزل.

تردد قليلا هل يعود لكي يلقي التحية على والده، ام يكمل طريقه، يعلم ان والده سبتذمر قليلا بسبب ايقاظه، وبعدها سيبدأ بتوبيخه بطريقة محزنة وينتهي الامر بنقد كل شيء يفعله واي شيء لهذا تراجع عن الفكرة، يجب ان يكون باله رائق من اجل صديقه ادوارد.

عاود النظر الى الشاحنة الزرقاء، يعلم ان والده دائما ما يضعها في موقف المدينة ولكن عندما يكون مجهدا يضعها هنا للصباح، ابتسم يشفق على حال والده قبل ان ينطلق بدراجته الى منزل ادوارد.

كان إدوارد قد انتهى بالفعل من ارتداء ملابسه، وجلس ينتظر ادم الذي سرعان ما أتى، قابله بابتسامة واسعة يتطلع الى ملابس ادوارد بتعجب شديد حيث كان يرتدي حلة كاملة بلون بني كاكي يلفت نظر من ينظر اليها، وربطة عنق على شكل فراشة تبدو انه لم يرتديها منذ سنوات وهم يتجهون للخارج حيث موقف الحافلات.

جلسوا في اخر مقعد من الحافلة وقد اخرج ادم صندوق غدائه يتناول الطعام بهدوء بعد ان اخبره ادوارد انه قد تناوله بالفعل، وبعد فترة من الصمت قرر ادوارد ان يكمل اسطورة ميرمين لادم.

حمحم ادوارد ينظف حلقه قبل ان يقول ببعض السكينة:
-كانت ميرمين منذ نعومة أظافرها محبوبة لدى الجميع وقد عوضها الله عن كل شيء خسرته اصبح لديها عائلة واخ، وكان تأثير ولادتها معجزة غيرت مفاهيم الجميع.

أصبح نبراس يمتلك قلب حنون بعض الشيء واستطاع ان يسامح البشر وينسى قسوتهم، يبدو انهم كل ما كانوا يريده هو علاقة يعلق عليها كل ما يضايقه ويعكر صفو حياته، ولكن لم تكن هذه مشكلته هو على اي حال بل كانت مشكلة السيرين بالكامل لديهم غريزة بالانتقام.

حتى انه اعتاد الصعود على جزيرة البشر يقضي معهم بعض الوقت ولكنه لم يتمكن من عرض اهتمامه الخاص بميرمين حتى لا يضع احدهم عينا عليها.

من ناحية اخرى المجنحين ايضا يراقبون ميرمين من بعيد، مازالت النبؤة امام اعينهم لا يمكن ان يمحوها بسهولة، ان ولادة الطفلة لها شأن عظيم في مستقبل العالم امر جليل بالفعل.

كان المجنحين على أهبة الاستعداد لقتلها متى حان الوقت لذلك، وحتى الحوريين اعجبتهم الفتاة لا شك في الامر وكان الجميع محق في ان يراقب هذه الصغيرة.

تخيل فتاة لم تتعدى من العمر الخمس سنوات حنونة القلب رحيمة تساعد الجميع وتبتسم في وجه الكل، كما انها كانت مرحة طفولية تلعب مع الاطفال الاصغر منها معظم الوقت، والاهم انها كانت صيادة ماهرة للغاية

منذ نعومة اظافرها لم تكن تخشى او تهاب شيئا شجاعة مقدامة، تعشق المغامرة وتحب اكتشاف الأشياء جميعها، لكنني لن انكر ايضا كان هناك الكثير ممن يخاف مما سيحدث منها، لم ينسى احد للحظة انها كانت اسيرة الساحر لفترة ليست بقصيرة من الزمن.

وبالطبع كان من ضمن من يراقبها ميرلين الذي أصبح هيكل عظمي رغم ان روحه ظلت حبيسة عظامه وكأنها لعنته ان يكون ميت على قيد الحياة.

هنا قاطعه ادم وهو يقول بتساؤل:
-ولكن هذا لا يشرح كيف تحولت ميرمين من هذا الكائن اللطيف الى اخر اقرب للوحوش.

ابتلع ادوارد ريقه بصعوبة وهو يسأله بجدية:
-هل تعرف ما هي اسطورة ميدوسا؟

اومأ ادم برأسه انه لديه فكرة وهو يقول:
-انها في أساطير الاغريق القديمة، أن "ميدوسا" كانت فتاة جميلة "تخدم في معبد الآلهة بأثينا، وقامت آلهة الحكمة والقوة والحرب، الحامية المدينة، بتحويلها الى قبيحة مشيطنة، منبتة في رأسها أفاعي وثعابين بدل خصلات شعرها الطبيعي حين كانت فاتنة" لممارستها الجنس مع من أغواها داخل المعبد، وهو "بوسيدون" اله البحار.

أومأ ادوارد يوافقه الرأي هو الاخر قبل ان يقول في شرح وجيز:
-رغم ان الامر تم التلاعب به وليس هذا ما حدث كما نتوقع ولكن صدقني بني هذه الفتاة تعرضت لأصعب من هذا بكثير.

عض ادم باطن فمه في تفكير عميق وهو يتساءل باهتمام:
-لا اظن انهم قد خانوها سيدي ولكن اظن ان البيضة التي وضعها ميرلين في معدتها هي من فعلت.

ابتسم ادوارد على ذكاء ادم قبل ان يكمل حديثه:
-وبالطبع مرت السنوات حتى أصبحت ميرمين في الرابعة عشر من عمرها فتاة يافعة ناضجة ببشرية حنطية وعينين زيتونتين على عكس جميع السكان من الاصول الافريقية.

ولكنها كانت محببة للكل بشعرها المجعد والتي تأبى ان تصففه وهي تفرده على كتفيها حتى يكون مثل كرة حول رأسها وشفاه محددة وانف حاد.

وعلى الشاطئ كان ماندو يجلس بانتباه شديد يحدق في المياة دون ان يلاحظ شقيقته التي سارت خلفه بخطوات مثل القطة لا يسمع لها صوت وما ان صارت خلفه تماما حتى صرخت به

فزع ماندو وهو يثب في مكانه ليفقد اتزانه قبل ان يقع في المياه بينما ميرمين تضحك بقوة حتى انها احنت ظهرها وهي تمسك بطنها بينما صوتها يجلجل في المكان

رفع ماندو رأسه ينظر لها بغيظ وهو يقول لها بوعيد:
-سأخبر أبي انك اضعت كل السمك.

زمت شفتيها بضيق وهي تنظر له باستنكار ياله من واشي جلست على حافة الصخرة وهي تضع قدمها في مياه البحر التي تدعب قدميها قبل ان تقول:
-حسنا سأساعدك في صيد غيرهم ولكن اصعد من المياه اولا

استجاب لها بسرعة وهو يخرج من البحر اخر مرة قامت بما تفعله كاد ان يفترسه احد القروش ثم جلس الى جوارها عندما اخذت نفس عميق ثم نظرت حولها تتأكد ان لا احد يراهم

وحينها فقط بدأت تغني كان صوتها حنون مثل نغمات قيثارة يأسر قلبك وحزين كأنه يناجي روحك يوصل كلمات اختنقت في حلقنا اتجاه من غادر وتركنا خلفه.

كانت دائما تخبر أخاها انها تشعر توصل رسالة وداع لشخص لا تعلم من هو ولكنها في كل مرة ما ان تبدأ بالغناء حتى تنساب دموعها دون ان تشعر.

ولكن الاهم من ذلك انه بدون ان تعلم لماذا ما ان تبدأ في الغناء حتى تقترب الاسماك من الشاطئ تستمع لها، في بداية الامر كانت فقط بعض الاسماك القريبة ثم تطور الامر حتى صارت كل الكائنات البحرية.

واخر مرة استطاعت ان تنادي القروش ولكن كان نهاية الامر مزري حيث انه هاجم شقيقها ماندو وكاد ان يلتهمه.

وبالفعل بدأت الاسماك في التوافد حتى امتلأت الشبكة وشعر ماندو حينها بالرضا ينظر الى الصيد بسعادة غامرة وهو يقول:
-يمكنك التوقف الان ميرمين حتى لا تأتي القروش مرة اخرى.

ولكن ميرمين نظرت له بقلة حيلة وكأنها تخبره ان الامر ليس بيدها ولم يعد باستطاعتها التحكم في صوتها،هل يظن انها تهوى ان تكون مختلفة، لا فكرة لديه كم انها جلست ليلها تبكي تحاول ان تعرف ما خطبها لما لا تكون مثل الباقي ويستريح قلبها.

تعلم ان الجميع يحبها ولكنها ايضا تعلم ان البعض يخاف منها، تراهم في السوق يخفون اطفالخا عنها وهم يتأملونها بعيون خائفة كأنهم ينتظرون وقع كارثة ما،لكنها كانت دائما ما تكتفي بابتسامة مرتبكة.

صدح صوتها بالغناء بصوت عذب مريح لمن يراه يجعلك تشعر انك تطير في السماء وكأنك اصبحت في كون موازي خاص بك، تداعبك معه الاحلام وترنو روحك للمزيد منه.

وبالفعل صدق حدس ماندو حيث ظهرت امامه مجموعة من القروش، نظر حوله ليرى ان هناك بعض الصيادين الذين امتلأت شباكهم ايضا بالسمك، ينظرون اتجاههم وعيونهم مليئة بالاتهام والتساؤل.

فلم يجد بد سوى ان يصرخ بها والا ستلفت انتباه القرية لا محالة،على الاقل الصيادين سيكونون سعداء ولكنه لن يضمن الباقيين، وقد اخبره والده ونبه عليه كثيرا انه لا يجب لفت انتباه احد الى ميرمين.

ولكن سبق السيف العزل امامهم ظهر حوت عملاق صعد لأعالي السماء قبل ان يلقي نفسه في المياه مرة اخرى مثيرا موجة الية ولفت انتباه كل من بالقرية.

ولكن هي انتبهت الى شيء واحد فقط هناك حوري فوق ظهر الحوت وقع من فوقه الى المياه.

لا تعلم لما شعرت بالقلق عليه رغم انه بالاصل حوري ولكنها ألقت نفسها في المياة تريد ان تنقذه رغم القروش التي تجمعت اسفلها وجميع الكائنات البحرية.

وبينما هي تسبح باتجاهه لم تلاحظ الحوت الذي فتح فمه والتهمها هي والحوري.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي