الفصل الأول
في يوم مشمس دافئ بلا غيوم كان يجلس جلالة الملك بالغرفة الشمسية، سميت بذلك الإسم لسقفها الزجاجي الذي يسمح بمرور أشعة الشمس المرور بها، وتضيء بذلك الغرفة الكبيرة المليئة بالنباتات النادرة والأزهار، كان الملك هنري ممسكاً ببعض المستندات الخاصة بمملكته وأمامه كوب من القهوة يتابع ما يحدث بملكته من خلال قراءته لتلك الأوراق التي يتم تدوين بها كل الأمور التي تحدث الصغيرة قبل الكبيرة.
أثناء قراءته وجد تفاصيل خاصة بالأمير الثاني، صدمه ذلك فلم يعتقد أن أحد أبنائه قد يخطأ هكذا، وأول ما خطر بذهنه حينها هو إبنه وولى عرشه كي يشوره، نادى أحد الفرسان المسؤولين عن حراسته بأعلى صوت، استجاب له سريعاً وأتى إليه مهرولاً، وما إن وقف أمامه حتى ألقي عليه التحية منتظراً الأوامر التي سيلقيها عليه
قال له الملك آمراً ووجهه كان شديد الاحمرار من شدة غضبه:
-إذهب للأمير أليكسندر ولتخبره أن يحضر فوراً وأن يأتي إلى القاعة الملكية
انحني الفارس قائلاً:
-كما تأمر جلالة الملك
غادر القاعة بظهره ورأسه منخفضة حتى وصل إلى الباب وخرج.
تنهد الملك محاولاً أن يتحكم بغضبه كي لا يأمر بسجن إبنه الأصغر.
توجه الفارس مسرعاً إلى المكتبة الملكية، حيث يوجد ولي العهد فجميع من بالقصر يعرف ان الأمير أليكسندر يقضي معظم أوقات فراغه بها وخاصة في وقت مبكر من اليوم، وما إن وصل أمام المكتبة حتى قال للفارس المتعهد بحماية الأمير ولي العهد:
-أريد مقابلة ولي العهد مارك
رد عليه مارك بغضب مصطنع:
-أتجرأ على قول إسمي مجرد بدون أي لقب، أجننت أم ماذا؟ هل نسيت أنني أعلي منك مرتبة!
قاطعه الفارس جون مسرعاً:
-لا وقت لدي لمزاحك الآن، فلقد أرسلني جلالة الملك بأمر هام، وقد يقطع رأسي إذا تأخرت وذلك لشدة غضبه.
وما إن سمع مارك ذلك حتى أخبره أن ينتظر، ودخل بعد ذلك إلى المكتبة، كي يخبر الأمير وما إن شاهده واقفاً بجوار إحدى الأرفف المخصصة بمخططات الحروب حتى ذهب إليه كي يخبره بوجود فارس بالخارج يطلب رؤيته بأمر من الملك.
رد عليه أليكسندر دون النظر إليه وهو يمسك كتاب ذهبي اللون أثناء توجهه إلى المكتب كي يجلس بكل هيبة العائلة الملكية ذات النبل الصافي وما ان وضع الكتاب أمامه وقام بفتحه حتى قال:
-أدخله
ما إن سمعه الفارس حتى هرول إلى الخارج منادياً على الفارس، دخل الفارس جون بعدها مسرعاً وحي الأمير أولاً ثم أردف قائلاً:
-جلالة الملك ينتظر سموك الآن بالقاعة الملكية
وما إن قال ذلك حتى أمره الأمير بالمغادرة، وقف أليكسندر بعد مغادرة الفارس متوجها إلى والده وهو يتساءل عن ما فعله إيفان من كارثة أغضبت والدهم في الصباح الباكر وأثناء توجهه إلى والده قابل أخته الحبيبة إليزابيث، كانت ترتظي إحدى الملابس المخصصة لركوب الخيل وشعرها الأشقر الطويل ترفعه على هيئة ذيل حصان، نظر إليها بحب فبرغم إنها بالثامنة عشر من العمر و تصغره فقط بثمان سنوات فمازال يراها طفلة، إنها طفلته المدللة، وما إن أصبحت قريبة منه حتى إبتسم لها قائلاً:
-صباح الخير أميرتي
ردت عليه وعيناها الخضراء تبتسم له قائلة:
-صباح الخير أميري الوسيم لقد إشتقت لك كثيراً
اقترب منها يعانقها وهو يقول:
-لقد اشتقت لكِ أيضاً ولولا أن جلالة الملك يريدني أن أذهب إليه لأمر هام لكنت ذهبت معك كي نتجول بالخيول معاً.
فور سماع ما قاله حتى قطبت حاجبيها الرقيقتين التي تعلى عيون واسعة في وجه خارق الجمال حتى قالت:
-ما الذي فعله إيفان مجدداً؟
قهقه أليكسندر بصوت عالي فيبدو أن أخته الصغيرة تعرف أيضاً، بأن لا يوجد شيء في العالم يجرؤ على أن يعكر مزاج الملك في الصباح سوى ابنه المدلل الأمير إيفان.
لكنه قال لها بابتسامة رقيقة يوجهها لها فقط فهي ليست أخته الصغيرة بل طفلته التي كبرت على يديه وضع يده على رأسها مردفاً:
-لا تشغلي بالك بأمور قد تعكر لك يومك، وبالذات في هذا الصباح الجميل، لذلك استمتعي بيومك عزيزتي وهيا إذهبي إلى حصانك الجميل برق.
ما إن أنهى جملته حتى غمز لها بعينيه الزرقاء لترفع حاجبيها بمرح قائلة بغضب مصطنع:
-دع شعري و شأنه أخي حتى لا تفسده.
اقتربت منه كي تقبله قبلة رقيقة على وجنته، ركضت بعدها والإبتسامة تعلو شفتيها تمازحه، فهي قد فهمت أن أخيها لا يريدها أن تتدخل بأمور الرجال فهو مهما كان يحبها إلا انه متعصب بقوانين الدولة، حيث لا يجب على النساء التدخل بأمورهم وخاصة بأمور العمل، توقفت فور سماع صوته آمراً لها بلطف، بأن تتوقف.
إلتفتت إليه منتظرة سماع ما يريد قوله لها:
-عزيزتي إليزابيث الأميرات لا تركض.
أومأت له برأسها موافقة ومشت ببطئ متوجه إلى الإسطبل فهو الوقت الوحيد الذي تشعر فيه بأنها حرة من كل القيود التي تكبلها وتخنقها، عندما تقوم بالركوب على ظهر حصانها برق وتركض به دون أن يقول لها شخص ما بأن هذا ممنوع، ما إن وصلت حتى أخرج لها السايس برق وقام بتجهيزه، لتركب على ظهره العريض ما إن أصبح جاهز، إنطلقت به بسرعة كبيرة كأنها تسابق الريح! كم تتمنى بأنها لم تولد أميرة أو حتى نبيلة من النبلاء.
وصل أليكسندر وطلب من الفارس إخبار الملك بوصوله، توجه الفارس إلى جلالة الملك يخبره بوصول الأمير قال له الملك بصوت عالي:
أدخله فوراً
دخل أليكسندر بكل هيبة، حيث له حضور قوي يميزه عن الجميع لذلك يهابه الجميع، وفي حضوره من قوة شخصيتة لا يستطيعوا التنفس، إلا عندما يغادر، كان يمتاز أيضاً ببنية قوية يبدو للآخرين كالعملاق لكن مع ذلك كان جسده متناسق بشعر أسود كالليل وعيون زرقاء بلون السماء الصافية، يشبه بذلك كثيراً الملك عندما كان بمثل عمره.
ما إن وصل إلى والده حتى إنحنى له بإحترام، نظر الملك له فخوراً به، وأردف قائلاً بحسرة:
-لماذا لم يشبهك إيفان بشئ
رد عليه بهدوء:
-أنت تعرف أن ذلك بسبب والدتي التي أكثرت في دلاله بسبب مرضه الذي كان مصاب به وهو صغير، لقد كانت تخاف عليه بشدة فلقد كانت تعتقد بأنها قد تفقده في أي وقت.
يا له من رد قاسي صدر منه كأن من يتحدث عنهم ليست والدته أو أخيه الأصغر!
هذا ما فكر به الملك عندما كان يستمع له، هو يفتخر به كثيراً لكنه يراه إنسان بلا روح أو قلب، لطالما تساءل بما أخطئ معه في تربيته حتى أصبح هكذا.
تنهد الملك قائلاً:
-معك حق بني، لذلك أريد منك أن تعثر على ذلك الفتي المستهتر وتحضره لي فقد قررت معاقبته
قاطع حديثه الدخول المفاجئ للأمير إيفان وهو يقول:
-لا داعي يا والدي أن ترهق أميرك المفضل في البحث عني فلقد أتيت بنفسي ما إن استيقظت كي لا اتعب اخي الأكبر بالبحث عنى، لأني أعرف بأن عصافيرك سوف تخبرك بما فعلته.
صرخ أليكسندر به بقوة قائلاً:
-كيف تجرأ على الدخول هكذا دون إذن من جلالة الملك وغير ذلك تتحدث بطريقة غير لائقة
إبتلع إيفان ريقه، لطالما كان يهاب أليكسندر ويخاف منه وذلك منذ أن كان صغيراً!
ولكن لقد طفح كيله حقاً وليذهب إلى الجحيم السابع إذا أصبح ضعيف أمامه مجدداً بعد اليوم، قال بصوت بارد لا ينم عن ما يحدث بداخله:
-لا تعاملني كطفل صغير أمامك أليكسندر، لا تنسى أنك لا تكبرني سوى بأربع أعوام، لقد كبرت أيضاً وأصبحت رجلاً مثلك.
قاطعه والده صارخاً به:
-هل جننت! كيف تجرأ وتتحدث مع أخيك الأكبر هكذا وإذ لم يعد يهمك ذلك، تذكر أنك تقف أمام ولي العهد الذي سيرث العرش من بعدي!
بعد سماع إيفان بهجوم والده له حتى شعر بالحزن لدرجة جعلته صامتاً، لكن عيناه فضحته وشاهدها والده لكن لا يعرف ماذا يقول، تفاجأ كلاً منهم بما قاله أليكسندر لوالده:
-ما الذي قلته يا والدي، أعذرني على اعتراضي عليه فأنا بالنسبة لأخوتي أخيهم الأكبر فقط، لا ألقاب ولا رتب بيننا، أرجوك لا تجعلني أشعر أني مصدر رعب لهم.
ليندهش كلاً من إيفان ووالده من رد أليكسندر فلأول مرة يتصرف بتلك الطريقة التي يجعله أقرب من البشر لا الآلات.
قطع الملك الصمت أولاً وهو يقول:
-أليكسندر أنا لا أريد ان أجعلكم أعداء، بل ما أريده هو أن أذكره بأنك ولي العهد، وواجب عليه احترامك، وأيضاً كي لا يخطأ ويتحدث معك هكذا أمام شخص آخر فتفقد هيبتك.
رد عليه بهدوء مردفاً:
-أرجو منك عدم القلق، لن يجرأ أي شخص أن يقلل مني فدع أخي وشأنه، أنا أستطيع أن أتصرف معه وحدي عندما يتطاول معي في الحديث، فكما قال هو الآن رجلاً وليس مجرد طفل يحاول الحصول على الإنتباه، لذلك سأعامله معاملة الرجال.
ما إن أنهى حديثه حتى نظر إلى أخيه الأصغر ثم قال له بجدية:
-أليس هذا ما تريده إيفان؟
إيفان لأول مرة شعر بحب كبير تجاه أخيه، رد على سؤاله والعاطفة التي شعر بها الآن ظاهرة على ملامحه:
-كما قلت يا أخي هذا ما أريده، وهو أن تتم معاملتي كرجل وليس كصبي صغير.
رد عليه أليكسندر:
-إذا تصرف كالرجال، لا تسئ إلى عائلتنا، أنت تعرف أننا مراقبون من قبل النُبلاء والعامة أيضاً، لا تنسى بأن هناك من يريد أن يتصيد لنا الأخطاء، نظراً لأننا العائلة الحاكمة، يجب علينا أن نكون فوق الجميع، أرجو منك أن تتذكر ذلك دوماً سمو الأمير.
فهم والده ما يريد إبنه الوصول إليه، لذلك قرر أن يدع له حرية التعامل مع خطأ إيفان، أثناء ذلك سمع لأول مرة نبرة تصدر من إبنه إيفان وهو ينحني لأخيه الأكبر:
-أعتذر لكم عما سببته من أخطاء فادحة، وأعدكم أنني سوف أرفع رؤوسكم عالياً، وأيضاً سأنتظر العقاب الذي سيتم إصداره بحقي يا والدى كي أكفر عن ذنبي.
قاطعه أليكسندر قائلاً:
-الأمراء لا تتم معاقبتهم، لكن قد ينتج عن أفعالهم الكثير من الأمور التي قد تضر مِن مَن حوله.
وافقه الرأي ووعدهم بالحرص من أفعاله ثم إستأذن بأن ينصرف، سمح له الملك بذلك وفور مغادرته، نظر الملك لإبنه البكر في إنتظار سماع شرحه، فهم أليكسندر ذلك، فعيون والده تفضحه ليقول موضحاً:
-لطالما عاملنا إيفان على أنه طفل مدلل، لدرجة شككت بأنه يفعل ذلك عن عمد كي يعاقبنا جميعاً على عدم معاملته له بمحمل الجد، فأردت أن أجرب معه الطريقة التي ظننته يريدها ولم يخذلني
صمت ثم أكمل حديثه مرة اخرى مبتسماً:
-يبدو أن إيفان قد نضج أخيراً، دون أن نشعر بذلك أبي.
وافق والده على كلامه قائلاً بإبتسامة:
-معك حق بني
إنصرف أليكسندر بعدما انتهى الحديث بينهم، ليجلس الملك يفكر بأن الوقت قد حان كي يتم زواج إبنه الأكبر، ولكن كيف يقنعه بأن يتزوج فقد اقترب من الثلاثون عاما، تنهد بسبب الصعوبة التي سوف تواجهه في إقناع ولي العهد.
أثناء ذلك كانت اليزابيث تركض بحصانها وبعد مرور فترة كبيرة من الوقت توقفت قليلاً كي تطعم حصانها التفاحة التي أحضرتها معه له وكي يشرب فلابد أن يكون حصانها عطش الآن، لكن في خضم مشاعرها المتضاربة نسيت ذلك
مسدت على جسد برق الضخم ذات اللون الأبيض بيديها الرقيقة وهي تتحدث معه برقة، وما إن أنهى تناول التفاحة حتى صعدت عليه مجدداً وركضت به مرة أخرى تسابق الريح، كم جميل أتتشعر بالحرية!
أغمضت عيناها وفتحت زراعيها كأنها تعانق الهواء، بينما تضرب الرياح وجهها برفق، ابتسمت بسعادة فكم تحب ذلك الشعور الذي يراودها وهي تفعل ذلك.
لم يدم سعادتها فهناك ما جعل برق يخاف، وجعله يتراقص بالهواء من شدة خوفه وتوتره لتحاول السيطرة عليه، لكنها فشلت وسقطت من على ظهره، ومن حسن حظها أنها وقعت على مجموعة من القش تم جمعها.
سمعت بعد وقوعها صوت قوي يحذرها من محاولة الوقوف، لتنظر بإتجاه ذلك الصوت فوجدت بأن هناك شخص طويل القامة قادم بإتجاهها وخطواته السريعة واضحة، أوقف حصانها الهارب بطريقة ماهرة ثم إنحني نحوها ما إن إقترب منها كي يتفحصها، توردت وجنتها من شدة الخجل فلأول مرة يقترب منها رجل فما بالها أن وجهه الوسيم قريب جداً منها.
قالت له بصوت ضعيف:
-أنا بخير.
ما إن قالت ذلك حتى رفع رأسه لها ونظر إليها بعيناه الزرقاء لتتوه بها، عادت إلى رشدها عندما سمعته يقول بصوت اجش فعلى ما يبدو أنه متوتر مثلها:
-لقد رأيتك تسقطين بقوة، لذا من المحتمل أن تكوني قد أصبتي دون أن تشعري بذلك، لكن إذا وقفتي دون التأكد أولا ً قد تزداد اصابتك سوءاً .
ردت عليه بسخرية محاولة منها إخفاء حرجها الشديد لرؤيته لها وهي تسقط:
-وما أدراك أنت بذلك أتظن نفسك طبيب أم ماذا؟!
رد عليها وهو يقف مبتعداً عنها بعد أن تأكد من سلامتها متجاهلاً الكلام الذي قالته للتو:
-أنتي بخير، ولا يوجد اي اصابة خطير، مجرد كدمات طفيفة
قاطعته بحدة فقد غضبت على تجاهله المتعمد لها:
-لقد اخبرتك بذلك
ابستم لها فهي في نظره الآن طفلة ساخطة تم أخذ قطعة حلوى منها دون إرادتها، ليردف قائلاً:
-نسيت أن أعرفك بنفسي، أنا الطبيب ديفيد
توسعت عيناها من شدة صدمتها والحرج يكسو ملامحها، ما إن شاهدها حتى ابتسم ابتسامة كبيرة أظهرت معه أسنانه البيضاء الجميلة ليقول لها:
-لا داعي لكل هذا الحرج، فأنا لم أشعر بأي إهانة، نظراً لما مررتي به، فلابد بأنك في حالة صدمة بعد سقوطك من على ظهر حصانك الجميل، هل يمكن ان أعرف اسمه؟
لتقول إليزابيث كاتمة غيظها فهو قد سأل عن اسم حصانها بينما لم يسأل عن اسمها:
-برق
غير واعية أنه سألها عن إسم حصانها كي يغير الموضوع ويجعلها تنسى حرجها مما حدث لها
ديفيد:
-إسم جميل كصاحبه
ردت عليه بينما مازالت تحاول كتم غضبها الشديد:
-شكراً لك
بينما كانت تحاول منع نفسها من الانفجار بوجهه من شدة غضبها الغير مبرر لها، لكنها كانت تحاول اقناع نفسها بأنه بسبب إحراجه لها وقبل أن تقول شيء، شعرت بدوار كادت أن تقع بسببه، لولا يده القوية التي أمسكت بخصرها مانعاً إياها من السقوط، ليردف قائلاً لها:
-يا لكي من طفلة حمقاء، كيف لك أن تقفي بتلك السرعة
إليزابيث:
-أنت تتعمد إهانتي، فلم أستطع البقاء أكثر من ذلك مع شخص مثلك.
حملها بين زراعيه دون أن يستأذن منها، ثم قال مردفاً:
-اعذريني آنستي الجميلة لم اقصد أن أجرحك، بل كنت أمزح معك عندما طلبت إسم حصانك لا إسمك.
انصدمت إليزابيث من حمله لها فتصرخ به وهي تحرك قدميها بالهواء :
-ماذا تظن نفسك فاعلاً! أجننت أنت أم ماذا؟! هيا أنزلني الآن
رد عليها محاولاً منه تهدئتها:
-لا تقلقي أنا لم أقصد إهانتك أو أريد فعل ما قد يسئ إليكي أو أذيتك، بل يجب أن أذهب بكي إلى العيادة كي أفحصك، حيث ذلك الدوار الذي حدث لكي منذ قليل جعلني أقلق من أنكي قد تكوني أصبتي بإرتجاج في المخ، لذلك أريد التأكد بعدم حدوث ذلك.
خفق ضربات قبلها بسرعة خوفاً من أخيها إذا علم ما حدث لها، ويبدو أن ذلك الطبيب جديد هنا، ولم يتعرف عليها قالت له تتوسله:
-أرجوك دعني وشأني، إذا علم أخي يما حدث معي قد يمنعني من ركوب برق مرة أخرى.
رد عليها بحزم و هو يسير بها متجاهل كلامها بأن يتركها:
-هذا ما يجب أن يفعله
وقبل أن تقول له شيئا قاطعها قائلاً:
-نحمد الله بأنه لم يحدث لك شيء خطير هذه المرة، ولكن لا نعرف ما قد يحدث مجدداً، لذلك يجب منعك من الخروج بمفردك على الأقل.
لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله الآن، فعلى ما يبدو أنه لن ينفذ ما تطلبه.
ستموت إذ سلبت حريتها منها وسيحدث ذلك إذا علم أليكسندر بذلك فهو يخاف عليها كثيراً، لذلك يحميها بدرجة تشعرها في الكثير من الأوقات بالاختناق.
وجدت بأن لا مفر من أن تقول له هويتها رغم أنها لم تكن تريد ذلك، ما إن شعرت به يضعها داخل تلك العربة المتهالكة ذات الحصان الوحيد بها حتى قالت مسرعة:
-دكتور ديفيد أرجو منك تفهمي، مكانتي لا تسمح لي بالذهاب إلى عيادتك، لا أقصد بذلك إهانتك أو التقليل منك، لكن يجب أن تعرف أن اخي بجانب حرماني من ركوب برق، قد يحرق عيادتك لا أن يشكرك لأنه متعصب وانا لا اريد حدوث ذلك لك أو لي.
نظر اليها بعدم فهم متسائلاً لتكمل كلامها:
-أجد في عيناك بعض الأسئلة، لكني سأخبرك بإسمي الذي لم تسألني عنه ومنه ستفهم ما الذي أقصده، أنا الأميرة إليزابيث، وأخي الذي أتحدث عنه هنا هو ولي العهد الامير أليكسندر
أثناء قراءته وجد تفاصيل خاصة بالأمير الثاني، صدمه ذلك فلم يعتقد أن أحد أبنائه قد يخطأ هكذا، وأول ما خطر بذهنه حينها هو إبنه وولى عرشه كي يشوره، نادى أحد الفرسان المسؤولين عن حراسته بأعلى صوت، استجاب له سريعاً وأتى إليه مهرولاً، وما إن وقف أمامه حتى ألقي عليه التحية منتظراً الأوامر التي سيلقيها عليه
قال له الملك آمراً ووجهه كان شديد الاحمرار من شدة غضبه:
-إذهب للأمير أليكسندر ولتخبره أن يحضر فوراً وأن يأتي إلى القاعة الملكية
انحني الفارس قائلاً:
-كما تأمر جلالة الملك
غادر القاعة بظهره ورأسه منخفضة حتى وصل إلى الباب وخرج.
تنهد الملك محاولاً أن يتحكم بغضبه كي لا يأمر بسجن إبنه الأصغر.
توجه الفارس مسرعاً إلى المكتبة الملكية، حيث يوجد ولي العهد فجميع من بالقصر يعرف ان الأمير أليكسندر يقضي معظم أوقات فراغه بها وخاصة في وقت مبكر من اليوم، وما إن وصل أمام المكتبة حتى قال للفارس المتعهد بحماية الأمير ولي العهد:
-أريد مقابلة ولي العهد مارك
رد عليه مارك بغضب مصطنع:
-أتجرأ على قول إسمي مجرد بدون أي لقب، أجننت أم ماذا؟ هل نسيت أنني أعلي منك مرتبة!
قاطعه الفارس جون مسرعاً:
-لا وقت لدي لمزاحك الآن، فلقد أرسلني جلالة الملك بأمر هام، وقد يقطع رأسي إذا تأخرت وذلك لشدة غضبه.
وما إن سمع مارك ذلك حتى أخبره أن ينتظر، ودخل بعد ذلك إلى المكتبة، كي يخبر الأمير وما إن شاهده واقفاً بجوار إحدى الأرفف المخصصة بمخططات الحروب حتى ذهب إليه كي يخبره بوجود فارس بالخارج يطلب رؤيته بأمر من الملك.
رد عليه أليكسندر دون النظر إليه وهو يمسك كتاب ذهبي اللون أثناء توجهه إلى المكتب كي يجلس بكل هيبة العائلة الملكية ذات النبل الصافي وما ان وضع الكتاب أمامه وقام بفتحه حتى قال:
-أدخله
ما إن سمعه الفارس حتى هرول إلى الخارج منادياً على الفارس، دخل الفارس جون بعدها مسرعاً وحي الأمير أولاً ثم أردف قائلاً:
-جلالة الملك ينتظر سموك الآن بالقاعة الملكية
وما إن قال ذلك حتى أمره الأمير بالمغادرة، وقف أليكسندر بعد مغادرة الفارس متوجها إلى والده وهو يتساءل عن ما فعله إيفان من كارثة أغضبت والدهم في الصباح الباكر وأثناء توجهه إلى والده قابل أخته الحبيبة إليزابيث، كانت ترتظي إحدى الملابس المخصصة لركوب الخيل وشعرها الأشقر الطويل ترفعه على هيئة ذيل حصان، نظر إليها بحب فبرغم إنها بالثامنة عشر من العمر و تصغره فقط بثمان سنوات فمازال يراها طفلة، إنها طفلته المدللة، وما إن أصبحت قريبة منه حتى إبتسم لها قائلاً:
-صباح الخير أميرتي
ردت عليه وعيناها الخضراء تبتسم له قائلة:
-صباح الخير أميري الوسيم لقد إشتقت لك كثيراً
اقترب منها يعانقها وهو يقول:
-لقد اشتقت لكِ أيضاً ولولا أن جلالة الملك يريدني أن أذهب إليه لأمر هام لكنت ذهبت معك كي نتجول بالخيول معاً.
فور سماع ما قاله حتى قطبت حاجبيها الرقيقتين التي تعلى عيون واسعة في وجه خارق الجمال حتى قالت:
-ما الذي فعله إيفان مجدداً؟
قهقه أليكسندر بصوت عالي فيبدو أن أخته الصغيرة تعرف أيضاً، بأن لا يوجد شيء في العالم يجرؤ على أن يعكر مزاج الملك في الصباح سوى ابنه المدلل الأمير إيفان.
لكنه قال لها بابتسامة رقيقة يوجهها لها فقط فهي ليست أخته الصغيرة بل طفلته التي كبرت على يديه وضع يده على رأسها مردفاً:
-لا تشغلي بالك بأمور قد تعكر لك يومك، وبالذات في هذا الصباح الجميل، لذلك استمتعي بيومك عزيزتي وهيا إذهبي إلى حصانك الجميل برق.
ما إن أنهى جملته حتى غمز لها بعينيه الزرقاء لترفع حاجبيها بمرح قائلة بغضب مصطنع:
-دع شعري و شأنه أخي حتى لا تفسده.
اقتربت منه كي تقبله قبلة رقيقة على وجنته، ركضت بعدها والإبتسامة تعلو شفتيها تمازحه، فهي قد فهمت أن أخيها لا يريدها أن تتدخل بأمور الرجال فهو مهما كان يحبها إلا انه متعصب بقوانين الدولة، حيث لا يجب على النساء التدخل بأمورهم وخاصة بأمور العمل، توقفت فور سماع صوته آمراً لها بلطف، بأن تتوقف.
إلتفتت إليه منتظرة سماع ما يريد قوله لها:
-عزيزتي إليزابيث الأميرات لا تركض.
أومأت له برأسها موافقة ومشت ببطئ متوجه إلى الإسطبل فهو الوقت الوحيد الذي تشعر فيه بأنها حرة من كل القيود التي تكبلها وتخنقها، عندما تقوم بالركوب على ظهر حصانها برق وتركض به دون أن يقول لها شخص ما بأن هذا ممنوع، ما إن وصلت حتى أخرج لها السايس برق وقام بتجهيزه، لتركب على ظهره العريض ما إن أصبح جاهز، إنطلقت به بسرعة كبيرة كأنها تسابق الريح! كم تتمنى بأنها لم تولد أميرة أو حتى نبيلة من النبلاء.
وصل أليكسندر وطلب من الفارس إخبار الملك بوصوله، توجه الفارس إلى جلالة الملك يخبره بوصول الأمير قال له الملك بصوت عالي:
أدخله فوراً
دخل أليكسندر بكل هيبة، حيث له حضور قوي يميزه عن الجميع لذلك يهابه الجميع، وفي حضوره من قوة شخصيتة لا يستطيعوا التنفس، إلا عندما يغادر، كان يمتاز أيضاً ببنية قوية يبدو للآخرين كالعملاق لكن مع ذلك كان جسده متناسق بشعر أسود كالليل وعيون زرقاء بلون السماء الصافية، يشبه بذلك كثيراً الملك عندما كان بمثل عمره.
ما إن وصل إلى والده حتى إنحنى له بإحترام، نظر الملك له فخوراً به، وأردف قائلاً بحسرة:
-لماذا لم يشبهك إيفان بشئ
رد عليه بهدوء:
-أنت تعرف أن ذلك بسبب والدتي التي أكثرت في دلاله بسبب مرضه الذي كان مصاب به وهو صغير، لقد كانت تخاف عليه بشدة فلقد كانت تعتقد بأنها قد تفقده في أي وقت.
يا له من رد قاسي صدر منه كأن من يتحدث عنهم ليست والدته أو أخيه الأصغر!
هذا ما فكر به الملك عندما كان يستمع له، هو يفتخر به كثيراً لكنه يراه إنسان بلا روح أو قلب، لطالما تساءل بما أخطئ معه في تربيته حتى أصبح هكذا.
تنهد الملك قائلاً:
-معك حق بني، لذلك أريد منك أن تعثر على ذلك الفتي المستهتر وتحضره لي فقد قررت معاقبته
قاطع حديثه الدخول المفاجئ للأمير إيفان وهو يقول:
-لا داعي يا والدي أن ترهق أميرك المفضل في البحث عني فلقد أتيت بنفسي ما إن استيقظت كي لا اتعب اخي الأكبر بالبحث عنى، لأني أعرف بأن عصافيرك سوف تخبرك بما فعلته.
صرخ أليكسندر به بقوة قائلاً:
-كيف تجرأ على الدخول هكذا دون إذن من جلالة الملك وغير ذلك تتحدث بطريقة غير لائقة
إبتلع إيفان ريقه، لطالما كان يهاب أليكسندر ويخاف منه وذلك منذ أن كان صغيراً!
ولكن لقد طفح كيله حقاً وليذهب إلى الجحيم السابع إذا أصبح ضعيف أمامه مجدداً بعد اليوم، قال بصوت بارد لا ينم عن ما يحدث بداخله:
-لا تعاملني كطفل صغير أمامك أليكسندر، لا تنسى أنك لا تكبرني سوى بأربع أعوام، لقد كبرت أيضاً وأصبحت رجلاً مثلك.
قاطعه والده صارخاً به:
-هل جننت! كيف تجرأ وتتحدث مع أخيك الأكبر هكذا وإذ لم يعد يهمك ذلك، تذكر أنك تقف أمام ولي العهد الذي سيرث العرش من بعدي!
بعد سماع إيفان بهجوم والده له حتى شعر بالحزن لدرجة جعلته صامتاً، لكن عيناه فضحته وشاهدها والده لكن لا يعرف ماذا يقول، تفاجأ كلاً منهم بما قاله أليكسندر لوالده:
-ما الذي قلته يا والدي، أعذرني على اعتراضي عليه فأنا بالنسبة لأخوتي أخيهم الأكبر فقط، لا ألقاب ولا رتب بيننا، أرجوك لا تجعلني أشعر أني مصدر رعب لهم.
ليندهش كلاً من إيفان ووالده من رد أليكسندر فلأول مرة يتصرف بتلك الطريقة التي يجعله أقرب من البشر لا الآلات.
قطع الملك الصمت أولاً وهو يقول:
-أليكسندر أنا لا أريد ان أجعلكم أعداء، بل ما أريده هو أن أذكره بأنك ولي العهد، وواجب عليه احترامك، وأيضاً كي لا يخطأ ويتحدث معك هكذا أمام شخص آخر فتفقد هيبتك.
رد عليه بهدوء مردفاً:
-أرجو منك عدم القلق، لن يجرأ أي شخص أن يقلل مني فدع أخي وشأنه، أنا أستطيع أن أتصرف معه وحدي عندما يتطاول معي في الحديث، فكما قال هو الآن رجلاً وليس مجرد طفل يحاول الحصول على الإنتباه، لذلك سأعامله معاملة الرجال.
ما إن أنهى حديثه حتى نظر إلى أخيه الأصغر ثم قال له بجدية:
-أليس هذا ما تريده إيفان؟
إيفان لأول مرة شعر بحب كبير تجاه أخيه، رد على سؤاله والعاطفة التي شعر بها الآن ظاهرة على ملامحه:
-كما قلت يا أخي هذا ما أريده، وهو أن تتم معاملتي كرجل وليس كصبي صغير.
رد عليه أليكسندر:
-إذا تصرف كالرجال، لا تسئ إلى عائلتنا، أنت تعرف أننا مراقبون من قبل النُبلاء والعامة أيضاً، لا تنسى بأن هناك من يريد أن يتصيد لنا الأخطاء، نظراً لأننا العائلة الحاكمة، يجب علينا أن نكون فوق الجميع، أرجو منك أن تتذكر ذلك دوماً سمو الأمير.
فهم والده ما يريد إبنه الوصول إليه، لذلك قرر أن يدع له حرية التعامل مع خطأ إيفان، أثناء ذلك سمع لأول مرة نبرة تصدر من إبنه إيفان وهو ينحني لأخيه الأكبر:
-أعتذر لكم عما سببته من أخطاء فادحة، وأعدكم أنني سوف أرفع رؤوسكم عالياً، وأيضاً سأنتظر العقاب الذي سيتم إصداره بحقي يا والدى كي أكفر عن ذنبي.
قاطعه أليكسندر قائلاً:
-الأمراء لا تتم معاقبتهم، لكن قد ينتج عن أفعالهم الكثير من الأمور التي قد تضر مِن مَن حوله.
وافقه الرأي ووعدهم بالحرص من أفعاله ثم إستأذن بأن ينصرف، سمح له الملك بذلك وفور مغادرته، نظر الملك لإبنه البكر في إنتظار سماع شرحه، فهم أليكسندر ذلك، فعيون والده تفضحه ليقول موضحاً:
-لطالما عاملنا إيفان على أنه طفل مدلل، لدرجة شككت بأنه يفعل ذلك عن عمد كي يعاقبنا جميعاً على عدم معاملته له بمحمل الجد، فأردت أن أجرب معه الطريقة التي ظننته يريدها ولم يخذلني
صمت ثم أكمل حديثه مرة اخرى مبتسماً:
-يبدو أن إيفان قد نضج أخيراً، دون أن نشعر بذلك أبي.
وافق والده على كلامه قائلاً بإبتسامة:
-معك حق بني
إنصرف أليكسندر بعدما انتهى الحديث بينهم، ليجلس الملك يفكر بأن الوقت قد حان كي يتم زواج إبنه الأكبر، ولكن كيف يقنعه بأن يتزوج فقد اقترب من الثلاثون عاما، تنهد بسبب الصعوبة التي سوف تواجهه في إقناع ولي العهد.
أثناء ذلك كانت اليزابيث تركض بحصانها وبعد مرور فترة كبيرة من الوقت توقفت قليلاً كي تطعم حصانها التفاحة التي أحضرتها معه له وكي يشرب فلابد أن يكون حصانها عطش الآن، لكن في خضم مشاعرها المتضاربة نسيت ذلك
مسدت على جسد برق الضخم ذات اللون الأبيض بيديها الرقيقة وهي تتحدث معه برقة، وما إن أنهى تناول التفاحة حتى صعدت عليه مجدداً وركضت به مرة أخرى تسابق الريح، كم جميل أتتشعر بالحرية!
أغمضت عيناها وفتحت زراعيها كأنها تعانق الهواء، بينما تضرب الرياح وجهها برفق، ابتسمت بسعادة فكم تحب ذلك الشعور الذي يراودها وهي تفعل ذلك.
لم يدم سعادتها فهناك ما جعل برق يخاف، وجعله يتراقص بالهواء من شدة خوفه وتوتره لتحاول السيطرة عليه، لكنها فشلت وسقطت من على ظهره، ومن حسن حظها أنها وقعت على مجموعة من القش تم جمعها.
سمعت بعد وقوعها صوت قوي يحذرها من محاولة الوقوف، لتنظر بإتجاه ذلك الصوت فوجدت بأن هناك شخص طويل القامة قادم بإتجاهها وخطواته السريعة واضحة، أوقف حصانها الهارب بطريقة ماهرة ثم إنحني نحوها ما إن إقترب منها كي يتفحصها، توردت وجنتها من شدة الخجل فلأول مرة يقترب منها رجل فما بالها أن وجهه الوسيم قريب جداً منها.
قالت له بصوت ضعيف:
-أنا بخير.
ما إن قالت ذلك حتى رفع رأسه لها ونظر إليها بعيناه الزرقاء لتتوه بها، عادت إلى رشدها عندما سمعته يقول بصوت اجش فعلى ما يبدو أنه متوتر مثلها:
-لقد رأيتك تسقطين بقوة، لذا من المحتمل أن تكوني قد أصبتي دون أن تشعري بذلك، لكن إذا وقفتي دون التأكد أولا ً قد تزداد اصابتك سوءاً .
ردت عليه بسخرية محاولة منها إخفاء حرجها الشديد لرؤيته لها وهي تسقط:
-وما أدراك أنت بذلك أتظن نفسك طبيب أم ماذا؟!
رد عليها وهو يقف مبتعداً عنها بعد أن تأكد من سلامتها متجاهلاً الكلام الذي قالته للتو:
-أنتي بخير، ولا يوجد اي اصابة خطير، مجرد كدمات طفيفة
قاطعته بحدة فقد غضبت على تجاهله المتعمد لها:
-لقد اخبرتك بذلك
ابستم لها فهي في نظره الآن طفلة ساخطة تم أخذ قطعة حلوى منها دون إرادتها، ليردف قائلاً:
-نسيت أن أعرفك بنفسي، أنا الطبيب ديفيد
توسعت عيناها من شدة صدمتها والحرج يكسو ملامحها، ما إن شاهدها حتى ابتسم ابتسامة كبيرة أظهرت معه أسنانه البيضاء الجميلة ليقول لها:
-لا داعي لكل هذا الحرج، فأنا لم أشعر بأي إهانة، نظراً لما مررتي به، فلابد بأنك في حالة صدمة بعد سقوطك من على ظهر حصانك الجميل، هل يمكن ان أعرف اسمه؟
لتقول إليزابيث كاتمة غيظها فهو قد سأل عن اسم حصانها بينما لم يسأل عن اسمها:
-برق
غير واعية أنه سألها عن إسم حصانها كي يغير الموضوع ويجعلها تنسى حرجها مما حدث لها
ديفيد:
-إسم جميل كصاحبه
ردت عليه بينما مازالت تحاول كتم غضبها الشديد:
-شكراً لك
بينما كانت تحاول منع نفسها من الانفجار بوجهه من شدة غضبها الغير مبرر لها، لكنها كانت تحاول اقناع نفسها بأنه بسبب إحراجه لها وقبل أن تقول شيء، شعرت بدوار كادت أن تقع بسببه، لولا يده القوية التي أمسكت بخصرها مانعاً إياها من السقوط، ليردف قائلاً لها:
-يا لكي من طفلة حمقاء، كيف لك أن تقفي بتلك السرعة
إليزابيث:
-أنت تتعمد إهانتي، فلم أستطع البقاء أكثر من ذلك مع شخص مثلك.
حملها بين زراعيه دون أن يستأذن منها، ثم قال مردفاً:
-اعذريني آنستي الجميلة لم اقصد أن أجرحك، بل كنت أمزح معك عندما طلبت إسم حصانك لا إسمك.
انصدمت إليزابيث من حمله لها فتصرخ به وهي تحرك قدميها بالهواء :
-ماذا تظن نفسك فاعلاً! أجننت أنت أم ماذا؟! هيا أنزلني الآن
رد عليها محاولاً منه تهدئتها:
-لا تقلقي أنا لم أقصد إهانتك أو أريد فعل ما قد يسئ إليكي أو أذيتك، بل يجب أن أذهب بكي إلى العيادة كي أفحصك، حيث ذلك الدوار الذي حدث لكي منذ قليل جعلني أقلق من أنكي قد تكوني أصبتي بإرتجاج في المخ، لذلك أريد التأكد بعدم حدوث ذلك.
خفق ضربات قبلها بسرعة خوفاً من أخيها إذا علم ما حدث لها، ويبدو أن ذلك الطبيب جديد هنا، ولم يتعرف عليها قالت له تتوسله:
-أرجوك دعني وشأني، إذا علم أخي يما حدث معي قد يمنعني من ركوب برق مرة أخرى.
رد عليها بحزم و هو يسير بها متجاهل كلامها بأن يتركها:
-هذا ما يجب أن يفعله
وقبل أن تقول له شيئا قاطعها قائلاً:
-نحمد الله بأنه لم يحدث لك شيء خطير هذه المرة، ولكن لا نعرف ما قد يحدث مجدداً، لذلك يجب منعك من الخروج بمفردك على الأقل.
لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله الآن، فعلى ما يبدو أنه لن ينفذ ما تطلبه.
ستموت إذ سلبت حريتها منها وسيحدث ذلك إذا علم أليكسندر بذلك فهو يخاف عليها كثيراً، لذلك يحميها بدرجة تشعرها في الكثير من الأوقات بالاختناق.
وجدت بأن لا مفر من أن تقول له هويتها رغم أنها لم تكن تريد ذلك، ما إن شعرت به يضعها داخل تلك العربة المتهالكة ذات الحصان الوحيد بها حتى قالت مسرعة:
-دكتور ديفيد أرجو منك تفهمي، مكانتي لا تسمح لي بالذهاب إلى عيادتك، لا أقصد بذلك إهانتك أو التقليل منك، لكن يجب أن تعرف أن اخي بجانب حرماني من ركوب برق، قد يحرق عيادتك لا أن يشكرك لأنه متعصب وانا لا اريد حدوث ذلك لك أو لي.
نظر اليها بعدم فهم متسائلاً لتكمل كلامها:
-أجد في عيناك بعض الأسئلة، لكني سأخبرك بإسمي الذي لم تسألني عنه ومنه ستفهم ما الذي أقصده، أنا الأميرة إليزابيث، وأخي الذي أتحدث عنه هنا هو ولي العهد الامير أليكسندر