الفصل السادس والأربعون

نيوفوبيا
الفصل السادس والأربعون
للكاتبة ندى محسن|White Rose

-هل تصدقي هذا؟ أنا لا اصدق ما حدث؟ اليوم هو زفافنا، لقد مر كل شيء بألم أعصاب، ضغطنا نفسنا كثيرًا في هذا.

ابتسمت نجمة وهي تنظر إلى فستان زفافها:

-لا أعلم لماذا فعلت هذا؟ ما الداعي من لبس فستان الزفاف مرة أخرى؟ لقد تم عقد قيراننا وكان يكفي هذا يا يونس ولا داعي لتلك المصاريف.

حرك يونس رأسه بنفي:

-اليوم سنبدأ حياة جديدة معًا، سوف نبدأ من الصفر يا نجمتي، كأننا لم نعش معًا من قبل.

نظرت نجمة له وضيقت عينيها بترقب:

-لا تخطط لشيء أليس كذلك؟

ضحك يونس وهو يحرك رأسه بنفي:

-لم يعد هناك المزيد من التخطيط، ليس بعد اليوم يا نجمة، كل شيء سيكون على مايرام، أنا وأنتِ سنعيش معًا ولا يمكن لشيء أن يفرقنا.

ضمها ودلفت والدته في هذا الوقت:

-هيا يا ابنائي حتى لا نتأخر عن القاعة.

ابتسم يونس واقترب ليقوم بضم والدته:

-أنا سعيد للغاية.

كانت والدته أكثر سعادة منه دون مبالغة، لا تعلم ما الذي يمكنها أن تقوله لتصف ما تشعر به لكنها أكتفت بضمه:

-أدام الله سعادتك يا حبيبي، أنا سعيدة لسعادتك تلك، لا أعلم لقد كنت على وشك أن أفقد عقلي وأنت تخبرني أن عليّ إلتزام الصمت ولا أتحدث مع نجمة، لكن أنظر ماذا حدث؟ إنه قدر جميل من الله يا يونس.

ابتسم يونس وهو يحرك رأسه عدة مرات:

-هذا صحيح يا أمي، كل شيء حدث بترتيب أكثر من رائع، إنه تدبير الله.

اومأوا له وبالفعل أخذهم إسلام بسيارته المزينة للقاعة، كانت الموسيقى تملأ المكان، كان هذا اليوم مميز للغاية أكثر من اليوم الماضي، كانت نجمة ترى أن كل شيء مثالي بطريقة غريبة، لا يمكنها أن تنكر هذا لقد أبدع يونس في إختيار كل شيء.

كانت نجمة ترقص مع يونس وهو يغني مع الأغنية المميزة، تحدث وهو ينظر إلى عينيها:

-لقد اخترت هذه الأغنية مخصوص لنا يا نجمة، تليق بكِ كثيرًا لأنها جميلة مثلكِ.

ابتسمت نجمة وقد احمرت وجنتيها، لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله له، لا تعلم كيف يمكنها أن تتعامل معه وهي تشعر أنها مع شخص آخر؛ فيونس لم يكن يتحدث بتلك الطريقة من قبل، لا يقتصر فقط على المغازلة بل على كل شيء.

كان إسلام يتابعهم وهو يشعر بالكثير من السعادة، فرح أخته يظهر في عينيها، لم يكن يعلم أنها أحبته بصدق هكذا، كان يظن انها ستنساه لكنه سعيد أنه كان سبب في جمعهم.

كان ثابت في مكانه يتابع الجميع ومازالت يده محاطة بالجبس لم تشفى بعد، وجد من اصطدم في ظهره ليشعر بشيء بارد ويلتفت بسرعة:

-ما الذي حدث؟ ما هذا؟

وجد أمامه فتاة يبدو أنها لم تتجاوز الخمس وعشرون عامًا، تحدثت بسرعة ولهفة قائلة:

-آسفة أنا حقًا آسفة لم اتعمل هذا، لم اعتاد على إرتداء هذا الحزاء ذات الكعب العالي وعندما كنت أسير كان هو يلتوي أسفل قدمي، لقد اصطدمت بك وانسكب العصير عليك.

أومأ إسلام بغضب شديد:

-أنا بالفعل شعرت بهذا، لكن هل تقولي لي ما الذي أفعله الأن؟ سوف أبقى هكذا ولا يمكنني أن أعرف كيف اصبحت هيئتي، هذا زفاف أختي اخبريني كيف سأكمله هكذا؟

وجدها على وشك أن تبكي وهي تنظر حولها بخجل شديد:

-أنا آسفة لكن اخفض صوتك، يمكنك أن تأتي معي سوف انظفها لك على الفور، سوف ءأخذها إلى الحمام وأقوم بتنظيفها.

انفعل إسلام مجددًا:

-هل تنوين غسلها هنا؟ أنا حقًا لا يمكنني أن اصدق تفكير عقلكِ، معي سترة في السيارة لحسن الحظ لكن لن تكون بجمال هذه أبدًا، عاجز عن التحدث معكِ حقًا.

سار قليلًا لتتبعه:

-هل ستعرف كيف تأتي بها؟

التفت لها إسلام وهو يرفع إحدى حاجبيه:

-اخبريني ما الذي تريده أنتِ؟ هل تتحدثي مع طفل لا يعلم ما الذي سوف يفعله؟

حركت الفتاة رأسها بنفي وهي تشير إلى يده:

-أظن أنك لست على مايرام؛ لهذا السبب أنا أسألك فقط، هذا هو كل شيء.

نظر إسلام لها وهو يومأ:

-تعالي معي، هيا لعلي أنتهي من هذا الشيء بسرعة.

ذهبت معه وهو لا يعلم ما الذي يقوله لها، هو اشترى هذه السيارة بدلًا من الأخرى التي تحطمت، أيضًا قاعد لهنا ليست حالته سيئة لهذا الحد، لا يعلم لماذا اخبرها أن تأتي أصلًا؟!

أشار لها على السيارة:

-هذه هيا خذي المفاتيح وقومي بفتحها، احضريها من الخلف.

بالفعل أتت بها الفتاة وهي تنظر له بحيرة:

-ماذا عن القميص؟ سوف تصاب بنزلة برد إن بقى مبتلًا.

حرك إسلام رأسه بنفي:

-لن يؤثر هيا اعطيني إياها لأذهب إلى الحمام وأبدل هذه.

قامت بإعطاءها له وهي تنظر له بأسف:

-أنا حقًا آسفة يا أستاذ..

تحدث إسلام عندما وجدها قد صمتت:

-اسمي هو إسلام.

ابتسمت وهي تومأ له:

-وأنا وعد.

وجدت من أمسك بزراعها ليسحبها فجأة فتصرخ بفزع وهي على وشك الصعود، لكنها صمتت على الفور عندما التقت عينيها بأعين هذا الرجل.

تدخل إسلام بغضب لا يعلم لماذا تمالكه:

-ما الذي يحدث؟ أبعد يدك عنها لماذا تمسكها بتلك الطريقة؟

نظر الرجل إلى إسلام، حان يبدو أنه في الأربعون من عمره، قد خط الشيب رأسه وتخلل إلى ذقنه، ابتسم إبتسامة باردة وهو ينظر له:

-أتمنى أن يكون كل شيء على مايرام وأن وعد لم تزعجك.

نظرت وعد إلى إسلام وكأنه ينتظر ما الذي سيقوله، حرك إسلام رأسه بنفي:

-لم يحدث هذا، لكن قل لي من تكون أنت؟ هل تقرب لها؟

ابتسم الرجل وهو ينظر إلى وعد متجاهلًا لإسلام:

-هيا يا وعد حتى لا نتأخر، سوف نجلس قليلًا ونذهب.

دلف إلى القاعة وإسلام يشعر بالحيرة الشديدة، هو لم يرى هذا الرجل من قبل، ما الذي يحدث هنا يا ترى؟ من هو وهل من الممكن أن يكون شخص غريب عن الجميع ولم تتم دعوته؟

دلف إلى القاعة بدل سترته في الحمام ومن ثم دلف إلى القاعة وهو ممسك بالأخرى المتسخة، رأى وعد تجلس بجوار هذا الرجل وهي تبدو منزعجة كثيرًا، أما هو كان ينظر أمامه لكن شفتيه تتحرك وكأنه يملي عليها أوامر أو ماشابه.

لا يعلم لماذا كان هذا الرجل يثير إنتباه إسلام بتلك الطريقة، نظر له لتلتقي أعينهم ويبتسم الرجل في المقابل وهو يومأ له، كأنه يحيه، نظر إسلام إليه ومن ثم إلى نجمة التي تنظر له إلى الأخرى، لكن القلق قد ظهر على وجهها لتبعد عينيها سريعًا عن إسلام.

شعر إسلام بيد توضع على كتفه، التفت لتتحدث والدته:

-ماذا بك يا إسلام؟ أين كنت يا حبيبي؟

نظر إسلام للسترة الموجودة بيده:

-لقد اتسخت سترتي وقومت بتبديلها، أشكر الله أنني أضع ملابس إحتياطية في السيارة.

ابتسمت والدته وهي تومأ له:

-حسنًا اعطيني هذه وأذهب لتبقى بجوار أختك.

أومأ إسلام لها والتفت ليرى الوضع كما هو عليه، هذا الرجل المريب ينظر له وتلك الفتاة ليست على مايرام وهذا واضح عليها كثيرًا.

ذهب إسلام ليرقص مع يونس وقد انشغل عقله كثيرًا معه، كان يضحك معه ومع أخته، كل شيء كان جيد، نظر تجاه الطاولة ولم يجد هذا الرجل ولا الفتاة، علم أنهم غادروا، بسرعة أسرع بالخروج من القاعة وهو يلتفت كمن فقد شيء ذات قيمة، لا يعلم لماذا؟!

تحدث الرجل من خلفه:

-هل تبحث عن شيء يا سيد إسلام؟

نظر إسلام له ليضحك هذا الرجل، يبدو أنه كان ينتظر إسلام، كان يعلم أنه سيخرج؟! من هذا وما الذي يرغب به؟

تحدث وهو يقترب من إسلام:

-اسمي هو ماهر، اخبرتني وعد أن إسلام هو اسمك، لكن بالطبع كنت أعرفك دون أن تخبرني.

كان إسلام ينظر له ومازال ينظر حوله بطريقة غير مباشرة، يريد أن يراها ولا يعلم ما الذي سيقوله لها، لكنه شعر بأهمية حديثه معها.

تحدث ماهر ببرود شديد:

-سوف تراها ولكن عليك أولًا أن تتمالك نفسك، ليس جيد أن تلقي بكل مشاعرك لفتاة لم تراها سوى اليوم! لكنها تستحق، كم تستحق يا ترى؟

لا يعلم إسلام ما الذي يعنيه هذا الشخص، سأله بتعجب:

-ما الذي تقصده أنت؟ لا أعلم ما الذي تريده وما الذي يرمي إليه حديثك؟

ضحك ماهر وقد بدى شخص إستفزازي:

-عليك أن تفتح عقلك أكثر من هذا، سؤالي واضح للغاية، كم ستدفع من أجلها؟ هي كما ترى أنت فتاة جميع ومع ذلك لم يسبق لها الزواج.

لا يصدق إسلام ما يتفوه به هذا الرجل، أمسك بعنقه بغضب:

-ما الذي تعنيه أيها الوغد؟ سوف أبلغ عنك الشرطة أنت تريد أن تبيع فتاة؟

دفعه ماهر ومازال يضحك وهو ينظر له:

-سوف تبلغ الشرطة وتأتي هي أمامهم لتقول أنك كاذب وأن هذا ليس صحيح، إن لم تريدها سوف أذهب أنت حر.

كان إسلام يشعر بالقلق الحقيقي عليها، كأنها أخته وجعلته هذه الفكرة على وشك أن يفقد عقله، لا يعلم ما الذي يفعله، تحدث إلى ماهر قائلًا:

-انتظر أنا أريد أن أراها.

حرك ماهر رأسه بنفي:

-الدفع أولًا يا عزيزي أنا لست غبي، عشرون ألف.

كان إسلام يشعر بالغضب والتقزز الشديد من هذا الرجل:

-أريدهم في الحال، يمكنك أن تتصرف بشأن هذا لا دخل لي، هي لديها أثنان وعشرون عامًا، فتاة رائعة وساذجة لن تتعب معها.

كان إسلام على وشك أن ينفجر، تحدث بغضب شديد:

-انتظرني هنا، سوف أذهب لأسحب المال من أي ماكينة.

أومأ له ماهر:

-وهو كذلك، لكن لا داعي لأن أحذرك يا إسلام أي فعل سوف تكون أنت ضحيته.

دفعه إسلام ومن ثم أخذ سيارته وفر هاربًا، كان ماهر يبتسم وهو ينظر لساعة يده:

-سوف أجلب المال وأشتري كم لا بأس به من المخدرات، لكن على هذا الأحمق أن يسرع.

كان إسلام مشتت، جزء من عقله يخبره أن يسرع ويقوم بإنفقاظ تلك المسكينة وهو لا يعلم ما الذي حدث لتتورط مع هذا الرجل، أما الجزء الأخر يجعله يقلق وهو يخبره أنها كذبة وأنهم عصابة وعليه أن يبلغ الشرطة وربما لا يفعل شيء ويذهب ليكمل في زفاف أخته.

جلب المال بالفعل وهو في طريقه للعودة، رأى ماهر ينتظره في مكانه، مازال لا يرى وعد لكنه لن يعطيه المال الأن، تحدث ماهر بهدوء:

-اعطيني المال وأذهب إلى حمام السيدات الباب الأمامي الخاص بادوات النظافة، سوف تجدها تنتظرك هناك، ليلة سعيدة.

ذهب بعد أن أخذ المال وذهب إسلام إلى الداخل، إن كانت موجودة فستكون تلك الفتاة وغيرها في خطر، أما إن لم تكن هناك فهو بغباءه قد سقط ضحية للعبة نصب كبيرة وفريدة من نوعها.

فتح الباب ولا يعلم لماذا كان قلبه يرتجف بتلك الطريقة، بالفعل وجد الفتاة ويبدو أنها كانت تبكي طوال الوقت، وقفت وهي تمسح دموعها واتسعت عينيها عندما رأت إسلام الذي ابتسم فور رؤيتها، ابتعدت عنه على الفور وكأنها رأت شيطان أمامها.

مد إسلام يده لها:

-تعالي لا بأس، اقتربي لا يمكننا أن نتحدث هنا في حمام السيدات، سوف نذهب للخارج.

نظرت إلى يده وقد بدى عليه الخوف الشديد، بدأت في التعرق وهو لا يعلم ما الذي عليه أن يقوله لها وهي بتلك الحالة، خرجت معه وكان جسدها متصلب كأنها تجاهد ألم ما، تحدث إسلام وهو ينظر لها:

-اخبريني من يكون هذا الرجل؟

نظرت له ولم تتحدث، نظر إسلام حوله وعلم أنه لن يدوم طويلًا وسينشغل مع عائلته، أشار لها وقد قرر ما الذي سوف يفعله بها لحين أن يروق الوضع ويستطيع أن يتحدث معها:

-تعالي معي الأن، لا داعي للتحدث لن أضغط عليكِ.

ذهبت معه وهي تقبض على فستانها البسيط طوال الوقت، نظرت له وهي تبعد شعرها عن وجهها، جعلها تصعد بالسيارة وهو يقود، نظرت له بقلق:

-كم دفعت له؟

تعجب إسلام من حديثها، تأكد أنها تعلم كل شيء يحدث، لكن ما جعله على وشك الجنون لماذا بقيت في مكانها ولم تهرب حتى؟ هل هي تعمل معه وهل هي ليست محترمة على عكس ظنه بها؟ أسئلة كثيرة تدور بعقله دون إجابة.

تحدث بهدوء وهو لا ينظر لها:

-عشرون ألف.

ابتسمت وعد ودموعها تتساقط:

-مبلغ لا بأس به أليس كذلك؟

لم يجيبها إسلام وهو لا يعلم ما الذي يحدث مت حوله، من هذا الرجل ولماذا تلك الفتاة تتحدث بتلك الطريقة لو كانت تعمل معه؟!

وصل إلى المكتب الخاص بعمله، هبط وهي كانت تجلس في مكانها، اشار لها بالخروج:

-هيا تعالي.

هبطت من السيارة وهي تنظر له حولها بقلق شديد، أغلق سيارته وسار وهي بجواره، دلف إلى المكتب وهي معه، توقفت عند الباب ولم تسير للداخل، تعجب إسلام وهو ينظر لها:

-ماذا بكِ؟ هل ستبقين هنا فالتدخلي يا وعد.

دلفت وعد إلى المكتب، كانت تقبض على فستانها دون أن تهدأ، كانت دموعها تهبط من وقت لآخر:

-لقد تذكرت أنك شخص جيد، كنت أراك شخص ليس سيء، لم أكن أعلم أنك تفعل شيء كهذا، حرام  عليك أنا كنت أراك فتى متعلم ويبدو الإحترام على وجهك.

تعجب إسلام وهو ينظر لها:

-ما الذي تعنيه أنتِ بحديثكِ هذا؟ لم أفعل شيء لكِ، لماذا تتحدثين بتلك الطريقة؟

نظرت له وعينيها تزرف الكثير من الدموع:

-إن كنت شخص جيد دعني أذهب، اتركني وشأني وسوف أرد لك المال الذي دفعته، سوف أعلم أي شيء في سبيل رد هذا المال، أنا أعدك بهذا.

نظر إسلام لها وهو لا يعلم ما الذي يقوله:

-لن أفعل لكِ أي شيء سيء يمكنكي أن تهدأي، انظري لي أنا أتيت بكِ إلى هنا؛ حتى تهدأي، زفاف أختي لا يمكنني أن أفوته، سوف تبقين هنا وسوف انتهي منه وأعود لكِ، لا داعي للقلق لن أفعل شيء سيء لكِ أطمئني.

نظرت له وكأنها لا تصدقه، كانت عينيها مترقبة لما سيفعله بينما هو ابتسم في هدوء وخرج من المكتب، أغلق الباب من الخارج وهو لا يعلم ما الذي سيحدث لكن يبدو أنه قد تورط بشيء لم يكن يريد التورط به.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي