الفصل السادس

في اليوم التالي ذهبت أنا وسيف وسامح إلى مكان مفاعل تشرنوبل المهجور، عندما وصلنا بالسيارة لم نكن بمفردنا هناك كما المرة السابقة، لكنني رأيت الكثير والكثير من الناس ويبدو أنهم أهل البلدة..

وبعض من الرهبان الموكلون من الكنيسة بهذا المكان، كانوا يتشاورون في أمر ما مع بعضهم، وعندما أتينا وقف سيف أمام راهب وقال له بعض الكلمات التي لم أفهمها..

بينما وضع سامح الكاميرا على الحامل وأخذ يصور كل ما يحدث حولنا بتركيز شديد، التفت الراهب ناحيتي وهز رأسه لي مُرحباً بي، ابتسمت له وهززت أيضا رأسي بالمقابل..

حتى وجدت الجميع يأخذ حيزاً ويقف به، بينما بدأ الرهبان في تلاوة بعض من الإنجيل، وكلًا منهم يمسك كتاباً ويقول كلمات غير الآخرين..

ظلوا هكذا قرابة الخمس دقائق وأنا أيضاً أتلو آيات الله من هاتفي دون توقف، حتى شعرت برجفة في جسدي وبرعشة غريبة قد اجتاحتني كليا، فاقتربت من سيف وقلت له بتوتر بادى علي:

_ أعتقد أننا سنبدأ، أشعر بشيء غريب وتوتر الأجواء حولنا ينذر بأننا اقتربنا من المواجهة.

تطلع سيف حوله وقال:
_ هل تعتقد أننا سننجح وننهي ما يحدث هنا؟!

أجابه رامي قائلا:
_ بإذن الله سنستطيع التغلب عليه وحرقه لا تقلق، إنه مجرد مارد قزم، أظن أن الأرواح التي يحتجزها هي ما تعطيه تلك القوة، رغم أنني أشك بذلك؟!

ضيق سيف عينيه وسأله بفضول متعجب:
_ ماذا تقصد بأنك تشك بذلك؟!

أخذ رامي يتلفت حوله ربما يري شيئا أو نشاطاً غريباً، وهو يقول:
_ من خلال خبرتي بهذا العالم أعتقد أن هناك شيء آخر يمده بالقوة، ليست تلك الأرواح حولها ما تساعده، سنرى خلال الجلسة ما سيحدث.

تلفت حولي فوجدت شخصاً يتطلع حوله بنظرات هيستيرية ويرتعش، قد تصبب العرق من جبهته وأشعر من توتره أن شيئاً ما قد تلبسه..

بدون أن أشعر وجدت نفسي أركض ناحيته، كتفت ذراعيه خلف ظهره، أخذ يصرخ ويصرخ بصوت غريب، جعل الجميع يبتعد عنه ويخشاه..

بينما اقترب الرُهبان منا وهم يركضون ووقفوا أمامه، بدأوا في تلاوة صلواتهم بصوت عالي في وجهه، رفع أحدهم الصليب أمامه، ورفع الآخر الصليب وجعله يلامس جبهته التي إحترقت بالفعل وصعد منها بخار، لم أجد له أي سبب أو تفسير، حتى وجدته نفضني بكل قوته..

التفت إلي وتحدث بلُغتهم، لم أفهم ما يقول لكن من لغة عينيه استشفيت أنه يحتقرني ويسبني، بالفعل وجدته يأتي ناحيتي وبعينيه توعد لي..

فعدت بظهري للخلف مسرعا، وجدته يهرول ناحيتي وانقض عليا؛ فسقطت مرمياً على الأرض وهو فوقي، عضني من أذني حتى قضم قطعه صغيره منها..

تعالى صراخي من ألمي، وسالت الدماء بشكل غزير على رقبتي، أخذت أصرخ بفزع، حتى كبلُه الجميع ورفعوه عني، بينما إقترب مني سامح وأخرج محرمة من جيبه..

وضعها على أذني كي يوقف سيل الدماء المتدفقة، وسألني بقلق:
_ رامي، هل أنت بخير؟!

ضغطت المحرمة علي أذني وأجبته بنبرة خافتة:
_ أنا بخير لا تقلق، مجرد جرح بسيط.

استطاع هذا الشخص الممسوس أن يتخلص منهم، وهجم عليا مرة آخري، وأنا أحاول أن أبعده عني بذراعي، وجدت نفسي أتلو بعض الآيات القرآنية للتحصين، والتي أحفظها عن ظهر قلب فابتعد عني وهو يصرخ ويتلوى..

اقترب الرهبان منه مرة آخري، أخذوا يلقون عليه ماء أعتقد أنه الماء المقدس الذي أراه بالأفلام دائما، قد زاد صراخه وهو يتلوى علي الأرض من ألمه..

لم يكن صراخه الوحيد الذي وصل إلى أذني، بل أيضا صراخ تلك الأرواح المعذبة التي رأيتها تقف خلفه، وهي تصرخ من العذاب، فهي أيضا مكبلة بسلاسل وتتعذب، كما يتعذب هذا الرجل المسكين، الذي يعاقب على شيء ليس بيده، فهو مجرد وعاء تلبسه ذلك المارد القذر..

اقترب مني سيف وجذبني من يدي كي أقف، عندما وقفت نفض تلك الأتربة عن ملابسي وقال لي:
_ أنا أعتذر منك عما حدث؟!

أجبته قائلا بهدوء مصطنع:
_ لا تعتذر أنا معتاد علي كل هذا وأكثر.

تمسك سيف بذراعي وقال برجاء:
_ من فضلك أخبرني، هل ترى إبنتي الآن ؟ هل تراها أم أنها لم تظهر هي وتلك الأرواح مجددا؟!

لم أشأ أن أحزنه فقلت له بثبات:
_ لا أراها اطمئن.

ماذا كنت سأقول له ؟! سأقول له أن إبنته الآن مسلسلة بسلاسل من الجمر، وتحترق أمامي وتصرخ وتتلوى من الألم، هي وكل الأرواح التي تقف خلفها..

ماذا سأقول له ؟! أقول له أنها تكتوي بتلك النيران التي تحيط بهم، وكأن ذلك المارد يهددني أن أصمت أنا والرهبان؛ كي يترك تلك الأرواح بحالها..

هل يري أي شخص غيري ما يحدث؟ أم أنني فقط من أرى كل ذلك الجنون ؟! جاءت إجابة هذا المارد علي سؤالي بأنه إختارني أنا، وهجم علي أنا تحديدا، ولم يهجم على أي شخص موجود غيري، لأنه يعلم أنني الوحيد الذي أستطيع أن أراه وأراهم من خلفه..

التفتُ على صوت ذلك الرجل الممسوس وهو يتلوى على الارض مجددا، ويصرخ فيهم بأصوات غريبة، ليس صوت واحد بل أصوات كثيرة متداخلة، وهو يتحدث بلغة لا أفهمها..

ثم انتفضنا جميعاً على هَبه من الهواء، وكأنه إعصار ضرب الجميع، ألقينا كلنا على الأرض، وما أن إستطعنا أن نفيق مما حدث حتى وجدنا هذا الرجل قد احمرت عيناه وكأنها امتلأت بالدم..

وقد إنتفش جسده، ارتفع في الهواء كأنه يطير، وهو يطالعنا كلنا بنظرات حاقدة شيطانية، ويتحدث بلغه لم يفهمها أحد، ولم نستمع عنها من قبل..

اقترب الرهبان منه مرة أخرى، وبدأوا في تلاوة صلواتهم مجددا عليه، تعالا صراخ هذا الرجل مجددا وهو يتوعدهم، حتى وجدت أذني تؤلمني بشكل رهيب، وعاد نزيفها مرة أخرى..

رفعت يدي كي أضغط على المحرمة لأوقف ذلك النزيف؛ فوجدت مادة حمراء قد علقت بيدي وتبدو غريبة للغاية تشبه الحصوات المطحونة..

تعرفت عليها ببساطة، فرجل مثلي رأى الكثير من تلك المواد المستخدمة في السحر، من السهل عليه أن يتعرف إلى تلك المادة والتي تجيب علي تساؤلي، من أين يستمد قوته؟!

عدت بنظري إلى الارض مجددا، وجدت فعلا تلك المادة منثورة عليها، إتبعتها بعيني حتى وجدتها تمتد إلى مسافة بعيده عني، وقفت وسرت بجوار ذلك الخط المبهم الذي شكلته تلك المادة، ظللت أسير حتى وجدت نفسي أنهيت الطريق بأكمله..

وجدت المادة تعبر طريقها إلى الناحية الأخرى، فإتبعتها وأخذت طريقي معها إلى الناحية الأخرى عابراً الطريق، ثم عدت بالطريق المقابل بنفس طوله الطويل، حتى رجعت إلى مكان ما بدأت..

كانت تلك الخطوط تشكل رسمة المستطيل، ويبدو أنها دائرة حماية تمده بالطاقة والقوة، ولكن على هيئه مستطيل وليست دائرة كما هو متعارف عندنا، من المؤكد قد رسمها الساحر ليحمي مارده من المتطفلين أمثالي..

تذكرت أنني حضرت حالة تشبه تلك الحالة كثيرا بمصر، ولكن كانت تحتمي بدائرة، كان بمنتصفها النجمة الخماسية حينها والكثير من الشموع..

ابتسمت بخفوت بعد أن وجدت الحل أخيرا، رفعت عيني للسماء وأنا أحمد الله علي هدايته لي علي الطريق الأنسب والصحيح، ثم تحركت داخل ذلك المستطيل، وقفت أمام الرجل الملبوس وأنا أطالعه بنظرات كلها تحدي وقلت له بقوة:

_ أنا أعرف جيدا أنك تسمعني، وأنك تفهمني بكل سهولة ويسر، يجب أن تستسلم من تلقاء نفسك؛ لأن نهايتك قد قاربت، كل ذلك الشر الذي تتغذى عليه سأنهيه وأنهيك أنت شخصيا.

كنت أعلم أنه يفهمني؛ لأنه من قبل بأول مرة أتيت إلى هذا المكان، حينما إخترق عقلي نطق بالعربية حينها، تعجبت كثيراً وقتها، لكن الآن أحمد الله أن ذلك قد حدث من قبل..

وجدته ما زال على لغته وهو يسبني ويتوعدني، رفعت عيناي بملل وهتفت به بحدة قائلا:

_ أنت تحدثت معي باللغة العربية من قبل، أرح نفسك وأرحني معك كي نفهم بعضنا البعض، إذا أردت أن تخبرني شيئا قبل أن أنهيك؛ فتحدث معي باللغة العربية،

لأنني لن أدع تلك الخطوط، أقصد خطوط الحماية المرسومة حولك وتزيد من قوتك؛ أن تساعدك، بل سأقضي علي تلك اللعنة حالا.

توقف مكانه وقد احتدت نظراته لي بعدما كشفت أمره، و قال لي باللغة العربية وبنبرة قاطعة بصوت مرعب:

_ لن تستطيع فعل شيء، وإلا غضبي سيطال الجميع هنا، وستكون مجزرة وسيقتل فيها كل هؤلاء، من الافضل لك أن تأخذهم وترحل من هنا، فهذه ليست أرضكم ولا مكانكم.

ضحكت بهيسترية وقلت له بسخرية أخفي بها خوفي:
_ وهذه أيضا ليست أرضك، ولا هذا المكان مكانك، ولا هذا العالم برمته عالمك، أنت جبان وضعيف، أخبرني لماذا تتشكل بهيأة غير هيئتك أيها القزم الدنيء؟!

كي تخيف الناس أليس كذلك ؟! كي تنشر الرعب في نفوسهم، كي تختبئ خلفها من ضعفك وهوانك أيها الذليل الحقير.

صرخ في وجهي صرخة، من قوتها ارتميت على الأرض، والجميع يتابع ما يحدث بتعجب، لأنهم لا يفهمون لغتي سوى سيف وسامح، فإقترب مني ببطء وهو ما زال يطفو في الهواء وقال بشراسة:

_ أنا أحذرك للمرة الأخيرة، إبتعد عن هنا، خذهم وابتعد عن هنا وإلا سيدفع الجميع ثمن تهورك الأعمى، لذلك أنا أحذرك للمرة الأخيرة.

كنت أزحف بظهري وأنا ما زلت ملقاً على الأرض؛ كي أوهمه أنني ضعيف، فإقترب مني وأخذ يقترب ويقترب وهو يقول بتوعد بصوت يشبه فحيح الافاعي ويناسب من فمه سؤال مقرفة:

_ سأحرقك حياً وأتلذذ برائحة شواء لحمك ايها الغبي.

خرجت بجسدي من تلك الدائرة، وجدته وقف عند تلك الخطوط ولم يتقدم خطوة أخرى، هنا وقفت وأنا أبتسم بزهو و انتصار..

فاقترب مني سيف وقال بتعجب:
_ عن أي خطوط تتحدث معه ؟! وماذا علينا أن نفعل كي لا يؤذينا ؟ والغريب أنه قد فهمك وأجابك باللغة العربية، لكنني لا أفهم معنى تلك الخطوط؟!

التفت ناحية سيف وقلت له بجدية:
_ نعم يستطيع التحدث بالعربية وبكل اللغات، لكن أولا يجب أن نخرج جميعا من تلك المنطقة.

ثم أشرت إلي سيف علي الخطوط المبهمة والخافتة باللون الأحمر علي الأرض وقلت له بحماس:
_ أترى ذلك الحد الذي أقف عنده، وأيضاً ذلك الحصى الأحمر الصغير، والمكون خطاً على طول الأرض، يجب أن نخرج جميعا من داخل تلك الحدود و حالا..

وأن نقف خلفها مباشرة، لأنه لن يستطيع الاقتراب منا إذا وقفنا عند هذا الحد، أتفهمني يا سيف، فأنا لا أستطيع التواصل معهم، وأنت من تستطيع.

أومأ سيف برأسه وقال بانصياع:
_ نعم، نعم سأخبر الجميع بما قلته حالا.

وبالفعل وقف بين ذلك الحشد، وتحدث معهم بلغتهم وهم يستمعون إليه بإنصات وبدأوا يتلفتون حولهم ويطالعون الخطوط بتعجب، ثم رأيت الجميع يخرج من تلك الحدود مسرعين، وهو يطالعنا بتحفز وخوف بعدما افتضح أمره..

حتى وقفوا جميعا بالخارج، كنت أطالع الصغيرة من خلفه، قد هدأ عذابها قليلا، وهي تحاول أن تهدأ بعد أن مرت بتلك التجربة القاسية، من الواضح أنه قد انشغل بما يحدث منا نحن، وتناسى بأنه يعذب تلك الأرواح خلفه..

اقترب مني سيف وسألني مسرعا:
_ وما هي الخطوة القادمة، لأننا لا نستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك؟!

أجبته قائلا بعد تفكير مقتضب:
_ يجب أن نحضر كمية كبيرة جدا من الملح، كي نضعها على تلك الخطوط، هذه هي الطريقة الوحيدة لكسر تلك الدائرة أتسمعني، أحضروا الملح وبأقصى سرعة.

التفت سيف ناحية بعض الاشخاص الواقفون بجوارنا، وتحدث معهم وجدتهم يركضون ناحيه سيارتهم، بالفعل إستقلوها وخرجوا مسرعين من تلك المنطقة، منطقة تشرنوبل..

بعد عشرة دقائق عادوا وكل منهم يحمل صندوق كبير به الكثير والكثير من أكياس الملح، بدأ كل شخص مننا يحمل علبة، ويحاول أن يغطي تلك الخطوط بالملح بأقصى سرعة..

لأنه لم يكن من الجيد أن نبقى بهذا المكان كل هذا الوقت، وسيصيبنا الإشعاع وسنتضرر جميعا، أنهينا العمل في وقت قصير، وهذا الشخص يصرخ فينا كي نخشاه ونتوقف..

لكننا أتممنا العمل ولم نتأثر به، عاد الرهبان لتلاوة صلواتهم وهم ينثرون على جسد هذا الرجل تلك المياه المقدسة التي يحملونها، عدت أنا وأغمضت عيناي وبدأت في تلاوة تلك الآيات مجددا،

حتى وجدنا هذا الشخص يصرخ وكأنه يتلوى من الحرق ويتضرع إلينا أن نتوقف ..

فتحت عيناي فوجدت هذا الشخص يسكن وجسده قد توقف عن الحركة تماما، ورأيت بعيني هذا المارد مجددا يقف إلي جواره كظله، ويطالعني بكره شديد، بعد أن تضاءل جسده حتى أصبح قزم وجسده كله شعر، ووجهه يشبه الخنزير وعنده ذيل طويل معقوف..

أخذ يتحرك بسرعه كبيرة حتى أن عيني لم تلتقط تلك الحركة من سرعته، وجدت النيران تشتعل به، وهو يصرخ إلى أن توقف عن الحركة..

وخرجت أذرع طويلة من الأرض وجذبته معها إلي جوف الأرض الحمراء من شدة النار التي تأكله بداخلها، إلى أن استقر بالأسفل واختفي تماما..

رفعت يدى لرأفت بأن يتوقف الجميع فقد انتهي كل شيء أخيراً، وتجمع الكل حول جسد الرجل الذي تلبسه المارد وحاولوا إفاقته وبالفعل إستجاب لهم وفتح عينيه بتثاقل وهو يتطلع حوله بتعجب ولا يتذكر أي شيء مما حدث..

ما أراحني ليس فقط أننا إستطعنا أن نتغلب عليه، أو نتخلص منه ومن لعنته، وأنا لازلت لا أعرف هل رأى أحد ما رأيته أم لا..

ولكن سقوط تلك السلاسل عن إلينا الصغيرة ورفقائها وسقوطهم على الأرض، بعد أن إنكسرت تلك السلاسل التي تحيط رقبتهم، هذا هو ما جعلني أبتسم براحة..

ولكني توقفت عند ظل كان مكبلا ويبدو عليه الهيبة والعظمة وكان يبتسم لي إبتسامة جانبية يغلب عليها المكر والدهاء ورفع سبابته كأنه يقول لي:
_ واحد أو الأول.
ثم اختفي ذلك الظل وسط الجميع ببساطة غريبة..

سرت ناحية إلينا ووقفت أمامها وأنا أطالع ذلك المكان الذي تقف فيه، وجدتها تبتسم إلى ابتسامه خفيفة، وقد عادت إليها ملامحها الجميلة، واختفت آثار التعذيب من عليها..

ثم نفشت فستانها الأزرق ولفت به وهي تضحك بعزوبة، حتى بدأ جسدها يرتفع في الهواء هي وكل الأرواح التي معها إلا أن سكنت في السماء واختفت بين السحاب..

وقف سيف بجواري وهو يطالع السماء أيضا كما أفعل أنا، وسألني براحة:
_ لقد تحررت إلينا، أليس كذلك يا سيد رامي؟!

عدت اليه وقلت له بابتسامة هادئة:
_ نعم، لقد تحرروا جميعا، إنها الآن في الجنة تنتظرك وتنتظر والدتها، إدعوا لها كثيرا وصلي صلاتك، ولا تبتعد عن الله مجددا.

أومأ سيف برأسه وقال بتأكيد:
_ لن أترك صلاتي مجددا، وسأهتم بطفلتي الثانية، وأعين زوجتي علي تخطي تلك المحنه بسلام بمشيئة الله.

ثم طأطأ علي ظهري وقال بامتنان:
_ أنا أشكرك كثيرا علي ما فعلته معنا، لا أعرف إن لم يهتدي ذهني أن أتواصل معك ماذا كنت سأفعل، شكرا لك مرة اخرى.

اقترب مني سامح وهو يلملم أدواته ويلتقط بعض الصور الفوتوغرافية وقال بنظرات مشدوهة خائفة:
_ لقد صورت كل شيء، أعتقد أن الكتاب هذه المرة سيحقق أرباح لن نتخيلها، فالقصة تبدو لأي شخص غيرنا خيالية، و لكن ما رأيته أنا بعيني فوق الخيال، أحسنت يا رامي.

أجبته مسرعا:
_ من سيدعي أنها خيالية سنريه التصوير والذي يعزز مصداقية قصتنا.

حمل سامح حقيبة الأدوات علي كتفه وقال بضيق:
_ معك حق، هيا بنا لنعود أدراجنا، فتواجدنا هنا أكثر من ذلك سيضرنا.

وبالفعل إستقلينا سيارة سيف وعدنا إلى البيت، كنا ثلاثتنا منهكين تماما، لذلك إلتزمنا الصمت وعم الهدوء، حتى وقفت السيارة أمام البيت وترجلنا منها ودخلت إلي البيت وارتمي سيف وسامح بجسدهما علي الارائك..

بينما وقفت أنا أمام صورة إلينا ولمستها وأنا أبتسم لها وكأنني أقول لها كما حميتني سابقاً، ها أنا إستطعت تحريرك وأستطيع الآن العودة إلى بيتي وإلي صغيرتي سجدة التي أشتاق إليها كما يشتاق والدك إليك الآن..

ولكنك الآن في مكان آمين يا صغيرتي، عدت إلى سماح وقلت له بإنهاك قوى:
_ متى سنغادر من هنا؟

تطلع سامح إلى ساعة معصمه وقال بتثاؤب :
_ نستطيع أن نغفو بضع ساعات، فطيارتنا موعدها في الساعة 7:00 صباحا، أمامنا بعض الوقت لنرتاح.

أجبته وأنا أجذبه من ذراعه:
_ إذا هيا بنا لنصعد للأعلى؛ فأنا أيضا أرغب في بعض الراحة.

وقف سيف أمامنا وقال:
_ وأنا سأذهب إلي نتاشا كي أطمأنها أن كل شيء قد إنتهي وأريها ذلك المقطع الذي صورته يا سامح عل قلبها تهدأ نيرانه.

خرج سيف وتركنا بالبيت، وبالفعل صعدنا إلى الأعلى و كل منا إتخذ فراشه سبيلا لأن يرتمي عليه بجسده، نمت وكأنني لم أنم منذ فترة طويلة..

حتى استيقظت على صوت سامح وهو يقول لي:
_ رامي، استيقظ الطائرة ستفوتنا، لقد تأخرنا.

تمطأت وأنا أجيبه بكسل:
_ لا تقلق لن نتأخر؛ فأنا حزمت أغراضي قبل أن أغفو، إنتظرني بالأسفل وأنا سآتي إليك.

تركت فراشي ودلفت إلى المرحاض اغتسلت وبدلت ملابسي، ثم خرجت إليه و قلت وأنا أجذب حقيبتي:
_ هيا بنا يا صديقي.

هبطنا الدرج فوجدنا سيف ينتظرنا علي طاولة الإفطار، جلسنا عليها وتناولنا فطورنا حتي إنتهينا ووقفنا لنودع سيف الذي وقف أمامي وقال بابتسامة ممتنة:

_ أرجو أن تسمح لي أن أطمئن عليك دائما، فأنا أصبحت أكنُ لك حباً أخوياً أكبر مما أستطيع وصفه، سأشتاق إليك كثيراً وأنت أيضا يا سامح سأشتاق اليك.

أجبته بابتسامة رائقة:
_ وأنا أيضا سأشتاق إليك يا سيف، ولن أنساك وسأتواصل معك دائما، لأطمئن عليك وعلي زوجتك وابنتك، بارك الله فيك وبارك بطفلتك، إلى لقاء قريب يا صديقي.

ثم خرجنا من البيت وصعدنا سيارة سيف، وأوصلنا إلى المطار، بعد أن أنهينا معاملات المطار، صعدنا إلى الطائرة مجددا..

عدت أتطلع إلى السحاب وأنا أشكر الله أنني سالم ومعافاً وأنا أحاول تخطي ما حدث معي؛ كي أعود إلى زوجتي وابنتي علي طبيعتي بعدما حدث معي خصيصا في بيت هذا الساحر، وغير متأثر بما مررت به..

ثم فتحت حاسوبي المحمول وتطلعت للصور الذى إلتقطها سامح حتي توقفت أناملي عند تلك الصور، لذلك الظل المبتسم وهو يقف خلفي كظلي بعد أن انتهيت من مهمتي هناك..
ابتلعت ريقي بتوتر وأنا أطالع ذلك الظل الذي يحدج بي حاليا وكأنه يخبرني بعينيه أنه لن يتركني، إلتففت ببطء وأنا أتطلع خلفي بقلق شاعراً بطاقة غريبة حولي..

ليعود لي نفس الهاتف، إلى متى سأظل هكذا ؟! إلى متى ستظل حمايه الله و رعايته تحيطني وتشملني، أخشى أن أدفع ثمن ما أنا فيه غاليا بمرة..

أن تفقدني زوجتي وأمي وأبي وطفلتي الوحيدة التي لا أريد أن أنجب غيرها، لأنني لا أعرف إن كنت سأستطيع أن أربيها حتى تكبر، أم أنني بمرة من مرات تجاربي سينتهي عمري.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي