أمارديا البارت الخامس عشر

"أمارديا" "البارت الخامس عشر"

ليس من السهل على المرء أن يعشق عدواً له!، فيُحصر بين واديين.. إن وقع اختياره على أحدهما لحقه جحيم الآخر!، أما إن لاذ بالفرار وقرر الابتعاد عنهما هُلك من قِبل أفكاره التي بالكاد ستودي به وتورده مورد الهلاك!.

كان وقع كلمات جويرية على مسمع بكر كالصاعقة التي تجتث كل ما هو ثابت لا يتحرك أو يؤثر فيه شيء على الإطلاق!، لقد شعر أنه حُصر بين مدى اشتياقه لها وعشقه الذي ينازعه يوماً بعد يوم وبين غريزة الإنتقام التي لا تتركه!.

اقترب ناصر بضع خطوات من بكر وهمس في أذنه قائلاً:
_سيدي..
فاقتضب بكر حديثه قائلاً:
_اصمت.

لم يكترث ناصر لما قاله بكر تواً وقال بهمس:
_سيدي أريد أن أخبرك بأن رجالي ينتظرون خارج الغابة، إن أعطيتهم إشارة سيأتوا على الفور، دعهم يأتوا وسترى كيف سيلقنون جويرية ورفيقها درساً لا يُنسى.

فأشار بكر برأسه يميناً ويساراً وقال موجهاً حديثه إلى ناصر بينما كان ينظر إلى عيني جويرية مباشرةً:
_لا تفعل ذلك، فهذه حرب بيني وبين جويرية ولن أدع شخصاً آخر يحارب في مواجهتها غيري.

كان حديث بكر مسموعاً بالنسبة لجويرية فقد فعل ذلك عن قصد!.
قهقهت جويرية بسخرية وقالت وهي تخرج سلاحاً أبيض من بين ملابسها:
_آمل أن تكون على علم بأن هذه الحرب لن تنتهي سوى بنهاية أحدنا!.

ضغط بكر على نواجزه بقوة وأخرج السلاح الأبيض الذي تركته جويرية فوق رأسه في فراشه بالأمس!.
نظرت جويرية نحو السلاح الأبيض الذي يمسكه بكر وتبسمت بسخرية قائلةً:
_عجباً! ألا تحمل سلاحاً خاص بك؟!.

لاحت ابتسامة خبيثة فوق شفاه بكر قائلاً:
_ليس تحديداً، ولكنني أرى أنه من الممتع أن أُريق دماؤكِ بأحد أسلحتكِ البيضاء!.
امتعضت جويرية وأحكمت قبضتها حول سلاحها الأبيض وسرعان ما هرولت نحو بكر وقامت بإصابته في ذراعه.

زمجر بكر غاضباً ولوّح بيده نحوها لكي يصيبها هو الآخر ولكن جويرية تمكنت من تفاديه بجداره!.

نظر بشار نحو بكر بكل ما أوتي من حقد وبُغض، وتذكر اليوم الذي صار محفوراً في ذاكرته ولم يتمكن من نساينه بعد أو تخطيه! فقد صار كالنقش على الحجر لا يُمحى أو يُسهى عنه!.

قبل أشهر حينما استيقظ بشار على إثر نحيب، فهو يعرف ذلك الصوت جيداً، حينها خرجت جويرية من بيتها والتقت ببشار الذي هلع هو الأخر على إثر ذلك النحيب.

إقتربا رويدا رويدا من الساحة وانغمسا وسط الناس حتى رأوا الفتاة التي نصبت على جزع النخلة، حينما رأوها صُعقا بكل ما أوتيت الكلمة من معنى، حتى أن جويرية سقطت أرضا وهس تحدق في الفتاة بعدما خارت قواها فجأة.

لقد كانت حليمة، نظرت إليهم وحركت رأسها بالنفي أي لا مفر من قدرها، كانت تردد بصوت خافت يكاد يصل إلى مسامع جويرية قائلة:
_ لقد خدعني، ومن ثَم جلبني إلى هنا.

نظرت حليمة نحو بشار الذي اغرورقت عيناه وحركت شفاهها بقولها:
_ لطالما أحببتك حبا جما ولكن قدري يأبى جمعنا سويا، لقد أحببتك دوما.

استطاع بشار أن يفهم ما قالته وذلك ما زاد من انكساره، كان يتلفت حوله يبحث عن أي وسيلة يخلصها بها ولكن قضي الأمر بلا شك.

أتى الحاكم وجلس على كرسيه كعادته وقال بصوت يكاد أن يقتلع آذانهم من شدة قوته وغصبه وثورانه:
_ كنت أود أن أوفر لكِ فرصة للنجاة وأخيرك بين الموت او الزواج، ولكنكِ خالفتِ العهد

لقد وهمتي شيخنا بأنكِ مقبلة على الزواج عن طيب خاطر ومن ثَم ولّيتِ بالفرار، هذه تعتبر خيانة عظمى ولا أظن أنه هناك رجل سيود الزواج من فتاة خائنة مثلكِ تماما، أمسك الحاكم بقوسه وسهمه وصوّب نحوها.

كاد بشار أن يتحدث ويخبر الحاكم أنه يود الزواج منها ولكنه تأخر فقد اخترق سهم الحاكم صدر حليمة وتناثرت دمائها، كانت جويرية تحدق في حليمة التي تنازع روحها للخلاص.

راودها شعور بالخوف لم تشهده من قبل حتى عندما قُتلا والديها لم تشعر بذلك الشعور، كانت كالذي فقد الوعي ولكنه ما زال يبصر بعينيه، فجأة انتفضت كأنها الأن حتى أدركت الأمر، نهضت من جلستها في الأرض وأخرجت سلاحها الأبيض ونظرت نحو الحاكم، كادت أن تصوّب لولا أن أمسك بها بشار وأخذها إلى بيتها.

انتبه بشار من شروده حينما رأى ناصر يقترب من خلف جويرية وينوي أن يداهمها دون أن تنتبه، فهرع بشار نحوه وداهمه من الخلف بمصباح زيتي جعله يسقط أرضاً مغشياً عليه!.

كانت جويرية تقاتل بكر ولكن حينما سمعت صوت ارتطام جسد ناصر سرعان ما التفتت إلى الخلف لكي ترى ما الذي حدث، ولكن بكر لم يفوّت فرصة ذهبية كهذه واقترب منها بحذر ومن ثَم داهمها بإحدى يديه جعلها عاجزة عن التحرك وبالأخرى وضع السلاح الأبيض فوق رقبتها!.

تسارعت أنفاس جويرية بينما تبسم بكر بخبث قائلاً وهو ينظر نحو السلاح الأبيض:
_يمكنني أن أقتلكِ الآن يا جويرية، ليس هناك فرصة أفضل من هذه.

تبسمت جويرية بسخرية على النقيض تماماً مما تضمره بداخلها وقالت:
_سحقاً! أتظن أنك رجلاً شجاع لأنك تمكنت من مداهمتي والإيقاع بي؟! أليس ما فعلته يخالف شيم الرجال الشجعان؟! أم أنك لست فرداً من بينهم؟!.

فجأة نظر بشار نحو بكر وهو يفكر فيما يمكنه أن يفعل لكي يخلص جويرية من بين يدي بكر!.



في بلدة "آشميرال"
كانا عمار وكلثوم لا يزالان يقفان في الشرفة يستمتعان بالنسمات الهادئة، مر وقت طويل ولم يأتي السائق بعد!.
أراد عمار أن يتبادل مع كلثوم أطراف الحديث، فلم يجد شيئاً يتحدث بشأنه سوى أن يطرح عليها ذات السؤال الذي طرحته هي أولاً!.

تنهد عمار قائلاً:
_أخبريني يا كلثوم! هل أحببتِ من قبل؟! أقصد هل تدركين المعنى الحقيقي للحب؟!.
اضطرب فؤاد كلثوم وتذكرت بعض الذكريات التي حدثت ذات يوم قبل أشهر.

استيقظت كلثوم تقاوم التثاؤب على صوت رنين هاتفها، كانت تعلم أنه بكر لأنها وضعت له نغمة رنين مميزة له وحده، ضغطت على زر الرد على الإتصال وقالت:
_ما الذي حدث؟! هل أصبحنا في نهاية العالم!! ما الذي دهاك كي تستيقظ هكذا في الصباح الباكر؟!.

تبسم بكر ضاحكاً وقال بصوت يغلبه النُّعاس:
_الأمر يتعلق بجويرية، أريد أن نساعدها سويا كي تجد أخاها.
ضمت كلثوم حاجبيها وقالت بعدم فهم:
_أخاها!! هل لديها أخ؟! لم أكن أعلم بهذا الشيء!! وكيف سنعثر عليه أقصد هل أعطتك صورة له؟!.

مسح بكر على وجهه بيده اليسرى وقال بنفاذ صبر:
_يبدو أن هذا سيستغرق منا الكثير، كيف سأحصل على صورة له من فتاة كانت تعيش في ظروف بدائية؟! هل جننتِ؟!.

ضربت كلثوم على جبينها بتذكر وقالت:
_أجل أجل، آسفة لقد نسيت هذا الأمر.
تنهد بكر قائلا بجدية:
_حسنا، فلنلتقي عند بيت جويرية.

نهضت كلثوم من الفراش واستعدت كي تذهب إلى منزل جويرية، كادت أن تضع من مساحيق التجميل خاصتها ولكنها تذكرت في الآونة الأخيرة وقالت بابتسامة:
_لا بُد أن أُذكر نفسي بذلك.

جلبت قلم وورقة وكتبت " لا تضعي مساحيق التجميل؛ أنتِ لستِ بحاجة إليها، فبدونها تبدين كالملائكة".
نظرت كلثوم لما كتبت وظلت تتأمله لبرهة ومن ثَم قامت بتثبيت تلك الورقة في الجانب الأعلى من المرآة حتى تتمكن من رؤية الكلمات هذه كلما نظرت من خلالها.

غادرت كلثوم منزل والدها واستقلت سيارة أجرة وأخذتها إلى منزل جويرية، وما إن دلفت للمنزل حتى تبادلت السلام مع جويرية وظلت تتحدث معها حول الكثير من الأمور، وبعد ذلك نهضت كلتاهما كي تقوما بإعداد وجبة إفطار شهية.

كان ذلك من أجمل ما يفعلانه بدلا من اللغط وتضييع الوقت هذا كان رأي كلثوم التي كانت تتضور جوعا، انتهوا من إعداد الطعام بعد مرور ساعة كاملة وقامتا بتنظيف المطبخ لأنه لم يكن في حالة جيدة بالمرة.

عادوا ثانية وجلسوا على الأريكة التي تقبع على مقربة من الباب، تحدثت كلثوم بغضب:
_لن أنتظر سوى خمس دقائق أخريات وإن لم يأتِ سأتناول الطعام كله بمفردي، إنه حقا غريب الأطوار؛ لقد ظننت أنني عندما آت إلى هنا سأجده في انتظاري ولكنني فوجئت من عدم وجوده.

لم تستطع جويرية أن تكتم ضحكاتها وقالت:
_فلتتحلي بالصبر قليلا، لن تجديه يطرق الباب الآن إن شاء الله.
فقالت كلثوم وهي تخرج هاتفها من الحقيبة:
_لن أنتظر، سأتصل به وأرى إن كان سيأتي الأن أم لا.

ضغطت كلثوم على زر الإتصال ببكر، ولكن لم يستجيب لاتصالها، فقالت جويرية وهي تجلب هاتفها من أعلى المنضدة التي تقبع أمامهما:
_دعيني أجرب.

بالفعل اتصلت به جويرية وسرعان ما أجاب على إتصالها، سألته كيف حاله وإن كان اقترب من المنزل أم لا فأخبرها أنه يكاد أن يصل وبعد ذلك أنهت الإتصال.

امتعضت كلثوم لأنه لم يُجب على إتصالها هي وسرعان ما أجاب على إتصال جويرية، فقد أدركت حينها أن جويرية استطاعت أن تحتل الجزء الأكبر في قلبه.

مرت ما يقارب إلى خمسة عشر دقيقة حتى فوجئت كلتاهما ببكر يطرق الباب بطرقات متتالية، نهضت جويرية واتجهت نحو الباب وقامت بفتحه.

صُعقت جويرية حينما رأت ذراعه الأيمن يحيطه شاش أبيض أو ربما ما يسمى بالجبس، فهي رأت شيئا شبيها لذلك حينما كانت في المشفى، شهقت جويرية بفزع وقالت بينما دلف بكر إلى الداخل:
_ما الذي دهاك؟! هل أنت بخير؟.

فنهضت كلثوم هي الأخرى وأمسكت ذراعه برفق وقالت:
_ما الذي حدث؟! لمَ لمْ تخبرني بذلك!! بالرغم من أننا تحدثنا منذ ساعات!.

اتجه بكر نحو المقعد وجلس عليه وقال:
_أنا بخير يا فتيات، الأمر لا يتطلب كل هذا الذعر!.
فقالت كلثوم وهي تستشيط غضباً:
_حقا!! لمَ تتصرف هكذا وكأن كل شيء على يرام! إن ذراعك الأيمن ملتف بالجبس أو لا أدري ماذا يسمى، ولكنك بالطبع لست بخير.

علا صوت كلثوم وهي تقول بغضب أكبر:
_لماذا لم تخبرني بذلك!!.
تنهد بكر قائلا وهو يختلس النظر نحو جويرية:
_في الأمس حينما غادرت من هنا، كانت الأمطار تسارع في الهطول، سرت ولم أنتبه للمياه فانزلقت قدمي وسقطت فوق ذراعي

ولكنني ذهبت إلى طبيب صديقي وقام بتعقيم الجرح وقومت بعمل أشعة كي أطمئن، أخبرني صديقي أن عظام ذراعي أصيبت فقط بالشعر وليس الكسر، لذا اطمئنوا يا فتيات أنا بخير.

شعرت كلثوم بالنيران تنشب بداخلها من أمر مجيء بكر إلى منزل جويرية في مساء البارحة ولكنها لم تظهر ذلك، بينما تمنت له جويرية الشفاء العاجل وذهبت برفقة كلثوم كي يعدا مائدة الطعام.

كان بكر يواجه صعوبة كبيرة في تناول الطعام بيده اليسرى، فسارعت كلثوم وجويرية سويا كي يطعماه، كان ذلك يسعد بكر كثيرا بينما كان تأثيره بالسلب على أفئدة الفتاتين.

وبعد انتهائهم من الإفطار، ذهبت جويرية إلى المطبخ كي تعد مشروبا ساخنا لثلاثتهم، وأثناء وثوبها أمام الموقد بعدما وضعت فوقه الماء، داهمتها الأفكار حول إصابة بكر بتلك الإصابة، لقد تذكرت الحوار الذي دار بينهما وخصيصا حديثه عن كلثوم فقد أثار غضبها ذلك

كان فؤادها مضطرب وخشيت أن يكون ما حدث له بسبب غضبها، كادت أن تضع يده على قلبها كي يهدأ ولكن وُضع إصبعها فوق القلادة التي أهداها إياها والدها قبل سنوات، نظرت جويرية إلى تلك القلادة وظلت تتأملها كثيرا وهي غارقة في أفكارها.

لم تنتبه جويرية من شرودها سوى حينما غلى الماء وأصدر صوتا.
كانت كلثوم تجلس على ذات المقعد الذي يجلس عليه بكر، فقالت وهي تحدق في الفراغ ولم تنظر إليه:
_ما الذي أتى بك إلى هنا في الأمس؟!.

امتعض بكر لأنه كان متأكداً من أن فضول كلثوم لن يهدأ سوى حينما تسأله عن ذلك، تذكر فجأة ما حدث في مخيلته بالأمس وتمنى لو كان حقيقةً.

انتبه من شروده حينما أمسكت كلثوم بذراعه الأيمن بقوة وقالت بعدما صاح بكر بألم:
_الأمر لا يتطلب شرودك أليس كذلك؟! لقد سألتك سؤالا بسيطا للغاية لماذا تجد صعوبة في الإجابة عليه؟!.

جذب بكر ذراعه بغضب حتى أنه تألم منه إثر ذلك ولكن لم يظهر وقال:
_ستعلمين كل شيء الآن، لماذا لا تتحلي بالصبر!! لماذا تريدين كل شيء بسرعة هكذا، إن الصبر نعمة كبيرة ولا بد أنكِ لم تحصلي على قسطا منها.

انتبهت كلثوم من شرودها حينما قال عمار:
_فيما أنتِ شاردة يا كلثوم؟!.
نظرت كلثوم نحو عمار وقالت بابتسامة:
_مثلك تماماً يا عمار، لم أحصل على الحب الحقيقي بعد!.

صمتت كلثوم وصارت تقول في قرارة نفسها بحزن:
_صحيح أنني ظننت لوهلة أني متيّمة ببكر وأيقنت فيما بعد أن هذا ليس صحيحاً!، ولكن.. لمَ أخشى أن يصيبه أذى؟!.. سحقاً.

انتبهت كلثوم من شرودها حينما دلف السائق إلى المنزل مهرولاً وهو يقول بنبرة لاهثة:
_أين أنتما؟!.
فسرعان ما خرجا من الشرفة واتجها نحوه.
ضم عمار حاجبيه قائلاً بهلع:
_ماذا بك؟! ما الذي حدث؟!.

فسرعان ما قال السائق وهو يحاول أن يلتقط أنفاساً منتظمة:
_لقد رأيتهم.. إنهم قادمون، عليكم أن تلوذوا بالفرار.
فصاحت كلثوم بغضب:
_كيف أتوا إلى هنا؟! كيف علموا بمكمننا؟!.

فقال السائق وهو ينظر نحو عمار:
_ربما تتبعوا هاتفك أيها الشاب؟!.
فضم عمار حاجبيه قائلاً بعدم فهم:
_ماذا تقصد؟!.

لم يستطع السائق أن يتحدث من شدة تلاحق أنفاسه، ولكن كلثوم أدركت الأمر وأمسكت بهاتف عمار وهرولت نحو الشرفة وألقت الهاتف بعيداً بقوة.

التفتت كلثوم نحو عمار وقالت بهلع:
_هذا سيوفر لنا بعضاً من الوقت، هيا بنا يا عمار.
أمسك عمار بيد كلثوم ولاذا بالفرار بعدما اطمئن على السائق وأوصاه أن ينتبه لنفسه جيداً.

...

في قرية "أمارديا"
تسللا يوسف وقمر إلى داخل القرية واتجها نحو الغابة.
حينما اقتربا تمكنت قمر من رؤية ثلاثة من الجلادين يقفون خارج الغابة!.

نظرت قمر نحو يوسف وكأنها تخبره بخطة ما، فسرعان ما أوما يوسف برأسه، وتسلل كل منهم من إتجاه مختلف وقاموت بقتل هؤلاء الجلادون، ومن ثَمأخذوا مصابيهم الزيتية ودلفوا إلى الغابة.

فوجيء يوسف ببكر يمسك بفتاة وجعلها عاجزة عن التحرك وبدا أنه ينوي قتلها وقد صار أمر التملص من ببين يديه أمراً مستحيلا، فسرعان ما زفر يوسف بقوة وأخرج سلاحاً حادة من حقيبته ألقاه صوب قد بكر!.

سرعان ما زمجر بكر بألم وسقط أرضاً يتأوه من شدة الألم!.
تحررت جويرية من بين يدي بكر وكان ذلك مفاجأً لها وشيء أشبه بمعجزة!.
التفتت جويرية للخلف فوجدت فتى يشبهها كثيراً يقف على بُعد بضعة أمتار!.

ضمت قمر حاجبيها وقالت بابتسامة بلهاء وهي تنظر نحو يوسف:
_لا أصدق! هل هذه جويرية؟! حقاً!.
انتفض يوسف وسرت قشعريرة في جسده بالكامل، فاقترب من جويرية بخطوات متباطئة وهو يأمل أن يركض ولكن لا يعلم لمَ خارق قواه هكذا فجأة!.

وثب يوسف أمام جويرية مباشرةً وهو يتأمل في وجهها!.
تنهد يوسف قائلاً بصوت تملؤه القشعريرة:
_هل أنتِ جويرية؟!.
تبسمت جويرية بعدما انهمرت دموعها وقالت ببكاء:
_لا بُد أنك يوسف!.

فانفجرت أسارير يوسف وكذلك جويرية! فسرعان ما قفزت جويرية بسعادة واحتضنت شقيقها بقوة وقالت بصوت منتحب:
_لقد قمت بإنقاذ حياتي! أنا مدينة لك على ذلك.

فصاح يوسف بسعادة أيضاً وهو يربت فوق رأس شقيقته:
_هذا واجبي نحوكِ، كان من المفترض أن أحميكِ منذ مسقط رأسينا ولكننا افترقنا.
فقالت جويرية ببكاء:
_لا عليك، فأنت اليوم قومت بإنقاذي من النوت وهذا يكفي!.

اقترب بشار من قمر قائلاً بتساؤل:
_ما الذي تفعلينه برفقة شقيق جويرية؟!.
ضمت قمر حاجبيها وقالت بتعجب:
_أظن أن هذا ليس من شأنك!.
فضغط بشار على نواجزه بقوة قائلاً:
_هل يعلم يوسف ماهية عملكِ؟!.

جحظت عيني قمر ونظرت نحو بشار وقالت بنبرة غاضبة:
_أنت لن تخبره بذلك!.
تبسم بشار بسخربة قائلاً وهو يهمس في أذن قمر:
_هل يعرف أسمكِ الحقيقي؟!..

صمت بشار لبرهة ومن ثَم تابع بقوله:
_لا.. لا أظن ذلك، إذاً ما رأيكِ في أن ندعه يعلم بأمر عملكِ.
تجلى حاجب قمر الأيمن وقالت بنبرة حادة:
_يمكنك ذلك وبكل سرور.. لن أردعك، ولكن حينها سأخبر جدي بأنك أحد زبائني الذين أعتاد مجيئهم؟!.

تبسم بشار قائلاً بخبث:
_بالطبع يمكنكِ ذلك، ولكن أود أن أخبركِ شيئاً، إن جويرية فتاة قوية، تبغض الأعداء، فإن علمت بشأن عملكِ متأكد من أنها لن تتردد للحظة واحدة في فعل ذلك!.

ارتعدت قمر وقالت بهمس:
_حسناً.. يمكننا أن نجد حلاً مناسباً لكلينا، ما رأيك في ذلك؟!.
فقال بشار وهو ينظر بخبث نحو قمر:
_أخبريني فقط ما الذي تفعلينه برفقة يوسف؟! ما الذي تنوين فعله؟!.

تبسمت قمر وقالت بنبرة هادئة:
_لا شيء، ولكنني شعرت مؤخراً وكأنني صرت متيّمة به!.
جحظت عيني بشار قائلاً:
_ماذا؟!.

صغيرة_الكُتَّاب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي