أمارديا البارت الثامن والعشرون

"أمارديا" "البارت الثامن والعشرون"

التفت يوسف نحو شقيقته ولاحظ أنها شاردة فغمغم قائلاً:
_جويرية.. هل هناك خطب ما؟!.
انتبهت جويرية من شرودها ونظرت نحو شقيقها وقالت:
_لا، كل شيء على ما يرام.

أومأ يوسف برأسه قائلاً:
_حسناً ساعديني حتى أضع ذلك الشخص هنا فوق ذلك الحجر.
نظرت جويرية نحو الحجر الذي أشار إليه يوسف فسرعان ما تذكرت حينما جلس فوقه بكر حينما كانا يتناولات الطعام سوياً أثناء مكوثهما في هذا الكهف.

انتبهت جويرية من شرودها ثانيةً وساعدت يوسف في وضع ذلك الشخص فوق ذلك الحجر.
أخرجت جويرية زجاجة ماء من حقيبة الظهر خاصتا بعدما وضعت المصباح جانباً حتى ينير الكهف بالكامل.

نظرت جويرية نحو يوسف فأزال الوشاح الذي يغطي وجه ذلك الشخص.
كادت جويرية أن تسكب الماء فوق وجه ذلك الشخص لولا أنها توقفت فجأة وقالت بذهول:
_فتاة!!.

جحظت عيني يوسف قائلاً:
_فتاة!! تتسلل إلى القرية في مثل هذا الوقت؟!.
ألقت جويرية نظرة على ملابس الفتاة ثم قالت:
_ثيابها ليست كثياب أهالي القرية أو حتى السكان الأصليون، أظن أنها من بلدة أخرى!!.

احتل الغضب ملامح يوسف، فسرعان ما التقط زجاجة المياه من يد جويرية وسكبها فوق وجه الفتاة.
انتفضت الفتاة وصارت تتلفت يميناً ويساراً وحاولت أن تفك وثاق يديها ولكنها لم تستطع.

تسارعت أنفاس الفتاة وصاحت قائلةً:
_من أنتما؟! كيف تجرأتما على فعل هذا بي، هيا فكا وثاقي ودعوني أرحل.
تبسم يوسف بسخرية قائلاً:
_لم نمسك بكِ حتى نترككِ هكذا يا فتاة، هيا أخبرينا ما الذي كنتِ تفعلينه؟ وما الذي جعلكِ تتسللين إلى القرية في المساء؟!.

ضمت الفتاة حاجبيها وقالت بغضب ونبرة حادة:
_ولمَ قد أخبركما بذلك؟!.
تبسم يوسف بسخرية قائلاً:
_إن لم تخبرينا سنترككِ هنا ونرحل.

صمت يوسف لبرهة ثم أردف قائلاً:
_بالمناسبة.. ليس هناك أحد يمر من هذا الطريق أبداً، وإن لم تموتين أثر الخوف والرعب حتماً ستموتين من الجوع والعطش.
تنهدت الفتاة ولاهت ابتسامة ساخرة فوق شفتيها ولم تزعن وهذا ما أثار غضب يوسف.

كاد يوسف أن يقترب نحو الفتاة لولا أن أمسكت جويرية بساعِده وهمست له قائلةً:
_أخي.. سأتحدث أنا إليها، يمكنك المكوث خارج الكهف لحين أن أنتهي من حديثي معها.
كاد يوسفىأن يتحدث لولا أن أردفت جويرية بقولها:
_رجاءً.

فزفر يوسف بقوة وقال بنبرة حادة بينما كان ينظر نحو الفتاة:
_حسناً، ولكن لا تصدقي أي حديث تقوله لكِ، الفتيات يجيدون الكذب ببراعة.
فقالت جويرية بنبرة خافته:
_ليست جميع الفتيات مثل قمر يا أخي، يمكنك الآن أن تخرج من الكهف، هيا تضيع الوقت.

خرج يوسف وهو يستشيط غضباً بينما اقتربت جويرية من الفتاة وجلست أمامها القرفصاء وقالت بنبرة هادئة بعدما حررت يدي الفتاة:
_هل يمكنني أن أتحدث إليكِ قليلاً؟!.

ضمت الفتاة حاجبيها وأمسكت بمعصمها وصارت تمرر أصابعها عليه فقد صار يؤلمها أثر الحبل.
لم تزعن الفتاة وهذا ما جعل جويرية تتابع قولها:
_يمكنكِ الرحيل الآن إن أردتِ.

اتسعت عيني الفتاة فأردفت جويرية بقولها:
_ولن يردعكِ شقيقي أبداً، ولكن دعينا نتبادل أطراف الحديث أولاً.
تنهدت الفتاة وقالت بنفاذ صبر:
_ما الذي سنتحدث عنه؟!.

تنهدت جويرية وقالت بنبرة هادئة:
_فقط أخبريني أولاً ما اسمكِ؟!.
تنهدت الفتاة وشعرت أن جويرية فتاة جيدة فقالت:
_أُدعى قدَر.

تبسمت جويرية وقالت:
_إسمكِ جميل جدا يا قدَر، كم عمركِ؟!.
فقالت قدَر بابتسامة:
_لقد أتممت عامي التاسع عشر منذ عدة أيام.
ربتت جويرية فوق يدي قدَر وقالت بابتسامة:
_وأنا أدعى جويرية أبلغ من العمر عشرون عاماً، أي أكبركِ بعام واحد.

صمتت جويرية وأشارت نحو يوسف الذي يقف بالخارج وتابعت بقولها:
_وهذا شقيقي، نحن توأم.
فاقتضبت قدَر حديث جويرية وقالت:
_أجل أنتما متشابهان، ولكنه لا يشبهك في الطباع.

ضمت جويرية حاجبيها وقالت بعدم فهم:
_ماذا تقصدين؟!.
فزفرت الفتاة بقوة وقالت:
_أقصد أنكِ لينة وحنونة تحملين قلب طيب لكنه ليس كذلك أبداً، لقد شعرت أنه يود أن يمزقني إرباً على الرغم من أنني لم أفعل له شيء!.

قهقهت جويرية وقالت:
_هو فقط غاضب بشأن بعض الأمور، ولكنه في الحقيقة يملك قلب أرق من الفراشات.
صمتت جويرية لبرهة ثم تابعت بقولها:
_قدَر.. نحن لن نؤذيكِ أبداً، كل ما في الأمر أننا ظنناكِ شخص ما.

ضمت قدَر حاجبيها بعدم فهم فأردفت جويرية بقولها:
_حسناً سأخبركِ بشيء من التفصيل، هناك شخص ما يتتبعني، لم أراه ولكنني أرى خياله دائماً، وحينما كنا أنا وأخي نمكث في السيارة رأيتكِ تتسللين نحو القرية فظننتكِ الشخص ذاته

حتى أننا لم نكن نعلم أنكِ فتاة سوى حينما أزلنا الوشاح عن وجهكِ، أنتِ طويلة القامة لم نظن أن ذلك الشخص هو أنتِ!! أنا حقاً آسفة لما فعلناه بكِ.
تبسمت قدر وقالت:
_لا عليكِ، ليس هناك مشكلة.

نظرت جويرية في عيني قدَر وقالت:
_لماذا كنتِ تسللين إلى القرية؟ ما الذي تسعين إليه؟!.
صمتت قدَر وشعرت بالحرج فأردفت جويرية بقولها:
_لا تقلقي أقسم لكِ أننا لن نؤذيكِ ولكننا نريد أن نذهب إلى القرية أيضاً، فربما نساعد بعضنا البعض، عليكِ أن تثقي بي.

صمتت جويرية حتى تتحدث قدَر ولكنها كانت مترددة بعض الشيء.
تبسمت جويرية وربتت فوق كتف قدَر وقالت:
_يمكننا أن نصبح فريقاً واحداً، عليكِ فقط أن تثقي بي.

تنهدت قدَر وقالت بابتسامة:
_أشعر أنكِ جديرة بالثقة ولكنني خائفة من أن تكونان من أهم القرية وبعدما تأخذان جميع المعلومات التي أحملها تقدمونني قرباناً للساحر اللعين!.

قهقهت جويرية ولكن تلاشت ابتسامتها فجأة وضمت حاجبيها وقالت بعدم فهم:
_ماذا تقصدين بقولك قرباناً للساحر؟!.
أجفلت قدَر جفنيها وكأنها في صراع داخلي بين أنها تريد إخبار جويرية بكل شيء تعرفه وبين أنها تخشى الندم فيما بعد، وفي النهاية قررت أن تخبر جويرية بكل شيء.

تنهدت قدَر وقالت:
_حسناً سأخبركِ بكل شيء ولكن عديني بأنكِ لن تذهبي من هنا بدوني.
تبسمت جويرية وقالت:
_حسناً أعدكِ بذلك.

نظرت جويرية نحو يوسف فدلف إلى الكهف وجلس بجانب شقيقته.
جحظت عيني قدَر فطمأنتها جويرية بقولها:
_ليس هناك داعِ للقلق إنه أخي ولن يؤذيكِ أبداً.

زفر يوسف بغضب ولم يعقّب بينما تمتمت قدَر بقولها:
_أتمنى ذلك حقاً.
استطاع يوسف أن يستمع إلى كلماتها ولكنه اتدعى أنه لم ينتبه بينما قهقهت جويرية وقالت:
_يمكنكِ أن تفصحي عما بداخلكِ الآن.

تنهدت قدَر بينما اختلست النظر نحو يوسف وحينما نظر إليها اتدعت أنها تنظر نحو جويرية وقالت بحذر وصوت خافت:
_منذ عامين كنت في رحلة إلى بلدة "آشميرال"، كنت أزور المكتبات وأتصفح الكتب القديمة ووقع تحت يدي كتاب اسمه "أمارديا٢"

لم أقم بفتح الكتاب على الرغم من أنني فتاة فضولية جداً وقومت بالبحث عن الجزء الأول لهذا الكتاب ووجدته بعد عناء ومرور عدة أشهر من بداية البحث.

صمتت قدَر لكي تلتقط أنفاسها ثم تابعت بقولها:
_انتهيت من قراية الجزء الأول في ليلة وضحاها ثم قومت بتصفح الجزء الثاني، لقد كان ذلك أشبه بقصة خيالية أقرأها ولكنني تحققت من تاريخ نشر الكتاب وقد كان حينها تم طبعه قبل ذلك بعام ونصف على ما أتذكر.

تنهدت قدَر ثم أردفت:
_لقد قومت بزيارة دار النشر التي قامت طباعة ذلك الكتاب وتحريت عن ذلك الأمر وعلمت أنه هناك شخص يدعى بكر قام بكتباته حتى أنه قام بطبع مليوني نسخة منه، لقد كان يبحث عن فتى، على ما أتذكر أنه كان شقيق حبيبته..

صغيرة_الكُتَّاب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي