أمارديا البارت السادس والخمسون

"أمارديا" "البارت السادس والخمسون"

في بلدة "آشميرال" تحديداً في المشفى.
شعر عمار وكأنما سكب أحدهم قدراً من الماء البارد فوق رأسه فغمر جسده بالكامل كما أنه اقشعر بدنه بشدة!.
لم يستطع عمار أن يجد كلمات ملائمة لكي يقولها أو أنه لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يقوله!.

لاحظ الطبيب تلك الحالة التي صار بها عمار فهذا شيء طبيعي بالنسبة لرجل فقد طفله الذي لم يتكون في رحم زوجته بعد!.
تنهد الطبيب واقترب من عمار ثم ربت فوق كتفه قائلاً بنبرة صوت حزينة:
_هل تزوجتما حديثاً؟!.

فأومأ عمار برأسه وقال بنبرة صوت يملؤها الألم:
_لم يمر شهران بعد.
فتنهد الطبيب وقال بنبرة صوت يملؤها الأمل:
_حسناً لا تحزن فأنتما لا تزالان في مقتبل عمركما وبالتأكيد سيرزقكما الله بخير منه.

أومأ عمار برأسه وقال:
_إن شاء الله..
صمت عمار بينما همّ الطبيب بالرحيل فسرعان ما قال عمار بتساؤل:
_هل يمكنني أن أطمئن عليها؟!.

فقال الطبيب بنبرة رسمية:
_الممرضات سيخرجونها الآن من الغرفة لكي نأخذها إلى القسم الخاص بالتحاليل والأشعة لكي نتأكد من أنه لا يعتريها خلل من الداخل وخاصةً في رأسها.

فضم عمار حاجبيه بتساؤل وقال:
_هل هذا يعني أنها فاقدة الوعي؟!.
فقال الطبيب:
_أجل، بعدما نقوم بعمل الأشعة اللازمة سنأخذها إلى غرفة خاصة بها وستتمكن من الإطمئنان عليها حينئذ..

اقتضب الطبيب حديثه حينما خرجت الممرضات يجرون الفراش الذي يحمل كلثوم، فسرعان ما نظر إليها عمار ولاحظ الخدوش التي ملأت وجهها.

توقفت الممرضات امام عمار، فسرعان ما اقترب من كلثوم وقبّل جبينها وكفيها ثم همس لها قائلاً:
_ستكونين بخير يا عزيزتي.

تم نقل كلثوم إلى قسم الأشاعات وتم إجراء كل الأشعات اللازمة وبحمد الله لم يكن هناك اي شيء بل كانت بأفضل حال من حيث الأشعة، ثم تم نقلها إلى غرفة عادية.

بعد مرور حوالي ساعتين من إجراء الأشعات استعادت كلثوم وعيها وصارت تتلفت يميناً ويساراً دون أن تحرك ساكناً، كانت فقط تستوعب أين هي!.

حاولت كلثوم أن تتحرك ولكنها شعرت بألم في كاحلها الأيسر ورأت الجبيرة التي حول ذراعها!.
تأوهت كلثوم فجأة حينما حاولت أن تنهض وشعرت بألم أسفل بطنها، فوضعت يدها في مكان الألم وصارت تتحسسه برفق.
فجأة استيقظ عمار فقط كان جالساً بجانب فراشها وغفي دون أن يشعر!.

انتبه عمار لكلثوم وسعد كثيراً لأنها استعادت وعيها وسرعان ما نهض من مقعده وهبط بجسده نحوها وصار يمسد فوق شعرها برفق وقال بنبرة صوت هادئة يبعث الحنان من خلالها:
_عزيزتي هل إنتِ بخير؟!.

اغرورقت عيني كلثوم ثم فاضت بالدمع وتعالت حشرجاتها شيئاً فشيئاً وصارت تقول كلمات متقطعة من شدة انتحابها:
_لـ.. لست بخير.. يا عمار، تـ.. تلك السيدة تلاحقني، لا تجعلني أهنأ أبداً وكأنها تنوي أن تقتلني.

فربت عمار فوق رأسها برفق وقال بنبرة صوت تملؤها الحيرة:
_أخبريني يا عزيزتي، ما الذي حدث.. ولكن اهدأي أولاً.

حاولت كلثوم أن تلتقط أنفاسها بهدوء ثم قصت كل ما حدث على مسامع عمار وبعدما انتهت قالت:
_لم يعد بمقدوري أن أتحمل يا عمار، لقد نفدت طاقتي بالكامل، لقد ظهرت على هيئة جدتي! وأخبرتني أنها تريدني أن أذهب إلى قرية "أمارديا".

فقبّل عمار جبهة زوجته وقال بحنو:
_اهدأي يا عزيزتي، سيكون كل شيء على ما يرام أعدكِ بذلك.
زفرت كلثوم بقوة من شدة الألم الذي تشعر به أسفل بطنها، فقد أرادت أن تخبر عمار عنه ولسنها استحت منه فآثرت أن تصمت!، ولكن ملامح وجهها تدل على أنها تشعر بالألم الشديد وكذلك وضعها ليدها فوق منطقة الألم!.

انتبه عمار لذلك فاغرورقت عينيه ولكنه أشاح برأسه بعيداً وأزال دموعه لكي يتظاهر بالقوة حتى لا تتأثر كلثوم بذلك، فيجب عليه أن يبث فيها الأمل!.

أمسك عمار بيد كلثوم وقبّل كفها وقال بنبرة حزينة ولكنه ابتسم بالرغم من ذلك:
_عزيزتي، تعلمين أن كل شيء يحدث لنا مقدر من الله وكيفما كان فهو خير لنا أليس كذلك؟!.

فضمت كلثوم حاجبيها بعدم فهم وقالت بتساؤل:
_عمار.. ما الأمر؟! أرجوك أخبرني، هل هناك خطب ما؟! أمي بخير أليس كذلك؟!.
فسرعان ما قال عمار بنبرة صوت مطمْئنة:
_أجل يا عزيزتي لا تقلقي، والدتكِ بخير، الإمر لا يتعلق بها بتاتا.

فقالت كلثوم وقد تسارعت ضربات قلبها:
_إذاً ما الأمر أرجوك أخبرني يا عمار.
زفر عمار بقوة فكم يشعر بثقل هذه الكلمات على قلبه وكيف سيكون تأثيرها كذلك على كلثوم!

فلطالما كانت تُحدثه أنها تنتظر أن تحمل طفلاً بين أحشائها وكانت تخبره دائماً عن أحلامها حينما تنجب أطفال وكيف كانت ستعاملهم وستجعلهم أشخاصاً تفخر بهم في المستقبل!.
انتبه عمار من شروده حينما سددت له كلثوم ضربة رقيقة فوق صدره وقالت:
_عمار هيا أخبرني ما الأمر!.

نظر عمار في عيني كلثوم وقال بنبرة صوت خافتة:
_لقد كنتِ تحملين طفلنا بين أحشائكِ.. ولكن حينما قفزتِ من الطابق الثاني..
صمت عمار ولم يستطع أن يكمل حديثه واغرورقت عينيه رغماً عنه.

شهقت كلثوم بفزع واغرورقت عينيها ثم انهمرت دموعها دون توقف ونظرت إلى عمار وقالت بنبرة صوت يملؤها الحزن:
_تعلم كم تمنيته أليس كذلك؟!.
فأومأ عمار برأسه وقبّل رأسها ثم قال بحزن:
_هذه ليست النهاية يا كلثوم، إن شاء الله سنُرزق بخير منه، هذا ما قاله الطبيب.

زفرت كلثوم وقالت بنبرة حادة:
_كل هذا حدث بسبب تلك السيدة اللعينة.
فتنهد عمار وقال بقلة حيرة:
_ماذا عسانا أن نفعل؟!.
فنظرت إليه كلثوم وقالت بغضب متقع:
_سنذهب إلى قرية "أمارديا".

...

في قرية "أمارديا".
عاد بكر إلى منزل عائشة فقد ظن لوهلة بأنها تحتجز جويرية هناك، وإن كان ذلك حقاً فبالتأكيد سيستطيع أن يجدها هناك.
حاول بكر أن يبحث في أرجاء المنزل ولكنه كلما اتجه في جهة ما وجد بعض الحراس والجلادين هناك!.

اتجه بكر إلى غرفة نومه بعدما خاب رجاءه في أن يجد جويرية.
دلف بكر إلى الغرفة فوجد عائشة أمام المرآة تمشط شعرها وتضع مساحيق التجميل خاصتها!.
زفر بكر بقوة واتجه نحو الفراش وجلس وهو شارد الفكر.

مر بعض الوقت ولم يتحدث أي منهما إلى أن اخترقت عائشة ذلك الصمت وقالت بنبرة صوت مرتعدة:
_عزيزي.. أنا حقاً آسفة..
فنظر بكر نحو عائشه باهتمام لكي تكمل حديثها فتابعت هي بقولها:
_لقد تمكنوا من الهرب!.

ضم بكر حاجبيه وكاد إن يسأل عائشة عن من تتحدث ولكنه تذكر في اللحظة الأخيرة وأدرك عن من تتحدث عائشة تحديداً ولكنه ظل ناظراً إليها لكي تتابع حديثها فقالت:
_لقد لاذا بالفرار ولم يتمكن رجالنا من الإمساك بهم.

فاتدعي بكر أنه تفاحأ بذلك الخبر ونهض من الفراش وقال بعينين جاحظتين ونبرة صوت حادة:
_كيف حدث ذلك؟! وكيف لم يتمكن الحراس والجلادين من الإمساك بهم؟! ما النفع الذي يعود من ورائهم إذاً إن لم يتمكنوا من الإمساك بجويرية ورفاقها؟!.

ضمت عائشة حاجبيها وقالت بخبث:
_جويرية ورفاقها؟! عزيزي.. أنا لم أذكر اسم جويرية أو أي من رفاقها!.
جحظت عيني بكر وظن لوهلة أن عائشة صارت تعلم بكل شيء ولكنه تمالك نفسه وقال:
_لقد ظننت أنكِ تتحدثين عنهم!، إذاً من الذي لاذ بالفرار؟!.

فتبسمت عائشة وقالت:
_لا يا عزيزي لقد كنت أتحدث عنهم بالفعل، سيحاول الحراس والجلادين أن يجدونهم في أسرع وقت لا تكترث لذلك الأمر.
زفر بكر بقوة وقال بنبرة حادة:
_تعلمين كم أنا بحاجة إلى جويرية أليس كذلك؟؟..

صمت بكر لوهلة ثم صاح بغضب قائلاً:
_عائشة، إن لم تجدينها في أسرع ما يمكن فلن يعجبكِ ما سأفعله.
خرج بكر من الغرفة بعدما تفوه بكلمته الأخيرة.

ظلت عائشة ناظرةً نحو بكر إلى خرج من الغرفة وأوصد الباب جيداً.
اتسعت ابتسامة عائشة وهمست بخبث:
_عزيزي.. ألم أخبرك مسبقاً أنك حينما تكذب أو تسعى لفعل ذلك لا يفلح الأمر معك؟!.
صمتت عائشة ثم أكملت وضع مساحيقها.

صغيرة_الكُتَّاب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي