الفصل11 ج2 القتل الرحيم

(١١)


"القتل الرحيم"



وقف معز أمامه وقال بتلهف :
_ هل هذا مجرد تخمين ؟ أم هناك دلائل على ما تقول ؟

تطلع عبد الرحمن ناحية القطة واقترب منها واخذ يمرر يده على شعراتها ثم قال :
_ لا أعرف، ولكن تلك القطط ذات الشعر الطويل لا تتأقلم مع الحرارة ولا تحبها .

ثم تركها وطالعهم قائلا بجدية :
_ وإن كانت درجة الغرفة قد عادت إلى طبيعتها في هذا الجو الحار، أو ربما استخدم القاتل المكيف على وضعيه المدفئة؛ فذلك سيجعل الجو أكثر حرارة .

ثم عاد بنظره للقطة وقال :
_ لذلك فإن القطة كانت ستمرض، ولكنني لاحظت أنها طبيعية ولا يبدو عليها آثار الإعياء أو التضرر بأي شكل .

أسرعت بسمة قائلة :
_ هذا لأنها في تلك الليلة كانت معي في غرفتي، إنها مرتبطة بوالدي ارتباط كبير .

ثم تنهدت بأسى وقالت :
_ وهو أيضا مرتبط بها، ولكن تلك الليلة حدث شيء غريب جدا وغير متوقع منه على الإطلاق .

سألها معز قائلا :
_ وما هو هذا الشيء ؟

أجابته بجدية :
_ لقد جاءني اتصال من أبي وقال لي أن أخذ القطة من غرفته في القصر إلى غرفتي؛ لأنه ربما يتأخر في السهر هنا بالملحق .

زفر عبد الرحمن بملل وقال :
_ ولماذا قد يفعل ذلك ؟

جلست بسمه على طرف الفراش وهي تسحب الغطاء فوق جثة والدها وقالت :
_ الغريب بالأمر حينها، أنني كنت اتعجب من نبرة صوته، لقد كانت مختلفة بعض الشيء .

ثم التفت بجسدها ناحيتهم وقالت :
_ والأكثر غرابة أن الاتصال قد جاء من رقم مجهول الهوية، وأبي ليس لديه هاتف به رقم مجهول أو مخفي !

تطلع معز بيزن واخذ يفكر حتى قال معز :
_ إذا فالقاتل تصنع صوت والدك، أو قلده ربما؛ كي تأخذين القطة ولا تتأذى .

ابتسم يزن بسخريه وقال بتعجب :
_ قاتل بقلب حنون على الحيوانات، رغم بشاعة تفكيره وطرقه في القتل .

قال له عبد الرحمن بتسرع :
_ وأين البشاعة في الأمر، هذه ثالث حالة لهذا القاتل، والثلاثة قتلوا بطريقة آدمية بعض الشيء .

وقفت بسمة أمامه وقالت بحدة :
_ وهل هناك طرق للقتل آدمية ؟ أن يرقد أبي بهذا الشكل جثة هامدة لا حياة بها .

ثم تحكمت بدموعها وتابعت قائلة :
_ لتأتي أنت وتقول أن تلك الطريقة كانت آدمية ! أنا لا أفهمك .

شعر عبد الرحمن بالإحراج فقال :
_ أنا أعتذر منك، أقصد أنه لم يقلد القاتل الأول في التمثيل بالجثث وتقطيعها .

رفع معز عينيه بملل من كلماته القاسية، فأسرع قائلا للتوضيح :
_ بل اختار لهم موتة أقل بشاعة في تنفيذها ليس أكثر .

عادت وجلست على طرف الفراش، وتمسكت بكف والدها من تحت الغطاء وقالت :
_ أنا اعتذر على انفعالي .

ثم بكت رغما عنها وقالت :
_ كان والدي كل شيء لدي في الدنيا، ولا أعرف كيف سأكمل حياتي بدونه ؟

اقترب معز منها وهو يقول :
_ اذكري الله يا آنسة، وحقه إن كان قد قتل على يد هذا الرجل كما خمن عبد الرحمن سنأخذه منه .

ثم رفع عينيه وتطلع بالبعيد وقل بعزم وقوة :
_ مهما طالت المدة، سنأخذه .


كان معز لا يشعر بالراحة ولا بالأمان ولا بالطمأنينة سوا برؤيتها، ورؤيه احتياجها له ..

فقد كان ذلك الشعور هو ما يعينه على تكمله حياته، بعدما تركته والدته وذهبت للعيش مع يزن ..

دخل إلى المبنى فوجد الطبيب كمال أمامه فهرول ناحيه قائلا :
_ يا دكتور من فضلك، هل لي بدقيقه ؟

وقف كمال وابتسم له وقال :
_ مرحبا يا حضرة الضابط، بالطبع لك كل الوقت .

وقف معز أمامه وقال بتلهف :
_ أخبرني عن حالة ولاء اليوم .

اعتدل كمال في وقفته وقال بعملية :
_ اصبحت إهدء بكثير، لا تتحدث مع أحد وأنا أعرف أن هذا الهدوء خلفه عاصفة كبيرة لو فاتحها أحد بخصوص تلك الحادثة .

تنهد معز مطولا ثم قال :
_ وإلى متى سيظل الحال هكذا ؟ نحن نريد أيضا التحقيق معها فهي الشاهدة الوحيدة، والتي ربما تكون رأت القاتل .

أكد كمال على حديثه قائلا :
_ بل بالفعل هي رأته، تلك الحالة التي هي عليها تؤكد أنها رأت أسرتها وهي تقتل .

ثم حرك كتفيه وتابع :
_ وبذلك فمن المؤكد أنها رأت القاتل، ولا أعرف كيف غفل عنها وأنها معنا .

اسرع معز قائلا :
_ إذا فهذا أدعى لأن تخبرنا من هو، لأنه كما ترى مستمر في عمليات قتله .

ثم شرد بالبعيد وقال :
_ ونحن نأمل أن تتحدث حتى نستطيع ايقافه، أو على الأقل معرفة من هو .

تطلع الطبيب ناحية باب غرفتها وقال :
_ كل ما يهمني هو مصلحة المريض، وليس من مصلحتها أن نتحدث معها الآن .

ثم ابتسم وقال بمكر عابث :
_ هناك شيئا آخر أريد أن أخبرك إياه .

قال له معز بترقب :
_ تفضل أنا اسمعك .

أخرج كمال هاتفه وعبث به قليلا ثم وضعه أمامه، كان على شاشته مقطع مصور لمعز وولاء عندما دخل بها إلى الغرفة بعد تعديلها ..

وكان قد صوره لهما كمال لحساب ردة فعلها، ابتسم معز وقال :
_ هل كنت معنا ذلك اليوم ؟ أنا لم أراك .

أغلق كمال الهاتف وقال :
_ بلى كنت أريد أن أعرف ردة فعلها بنفسي، ولكن بالأمس مساء شعُرت أنها تنظر إلى باب الغرفة كثيرا، وكأنها تنتظرك؛ فأريتها المقطع .

لاحظ فضول معز بعينيه فتابع قائلا :
_ تمسكت بالهاتف وابت تركه وبقيت أحاول معها، ولكن بلا فائدة، لم أخذ الهاتف منها إلا عندما غفت، وهي تتطلع إلى المقطع .

ابتسم معز براحة وقال :
_ هذا الخبر يسعدني، فأنا رغما عني أكن لها مشاعرا لا أجد لها تفسيرا سوى أنني أشعر أنها قطعة مني .

سأله كمال بخبث طبيب :
_ وربما يراودك ذلك الشعور بدافع الواجب والضمير والإنسانية على الأقل .

هز معز رأسه نافيا وقال بإصرار :
_ لا، أنا لا أرى أنني أعطف عليها أو أشفق عليها فقط، وعندما أتي إلى هنا لا لأنها تحتاجني .

ثم تنفس بعمق وقال :
_ ولكن لأن شيئا ما بداخلي يحتاجها أيضا، ويشتاقها أكثر .

ابتسم كمال وقال بهدوء :
_ حسنا، لذلك أنا لن أعطلك، اذهب إليها فهي بالتأكيد تنتظرك أيضا .

ابتسم معز أيضا وقال له بامتنان :
_ شكرا جزيلا لك يا دكتور على اهتمامك بها وعنايتك لها .

ربت كمال على ذراعه وقال بلوم وهو ينصرف :
_ لا شكرا على واجب .

انطلق معز ناحية باب غرفتها، وكالعادة وقف لثانيتين يستجمع أنفاسه، حتى استطاع أن يدير مقبض الباب ..

دخل إلى الغرفة قائلا :
_ ولاء أين أنت ؟

كانت تجلس على الأرض مع الممرضة، ممدده على بساط جلدي وكانت الممرضة تقوم معها ببعض التمارين الرياضية ..

بينما وقفت هي مسرعة وركضت ناحيته وضمته إليها وهي تعقد ذراعيها خلف عنقه ..

اتسعت عيني معز بصدمة، بينما وقفت الممرضة وقالت بخجل :
_ سأترككم بمفردكم .

وخرجت، حاول معز أن يفك عقدة ذراعيها، ولكن بلا فائدة فقد كانت متشبثة به كطفلة صغيرة خائفة ..

فربت على ظهرها بحنو وقال :
_ اهدءي يا حبيبتي، أنا إلى جوارك لا تقلقي من شيء .

بدأ ذراعها في الارتخاء؛ فجذبهما معز حتى أوقفها أمامه وقال :
_ لقد اشتقت إليك كثيرا، كيف حالك اليوم ؟

كانت تتطلع في وجهه وعينيها بها كل الاشتياق، بينما جذبها هو واجلسها على فراشها وجلس إلى جوارها قائلا :
_ أنت أيضا تشتاقين لي، أليس كذلك ؟

ابتعدت بوجهها عنه وتطلعت بأرضيه الغرفة، بينما ناولها هو تلك العلبة التي يحملها ..

ابتسم بمداعبة وقال :
_ لقد احضرت لك شوكولا من النوع الفاخر، كلفتني كثيرا ولكن لا يغلى عليك أي شيء .

تطلعت بالعلبة بينما دفع معز العلبة أمامها وقال :
_ تفضلي خذيها فهي لك أنت .

لم تمد يدها؛ ففتحها هو واخرج قطعه شوكولا من علبتها وقربها من فمها قائلا :
_ افتحي فمك .

فتحت ولاء فمها ببطء فقرب الشوكولاتة منها، قضمت منها قطعه واغمضت عينيها وهي تتلذذ بطعمها ..

بينما دون أن يشعر هو وضع قطعه الشوكولا المتبقية في فمه واغمض عينيه واخذ يتلذذ بها ..

ثم فتح عينيه قائلا :
_انها لذيذة، احسنت الاختيار يا معز .

تطلع ناحيتها فوجد ولاء تبتسم ابتسامه عريضة، وقد اغلقت معها عيناها في شكل أصاب قلبه مباشره ..

ابتلع ريقه بتوتر وقال دون أن يشعر :
_ يا الهي ! ما هذا الجمال ؟

بينما أزاحت هي شعراتها خلف أذنها وتطلعت بالبعيد، ثم عادت إليه واخذت قطعه الشوكولاتة أخرى وقضمتها ..

أخذت تمضغها ثم قربت الجزء المتبقي منها من معز، الذي التقطها في فمه وهو يبتسم ..

ما أن ابتلعها حتى قال :
_ شكرا جزيلا، قد اعجبني هذا النوع كثيرا من الشوكولا، أعتقد أنني سأشتري منه لي أثناء عودتي إلى البيت .

ترك علبة الشوكولاتة خلفهما على الفراش، وعاد إليها وتمسك بكفها وقال :
_ ولاء أنا أشعر أنك تتحسنين، وهذا يشعرني بالرضا والسعادة .

ثم تنفس بعمق وقال بحذر :
_ كل ما أريده منك أن تتحسني أكثر؛ لأنه ينتظرنا تحدي كبير وانت وأنا معك ستكونين اقوى فتاة على وجه الأرض .

تمسكت بكفه كأنها تترجاه أن يصمت، بينما هز هو رأسه بتفهم وقال :
_ حسنا سأصمت الآن .

ثم رفع سبابته بوجهها وقال بحزم :
_ ولكن سنتحدث لاحقا عندما تكونين أنت جاهزه لذلك، وتطلبين أنت أن تتحدثي .

تبدلت ملامح وجهها وأخذت تبكي في صمت، فكفف لها معز دمعاتها وقال :
_ لماذا تبكين ؟ تريدين قطعه شوكولاتة أخرى ؟

ثم التفت خلفه والتقط قطعه أخرى وقربها منها وقال :
_ هيا افتحي فمك .

عادت وابتسمت بخوف، بينما وضع هو القطعة كامله في فمها، وأخذ يتطلع إليها وإلى شرودها الحزين وهو يتنهد بأسى على حالها ..

ابتلع ريقه وهو يقول في نفسه :
_ أنت الأمل الوحيد كي أعثر على هذا القاتل .

ثم رفع عينيه للسماء وقال برجاء :
_ يا رب ساعدها أن تتخطى تلك الأزمة؛ كي نستطيع ايقاف هذا القاتل وإنقاذ الأرواح من بطشه .


كعادته الأخيرة يصل يزن إلى عمله متأخر في الصباح، لم يدخل على مكتبه بل مر على مكتب معز أولا ..

فتح الباب ودلف برأسه وهو يقول :
_ صباح الخير يا صديقي .

اجابه عبد الرحمن قائلا :
_ وأخيرا اتيت، تفضل ادخل أنا أنتظرك من ساعة .

دخل يزن وهو عاقد حاجبيه وقال :
_ ماذا تفعل هنا في هذا الوقت المبكر يا عبد الرحمن؛ فوجودك يثير قلقي .

أسرع معز قائلا :
_ معه معلومات يقول أنها خطيره وينتظر حضورك كي يخبرنا بها سويا .

اغلق يزن الباب ودخل وهو يقول بتعجب :
_ ولماذا لم تهاتفني كي آتي عوضا عن انتظاركما لي لهذا الوقت ؟!

أشار معز بعينيه على جيب بنطاله وقال :
_ بإمكانك أن تتطلع في هاتفك لو تفضلت، فأنا لم أترك أي وسيلة توصلني إليك ولم أستخدمها .

أخرج يزن هاتفه فوجد معز بالفعل هاتفه كثيرا وأرسل له العديد من الرسائل، ولكن الهاتف وضع على وضع الصامت ..

وهو شيء غريب على يزن، فهو لا يدعه على وضع الصامت، أعاد يزن الهاتف إلى جيبه ..

ثم جلس إلى جواره وقال :
_ هل تناولتما الفطور ؟

أومأ الاثنان برأسيهما وقال معز :
_ نعم، لم ننتظرك ولكن هذا نصيبك .

أخذ يزن تلك اللفة وفتحها فوجد بها بعض الشطائر التقط واحدة منهم وقال :
_ تفضل يا عبد الرحمن قل ما عندك .

اعتدل عبد الرحمن في جلسته وقال بجدية :
_ أريد منكم التركيز فيما سأقول جيدا، لأن ما سأقوله معلومات سرية للغاية .

طالعه معز ويزن بإنصات فتابع قائلا :
_ ولكن لأنني عرفتها، قلت يجب أن تعرفوها أيضا فهي ستفيدكم بتحقيقاتكم .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي