الفصل الرابع كابوس

لا تعلم غرام ما الذي يجب أن تقوله بعد أن سألها ماذا تريد من سؤالها إن كان حب أم لا، اعطتها عنبر الطعام وهي تشير لها:

-يمكنكي أن تتناولي طعامكِ الآن.

كانت عنبر تلاحظ توتر الأجواء ولا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله، لقد تعجبت من سؤال غرام بخصوص عاصم لكنها تجاهلت الأمر، وصلوا إلى المنزل وهبطت غرام مع عنبر.

وضعت عنبر يدها على بطنها:

-لقد تناولت الكثير من الطعام، أشعر أن معدتي على وشك أن تنفجر.

ابتسمت غرام لها لتتابع عنبر حديثها:

-أنتِ لم تأكلي جيدًا، مازلتي تشعرين بالألم أليس كذلك؟

اومأت غرام لها وهي تتجه معها لداخل المنزل:

-مازال هناك القليل من الألم، لكن حالتي تتحسن لا بأس.

دلفوا من بعدها للداخل، تحدث عاصم بهدوء:

-يمكن لغرام أن تبقى في الغرفة المجاورة لغرفتي، هي فارغة ومن المفترض أنها للضيوف.

صعد من بعدها دون كلمة أخرى، اقتربت عنبر من غرام وهي تلاحظ أنها غاضبة:

-لا تغضبي من عاصم، بالمناسبة عاصم لم يحب من قبل، لكن اخبريني ما سبب هذا السؤال؟

رفعت غرام كتفها وهي تتصنع عدم المبالاة:

-لقد كان سؤال فضولي فقط، أراه شخص قاسي الطباع ولذلك أتى إلى ذهني هذا السؤال، هذا كل شيء.

امسكت عنبر لها وهي تصعد معها، تحدثت بضيق شديد:

-لقد مر عاصم بفترة صعبة، توفى ابن خالي وأيضًا منير ابن خالتي كما اخبرتكِ، لقد كانوا مقربين الثلاثة من بعضهم البعض؛ لهذا السبب يا غرام حالته ليست على مايرام.

اومأت لها غرام بتفهم، علمت أن هذا الوقت المناسب لتتقرب من عاصم، لا تنسى حادثة موت والديها وكان المسؤول عن هذا عائلته كما اخبرها جلال، لقد رأت في صغرها كلًا من خاله وخالته وهم يعتدوا على والدتها بالضرب من أجل تأخرها في دفع الإيجار، حسمت والدته الأمر بطردهم من القرية بأكملها.

اغمضت غرام عينيها بضيق شديد، حاولت أن تشتت نفسها عن تلك الذكرى التي تعصف بكيانها، وصلت إلى غرفتها ومن ثم دلفت واغلقت الباب من بعدها وبعد أن تأكدت من ذهاب عنبر، جلست على السرير وهي تنظر للغرفة:

-ليست سيئة أبدًا، يجب عليّ أن أستغل هذا الوقت جيدًا، يبدو أن عاصم سيكون أصعب مهمة بالنسبة لي، لكن على كل حال أنا لست سهلة أبدًا، أنا هي غرام ليث.

خرجت من الغرفة بعد أن عدلت افلتت شعرها لينسدل على كتفيها وهي تضع غطاء الشعر جانبًا، وقفت أمام الغرفة المجاورة وهي تتذكر حديثه، مؤكد هذه الغرفة هي غرفته، طرقت الباب لتستمع إلى صوته الرجولي:

-ادخلي يا عنبر.

دلفت غرام إلى الغرفة لتجده يجلس فوق سريره محدقًا في السقف، نظر لها لينظر لها بتعجب واعتدل في جلسته:

-هل يوجد شيء يا غرام؟

ابتلعت ما بحلقها وهي تضع شعرها خلف أذنها، تحدثت بخجل مصطنع:

-كنت أريد أن أعتذر لك، لو كان لي مكان آخر سوف أذهب إليه فورًا ولا أضايقك صدقني.

وقف أمامها وهو يحرك رأسه نافيًا:

-من قال أنني أشعر بالضيق؟ أنا في أفضل حال ولا يوجد شيء من هذا الحديث أبدًا.

ابتسمت غرام وقد ظهر التردد عليها:

-في الحقيقة ظننت أنك غاضب من وجودي ولا ترتاح لي، لهذا السبب أنا قررت أن أتي وأتحدث معك مباشرة، إن كان هناك ضيق من وجودي هنا سوف أذهب على الفور.

حرك عاصم رأسه بنفي ومازال ينظر لها، لاحظت تحديقه بشعرها وحاولت أن تمنع إبتسامتها لكنه فاجأها بقوله:

-ألم تكوني محجبة؟ أتذكر هذا أم أنني اخطأت الفهم؟!

لم تكن غرام تتوقع أنه سوف يعلق على هذا الأمر، وضعت يدها على رأسها وهي تومأ:

-أجل أنا بالفعل محجبة، لكن لا أعلم كيف سهيت.

ذهبت إلى غرفتها من بعدها فورًا، لا تعلم هل لديه أخلاق عكس باقي أفراد عائلته يا ترى؟ هي تتذكر منير وكيف كان يتعامل معها ومع أي فتاة.

قامت بجمع شعرها لتقوم بعقده على شكل كعكة ومن ثم ارتدت حجابها، ظنت أنه سوف يأتي ليتحدث معها، لكنها سمعت صوته بالأسفل وقد كان عالي بعض الشيء.

خرجت وتبين لها أنه يحاول أن يخفض من صوته أثناء حديثه مع عنبر:

-لماذا لم أستمع إلى حديثكِ سوى الآن؟ أين كنّا من كل هذا يا عنبر؟ أين كنت أنا ومنير يضايقكِ وقد سبق وتعرض لكِ؟!

تساقطت دموع عنبر وهي ترى أخيها منفعل كثيرًا، تراه يقبض على يده وكأنه على وشك أن يلكمها ولا تعرف أنه يحاول السيطرة على نفسه ويخفض من صوته:

-اخبريني يا عنبر ما الذي حدث؟

ابتلعت عنبر ما بحلقها ودموعها لا تتوقف عن السيل:

-هو كان يحاول التقرب مني بشتى الطرق يا عاصم، لكنني كنت أستمر بالهرب منه، حتى ذلك اليوم التي ذهبت أمي إلى زيارة خالتي، هو أتى إلى هنا وقد تعرض لي بطريقة سيئة، صعدت إلى غرفتي وهددت أنني سوف أتصل بك.

مسحت دموعها بألم وهي تتذكر كيف كانت تشعر بالخوف منه:

-حاول أن يكسر الباب وعندما كنت على وشك التحدث معك، اخبرني أنه سوف يخرج وأن لا افعل هذا وإلا سوف تتدمر الصلة بين العائلتين، ظل يقول الكثير من الكلمات وقال أنه لن يفعلها مجددًا، رحل من بعدها وأنا كنت أشعر بالكثير من القلق، لكنني لم أستطيع اخبارك يا عاصم.

شعر عاصم بالدماء تغلي في عروقه، لم يكن من السهل عليه أن يستمع إلى شيء كهذا، اقترب منها وقد قام بسحبها في حضنه، قامت بضمه وهي تبكي:

-لا تغضب مني يا عاصم أنا أسفة، لكنني لا أتحمل أن تغضب مني أبدًا.

ربت عاصم على شعرها وهو يفكر في كل شيء حدث:

-لا تفكري في أي شيء الآن يا عنبر، انتهى هذا الشخص من حياتكِ، سامحيني لو صرخت أو جعلتكِ تبكين، لكن معي كل الحق في الغضب، كيف استطعتِ الصمت وعدم اخباري لا أفهم، كان هذا أكبر خطأ قومتي به.

ابتعدت قليلًا لتنظر له:

-أنا أسفة يا عاصم، لكنني كنت أشعر بالقلق وكنت خائفة منه، منير ليس شخص يستحق الحزن، عندما علمت أنه انتهى من حياتي شعرت بالسعادة رغم أنني حزينة على خالتي وعلى الطريقة الذي مات بها.

مسح عاصم دموعها، كانت مشاعره مضطربة، لا يصدق أن ابن خالته وصديق عمره كان بهذا السوء، لقد تعرضت أخته للضرر بسببه، هو لم يفكر في أي شيء سوى نفسه، لم يفكر حتى في صديقه الذي قام بخيانته!

كل هذا كان تحت نظر غرام، رغم أنها تعرف أن منير كان شخص سيء كثيرًا إلا أنها تفاجأت أن سوءه قد وصل إلى هذه الفتاة، تتذكر أن منير وماجد وعاصم كانوا أكثر من مجرد أصدقاء، لكنها لم تتخيل أن يصل سوء منير إلى هذا الحد.

انسحبت قبل أن يراها أحد وذهبت إلى غرفتها، كانت تشعر بالكثير من التشتت:

-عاصم هذا يبدو مختلف كثيرًا عنهم، لا أعلم هل سيكون الأمر أسهل أم سيزداد صعوبة عليّ، أتمنى أن لا يحدث ما أفكر به وأتمنى أن لا أرى جلال هذه الفترة.

لم تكد تكمل حتى استمعت إلى رنين هاتفه واسم جلال ينير شاشته، حركت رأسها باستنكار:

-ليتني لم أذكر اسمك يا جلال.

امسكت بالهاتف وما إن فتحت الخط حتى اتاها صوته البغيض:

-من الجيد أن اجبتي، أتساءل يا غرام هل احببتي دور الضحية التي قمتي بممارسته أمام عاصم؟

ابتسمت غرام ساخرة وهي تجلس فوق االسرير:

-أظن أنك تعلم جيدًا يا جلال أنك تستحق ما حدث، لم تكتفي بمرضي بل قومت باغصابي لأنك تريد أن تقترب مني، لا أصدق أنك بهذا السوء حقًا.

ضحك جلال ساخرًا وهو يضع بعض الخمر في كأس أنيق:

-حبيبتي غرام لا تتحدثي بتلك الطريقة معي، مهما وصلت بي الحقارة لن أكون مثلكِ، تذكري أن دماء منير مازالت تقطر من يدك.

اجابته غرام بثبات وهدوء كالمعتاد:

-لقد كان يستحق هذا وأنا لست نادمة، اتركني أنت وشأني ويكفي إلى هذا الحد، دعني أكمل مهمتي بسلام.

حذرها جلال وهو يسحق أسنانه من مجرد التفكير في شيء كهذا من الممكن أن يحدث:

-انتبهي على نفسكِ يا غرام، أنا أحذركي من الوقوع في عشق هذا الرجل، عاصم ماكر إلى أبعد الحدود، صحيح انه مختلف عن الكثير من الرجال ولا يميل للعلاقات أمثالهم، لكن في ذات الوقت تقع الكثير من النساء في حبه وهو لا يهتم.

ابتسمت غرام ساخرة وهي تسأله باستنكار:

-وهل أبدو لك كباقي النساء يا جلال؟ أظن أنك تعرف جيدًا من تكون غرام، دعنا من هذا الحديث الآن ولا تتصل بي في أي وقت إن أردت شيء سوف أطلبك أنا.

اغلقت الخط في وجهه ومن ثم نامت فوق سريرها، كانت تشعر بالكثير من الإرهاق وتحتاج إلى الراحة، ما إن اغمضت عينيها حتى بدأت الكوابيس تداهمها.

صراخ ينتشر في المكان، دماء تتناثر، أشخاص ينادوها بألم وصراخهم لا يتوقف، رأت وجهه أخيرًا من بينهم، ابتسمت وعينيها تلمع بفعل الدموع واقتربت تريد أن تلقي بنفسها بين يديه:

-جمال أنت هنا! لا أصدق أنك أتيت من أجلي، خذني من هذا المكان أرجوك، أشعر بالرعب كل شيء يخيفني، أنا أكاد أفقد روحي.

ابتعد جمال عنها وعينيه مازالت تعانق عينيها، حرك رأسه بنفي وهو يبتعد، علمت أنه سيتركها، حاولت اللحاق به لكنه كلما ابتعد خطوة تزيد بينهم المسافة خطوات، صرخت وهي تحاول أن تلمس زراعه:

-لا تتركني أرجوك لا تفعل هذا، لا يمكنك أن تتركني.

استفاقت على زراع قوية تسحبها كما لو كانت تنتشلها من كل هذا العذاب، التقت عينيها بأعين هذا الثابت أمامها رغم القلق الذي ارتسم داخل عينيه:

-ما الذي تريده؟ ماذا تفعل في غرفتي أنت هل تظن أن من حقك الدخول بتلك الطريقة فقط لأني في منزلك؟

لقد رأى شراستها للمرة الأولى، لم تكن منتبهة على نفسها، حرك رأسه بنفي وهو ثابت في مكانه:

-أنا لم أدخل لغرض غير مساعدتكِ، كنتِ تصرخين، جسدكِ يتشنج، لا أعلم كيف ناموا جميعًا وأنا الوحيد المستيقظ هنا، انظري إلى نفسكِ وستعلمين ماذا أقصد.

تداركت نفسها وقد تذكرت الحلم، شعرت بشيء يسيل على وجنتها، تفاجأت بدموعها وقد كانت تبكي دون شعور منها:

-لم أنتبه على نفسي.

أتى لها بكون الماء الذي جلبه لها منذ قليل، تناولته منه وقامت بشربه دفعة واحدة، تتمنى أن تمر من هذا الموقف، لم يحدث ونامت خارج شقتها البسيطة في أحد الحارات الشعبية، لقد كانت تمر بالكثير من الكوابيس، لكن لم يكن أحد يعلم شيء عنها وما الذي تمر به.

نظر لها وسمعته يتحدث إليها بلين من جديد:

-كان مجرد كابوس، لا يوجد داعي للفزع، جميعنا هنا ولن يحدث شيء سيء.

ابتسمت له بهدوء وهي تومأ:

-شكرًا لك يا عاصم، أنا تحسنت كثيرًا، أسفة لأنني جعلتك تستيقظ في هذا الوقت المتأخر، يبدو أن هذا حدث لأنني مرهقة وكان يومي صعب بالأخص بعد الشيء الذي فعله عمي.

حرك عاصم رأسه بنفي، دعمها بنظراته قبل حديثه:

-من الأفضل أن تنسي أمر هذا الحقير، لا يستحق ان تناديه بعمكِ ولا يمكنه أن يتعرض لكِ بأي شكل من جديد، لا داعي للقلق، لكن اخبريني يا غرام من يكون جمال!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي