٣٤

ها أنذا في مكان غريبٍ جديد، ترى أين أنا، قمت أمشي وأستكشف المكان لأعرف إلى أين وصلت هذه المرة.

هناك رجل ملثم يتجه باتجاهي ويصرخ علي:
_ابتعدي عن طريقي.

_ارجوك ساعدني، انا لا أعرف الطريق.
توقف الرجل الملثم ومد لي يده وسحبني بسرعة خلفه على ظهر الحصان وتابع بسرعة شديدة حتى وصل إلى باب كهف وطلب مني:

_ابقِ هنا، ولا تتحركي، إياكي التطفل.

أشعرني كلامه بالخوف بعدها دخل إلى الداخل، لكن ساراسا ظهرت لي وقالت لي:

_أنت جبانة وخائفة.

_ارحلي ساراسا، وكفي.

راحت تسخر مني وتضحك علي حتى استفذتني، وجعلتني أتحداها وألحق بالرجل
وهناك وجدت ما أذهل ناظري لم يكن ما كنت اتوقع رؤيته كما في الحكاية.

"يا إلهي، لا أصدق، ماذا أرى، كنت أظن أنني سأرى الكثير من المجوهرات الثمينة، لكنني
أستغرب ما أراه."

لاحظ وجودي الرجل الملثم وقال لي:

_هل أنت حمقاء؟ طلبت منك ألا تدخلي إلى هنا، سوف أعاقبك.

_لا ارجوك، لم أقصد التطفل عليك.

_اصمتي، سوف تبقين حبيسة هذا المكان حتى أعفو عنك.

_لا أرجوك، علي البحث عن حل لنفسي، لا تتركني هنا.

_لا نقاش معي.

تركني الرجل وأقفل الباب علي مستخدماً كلماتٍ لم أفهم معناها.

جثوت على ركبتي ويبدو أن الحزن والخوف لم يعودا خليلي كما في السابق ورحت أنظر إلى الأشخاص الموجودين في الكهف، منهم رجلين إحدهم كهل، وثلاثة نساء، وطفلين وفتاة صغيرة رضيعة.

اقتربت منهم وسألتهم:

_ما سبب تواجدكم هنا، وما علاقة هذا الرجل الملثم بكم؟

قالت امراة منهم يبدو أنها في الاربعين من عمرها:

_لا تلومي الرجل، إنه رجلٌ طيب جداً.
‏_ماذا؟ هل تسمينه بالطيب وهو يأ
‏سركم هنا؟
‏_أنت لا تفهمين شيئاً، فالتزمي الصمت.

بكت الطفلة الصغيرة وحملتها المرأة الثانية وهدهدت لها وراحت تغني لها أغنية عن النوم.

تذكرت ابنتي إينجل وشعرت بالحزن الشديد، وشعرت بالشوق لها كثيراً، اشتقت لجاك، وكرهته أيضاً، تخبطت في داخلي كل المشاعر.

بدات أتكلم بصوت عال ٍ :
_لماذا، لماذا يا جاك، أنا أشتاق إليك، لم فعلت لي هذا وتأمرت مع ساراسا، وأبعدتني عن طفلتي، لماذا، لماذا؟

بكيت بقهر ووضعت وجهي على الأرض حتى اقتربت مني المراة التي تحمل الطفلة:
‏_لا تحزني لكلٍ منا ظرف صعب جداً، لكن الرجل الملثم سيساعدك تأكدي، إنه رجلٌ طيبٌ جداً.

‏_حقاً، أليس بسيء، إذاً لم يحتجزكم هنا.
_لا إنه يحمينا جميعاً ممن تسبب بمشاكلنا، ويحاول أن يجد لنا حلولاً.

نظرت باستغراب إليها ولم أتكلم وحدثت نفسي:
_ربما هي على حق، سأحاول أن أفهم معنى كلامها قريباً.

ومع الوقت اختلطت بهم وتقربت منهم وحدثوني بقصصهم.

كانت تلك الليلة للفضفضة حيث قالت المراة التي تحمل ذلك الرضيع:
_أنا هاربة من بيت زوجي لأن عمي ابو زوجي ظن بي السوء واتهمني اتهاماً باطلاً، وبما أن زوجي مسافر فقد أباح دمي لذلك هربت بمساعدة الخادمة مع طفلتي، ولم يساعدني احد إلا هذا الرجل الملثم، ومنذ ذلك اليوم وهو يأتي إلينا ويقدم لنا الطعام والشراب، حتى الحليب يحضره لطفلتي.

_أوه، هل يوجد احد طيب هكذا؟ جزاه الله خيراً.

_أقسم أنه ملاك على الأرض وليس إنسان.

‏نظرت إلى الثانية وقلت لها:
‏_وأنت ما قصتك يا سيدتي؟

بكت المرأة وشكت من سوء الحظ ثم قالت:
_ قصتي لو عرفتها الناس لبكت لحالي.

_ياللمسكينة وما هي قصتك، اسرديها لنا.

_لقد كنت أعيش في مملكة أخدم الملك والملكة بكل أمانة، حتى جارت علي الدنيا ورآني الساحر الذي يبغض الملك وطلب مني أن أضع السم للملك والملكة، لكنني رفضت.

_أحسنتِ وماذا حصل بعد ذلك؟

_هددني لو لم أفعل سيسحر أطفالي ويوقع بي عند الملك، فخفت كثيراً وحاولت أن أهرب مع أطفالي، لكنه تبعني وحول أطفالي إلى طيور بجع، وقال لي مهدداً بعد ان قيدني وحالتي على فقد اولادي كانت صعبةً جداً:

_ إن لم تفعلي ما أمرتك به سأكلهم شياً على النار وأمام عينيكِ.

قلت لها:
_يالك من مسكينة وماذا فعلتِ؟

قالت بحرقة:
_قررت أن أطيعه رغم حزني على أطفالي وعلى الملك والملكة، فهما صاحبا فضلٍ علي، لا أتمنى ضررهما أبداً، وفعلاً أعطاني السم ووضعته لهما في طعامهما وهو يراقبني من بعيد ويبتسم، أما أنا فقد كنت أرتجف.

..ولكن ضميري كان يتقطع عليهما، وفي أخر لحظة فكرت ملياً ورأيت أنني خسرت اطفالي وعلي ان أمنع موتهما باي طريقة فصرخت:
_مولاي، مولاتي، طعامكما مسموم.

وقفت الملكة وتبعها الملك، وارتجفا فقال الملك لي:

_ ويحك يا امراة ماذا تقولين؟


ثم طلب المختصين للكشف على الطعام وهنا كانت الصاعقة.

سألتها:
_ماذا؟

فأجابتني المسكينة:
_لقد كان الطعام سليماً من أي سم، ولم افهم كيف هذا، لكنني رايت ذلك الساحر يضحك وينظر ألي بتهديد واضحٍ في عينيه.

فقرر الملك الزج بي في السجن رغم كل محاولاتي للتوضيح.

_وكيف هذا؟

_ذلك الساحر السيء لم يعطني المادة السامة واراد بذلك اختباري وفعلا فشلت وهذه كانت مصيبتي فانا الآن فقدت ثقة الملك والملكة، وبنفس الوقت سلطت غضب الساحر علي.

_ها، وماذا فعلت عندها؟

_دفعت بالجنود ورحت اركض واركض خائفةً حتى صادفت هذا الملثم الذي أتى بي إلى هنا وساعدني وحماني.

_وماذا عن أولادك، ما مصيرهم الآن؟ ألم تسألي؟

بكت المسكينة وقالت بهم واضح في لكنتها:

_لا أعرف عنهم شيئاً، ولم أسمع فالرجل الملثم لا يتكلم أبداً، ومنذ وصولي هنا أحلم بأولادي وأخاف على مآلهم.

كلامها عن أولادها قطع قلبي وذكرني بإينجل التي أعرف أنها ليست وهماً وقلبي يحدثني بأنها حقيقة ولكنهم أوهموني بأنها وأبيها جاك خيال فقط.

أوجعني حال الجميع فهم ليسوا أقل سوءاً من حالي.


صرخت الطفلة الصغيرة ولم تهدأ في حضن أمها، فحملتها عنها وهدهدت لها كما كنت أفعل مع إينجل وقمت بغناء نفس الأغنية التي كنت أغنيها لطفلتي، فهدأت الطفلة ونامت.

قالت المراة بعد ان وضعت ابنتها في حضنها:
_شكرا لك عزيزتي، هل لديك أطفال؟
فتبسمت لها وقلت لها:
_لا ليس لدي أطفال.
لم اكن ارغب في سرد قصتي لان أحداً لن يصدقها.

قمت وصرت أتمشى حول البقية ثم جلست قرب الرجل العجوز وقلت له:

_وأنت يا عماه ما الذي أوصلك إلى هنا، ما هي قصتك، إن لم يكن لديك مانع.

تنهد الرجل وقال:
‏_آه يا بنيتي، قصتي قصة.

‏_أذا كان سيزعجك سردها فلا تخبرني بها

‏_لا يا صغيرتي سأخبرك.

_حسناً يا عم تفضل.

_أنا وهذا الذي بقربي أولاد عمومة، اختلفنا على ورث واقتتلنا وساءت الأحوال، فدخل بيننا رجل شرير بحجة أنه مصلح بيننا، وسرق ورثنا وضحك علينا ثم طردنا،
فبقينا كلانا بلا مأوى ولا مُلك، ومنذ ذلك اليوم ونحن نبحث عن مكانٍ يأوينا وصرنا كالمتسولين.

‏_ولم لم تشتكوه للقاضي.

‏_فعلنا لكن القاضي أخبرنا بأن القانون لا يحمي المغفلين فبقينا على هذا حتى صادفنا هذا الرجل الطيب.

‏حزنت لحالهم، وأيئسني وضع الجميع فأخذت زاوية بعيدةً عنهم وغفوت.

وفي الصباح استيقظت على صوت اهتزازٍ قوي، لقد كان الرجل الملثم قد جاء وجلب لنا طعام للفطور وأخر يكفينا فترةً من الزمان وجلب معه الماء أيضاً.

فشكرناه جميعاً، واقتربت منه أنا وتجرأت بسؤالي:
_أرجوك يا سيدي هلا أخبرتني عن نهاية أحوالنا هنا، وما هو هدفك من إبقائنا هنا كالسجناء.

فصفعني لدرجة أنه أسقطني أرضاً. وقال:
_يبدو أنك وقحةٌ جداً، الزمي أدبك، وحاولي أن تنتظري أوامري، وإياكِ الغوص فيما لا يعنيكِ.

لاأدري إن كنت أتوهم لكنني سمعت صوت ساراسا تقول:
_لن ترتاحي طالما أني هنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي