السابع والثلاثون

بعد مد وجزر بين أمجد والرجل الملقب بالحوت، وافق أن يفعل ما طلب منه دون أي شروط وقال له أمجد وفي صوته نبرة التنازل والاستسلام: لم يكن لدي رغبة في أن أسير بهذا الطريق لكنك تجبرني.

رد عليه الرجل: يمكنك الرفض وأنت تعرف الثمن الذي سيدفع، لأنك تعلم جيداً أنني لن أترك حقي عند أحد، ولن أقف مكتوف الأيدي.

اشتعل غضب أمجد من تلك التهديدات وقد مل منها، لكنه مجبراً على هذا حتى يوقع بذلك الرجل القذر.

ثم سأله أمجد: عملية كهذه لن أتمكن من تنفيذها وحدي، بل احتاج من يساعدني كي تتم على أكمل وجه وكما تريدها انت أن تحصل.

فكر قليلاً ثم قال له: ستجد كل ما تطلبه من رجال وعدة في سبيل نيل ما أريد، لا تقلق.

قال أمجد بعد تنهيدة غيظ وغضب: حسناً، سأفعل.

ثم أكمل الحوت بمكر وقال: سأكون أراقب كل تحركاتك لذا لا تحاول العبث معي كي لا تقع في ذات الحفرة التي سقط فيها أخيك.

ثم أغلق المكالمة وانهى الاتصال دون يسمح لأمجد برد أو قول أي شيء.

رمى أمجد هاتفه غاضباً وهو يشتم ذلك الرجل، الذي لا يستطيع أخراجه من حياته، وهو مرغم على تحمل ما يقوله وكبت ما يسبب له من مضايقات كي يصل الى مبتغاه في أيقاعه بقبضة الشرطة، كي ينقذ الناس من شروره.

وقف أمام النافذة قليلاً يفكر بتهديده ووعيده، ثم عاد لذاكرته ميس التي تجلس مع والدته منذ مدة ولم تخرج بعد.

أسرع نحو الغرفة التي يجلسن فيها، واقترب بهدوء وعلامات الهشة بادية على محياه.

فهو يسمع صوت ضحكات منبعث من الغرفة الحزينة، التي لم ترى نور منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي قلب حياتهم رأس على عقب.

بخطوات هادئة متتابعة وصل إلى الغرفة، ثم مد رأسه يطالعهما، وكانت الدهشة أكبر له وقد توسعت حدقات عيناه عند ما رأى والدته وميس تضحكان وكان ضحكهما من أعماق قلبهما، كان الأمر واضحا له.

غمرت السعادة قلبه حتى فاضت عيناه بالدموع، فهو لم يرى والدته سعيدة بهذه الطريقة منذ مدة زمنية طويلة.

وقد شعر بكثير من الإمتنان لكل ما فعلته ميس في سبيل التخفيف عن والدته.

وشعر بكم أهتمامها بها، وأن والدته رغم أنها طلبت أن لا تطول تلك الزيارة إلا أن الوقت قد مر دون أن تشعر.

ثم لاحظت ميس عودته فقالت له: هل لديك قبعة سحرية.

استغرب من كلامها ولم يفهمه، فسألها: لماذا؟ ماذا حدث؟

قالت له ميس بتهكم: تختفي وتعود متى تريد وكأنها قبعة ساحر قد ابتلعتك.

ثم أشارت له أمه بأن يقترب منهما وفعل ما أردت، ثم قالت له: اجلس بجانبي يا ولدي.

وفعل أمجد ما تريده أمه، وكان يبدو عليه بعض الخجل فقد كانت ميس قريبة منه كثيراً وهو لم يكن متعاد على مثل هذا الأمر.

قالت والدته معاتبة: لماذا لم تحدثني عن ميس كما حدثتها عني؟

ارتبك حال أمجد فهو لم يخطر له أن تكون والدته مهتمة بمثل هذه الأمور، ثم قال لها: لم يكن هناك فرصة سامحة لحديث كهذا لا أكثر.

ردت عليه والدته وهي تطالع ميس بإعجاب وقالت: إنها فتاة بغاية اللطف، سعيدة أنني تعرف إليها.

تخضبت وجنتا ميس من الخجل وتغير لونهما وأصبحتا كحبتين من التفاح الأحمر مكتمل النضج .

وقالت لها شكرا لك يا خالة على هذا المدح، لقد أخجلني لطفك، وأنا مسرورة لأنك قبلتي زيارتي ولم أكن قد أخذت منك موعد مسبق.

ربتت والدة أمجد على كتفها وقالت: تعالي لزيارتي متى تشائين لقد سعدت بوجودك.

ثم قالت ميس منهية هذه الزيارة وهي تهم لنهوض: سأفعل ذلك بالتأكيد ولن انقطع عندك بعد الآن، وإن كنت تريدين رؤيتي أخبر أمجد وهو يتصل بي.

ردت عليها الأم: هل ستذهبين الآن؟

أومت ميس رأسها بالإيجاب وقالت: يتوجب علي المغادرة الآن، كي لا تقلق جدتي علي أكثر.

ثم ودعتها وتمنت رؤيتها مرة ثانية وهي بخير.

وكل هذا الحديث على مسمع أمجد وهو يراقب كل التفاصيل بحب وسعادة متربعة على قلبه، لم يتحدث او يقاطعهما، بل اكتفى بمتابعة ما يدور أمامه حتى أنه نسي ما قد حدث معه منذ قليل.

خرج ميس وأمجد من غرفة والدته وأغلق الباب مجدداً عليها كما كانت تطلب منه دائما، ثم اخذت ميس حقيبتها بسرعة وهي على عجلة من أمرها.

وقالت لأمجد: لقد كان أمر مميز بالنسبة لي، وسعيدة بما جرى.

قاطعها أمجد وقال سأرافقك إلى الخارج نتحدث في الطريق.

فهمت ميس بأن هناك أمر ما قد حدث، قالت له: إذا هيا بنا دعنا نغادر.

وخرج كلاهما من المنزل معا، في صمت دون المزيد من الكلام.

وبعد ان ابتعدوا قليلاً قال أمجد لها كاسر حاجز الصمت السائد بينهما: أشكرك جدآ على كل ما فعلته من اجل أمي لن انسى ذلك ابدا.

ردت عليه ميس نافياً: لا داعي لشكر، فعلت ما كنت أرغب انا به، لقد كان الأمر نابع من أعماق قلبي، وليس كما تظن أنه حزن على ما اخبرتني به.

وهو ينظر نحو ذلك الطريق البعيد قال لها: لم أسمع صوت ضحكات أمي منذ زمن، لقد أعتدي لي شيء كنت لا استطيع إيجاده، إنه أغلى ما فقدت لذا لا أستطيع أن اخفي عنك كم أنا سعيد بهذا.

شعرت ميس براحة نفسية وهي تسمع ما يقوله، فهي تتمنى أن ترد له جميل الأشياء التي يفعلها في سبيل حمايتها دون أي مقابل منها .

ثم تذكرت غيابه المفاجئ فقالت له: بالمناسبة، لماذا اختفيت بشكل مفاجئ لوقت طويل، لقد اقلقني الأمر لكنني تمالكت نفسي من أجل أمك.

تنهد قليلا ثم توقف عن المشي، لم تفهم ما حدث معه وما الذي جرى في تلك الاثناء.

فقالت له: لا تدع الخوف يتمكن من أوصالي، قول ما لديك يا أمجد، سوف أساعد.

بدت على وجهه ملامح الحيرة والشتات، ثم قال: نعم يوجد أمر قد حدث عليي أن اخبرك به لن أتمكن من حله وحيداً، وأنت الشخص الذي أثق بأخباره.

قالت له: إذا تكلم دون أن تطيل المقدمات.

وهنا بدأ أمجد بالحديث عن ذلك الرجل، وما كان يطلبه منه والمهمة الجديدة التي أوكلها له كي ينفذها ويقوم بما أمره.

وأضاف أمجد: لم يكن هذا فقط.

سألت ميس: ماذا بعد؟

رد عليها أمجد: أخشى أن أكون مراقب من قبل رجاله لقد هددني بمتابعة خطواتي، لذا لا أريد أن يمسك أي ضرر بسببي.

رفعت ميس حاجبيها وسألته: ماذا تعني بهذا يا أمجد؟

وهو يحاول تشتيت عينه عنها قال: لا أريد أن نلتقي في هذه الفترة، ونجعل كل ما يجب أن نتكلم به فقط على الجهاز المحمول.

لم يعجب ميس ما سمعته وقالت له رافضة: هل تطلب مني أن انسحب بعد أن وصلنا لهذه النقطة؟

ثم أضافت: وهل ما تقولوه يعني أنك لن تخبر الشرطة بهذا؟

قال أمجد لها مبرراً: أخبرتك أنه قد يكون يراقبني، كيف لي أن اذهب للشرطة.

غضبت ميس من تلك الحجة الواهية في نظرها وقالت: هذا يعني قبولك لما أراد؟

حاول أمجد تفسير ما كان يقصده وقال: ليس هذا ما كنت اعنيه، لكن ليس لدي خيار آخر.

بنبرة حادة قالت له ميس: هل تعلم أيها الذكي بأنك لو لم تقم بأخبر الشرطة بما حدث ستكون مجرماً مثله؟ هل تعلم عقوبة هذا العمل في القانون؟

ثم أضافت سؤال أخر: من سيعتني بأمك وأخيك إن مسك ضر؟

قال أمجد بتذمر وضجر: ما أفعله هو لأجلهم.

ردت عليه ميس ساخرة من كلامه وقالت: أين مصلحتهم لا أراها، هل تثق بذاك المجرم؟

أشاح أمجد نظره عنها وهي تكمل: إنه مجرم محترف لن يتراجع عن اذيتك أن أراد ذلك.

وبعدها كيف سوف تحمي أخيك وأمك أنا لا أفهم ما يدور في رأسك.

فسألها أمجد: اعطيني حل آخر إن كان لديك ذلك.

قالت ميس: لن أدعك تتورط في مثل هذا مهما كان الثمن.

فسألها: ماذا علي ان أفعل؟

تنهدت ميس واخرجت زفير طويل، وهي تفكر بما يجب عليها فعله، ثم خطر لها أمر فقالت: سأذهب أنا إلى مركز الشرطة وأخبر المحقق عن كل ما جرى.

قال أمجد: لا أريد أن تتورطي بمثل هذه الأمور يكفي أن تكوني بعيدة، سأتولى كل شيء لا تقلقي..

قاطعته ميس وقالت: بلا سأفعل، ولن انتظر موافقة منك.

رفع أمجد أحد حاجبيه وقال: لن أسمح لك.

ردت ميس بنبرة ثقة: أنا من قدم العرض لك، وشجعتك لذهاب إلى الشرطة، لذا لن أتراجع أو اتركك في نصف الطريق، سوف أكمل معك حتى نهاية الطريق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي