55

وكل فترة الليل كنا نسمعها تصرخ عليه وتشتمه.

_أنت سافل، أنا التي صنعتك، والآن تريد الزواج بساقطة لا أصل لها، سأمحوك، أنت تعرفني يا زوجي، لقد لممتك من الشارع، وساعيدك إليه.

الزوج المخفي الشخصية تماماً:

_اخرسي، وإلا رميت يمين الطلاق عليكِ، لطالما نعتني وفضحتني أمام الناس، ساعدتك، ساعدتك، هذا يكفي.

_تريد طلاقي، أقسم سأقتلك.

وتصاعدت الشتائم بينهما فقلت لمينا بهمس:
_ تباً لهما نريد أن ننام.

_أتعرفين، علينا ان نستغل هذا الخلاف بينهما بأي طريقة؛ للانتقام من ذلك الوغد وتأديب تلك المتغطرسة.

_معك حق.

وفجأة اختفى الصوت وبذلك استطعنا النوم حتى الصباح حيث خرجت مينا من غرفتها، واضطررت أنا للاختفاء عن ناظر تلك المرأة بعد كل ما سمعته منها عني.

ولما عادت مينا كانت تضحك وتقول:
_اخرجي وانظري، إنهما يجلسان مع بعضهما كالمغرمين وكأننا لم نسمع عواءهما البارحة ليلاً على بعضهما.

قلت وأنا أضحك ومتفاجئة:

_لا أصدق، هل هما مجنونان، إذا لماذا لم يتركانا ننام ليلة البارحة.

_هيا معي لنجهز الطعام، أتصدقين أتمنى أن أضع لهما السًم في وعائهما

وبينما كنا نضع الطعام، لاحظت أن تلك السيدة كانت ترمقني بنظراتِ كره، ولكنني تجاهلتها

وبقي الحال هكذا حوالي يومين، ولم تسافر حتى استيقظنا في أحد الليالي على صراخها، وهي تستنجد ولكننا اعتقدنا أنها العادة التي عودتنا عليها تصرخ ليلاً.


فلم نحرك أنا ومينا ساكناً، حتى دخل هو علينا يطلب منا الهرب بسرعة.

_ماذا هناك يا سيدي؟
قالت مينا بلهفة..


شعرت أنه مصطرب جداً فسألته:
‏_ما الذي يحدث هنا؟

‏فقال بقلق:
‏_خادمها الخاص وجه إليها السلاح وقيدها وسرق كل شيء منها، وهي الآن تكاد تجن وقد نظمت هجوماً عليه من رجالها.

‏_وانت أين محلك من هذا، تتحدث وكأنك لست تاجراً خطيراً.

_اخرسي سارة واخرجا بسرعة من هنا قبل وصول الرجال وإطلاق النار.

مينا بخوف:

_هلا اقتصرت الكلام وبسرعة لنهرب.

فأخذنا ما سهل حمله وبسرعة خرجنا؛ لنسمع صوت الرصاص خلفنا فوراً، وأثناء ذلك أصيبت مينا فصرختْ وثعثرتْ فأسرعت إلى أقرب مشفى وعولجتْ هناك.

لكن تحقيق الشرطة كاد أن يخرب كل شيء، فاضطررنا للكذب..

‏مينا:
‏_كنا نسير معاً وفجأة علا صوت الرصاص ولم نعرف كيف وصلتني الرصاصة.

الشرطي:
_ألاتتهمين أحداً، هل لديك شهود.

نظرتْ إلي وقالت:
_لا يا سيدي.

كتب كل ما قلناه ثم طلب منا عدم التحرك من المدينة خشية احتياجنا في التحقيق.

قلت لها:
_إلى أين سنذهب الآن؟

فقالت بكل ثقة:
_إلى بيتي.

_بيتك؟

_أجل ، سنسكن فترة من الزمن هناك، سأخبرك بأمر.

_تفصلي.

_لقد كذبت عليك بأمر أمي، أمي موحودة في البيت وليست مريضة اطلاقاً.

_امممم، لقد عرفت انك تكذبين ولكن لم اتوقع أنك كاذبة لهذه الدرجة.

فأصدرت ضحكة مفاجئة وتبعتهابمثلها وبقينا نتحدث ونضحك، حتى وصلنا إلى طرف الحارة التي توصلنا إلى بيتها.

لكن الأمر لم يستمر، فقد لحقت بنا سيارات غريبة وراحت تحاول القبض علينا.

فبدأنا نركض ونركض والسيارات تلاحقنا، شعرت نفسي وكأنني في فيلم السيارة العجيبة لكثرة ما ركضنا ولهاثنا ملأ حلوقنا.

وفجأة وفي إحدى السيارات ظهرت ليزا وزوجها وهما يطلقان النار علينا.

راحت ليزا تصرخ من شباك السيارة مشهرة مسدسها علينا:

_توقفي سارة، سأقتل الخونة.

والسيد:
_تعرفان عنا كل شيء، لن تنجوا

صاحت مينا:
_بسرعة هيا سارة سنصل البيت.
ولكنها لم تكمل كلامها حتى وصلتها رصاصة أودت بحياتها.

صرخت، صحت:

_مينا، لا، لا تموتي سنصل إلى بيتك، وسترين أمك.

احتضنتها، ورحت أبكي قهراً ولكنني تركتها ووقفت مقررة المواجهة، وأنا أعرف أن ساراسا وراء كل ما يجري ثم التفت؛ لأنتقم لها وأهدد ليزا، لكنني لم أجد ليزا ولا زوجها، بل وجدت المحقق يقف خلفي فشهقت وقلت لنفسي:

‏_انتهى كل شيء، سأعود إلى السجن.

‏لكنه فاجأني بسؤاله:
‏_عفوا سيدتي، هل من خطب، يبدو انك في ورطة.

‏حملقت عيناي وقلت له:
‏_سيدي أنا سارة.

‏_أهلا سارة، هل أستطيع مساعدتك سيدتي.

وهنا دار نظري باتجاه مينا لكنها اختفت، صرخت:
_يا إلهي أين اختف مينا.

وارتجف جسمي والمحقق ينظر إلي بغرابة وراح يقول وانا أبحث عن ساراسا، أز ربما مينا:
_اذهبي سيدتي من هنا بسرعة فهناك أخطارٌ في هذا المكان.

_أخطار!

_ألم تسمعي بالكائنات التي كانت تجتاح المنطقة هذه الأيام.

_لا يا سيدي.

_امرك غريبٌ جداً


هنا سمعت صوت ساراسا تضحك، فغضبت منها ورحت أناديها:
_وماذا بعد، ألم تهنأي بالاً بعد، ألا يكفي.

نظرَ إلي الناس بغرابة وخوف وراحوا يركضون ويصرخون:

_لقد وصلت الكائنات الغريبة، اهربوا بسرعة.

نظرت إلى نفسي وراقبتها:
_هل يعقل أنني مخيفة لهذا الحد؟

لكن صوت الكائن خلفي أجاب عن سؤالي تلقائياً، وشعرت بالدوار الشديد..

زأر ذلك الكائن خلفي، واختفت كل معالم الحياة الطبيعية وكأنني عدت إلى بينوس.

"يا الله ماذا يحدث، أين اختفى الجميع، سيادة المحقق، مينا، ليزا، السيد، يا ناس سأجن لقد تعبت من كثرة التخبط في هذه العوالم."

كانت الصدمة بما يجري قد جعلتني أخرج عن نطاق الواقع ثم صحوت على إثر شيءٍ لمسني، وكأنه يشتم رائحتي، وإذا به ذلك الكائن المدبب، كان له ذنبٌ طويل وكأنه الديناصور.

ابتعدت عنه بخوف وقلت له:
_ما الذي يحدث، ماذا تريد مني ، ابتعد عني.

لكنه التصق بي وراح يظهر تصرفاتٍ غريبة وفجأة نطق وكلمني، شهقت بخوف عندما قال:

_أنت الآن ثانيةً في عالمنا، السيدة ساراسا رأت أن عالم البشر الطبيعي لا يناسب انتقامها منك، فأعادتك إلى هنا إلى عالم الخيال الشيق.

_ساراسا البغيضة، سأتخلص منك مهما حصل.

ثم قال لي ذلك الكائن بغرابة :
_خذيني إلى أمي أرجوك، أنا تائه.

نظرت إليه ورغم كل خوفي من شكله وعودتي إلى هذا الخيال شعرته لطيفاً وقررت ان أساعده.

_تعال معي.

راح يركض حولي كما لو كان طفلاً صغيراً، فحزنت لأجله وقلت لنفسي:

"لو أن طفلتي أينجل معي كانت الآن ستركض حولي هكذا، كم اشتقت لها."

وقطع شرودي صوته وهو ينادي :
ماما، ماما.

وراح يركض، باتجاه أمه وكانت تشبهه كثيراً وكم كان منظرهما جميلاً عندما راحت تشتم رائحته ثم انحنت له، وركب على ظهرها وراحت تركض وتركض، ولكنني سمعت فجأة أصواتاً جماعية، فنظرت إلى الخلف فلم أجد أحداً،

استدرت إلى الأمام ولم أجد أحداً، صرت أشهق:

_ما الذي يحدث، لماذا هذا التخبط في حياتي، هل هي حياة أم أنا ميتة؟ أكاد أجن.

همست لي ساراسا:
_بل أنت ميتة.

صرخت شعرت برغبة بالموت حقاً.

صرت أرى أشياء لا يصدقها عقل، كحمامٍ بحجم كبير ويرتدي ملابس حرب، ويهجم على فئة نسورٍ مجنحة.

ثم صرت أرى ديناصورات تهاجم بعضها وعناكب عملاقة، تفترس أمها

قلت برعب:
_هل عدت إلى كوكب بينوس؟ لكن بينوس قد تدمر.

همست ساراسا:
_كان هذا فقط في خيالك، بينوس لا يزال موجوداً.

_ولكنني كنت هناك عندما انهار الكوكب
ضحكت وقالت:
_اوهمناك بهذا؛ لأنك بت تشكلين خطر على كائنات الكوكب.

فاستغربت كلامها وقلت:
_أنا شكلت خطراً على ذلك الكوكب الذي دمر كل تفاصيلي.

_أجل قوة إصرارك على المواجهة، جعلت منك طاقة رهيبة تفاعلت مع الطاقة المغناطيسية المحيطة فيه، فكدت تخربين نظام ذلك الكوكب

_شيء غريب.

_لم نتوقع صمدك في كل هذا الخيال، إن كان على كوكب بينوس او في عالم الخيال المسلسل بحكايا للأطفال، أنا مضطرة للاعتراف بأنك قويةٌ جداً.

_وماذا بعد.

هنا سمعت اصواتاً رهيبة، تخبك أصوات، مارك، بيلي، جاك، جون، وصوت بكاء إينجل، ثم رأيت أشكالاً للعناكب العملاقة، الكائنات الغريبة، وكل ما جرى في ذلك الكوكب المدعو بينوس.

وشعرت بدوار شديد غيبني عن الوعي، ربما لدقائق، ساعات او أيام لا أدري.

استيقظت لأجد نفسي في عالم البشر ثانيةً لكن هذه المرة في مشفى وحولي أطباء كثر وطلبة يجتمعون حولي ويتناقشون.

_كيف ترَ هذه الحالة دكتور جيم؟

_غريبةٌ من نوعها.

_شخصية المريضة تتخبط بين الواقع والخيال، لدرجة انها تهذي بأشياء غير حقيقية وتصدقها.

كنت أحملق بهم وأتساءل هل يتكلمون عني أنا؟ هل يعتقدون أن مجنونة.

سألت أحدهم:
_عمن تتكلمون، هل هذا الكلام عني أنا؟

ضحك احد الطلبة وقال:
_وهل ترين أحداً غيرك هنا؟

_بأي عام نحن يا سيدي؟

ضحك وقال :
٢٠٣٠

قلت في نفسي:
_جيد، على الأقل أنا الآن في زمني، هكذا سأبحث عن أهلي وأعثر عليهم.

لكن الغريب أن ذلك الطالب وضع شيئاً على رأسي كان يعطي ذبذبات سريعة تضعف تارةً وتزيد أخرى.


ثم قال:
_هل لاحظتم، بما فكرت الآن

قال اخر:
_إنها المريضة المطلوبة للتجربة، فلنقرر بالإجماع.

رفع الجميع بالاجماع أيديهم إلا واحداً، فقال:

_أنا أخشى من تتبعات الحالة.

فشتمه الطبيب الذي بدا مسؤولاً عنهم:

_أتعرف أيها الجبان، أود أن أطردك من كل هذه الدفعه؛ لأنني ضقت ذرعاً بك.

ضحك الجميع وتابعوا مناقشاتهم،
وأنا لم أكن أفهم شيئاً وبت أشعر نغسي كفأر الحقل الذي تطبق عليه التجارب.

تخبطت وصرت أصرخ:
_اريد أمي، وأبي، رجاء دعوني أذهب.

فقام أحدهم بحقني ونمت وأصواتهم كانت تخبو؛ لأستيقظ وأجد نفسي مربطة بأجهزة غريبة والاطباء حولب.

قال المدعو د. جيم:
_حمدا لله، أنك بخير سارة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي