الفصل الثالث

أنا مغرمة بك.


(3) الفصل الثالث.


في قصر الملك زوليا كان الأمير روديان يتكلم بصوت صاخب للغاية، وقال وهو يضرب يده بالطاولة:


" أنا لا أريد الزواج من تلك الأميرة لأنها لا تُحبني"

وقف عمه زوليا مقابلاً له وأردف:

"روديان، هذه وصية والدك منذ عشر سنوات ونحن لا نستطيع مخالفتها؛ إلا وأذا ستخسره"

قال روديان بلهفة وجبينه يتعرق منه:

"ما قصدك يا سيد زوليا؟"

تحرك زوليا وأخرج ورقة من الخزنة وأعطاها له مكملاً:

"اقرا هذه الرسالة بنفسك"

أمسك روديان الرسالة وقرأها بصوت مرتفع:

"أبنائي الأعزاء، أعلم بأنكم الآن بجانب عمكم زوليا، وتقرؤون وصيتي، بالبداية أنا أحبكم جميعكم، ولا أستثني أحد بحب خاص عن غيره، لكني عندما كتبت هذه الرسالة، كنت متأكداً بأن الذي سينجح بتولي شؤون القصر هو روديان لا غيره"

سقطت الرسالة من يد روديان، وجلس على الكرسي وهو متأثر من حب والده له، تمالك نفسه مخبأً دموعه بذراعه فمصاصي الدماء لا يبكون ولا يضعفون أمام أحد.


أخذ عمه الرسالة وأكمل القراءة:

"لأنه أثبت لي جدارته على الحكم، جلاور أعرف بأنكَ تكبره سناً؛ لكنه هو الأنسب، وأعرف بأنك ستتفهم ذلك لحبك الكبير له، ولكن يا روديان هناك شرط لهذا، وهو بنفس يوم تتويجك، عليكَ أن تتزوج من الأميرة نيرفيتا، ابنة الأمير شومار، وأذا أعترض روديان لا تُعطوه الحكم."

صمت زوليا لدقيقة وأردف:

" فقط عندما يبلغ عمرك عشرين عاماً، ابني فالكا وابنتاي العزيزتان لوفا وتوبا، أحبكم كثيرًا أيضًا، ويمكنكم بأن تعتبروا روديان بمثابة أبٍ لكم، الختام.. الملك رايمبرلو."

أخذ روديان الرسالة من يده ومزقها، وخرج من القصر قبل أن يُكمل حديثه مع عمه، ولكن صوتاً من الخلف أوقفه وحينما التفت وجد رودلف يقول له:

" الأمير روديان كيف حالك؟ "

نظر إليه روديان، فعانقه الآخر وهو يقول:

"هل عاد وأزعجكَ عمك مرة أخرى؟"

قال له روديان:

"متى عُدت يا صديقي؟ وماذا حل بك بعد نفيك إلى استيل؟ أنا أسف كل هذا بسببي"

أجابه رودلف:

"دعك مني الآن، لماذا أنت غاضب بهذا الشكل؟ "

مد له روديان رسالة والده الممزقة، وقال:

"أنظر لهذه السخافة"

أمسكها رودلف ووضعها على صخرة وقرأها بعدما جمعها وهو متفاجئ من قرار الملك.

وابتسم وعانقه مجدداً:

"هذا أجمل قرار قد يأخذه الأمير رايمبرلو"
قال روديان:

"ولكن أنت تعرف بأنها خانتني في منزلنا الذي أهديته لها بعيد ميلادها مع ذلك الوغد، كيف سأتقبل ذلك؟ "

قاطعة وقال:

"لكنك تُحبها سيدي"

رد عليه:

"ليس الحب كل شيء يا رودلف، الأمانة ينبغي أن تكون بداخلنا، كم أتمنى معرفة الشخص الذي خانتني معه، أمتأكد بأنك لا تتذكر ملامحه بعد كل هذا المدة"
اغمض رودلف عيناه وسمع صوت الأميرة وهي تقول:

" جلاور هيا أذهب من هنا، يكفي العبث معي أخشي بأن يأتي روديان اليوم، قلبي لا يرتاح للآمر كثيرًا"

قاطعهم الأمير جلاور بعد أن تقدم برفقة مساعده:

"روديان! خيراً؟ لما أنت هنا تقف مع هذا الشخص؟"

أشار روديان بيده على جاسا وهو يقول:

"منذ متى ونحن نتكلم أمام الخدم؟"

شعر جاسا بالحرج؛ فأستأذن منهم ورحل، ردها جلاور له على رودلف وقال:

"وهذا.. لما ما زال متواجداً؟ إنه من الخدم على حد علمي"

تمسك روديان بيد رودلف وقال:

"هذا صديق طفولتي، لا يصنف من الخدم يا جلاور، تكلم لماذا لحقتني إلى هنا الآن؟"

قال جلاور بشكل مباشر:

"أريدك أن تتنازل لي عن التتويج والأميرة"

قهقه روديان وأخذ رودلف وتحرك من جانبه، ولكن فجأة انقض جلاور على رودلف لكي يمص دمه، تدخل روديان ودفع أخاه قبل أن ينهي عليه:

"ابتعد عنه، وإلا سأنهي حياتك بالحال"

زمجر جلاور كثور هائج بعيونه الحمراء:

"أتقوم بإهانة أخيك لأجل بشري قذر؟"

لم يُجيب روديان عليه، ثم انصرف الآخر يجر خجله وخزيه خلفه.


خلع روديان سترته، وأخرج علبة بها رائحة المسك وسكبها على سترته، ورش القليل منها على رقبه رودلف ليلتئم جرحه سريعاً وهو يقول:

"هكذا لن يشتم أحدهم رائحة دمك"


فقد رودلف وعيه فحمله روديان إلى الكوخ الذي يسكن به، وأرسل للطبيب كي يأتي سريعًا ويفحصه.

دخل جلاور لقصر عمه، وعندما وجده ينزف، قام بتطهير جرحه وهو يقول:

"من الذي فعل بك هذا؟"

نزع جلاور ملابسه التي تملئها الدماء، وفتح خزانه عمه وأخذ ثياب نظيفة وهو يقول:

"ذلك الوغد يمتاز بجسد قوي لا يتأثر بشيء، فقد وضعت له السم بالأمس، ولاحظت بأن صحته تزداد قوة"

ضحك زوليا وهو يجلس أمامه على الفراش، وقال للخادم:

"أذهب وأحضر لنا وجبة ممتلئة بما لذ وطاب"

لم يغب الحارس كثيراً حتى جاء برجل في منتصف عمره محمر اللون مقيد اليدين، تركه لهم ورحل وهو يسمع أصوات صَرخاته.

بينما كان روديان يجلس أمام الكوخ المتواجد قرب البحيرة، خرج رودلف من الداخل وهو يقول:

"بماذا تفكر؟"

ابتسم روديان وسانده إلى أن جلس بجانبه، فسخر منه رودلف:

"لماذا تساندني الآن؟ هل ترى بأنني سأضع مولوداً؟"

قهقه الاثنان بودية، ثم أخرج رودلف الرسالة من جيبه:

"أكان غضبك من جلاور لأنه يريد الزواج من المرأة التي تُحبها؟ أم لأنك كنت قلقاً من أن يقتلني؟"

أردف روديان وهو ينظر للسماء:

"لا أنكر بأني لا أريد الزواج منها من أجل هوس جلاور، وخيانتها لي أيضًا، لكنني لن أتركها له ولن أدع مكروه يُصيبك؛ لأنك صديقي الوحيد"

أجابه رودلف:

"ما الحل اذاً؟ لن يتبقى الكثير على حفل ميلادك العشرين"

وقف روديان، وساند رودلف للدخول مجدداً:

"لا أعرف شيئاً سوى أنني أنتظر شيء جميل يغير حياتي كتلك... "

رد رودلف:

"ما قصدك بتلك؟"

..


نزلت سيلينا لمقر الخادمات بعدما ملئت رائحتها بالمسك لكي لا يتعرف عليها مصاص دماء جائع ويلتهمها.

نظرت وقالت باستغراب:

"ما هذا الجمال؟ ما كنت اتوقعه بهذا الشكل الرائع"
كان المكان بالأسفل عبارة عن صالة ممتلئة بالفتيات، ومن بينهن روفال فأقبلت عليها وهي تبتسم:

"روفال هل تتذكريني؟"

قالت:

"أجل تلك الفتاة التي رأيتها بيوم بيع الفتيات"
أردفت سيلينا:

"أنا سعيدة لأنك تتذكريني، كيف كانت رحلتك هنا؟ "
قالت:

"ليست جيدة بالمرة"

سقطت على ركبتها فأكملت:

"أعذريني فأنا متعبة قليلًا"

تطلعت سيلينا على الجميع رأته منشغل
فأردفت:

"الجميل فالأمر بأن كل شخص يهتم بجمع طريقه لنجأته فقط من هنا"

قالت روفال:

"هكذا الحياة مع الوحوش"

بدت روفال متعبة بشدة، فأمسكتها سيلينا من يدها وقالت:

"سأخذك معي لغرفة الأمير بالسر وما سيشعر علينا أحد حتى نصل ثقي بي"

قالت لها:

"لا أتركيني هنا، لماذا تفعلين هذا بي، لا أريد الموت"
ابتسمت سيلينا وأردفت:

"هناك سترتاحين"

قالت بعدما دفعتها بالحائط:

"أجل سأرتاح للأبد، هل تتعاونين مع الملك بقتلنا واحدة وراء الأخرى؟ لهذا تعيشين هنا معه، ظننتك صديقتي"

وقفت سيلينا وقالت:
"لا بأس"

تحركت سيلينا نحو الغرفة بمفردها، سمعت صوت فركضت وأمسكتها لأنها كادت تسقط، وبعد أن دخلوا بأمان أغلقت الباب وأضافت:

"يمكنك أن تبقي هنا لتستريحي كما أخبرتك من قبل"

ثم قدمت لها الطعام الذي اُحضر لها روديان في الصباح، فأمسكت روفال يدها، وقالت:

"أخبريني، لماذا أحضرتني إلى هنا؟"

تركت سيلينا الطعام من يدها، وهي تقول:

"اعتقدت بأنك سترتاحين هنا، لأن لدي طعام ورأيتك متعبة بالأسفل، في الحقيقة أنا لا أريد أكله لأني متضايقة من روديان، قلت سينفعك"

ردت روفال وهي تصرخ:

"هل تم اختيارك مساعدة للأمير لجمالك الفائق عنا؟ أعرف بأنه ليس لديكِ شبيها بكل المدينة، لكني أنا من حاول مساعدتك في البداية، لما تفعلين هذا بي؟ هل ستقدمينني وجبة للأمير؟"

حركت يدها بالنفي، وهي تقول بقلق:

"صدقيني أنت تفهمين الأمر بشكل خاطئ"

نزعت سيلينا الوشاح من على رقبتها وهي تبكي، وجعلتها ترى مكان العضة وهي تقول:

"لست مميزة بشيء، فقد نال مني الأمير بالصباح، أنا فقط أردت مداواتك هنا، وجعلك تحصلين على طعام جيد، أعرف من الرواية بأنهم لا يطعمونكم اللحوم إلا يوماً واحداً بالأسبوع"

اندهشت روفال وقالت:

"عن أي رواية تتحدثين، ولما طريقة كلامك مختلفة عنا؟ منذ البداية لأحظت بأن لديك لهجة غريبة، من أنتِ؟ "

دخل الأمير روديان للغرفة، وتفاجئ من وجود الخادمة الأخرى في غرفته، فور أن رأته روفال ركضت للخارج وهي خائفة، فقال لسيلينا:

"من هذه؟ وماذا تفعل بغرفتي؟ "

وقفت سيلينا بعيداً عنه بخوف، فاقترب وهو يحاول عدم إخافتها وأردف:

"لما لا تُجيبني؟ "

نزلت الدموع من عينيها فقال:

"لما تبكين الآن؟"

وضع يده على وجهها ومسح دموعها وهي ترتعش خوفًا منه فأكمل:

"هل أنتِ حقاً من أنقذني بالمساء من السم الذي كان بجسدي؟"

تذكرت سيلينا الذي حدث بالأمس، عندما خرجت من الغرفة وكانت ستموت بسببه.

لولا أن رجعت للغرفة وأخذت معها علبة المسك وعاودت الذهاب للمطبخ.

وأحضرت نبتة مضادة للسم كانت قد قرأت عنها بالرواية.

خرجت من شرودها، وقالت:

"ولما أنت تسالني الآن بعدما شربت من دمي؟ أهل نسيت ما فعلته بي؟ "

ابتعد عنها ونزع روديان سترته الخارجية وهو يقول:

"أعتذر منكِ كثيرًا لكننا تربينا على مص دماء البشر، وهذا لأننا لا نستطيع أكل شيء مثلما تأكلون أنتم سنموت أن لم... "

قاطعته وقالت:

" لن أدعك تموت فأنت بطلي"

ذهبت إليه وجلست قرب قدميه تحاول كسب تعاطفه، ومن ثم رأت الدماء تملأ ثيابه فتحدثت بانفعال:

"روديان ما هذا؟!"

رفعت له أكمامه ونزعت القميص عن كتفه وهي تحاول الاطمئنان عليه:

"هذا عظيم، أنت بخير لم يحدث لك شيء"

شعر روديان بالخجل لأول مرة في حياته، «كيف لهذه الحمقاء أن تقترب من رجل دون الحرص بهذا الشكل»

وقف بعيداً يرتب قميصه مبتسماً بسخرية:

"لماذا تقلقين علي لهذه الدرجة؟ هل أنتِ واقعة بحبي؟"

عادت بخطواتها للخلف وهي تحاول ابتلاع ريقها، ثم استدارت عنه للجهة الأخرى تفكر « يا إلهي، هل شعر بذلك؟ لن يعرف أنا سأتصرف بذكاء»

اقترب منها ليقف خلفها، فتجمدت الأخرى في مكانها تعصر قبضتيها بخوف، أغمض عينيه وشم رائحتها مستمتعاً.

نزعت سترتها التي ملائتها بالمسك ودفعتها بعيده عنه وقالت:

"من فضلك ابتعد عني"

فشعر بحاجته لمص دمها، فقالت بخوف:
"روديان لا تفعل"

فتح عينيه ليظهر لونهما المختلف فابتعد عنها ودخل الحمام وهو يحدث نفسه:

« كيف لهذه المجنونة بأن تفضل نزع سترتها المغطاة بالمسك؟ وتفضل بأن تقف أمامي هكذا ولا تخشى بأن أذيها مجددًا».

أخدت انفاسها ولبست سترتها وهي تقول:

"هل هو بخير الآن؟ يبدو بأنه متعب للغاية"

أغلق على نفسه وهو يفكر واضعاً يده على وجهه:

«كيف سأبقى معها وجرحها مفتوح؟ فرائحتها تثيرني كلما اقتربت منها، صحتي متعبة هذه الأيام، والدماء التي يسمح لي بها جلاور قليلة ولا تجعلني أستعيد كامل عافيتي»


لم تجرؤ سيلينا على الاقتراب رغم قلقها عليه، وفجأة عندما خرج انكمشت على نفسها وقال بهمس:

«لا أعتقد بأنه سوف يمص دمي مجدداً»

ذهب لخزانة الملابس وهي تراقبه، فقالت من مكانها:
"ما هذا الشيء الذي بكتفك؟"

قال وهو يلبس سترته:

"شيء بكتفي يجعلني أتمنى بأن تعود والدتي وتتعرف علي عن طريقه"

قالت له بتعجب وهي تقترب:

"لكن والدتك بشرية، وهم من طردوها خارج القصر"

أحكم قبضته على كتفيها بمخالب كالأسد، وقال والشر يخرج من عينيه:

"من تقصدين بكلامك؟"

أمسكت معصميه وتعابير وجهها تصرخ بالألم، فابتعد عنها ليسأل مرتاباً منها:

"من أنتِ بالتحديد؟"

قالت له بعدما استعادت أنفاسها:

"اعتبرني فتاة تقرأ الماضي والمستقبل"

"تقصدين، ساحرة؟"

وجدت أنه لقب ممتاز لتقول بينما تهز رأسها:

"أجل، لكنني ساحرة بدون قدرات، كل ما أستطيع فعله هو نبش الماضي وتوقع المستقبل."

نظر إليها بشك مضيقاً عينيه:

"وعندك علم في ماضيي ومستقبلي!"

ابتلعت ريقها بخوف:

"أجل.. أعني ليس دائماً.. أعني ربما توقعات و ربما حقيقة.."

اقترب منها حتى التصقت بالحائط، واضعاً ذراعيه حولها، ثم نطق بصوت جعلها ترتعد:

"قرري قبل أن أُنهي حياتك اللعينة."

"الماضي أكيد، الحاضر والمستقبل توقعات"
قالت بينما تصرخ مغمضة عينيها.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي