27 الهروب من النقمة

الفصل السابع والعشرين:
(الهروب من النقمة)

" حتى أنت لا تتقبلني؟" قالت آيلا وهي لازالت تُصدم بردّات كلاً من حولها.

جنيور بحزن: اعتذر، ولكن يجب أن ابتعد عن القصر لسلامتي وسلامتكِ، فلو اكتشفت كاترين وجودنا مع بعضنا ستعرف من تكونين، فأنت لازلت مجهولة عنها.

جاك بحقد: بالطبع مجهولة، فكل ما تمنته يخدم مصالحها، ونحن كنا نركض لأجلها، تباً، ولم يكفي هذا، بل أصبحت أميرة.

تحول الرجل الغراب لغراب مرة أخرى، وطار بعيداً، لذا تأملت آيلا جنيور بعيون مغرورقه وحزينة.

" اعتني بنفسك جيداً" قال جنيور قبل أن يستدير

تراجعت للخلف وهي تحاول كتم دموعها، ورمت بجسدها على سريرها، تفكر بكل ما يجري حولها، ثم ما لبث إلى أن طمرت وجهها بين الوسائد كي لا يسمع أحداً صوت أنينها الناشب من أعماق قلبها.

آيلا بأنين: الجميع يكرهني، لم يجبني أحد، ماذا فعلت لهم كي أُجزى هذا الجزاء؟.

نهضت وهي تبتلع ماء حلقها، ومسحت دموعها وهي تتنهد، بعد أن خطر ببالها فكرة الهرب، لذا اردفت:

_ لم يعد ينقصني سوى كلوي كي تزعق بوجهي ويكمل قهري أكثر، فقد جعلوني أشعر بأنني خائنة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أصبحت أكره نفسي، لذا سأبتعد وأعود لحياتي السابقة البسيطة.

في المطبخ
حيث كانت كلوي وماري يُحضّران وجبة العشاء للملك والأميرات، تبادلا أطراف الحديث بهمس.

كلوي وهي تحاول كتمان حزنها:
_ أتوق بأن أمسك بحبال رقبتها لتلك اللعينة، ولا أتركها حتى تتلفظ أنفاسها.

قوست ماري حاجبيها بصدمة، وقالت وهي تشير بسبابتها:
_ اصمتِ يا غبية، إن سمعكِ أحداً تقولين شيء كهذا عن أميرة سيقطعون رأسكِ.

ابتلعت كلوي ريقها وهي تتحسس حلقها بخوف، لذا قالت:
_ حسناً، سأصمت، لا أريد أن يُطير رأسي.

ماري وهي تقطع بعض الخضروات بين يديها:
_ هذا جيد، هيا تعالي وساعديني، يكفيكِ ثرثرة.

قاطع حديثهم دخول مارتن وهو يتملد بخطواته أمام الباب وينظر وهو يبتسم بخفية.

ماري وهي ترفع طرف عينها نحوه:
_ ماذا تريد أنت الآخر؟ ثم لمَ تزحف على الحائط كالأفعى هكذا؟

انتصب مارتن بعد أن حمحم وقال ممازحاً:
_ سامحكِ الله، أهذا تشبيه يليق بأشقر مثلي وجذاب ذو عيون بنية واسعة؟

قال ذلك وهو ينفض بشعره وينظر لكلوي يحاول إلفات انتباهها

" اسمع أيها الغبي، إن لم تخرج من هنا حالاً سأغرز هذه السكين في عينيك البنتين وأجعلهم حمراوين، ما رأيك؟" قالت كلوي وهي تنظر إليها بنظرة ساخرة.

" أنت عنيفة للغاية كيلي، لمَ تفعلين هذا بيّ؟!" قال مارتن بطريقة جعلت كلوي تستفز أكثر.

" انظري هذا الغبي المائع يزيد من توتري أكثر ويلقبني باسم ساخر مثله، قل ما تريده بسرعة؟" قالت كلوي بغضب.

عض مارتن على باطن خده، وغمزها بعينه وهو يترنح نحوها، ثم وقال:
_ أريدكِ، هل تقبلين بيّ؟!

رمشت ماري عدة مرات وهو تتأمل استعراضه، ثم انفجرت ضاحكة، وقالت:
_ تبدو كالأفعى بالفعل، فتموجاتك هذه أدهشتني، أهكذا يعترفون الأحبة بحبهم؟ ييع.

كانت كلوي تتأمل قهقات ماري وسخريتها، ثم ألقت نظرة على استعراض مارتن السخيف، وهو يحاوط يديه بخصره.

تنهدت تنهيدة طويلة، وتركت السكين من يدها، وقالت قبل أن تغادر:
_ أقبل بك.

غادرت مسرعة، وتركت ماري التي توقفت عن الضحك فجأة تنظر لمارتن بصدمة.

مارتن وهو يوسع حدقة عينيه:
_ هل ما سمعته صحيح؟! هل قالت تقبل بيّ؟

كانت ماري لا تزال مصدومة، لذا قالت:
_ حتماً هي تمزح، هيا اغرب عن وجهي، واتبع حبيبتك، هيا هيا، اتركوني، مجانين بالفعل.

مارتن وكاد يقفز من فرحته:
_ فكرة جميلة سأذهب واتبعها.

ماري بصوت مرتفع كي يسمعها:
_ هييي، انتبه لرأسك كي لا تفتحها لكَ نصفين.

أمام غرفة الملك، حيث يقف اندريه، منتظر أي أمر من الملك، أتت كاترين تتمختر وهي تبتسم بخبث، ثم قالت بعد أن أصبحت مقابل انديه:

_ هل مولاكَ هنا؟

اندريه وهو ينظر لها باحتقار:
_ أليس مولاكِ أيضاً؟

كاترين وهي تحرك فكها السفلي وتصك على أسنانها بقرف:
_ ألن تقول إن كان هنا أو لا؟

اندريه بعد أن زفر هواء فمه بململة منها، ثم قال:
_ أجل هنا، ماذا تريدين؟

" أخبره بأنني أود رؤيته"

" لا اعتقد بأنه سيرغب بذلك"

" أذهب وأخبره، فأنا لن أتحرك من هنا إن لم أحادثه، وعليك قول هذا له".

نفث اندريه بغضب، ودخل على الملك بعد أن طرق الباب وانحنى ثم قال:

_ مولاي، كاترين تنتظر أمام الباب، وتريد التحدث معك.

الملك وهو يجلس خلف مكتبه ويكتب على بعض الأوراق:
_ ليس لدي وقت لها، فلتذهب.

اندريه: ولكن مولاي هي مصرة، وقالت بأنها لن تغادر حتى تحادثك.

أنزل الملك القلم من يده بامتعاض، وقال بنبرة حادة:
_ حسناً، دعها تدخل لنرى ماذا تحيكه اليوم أيضاً.

اندريه في نفسه: "من الجيد بأن الملك يعلم بأنها تحيك الفتن."

خرج اندريه إليها وهو يتأملها بكره، ثم قال:
_ هيا فلتدخلي.

دفعت اندريه من كتفه بقوة، ودخلت على عجل، بعد أن أغلقت الباب خلفها

"وقحة." قال اندريه بعد أن شعر بهواء الباب يلمس بشرته.

كاترين بعد أن انحنت أمام الملك:
_ مولاي.

كان الملك يتكأ بكلتا مرفقيه على المنضدة، ويشابك أصابعه ببعضهما ويقول:

_ ماذا تريدين كاترين؟ ألم آمرك بالبقاء في غرفتك، ثم ما هذه الوقاحة كي ترفضي ابنتكِ؟ أنا حقاً لم أصدق ما سمعته، هل حقاً رفضتي الفتاة؟!.


كاترين وهي تظهر الفزع:
_ لا، كيف لأم بأن ترفض ابنتها، مولاي تلك الأميرة هي من سلبتها مني بالقوة، وقالت بأنها هي من تريد تربيتها، حتى أسأل أنستازيا فقد كانت حاضرة على الأمر.


عقد الملك حاجبيه، فهو لا يعرف الكثير عن آيلا حتى يدافع عنها، لذا قال:
_ ولمَ لتأخذها آيلا؟ بالطبع هناك سوء فهم.


كاترين بتملد: أرأيت أني افتعلت أي مشكلة منذ أن أتيت مولاي؟ أنا لا أحب المشاكل، ولكن الجميع يكرهني لا أعرف لمَ.


لم يصدقها الملك كثيراً، ومع هذا حاول مجاراتها قائلاً:
_ حسناً ماذا تريدين؟


حمحمت كاترين بعد أن وضعت يديها فوق بعضهما تُظهر الاحترام وقالت:
_ أريد أن تخصص لي جناح، فلا يعقل بأم أميرة أن تبقى بغرفة كهذه، كما أنني أحتاج لخدم لمساعدتي بالطفلة وتلبية طلباتها، وبالطبع لن تقبل بأن نكون حديث الجميع، وبأن يعتبروا ابنتي جارية.


ابتسم الملك ابتسامة تدل على فهمه لها، لذا قال بحزم:
_ هل حقاً هذا كل ما تطمحين به؟


أجابت كاترين وهي لاتزال تخفض رأسها وتظهر الانكسار والحسرة:

_ لا، بالطبع ليس كل شيء.

قوس الملك حاجبيه وهو ينزل سفته السفلى ويهز برأسه، لذا قال:

_ بالطبع؟! وبماذا تنوين الحصول بعد الحصول على جناح خاص بك؟


اجهشت فجأة بالبكاء، وارمت جسدها على ركبتيها متوسلة:
_ مولاي، أنا أحبك كثيراً ، وكل ما رغبت به الحصول على قلبك، أعلم بأنني افتعلت أخطاء كثيرة في الماضي، ولكن كلها كانت لأجل أن أكون بجانبك، أرجو أن تعذر قلبي الذي لا استطيع ردعه عن النبض لأجلك.


اشتد امتعاض الملك أكثر، وأشار لها بيده وهو يقول بلا مبالاة:
_ حسناً، سمعت بما يكفي، هيا اخرجي.


رفعت كاترين رأسها بصدمة، فلم تكن هذه ردة الفعل المنتظرة، لذا قالت:

_ ولكن ماذا عن الجناح؟


" هل عدنا لهذا الأمر؟ حسناً، فهمت، سأجعلهم يجهزون لكِ جناح، ولكن يجب أن تعي بأنه سيخصص لأجل ابنتك، ولولاها لما كنت حصلت على أي شيء"
قال الملك وهو يشير بسبابته بنبرة حادة.


" يا لك من منحط، هل حقاً لا أسوى شيء عندك؟" قالت كاترين بنفسها، وهي تحاول كتم غيظها.


الملك بعد أن أعاد نظره لأوراقه:
_ الآن اخرجي.

انحنت كاترين، واستدارت وهي ترسم ابتسامة خبيثة، تلقاها اندريه فور أن رءاها.


اندريه باستغراب: ما سر هذه الابتسامة المبطنة؟!


كاترين وهي ترفع برأسها بتكبر:
_ لا شأن الخدم بأموري.

ثم سارت باتجاه غرفتها وهي تطير من السعادة وتتمتم في نفسها: " الآن الحصول على الجناح، في الغد الوصول لغرفته، ومن ثم عرشه، يال سعادتي."


دخلت غرفتها، ونادت على كاريس على عجل


كاريس: أمرك مولاتي.


دارت كاترين دورتان في غرفتها، ثم تناولت حبة عبة، ووضعت في فمها وهي تقول:
_ اسرعي واجلبي الفتاة، فقد باتت نافعة.

وسعت كاريس عينيها بعدم تصديق، لذا اردفت كاترين بصراخ:
_ لمَ لا زلتِ واقفة مكانكِ، هيا اذهبي واجلبي الفتاة.


استدار كاريس، وهي تتمتم في نفسها:
" تباً لكِ، هل هي لعبة كي ترميها، ومن ثم تعودين أليها متى شئتِ؟".

سارت كاريس بالرواق المتجه لغرفة آيلا، وهي تتمتم وتسب على كاترين.

طرقت الباب بقوة عدة مرات، ولم يجيب أحد، لذا فتحت الباب، ووجدت الفتاة الصغيرة نائمة، لذا قالت بصدمة وهي تنادي:

_ آيلا، هل أنت هنا؟ أين أنت؟

ثم أعادت تصرخ وتنادي في الرواق حتى رأت مارتن الغبي، الذي قال:
_ لمَ تنادي بهذا الشكل على آيلا؟


كاريس: أنها ليست بالغرفة، وسندريلا كانت لوحدها بالغرفة.


مارتن: لا تقلقي أوصتني بأن أراقبها بين الحين والآخر.



كاريس وهي تقوس حاجبيها:
_ أين ذهبت كي توصيك؟!

" لا أعلم، وأنا لم أسألها." قال مارتن.


" حسناً، سآخذ الفتاة لأمها"

" هذا أفضل."


حملت كاريس الفتاة وهي تشعر بالغضب من آيلا، لذا قالت سيدتها ما جرى.

وبدأت كاترين بالصراخ واستغلت الأمر لصالحها وقالت:

_ تلك الحقيرة كيف تترك فتاة صغيرة بالغرفة وحدها؟ ماذا لم توجعت أو بكت أو جاعت، أو حتى تبللت؟!


" كان من المفترض قول هذا لنفسك يا غبية" قالت كاريس في نفسها.


أعادت كاريس صراخها وهي تأمر:
_ دعيهم يبدأوا بتجهيز جناحي على عجل، فأنا أخاف على ابنتي كثيراً من الضياع.


" لم أعرفكِ وأنت بهذا الحنان حقاً" كاريس في نفسها


كاريس بصوت مرتفع:
_ هل وافق الملك على الجناح؟


كاترين وهي تزفر كتنين هائج:
_ ولمَ لا يوافق يا غبية؟ هل تستهوني بي وبقدراتي؟!


كاريس باستغراب: قدراتك؟!


نفث كاترين وقالت:
_ هيا هاتي الفتاة واخرجي من هنا، غبية، تباً لكِ.


قبل ساعة.

استدعت آيلا مارتن، وقالت له:
_ اسمع أنا ذاهبة، لذا أريدك أن تتفقد الفتاة بين الحين والآخر، هل فهمت؟


مارتن وهو يهز رأسه بعدم فضول:
_ حسناً، سأفعل، ولكن ماذا لو بكت؟


آيلا: حينها خذها لأمها، لعلها تهتدي وتتقبل ابنتها، فهي مجبورة بها.


ثم تمتمت بصوتٍ منخفض:
_ليتني استطيع أخذها منها كي تعيش بسلام.


مارتن بحيرة: ماذا قلتِ؟


آيلا: قلت اخرج الآن، وتعال وقف أمام الباب بعد نصف ساعة.

مارتن قبل أن يغلق الباب:
_ حسناً.



خلعت آيلا فستانها الجميل، وارتدت فستانها القديم، وفوقه غطاء طويل له قلنسوة كي تغطي رأسها بالكامل ولا يراها أو يعرفها أحد.


" أحبكِ كثيراً، وأتوق لرؤيتكِ تكبرين، ولكنني لا استطيع أخذكِ معي، لا أريد أن تعيشي العناء الذي عشته أنا، وداعاً صغيرتي"

قالت آيلا كلماتها هذه بعد أن قبلت سندريلا ودموعها تسيل على وجنتيها الورديتان، ثم أغلقت الباب بهدوء، وسارعت بخطواتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي