تسعة وعشرين

تنهد كايوس بتعب شديد قبل أن ينظر ناحية سيليا، التي كانت قد إستدارت مغادرتا من ذلك المكان، يتمنى لو كان بمقدوره أن يساعدها في يوم من الأيام لكي ترتاح من سوء المعاملة.

فهي في نهاية هي سوف تكون الملكة الشرعية للملكة كوركانس، وهي من يستحق أن يكون بجوار الملك، لماذا بحق السماء يبعدها عنه بهذه الطريقة الهمجية؟

بينما في مكان آخر داخل ذلك القصر البهيج، كانت جويا تجلس بين وصيفاتها وكل واحدة منهن تقوم بأعمالها لكي ترضى عليها، فإحدهن تقوم بمشط شعرها وتعطيره، بينما خادمتها الوفية ريني تقوم بتدليك قدميها بزيوت المرطبات ذات رائحة زكية.

نظرت إليها جويا بابتسامة رضى عن العمل الذي تقوم به، قبل أن تنظر إلى خادمتها الأخرى التي تمشط شعرها، وهي تقول بخبث بينما تغمز لريني :

"أخبريني يا لولا يقال إن في المطبخ خادمة جديدة، تدعى سيليا هل تعرفينها؟؟؟"

إبتسمت تلك الخادمة التي كانت تقوم بتمشيط شعرها، لتقول بإبتسامة هادئة وطيبة للغاية:

" أجل سيدتي جويا، إسمها سيليا وهي فتاة طيبة للغاية، ومحبة للكل من حولها طيبة لدرجة أنني لم أرى شخصا بمثل طيبتها من قبل "

قالت تلك الخادمة وهي تنظر إلى شعر جويا، غافلة عن نظرة لإحتقار والكره التي منحتها لها هذه الأخيرة .


شدت على قبضتها بغضب وهي تحاول أن تهدئ نفسها وتقول :


"جويا اهدئي فأنت تحتاجنها لا تريدين أن تفشل خطتها بسبب مدحها لتلك الحشرة. اهدأي وإستمري في خطتك".


لذلك إستدارت ومنحتها إبتسامة هادئة، وهي تقول بصوت حاولت ما امكن أن تخرجه رقيقا:

" أجل هي.. أريدك أن تقومي بإستدعائها من أجلي لولا، فقد سمعت أنها فتاه تجيد كل الأعمال التي تكلف بها، حتى رئيس الخدم معجب ومنبهر من طريقة عملها المميزة".

تهلهلت أسارير الأخرى بسعادة شديدة، فهي حقا تحب تلك الفتاة لأنها دائما ما تساعدها في أعمالها نظرا لكونها فتاة ضعيفة البنية وتصاب بالدوار أغلب الأوقات بسبب أنها هجينة ضعيفة، لذلك هي حقا تحترمها أكثر من أي شخص آخر في هذا القصر، تحبها وتتمنى الخير لها دائما.

أنزلت لولا المشط من يدها لتقف أمام جويا، وهي تنحني بالإحترام وهي تقول بسعادة حقيقية:

" حاضر يا سيدتي، سوف أحضرها لك الآن "

انهت تلك الفتاة ضعيفة البنية كلامها، لتغادر الجناح بسرعة وهي على وشك أن تطير من شدة سعادتها ظنا منها بأن السيدة جويا، تريد أن تقدم مكافأت إلى سيليا وذلك بعدما سمعت الكل يمدح طريقة تعاملها وعملها.






بمجرد أن خرجت تلك المسكينة العافلة من المكان، نظرت كل الوصيفات اللواتي كنا يلتفن حول جويا إلى بعضهن بخبث، قبل أن ينفجرنا جميعا بالضحك بعد صمت طويل كان يسيطر عليهن.

اقتربت الوصيفة الخاصة ريني من سيدتها، لتجلس بجانبها وهي تقول بسخرية:

" أنها فتاة غبية حقا يا سيدتي، هجينة ضعيفة بلا مستوى لا أعرف لماذا قبلت بمثلها لتكون وصيفة لك؟"

نظرت إليها جويا بإستعلاء وإحتقار، قبل أن تقول بإبتسامة جانبية خبيثة:

" بطبيعة الحال أحضرتها لمثل هذه المواقف، فتلك المدعوة بسيليا ليست بالفتاة السهله على الإطلاق، ولو أنني ارسلت لها إحدى الوصيفات الخاصة بي، كانت لترفض الأمر بسرعة، وربما تختفي لأيام كما فعلت من قبل عندما كان اريوس يبحث عنها، لهذا السبب بالضبط كان يجب أن أستغل تلك الفتاة الغبية وأجعلها قريبة مني، من أجل أن أوقع تلك الحثالة في الفخ".

و مره أخرى كان جميع من في ذلك الجناح، ينفجر ضحكا على تلك الغبية التي صدقت أن جويا تطلب بحضور سيليا من أجل مكفأتها، ولكن لم ينتبه أحد منهن إلى تلك فتاة صاحبة الجسد الهزيل، التي كانت تقف عند عتبة الباب، وهي تشد على يدها بغضب شديد، والحزن سكن ملامح وججها وقد إمتلات عينيها بالدموع، ولم تكن صغيرة القامة تلك إلا الفتاة التي طلبت منها جويا أن تذهب لإحضار سيليا.

كانت قد نسيت شارت الوصيفة الملكية في الجناح، وقد عادت لتاخذه الآن المسؤول عن جناح خدم المطبخ لن يسمح لها بالمرور من دونه، ولكن قدميها تصنمت على عتبة الباب الجناح وهي  تسمع الكلام الجارح الذي كانت جويا والوصيفات يتحدثن به عنها.



لتقسم أنها من المستحيل أن تدخل إلى هذا المكان مرة أخرى وسوف تهرب بعيظا عن هذا القصر المليئ بالمكائد والفخاخ، وكم كانت شاكرة لله أنها كانت مجرد متدربو لدى جويا، ولم تكن إحدى وصفاتها الدائمات.



في سوق المدينة حيث كان الناس يمشون من أجل أداء مهماتهم أو ذهاب لأعمالهم، كان ليام يمشي بين الناس بهدوء شديد وهو ينظر حوله بملل.


كان قد ترك حصانه الأصيل في إحدى الإسطبلات هذه المدينة من أجل راحته والإهتمام به، كان ينظر إلى الأسواق والأزقة العاصمة بهدوء وبعض الشك.


لقد كان  في بداية حياته يطمح إلى أن يكون واحدا من الحراس أو الجنود هنا، ولكنه غير رأيه  بعدما قابل والد سيليا، وقدم له تلك الخدمة العظيمة التي انقذته هو واخوه التوأم من الموت، وعلى الرغم من ذلك كان مستعدا لتركه وأن يأتي إليه ليلبي نداء إن إحتاج إليه في يوم من الأيام، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد حدث شيء جعله يستقر مع الملك ولا يغادر جانبه، إن السبب الحقيقي الذي جعله يبقى في القصر ضياء كل هذه المدة، كان هو سيليا،تحدث ليام مع نفسه بغصة:




" أنا إبن هذه المملكة تركت كل شيء خلفي وذهبت بإرادتي إلى مملكة العنقاء، منذ أن رأيتها ما كان لأستطيع أن أتركها تعيش ذلك الألم لوحدها ، كان يجب علي أن أحميها من الكل حتى والدها ،أنا أعرف أنه يأذيها ويذلها في كل فرصة، ولكن لم يكن بإستطاعتي ان أقف في وجه  الرجل الذي أنقذ حياتي، أنا أحترمه أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة، وأنا مستعد للموت من أجله".


تنهد ليام بملل شديد وهو ينظر حوله إلى الأرجاء، إنه في هذه المدينة منذ أكثر من ثلاثه أيام، وإلى هذه اللحظة لم يجد ولو خيطا واحدا يقوده إلى مكان وجود سيليا، لقد سمع معلومة واحدة فقط من أحد الصيادين عندما كان في الحانة قبل أيام.


لقد اخبره ذلك الرجل أنه كان هنالك سفينة كان من المفترض أن اتصل قبل أشهر طويلة من مملكة العنقاء الأحمر، إلا أنها قد غرقت في المحيط ولا خبر عن أي ناجي محتمل من الركاب.


تنهد ليام بقوة وهو يشعر بالضيق وتوتر، فهو خائف أن تكون الأميرة سيليا ضمن ركاب تلك السفينة، على الرغم من أنه لم يجد إسمها مدون ضمن قائمة الركاب ولكنها بطبيعة الحال ليست غبية إلى تلك الدرجة التي تكتب فيها إسمها الحقيقي، في سجل يسهل البحث فيه وإيجاد وجهتها، وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجعله خائفا ومتوترا طوال الوقت.

في تلك اللحظة التي كان هو شاردا الذهن بها وغارق في دوامة أفكاره كما هي عادته هذه الأيام، كان هنالك جلبة كبيرة تحدث في السوق، إبتعد الجميع عن طريق ذلك الشخص الذي كان يركض بسرعة كبيرة، بينما كانت هنالك طاقة سوداء تنبعث من خلفه.


كان هنالك عدد كبير من الحراس الذين يلاحقونه وهم يصرخون به أن يتوقف في مكانه، إلا أن هذا الأخير بطبيعة الحال لم يكن ليفعل ذلك دون مقاومه.


توقف ذلك الرجل الذي كان يركض بعيدا عن رجال الشرطة بحدة أمام ليام مباشرة، والذي بدوره كان يقف في طريقه وهو ينظر إليه ببرود شديد، عكس أهل المدينة الذين كانوا يبتعدون من أمامه بمجرد أن يجدو تلك الطاقة السوداوية تنبعث منه، زمجر الرجل بغضب ليقول:

" أيها الوغد اللعين إبتعد من أمامي"

قالها بينما هو يطلق من يده شعاع وهو يوجه ناحية ليام، تلك الطاقة السوداء كانت تتشكل على هيئة سهم وتنطلق مباشرة إلى صدر ليام، الذي بقي يقف في مكانه دون أن يحرك إصبعه الصغير حتى، بل أنه إكتفى بتجاوز الضربة عبر إنحنائة بسيطة من جدعه، مما جعل الجميع من يقفون هنالك ينظرون إليه بصدمة.


رفع طرف شفتيه بسخرية لتمتم:

" يلا السخرية"

وبحركة واحدة منه كان يقفز من مكانه، لينطلق نحو ذلك الرجل الذي صدم من سرعته، إبتعد عن مرمى ضربته في آخر لحضة، وبينما ذلك الرجل  كان يركض في المكان مبتعدا عن ليام، إلا أنه في لحضة واحدة وقف متجمدا في مكانه قبل أن يسقط على الأرض فاقدا للوعي.

نظر الحرس إليه بصدمة شديدة، بينما رفع ليام رأسه بغرور وهو يراقب الجميع بلا مبالات قبل أن يستدير ليغادر المكان، إلا أنه تفاجأ بأحد الحراس يقترب منه قائلا له بالإحترام:

" العفو منك يا سيدي، وشكرا جزيلا لك على مساعدتك"

إلتفت اليه ليام، يطالعه ببرود شديد ويقول :

"أنا لم أفعل شيئا يستحق الشكرةيا هذا"

حرك الرجل الآخر رأسه بإبتسامة هادئة، قبل أن ينظر الى ذلك الكيان السودوي الذي كان ساقطا عن الأرض وهو يتلو من شدة الالم رغم فقدانه لوعيه، فليام قد وجه ضربة نحوى نقطة معينة في جسده، وجعله يسقط أرضا دون حركة.

عقد ذلك الجندي حاجبيه بحيرة وهو يقول :

" قد يكون الأمر مجرد شيء عادي بالنسبة إليك نظرا لمهارتك سيدي، ولكن ذلك اللعين الذي يرقد هنالك فاقدا للوعي هو واحد من أكثر الناس المطلوبين للعدالة في مملكة كوركانس، إننا نبحث عنه ونطارده منذ شهور وفي كل مرة تلاحقه يهرب منا ولا نستطيع الإمساك به".


نظرا إليه ليام بهدوء شديد، قبل أن يقول بسخرية شديدة بينما هو يهم بالرحيل:

" تششه يالا السخرية، حتى تقبض على مجرم ضعيف كهذا إستغرق الأمر منك شهورا"

شعر الآخر بالحرج حقا من كلماته، لذلك أسرع في القول:

" الأمر ليس كما تظن وإنما هناك الكثير من الخائنين الذين يعلمونه قبل أن نصل إليه"

إستدار إليه ليام لينظر إليه بحدة، وهو يقول:

" وهنا يأتي دورك يا سيد فإذا كنت حقا جنديا مخضرم ويحب وطنه يجب عليك أن تمسك بالواشين وتزج بهم في السجن فهم يشكلون خطرا على المملكة في المستقبل".

توسعت عيني الآخر بدهشة وهو ينظر إليه بفخر، قبل أن يشعر بالخجل من نفسه وينظر إلى الارض قائلا:

" أنا حقا آسف يا سيدي، ولكن يجب أن تأتي معنا"

نظره إليه ليام ببرود شديد، وهو يقول بينما يرفع حاجبه:

" ولماذا هذا ...ماالذي فعلته حتى أذهب معك إلى حيث تريد أن تأخذني أيها الجندي"

رفع ذالك الجندي رأسه ووقف بالإستقامة، ليقول بتبرير:

" أنت لم تفعل شيئا يا سيدي سوى الخير، ولكن يجب أن تأتي معي حتى تقابل حاكمنا فهو شخص حريص ودقيق في كل الأمور التي تخص المملكة، ولا شك بأنه سوف يريد مقابلة الشخص الذي أمسك بهذا المجرمةالذي روع أهالي المملكة لسنين".


فكيف سيكون لقاء بين ليام وملك كوركانس أريوس وسيليا هل سيلتقي بها ام أن للقدر رأي اخر، هل سوف يتعرف عليه الملك على انه غنيمه ورفيق الثاني لمحضيته، أم أنه سوف يأخذ وقتا لذلك، تابعونا



يتبع......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي