٢٨

سار أربعتهم معاً ودرسوا الجبال من بعيد، وقرروا بدء البحث عند أقصر الجبال، لعلهم يوفرون من طاقتهم ومجهودهم، وايضا كي لا يصابوا بخيبة أمل إن لم يجدوا عشب اللصف في قممه، فهم سيكونوا بحثوا في أسهل مكان للوصول.

اقتربوا منه جميعاً وساروا إلى قعر الجبل الذي اختاروه، أنزل رون حقيبته على الأرض وفتحها، بدأ يخرج ما كان فيها، وجد عدة حبال فتأكد رون أن كارل قد وضعها من باب الاحتياط فقط.

وجد أيضاً الكثير من الحجارة الصغيرة ففطن أنه قد يستخدمها لإشعال النار أو ما شابه، وجد أيضاً ثياباً ثقيلة وقبعة رأس وقفازات صوفية، كان يوجد الكثير منها، تعجب رون فكارل لم يكن يعرف أن أوچين سوف تكون معه.

فطنت أوچين ما يفكر رون فيه وقالت:

_كارل رحيم جداً وطيب القلب، أظن أنه وضع تلك الكمية فقط للاحتياط، أي أنك ربما وأنت تتسلق تقطع معطفك دون قصد أو ربما قفازاتك، قد تسقط القبعة الصوفية أو قد تفقدها.

_يبدو أن كارل يفكر في الإحتمالات بشكل زائد.

_هذا حقيقي.

أخذ رون كفين من القفازات وأعطاهم لأوچين التي ارتدتهم، أرتدى بعدها أثنين آخرين، سحب بعدها القبعة أولاً لأوچين ثم له وارتداها كل منهما، أخرج بعدها معطفين من الحقيبة وأمر أوچين بارتداء واحد وارتدى هو الآخر.

وجد رون أن ما تبقى من الثياب هو واحد من كل شيء فقط، نظر كل من رون وأوچين إلى راكان، كان من المستحيل أن يستطيع راكان ارتداء تلك الملابس فقد كانت ضخمة للغاية عليه.

نظرا حينها إلى بعضهما بحيرة ثم قالت أوچين:

_أرى أن من الأفضل ألا نأخذه معنا، سيبرد كثيراً.

لاحظ كليهما نظرة الحزن في عيونه فحول رون نظراته إلى الحقيبة لفترة ليست بالطويلة ثم قال بحماس:

أظن انني وجدت الحل.

_ماذا؟

قالتها أوچين بفضول وفي نفس الوقت تهللت أسارير راكان وكادت ابتسامته تصل إلى أذنيه.

_سوف تعرفون في خلال دقائق.

بدأ رون يخرج ما في الحقيبة، وجد أكثر من فأس جليدي  في الحقيبة والعديد من الحبال، ربط أثنين منهم في حبلين وقال لأوچين باستهزاء:

_هل تسلقتي جبلاً من قبل يا سمو الأميرة؟

ضحكت هي وقالت:

_سأبهرك بمهاراتي.

_إتفقنا.

_أخبرني الآن، ماذا سوف نفعل مع راكان؟

أخذ بعدها حبل وربطه على جسده بعد أن خلع المعطف وأخذ راكان ووضعه في داخل الحبل، ارتدى المعطف مجدداً وأغلقه ليدفئ راكان وقالت باندهاش:

_هل ستستطيع التسلق به!

_سأحاول، لا أود أن أكسر مشاعره.

ابتسمت أوچين وقالت:

_ أنت طيب جداً يا رون.

بادلها الابتسامة وقال :

_أشكرك.

أغلق رون الحقيبة وارتداها على ظهره، كان الحمل ثقيل عليه، فقد كان يحمل من جهة راكان، ومن الجهة الاخرى الحقيبة ذات المعدات الثقيلة.

ولكنه مع ذلك تحمل مسؤولية قراره، نظر إلى نازلي وقال:

_هل ستستطيعين تحمل البرودة في الأعلى؟

_لا تقلق سأستطيع تحملها.

_هذا جيد.

تنهد رون وقال في سره:

_آمل أن نجد اللصف في الأعلى.

نظر إليه الجميع وقالت أوجين له:

_هل قلت شيئاً؟

هز رأسه نافياً وفي نفس الوقت رفع يده وبأقصى قوة ملكها غرز الفأس الجليدي في بداية الجبل، كان الجميع ينظر إليه بذهول، فكيف له أن يبدأ في تسلق الجبل بهذه السهولة!

كان الجميع يظن أنه معتاد على هذا أو شيء من هذا القبيل، ولكنه بالطبع لم يخض تجربة كهذه من قبل، ولكن ثقته في الله جعلت قلبه أقوى وجعلته أكثر شجاعة وبسالة.

كان يتجنب النظر إلى الأسفل كي لا يسقط، ولكنه لم يشعر بهم يتسلقون خلفه، فقال بصراخ كي يسمعونه:

_هيا تعالوا خلفي، ماذا تنتظرون!
حتى القزم كان ينظر إليه من فتحة المعطف بعيون متسعة وفم مفتوح.

وجهت نازلي نظرها إلى أوچين وقالت:

_هيا أوچين تشجعي، لن أتسلق قبلك، يجب أن أطمئن على سلامتك.

_أنا خائفة جداً يا نازلي.

_أوچين، لقد اتخذتِ قراراً ويجب أن تتحملي مسؤولية نتائجه.

تنهدت أوچين فتابعت نازلي:

_لا عودة من قرارك، لقد اكتشفوا اختفائك بالتأكيد وإن عدتِ الآن فسوف تؤذين الكثير ممن ليس لهم أي ذنب.

_معك حق.

رفعت أوچين الفأس بصعوبة فقد كانت كتلته كبيرة للغاية لدرجة لا تتحملها أوچين ولكن نازلي ساعدتها، فببعض السحر خففت من عليها الحمل لكي تستطيع البدء، غرست أوچين الكأس بسهولة فقالت بسعادة:

_لقد فعلتها! لقد فعلتها يا رون، لقد فعلتها يا نازلي.

بدأت أوچين تتسلق الجبل خلف رون وفي نفس الوقت كانت نازلي تشجعها، تسلقت بشكل أسرع واقتربت من مالك وباتا يتسلقان بالتوازي مع بعضهما.

في بداية التسلق كان الامر ممتع للغاية، وكان الحماس يملأ قلوبهم، ولكن مع مرور الوقت بدأ الحماس يقل وبدأ التعب يزداد، صار تسلقه أصعب بكثير على كليهما.

كان صعباً على أوچين لأنها مرهفة الحس ورقيقة وكانت تلك مرتها الأولى في مهمة خطيرة مثل تلك، أما سبب كونه صعب على رون كان لأنه  يحمل فوق كتفه كتلتين أخرتين غير صعوبة التسلق وحدها.

في الحالة الطبيعية ليستا ثقيلتين بهذا القدر ولكن مع تسلق جبل كان حملهما فعلاً صعب، وعلى الرغم أنها كانت تجربة فريدة من نوعها بالنسبة له أيضاً ولكن ثقته في الله كانت سبب تحمله.

قرروا الجلوس عند أقرب مكان مناسب للراحة، فقد كان الجو يصبح اكثر برودة  كلما صعدوا وتسلقوا الجبل.

وبالفعل وصلوا إلى نقطة تمكنوا من الوقوف عليها براحة، أخذ رون من الحقيبة غطاءاً ووضعه على الجبل كي يجلسوا عليه.

لم يكن يوجد سوى غطاء واحد فأخذ كل منهم معطفه ودفأ به نفسه، ثم أخرج رون بعض من الخشب الذي كان قد جمعه مسبقاً، رتبه ومن ثم أخذ الصخور وبدأ يضربها ببعضها، اشتعلت ناراً كانت ضعيفة بالنسبة لدرجة حرارة الجو ولكنها كانت أفضل من لا شيء في النهاية.

اخرج رون بعضاً من الطعام ووضعه فوق النار ليدفأ قليلاً، وما أن بات صالحاً للأكل بدأ يأكل منه هو ومن بعده تبعته أوچين، حاول إعطاء راكان بعض الطعام ولكنه رفض كما رفضت نازلي، فظن حينها أنه راكان أيضاً لا يأكل من هذا الطعام مثل نازلي.

أكل كل من أوچين ورون إلى أن أشبعا بطونهما، ثم قررا بعدها أن يغفيا قليلاً ليرتاحا، كي يستجمعا طاقتها لإكمال المهمة التي يودان تنفيذها، بل حتى قطعا الوعود عن تنفيذها.

تركوا النار مشتعلة وغطى كل منهما جسده بالمعطف بعد أن ضموا بدنهم كي يكفيهم ويدفئهم.

وبالفعل غفوا قليلاً ثم أيقظتهما نازلي حتى يكملا رحلتهما، فهي لا تود أن تتركهم يشعرون بالخمول، رأت أنه لم يتبقى الكثير للوصول إلى قمة الجبل فأخبرتهما بذلك.

بدأ كل منهما يحاول أن يستفيق، شربا الماء ثم غسلوا أوجههم به، لقد كان الماء بارداً للغاية، كما كانت أناملهم  التي كادت تتجمد من برودة الجو.

نهضا وهم يرتجفان، بدأ كل منهم يرتدي معطفه وقبعته الصوفية وكذلك القفازات، أما عن رون فعاد يحمل راكان والحبل على جسده وفي يده الفأس المربوط بالحبل.

استعد الجميع ليكملوا ما بدأوه، وبالفعل بدأ كل منهم يتسلق الجبل وكلما اقتربوا من القمة كانت الفرحة والحماس يزدادان في دماء رون وأوچين ، فرون بدأ يعتبر نفسه أنه قد أنجز المهمة الأولى، أما عن أوچين فظنت أنها خطت الخطوة الأولى من مهمة إنقاذ حياة والدها.

ولكن كانت الصدمة عندما وصلوا إلى قمة الجبل وخلعوا  الحبال من عليهما، كانا يشعران بالبرد كثيراً وكانوا يرتجفون منه، ولكنهم قرروا التماسك إلى أن يجدوا  العشب، ومن ثم سوف يعودون للأسفل بعد أن يجمعوا منه كمية كافية.

كان الثلج يغطي المكان من حولهما، بدأ رون ينفخ في يده وكذلك فعلت أوچين، لم بستطع أن يعرف كيف عليه البحث به.

أخرج رون الورقه التي كانت في حقيبته لعلها تساعده في البحث عن عشب اللصف، فتحها ليتذكر شكلها وبدأ يبحث عنه ولكنه لم يجد مثل الصورة أبداً، فالتفت إلى أوچين وجعلها ترى الرسمة، نظرت إليها بتمعن وبدأت تبحث هي أيضاً معه ولكن بحثهم كان بلا فائدة تذكر.

لم يجد أحد منهم العشب فكان الإثنين يشعران بالتعجب ممزوج بالإحباط، بدأ كل منهما ينزل مجدداً بنفس الطريقة، أي بالحبال والفأس وكالعادة راكان في معطف رون ونازلي تطير في الهواء خلف أوچين لتحميها كي لا تسقط وكي لا تحدث أي حوادث مشابهة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي