الفصل السابع من الجزء الثاني تثق به

في الساعة الثانية عشر كانت تجلس هدى داخل الجامعة بعد أن انتهت من محاضرة لم تفهم منها أي شيء، شعرت بالاحباط ولكن اقترب أحدهم ليجلس بجوارها، نظرت له بتعجب بينما هو تحدث بابتسامة:

-مرحبًا يا هدى، أنا أشعر بالكثير من السعادة لأنني أخيرًا أراكِ بعد طول غياب في الفترة الماضية.

ابتلعت هدى ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، لا تعلم ماذا كان لها وكيف عليها التعامل معه؟!

تحدث من جديد وهو يمد يده لها:

-أنا علاء صديقتكِ المقرب هنا، يمكنكي أن تثقي بي وأنتِ مغمضة الأعين لا بأس.

ابتسمت هدى برسميه ومن ثم صافحته بتردد:

-أنا أسفة ولكنني لم أتذكرت، أنا متعرضة لفقدان ذاكرة، سامحني.

حرك علاء رأسه بنفي وهو ينظر إلى يدها الممسكة بيده بسعادة كبيرة، سحبت يدها وهي تسأله باهتمام:

-أنا لا أعرف كيف بدأو هنا، لا أفهم أي شيء وأشعر بالكثير من الاحباك، إن كان لديك دفتر محاضرات وكنت تدون كل شيء هل يمكنني أن أستعيره وسوف أرده سريعًا لك؟

شعر علاء بالتردد وآخر شيء يهمه هو حضور المحاضرات هنا، لكنه قرر أنه لن يضيع هذه الفرصة وسوف يفعل كل ما بوسعه حتى يلتقي بها:

-بالطبع يا هدى، لا يوجد أي مشكلة سوف أكتب رقمي لكِ وتتصلين من رقمكِ إن كان جديد وأنا سوف أخبركي كيف ستأخذيه لا يوجد داعي للخجل.

ابتسمت هدى ظنًا منها أنه يرغب في مساعدتها حقا:

-شكرًا لك يا علاء، أنا لم أكن أعرف ما الذي سوف أفعله، أيضًا عائلتي تحملت الكثير معي ولا أرغب في احباطهم مثلي.

وضع علاء يده على يدها وهو يحرك رأسه بنفي قائلًا:

-لا يوجد داعي لهذا، من المهم أن تكوني سعيدة ولا يوجد بيننا تكليف يا هدى، اخبريني كيف حالك الآن؟

اومأت له وهي تنظر إلى يده بعدم راحة لتقوم بسحب يدها:

-أنا بخير، أظن أن المحاضرة الثانية على وشك أن تبدأ و..

وقف علاء وهو يشير لها وقد قرر الحضور معها:

-تعالي سوف نحضرها معًا.

لقد كان علاء لطيف في التعامل معها، لكنها لم ترتاح وتشعر أن هناك شيء غريب يحدث لها، رأسها تؤلمها، حاولت تفسير ما يحدث ولكنها فشلت في النهاية وهي تخمن أن هذا الشيء حدث معها بسبب وجه علاء المألوف له، يقول أنه صديقها ومن الطبيعي أن يكون مألوف لا داعي للقلق.

كانت تحاول أن تجعل نفسها تطمئن وتتجاهل شعور النفور بداخلها.
-----
استيقظت مارجريت وهي تشعر بجسدها يؤلمها، امسكت رأسها وهي تلعن البكاء الذي تسبب لها في الصداع، تتساءل هل ذهب موسى دون أن يخبرها حتى؟ إن كان مع ليديا فهي لن تغفر لهم وسوف تتسبب في اهانتهم، لقد ملت من كثرة الضغط على اعصابها ولم تعد تستطيع التحمل، خرجت من المنزل بعد أن قامت بتبديل ثيابها، كانت تشعر بالكثير من الغضب وهي تبحث عن موى، وجدته يجمع التفاح في سلة وتحدث دون النظر لها:

-صباح الخير يا مارجريت، اخبريني كيف حالكِ اليوم؟

ابتلعت مارجريت ما بحلقها وهي تسأله باقتضاب:

-كيف عرفت أن هذه أنا دون النظر تجاهي؟

ابتسم موسى وهو يحرك كتفيه مجيبًا إياها:

-شعرت بكِ هذا ليس بالأمر الغريب يا مارجريت، اخبريني كيف حالكِ اليوم بعد كل شيء فعلتيه ليلة أمس؟

رمقته بانزعاج شديد وهي تشير إليه بسبابتها:

-أنت السبب في كل شيء حدث ليلة أمس، لا يمكنني أن أصدق أنك تتعامل بأريحية شديدة وكأنك لم تتركني لساعات وأنت مع ليديا.

اقترب موسى ليمسك بيدها بحنان وهو يحرك رأسه بنفي:

-أنا اخبرتكِ عن سبب بقائي مع ليديا يا مارجريت، أنا كنت أحاول الوصول إلى هل وهي كانت تتحدث، إن كانت تعجبني كنت تزوجت بها منذ البداية.

أخذت نفس عميق وهي تعلم أنه صادق، لكن ليلة أمس جعلها حديث فهد وأفعاله تفقد عقلها دون مبالغة:

-أنا أشعر بالضيق من تلك الفتاة، ليست غيرة يا موسى الأمر في داخلي أكبر من هذا صدقني.

أومئ موسى لها وهو يأخذ نفس عميق ويتمنى من قلبه أن لا يحدث شيء بينها وبين ليديا، هو لا يريد للأمور أن تزداد سوءً، تحدث إليها برجاء:

-دعينا نجعل هذه الفترة تمر على خير يا مارجريت ومن بعدها يمكننا أن نجد طريقة تمكنا من حل كل شيء حسنًا؟!

ابتلعت مارجريت ما بحلقها ولم يكن منها سوى أنهة اومأت له وتحدثت برجاء يشوبه الضيق:

-ولا تدعني في الكوخ بمفردي من جديد، لا يهمني كل شيء يحدث، أنا لا أريدك أن تذهب وتتركني فقط.

أومئ لها موسى وهو يشعر بالكثير من الراحة لهدوئها، ظلت تجاوره وفي بعض الأوقات كانت تساعده وهو يبتسم كلما التقت عينيها بعينيه ولم يخلو حديثه من الغزل لتبتعد عنه بخجل، اقتربت ليديا في هذا الوقت وهم يضحكوا وشعرت بالحقد الشديد تجاهههم:

-ما الأمر ألا يوجد لديكم عمل؟

نظر موسى لها وعينيه كانت تحذرها:

-لقد انتهينا سريعًا؛ فمارجريت أصرت على العمل وساعدتها أنا به، سوف نذهب الآن هيا يا مارجريت.

اومأت مارجريت وهي تنظر إلى ليديا بغضب شديد لتبتسم الأخرة بتهكم لاذع وهي تحرك رأسها بسخرية:

-لا تتأخر غدًا يا موسى، لا داعي لمجيئي وجعلك تستيقظ كما فعلت اليوم، من الأفضل أن تنبه زوجتك لهذا الأمر، عليها أن تهتم بمواعيدك قليلًا.

كادت مارجريت أن تتدخل ولكن قاطعها رد موسى على ليديا بحزم راق إلى زوجته:

-للا دخل لكِ في شؤوننا يا ليديا، هذه حياتنا الخاصة وإن تأخرت يمكنكي أن تأخذي معي رد قانوني ولا يوجد داعي لهذا الحديث عديم الفائدة.

رحل من بعدها وهو يعلم أن ليديا سوف تحترق من حديثه، يعلم أنها معجبة به وإن لم تكن تحبه لكان الوضع أسوء الآن، لاحظ الغيظ يرتسم على وجه مارجريت ليسألها بحيرة:

-ما الأمر؟ بماذا تفكرين حتى يتغير وجهكِ بتلك الطريقة يا ترى؟

اجابته مارجريت باحباط شديد:

-أنا كنت أرغب في جذب ليديا من شعرها ولولا حديثك معي لكنت فعلتها يا موسى، أنا أشعر بالغضب الشديد من حديثها معك ومن نظراتها إليك، هي تخبرني في كل لحظة أنني لا أراعيك، لكنني أحاول أن أكون زوجة جيدة لك رغم صعوبة هذه الأيام.

حرك موسى رأسه بنفي وهو يشعر بالضيق الشديد:

-لا تفكري في أمر ليديا يا مارجريت، أنا لا أراها حتى، لا يمكنني أن أفكر في أي فتاة آخرى، يكفي أنكِ داخل حياتي يا جميلتي.

ابتلعت مارجريت ما بحلقها وهي تنظر إليه بلوم وعتاب شديد:

-هي لم تكن لتتقبل هذا الحديث اللاذع الذي قولته إن قاله شخص آخر، هي لا تفكر سوى بك يا موسى هي تراك كحلم كبير عليها أن تصل إليه وهذا بالضبط لا أتحمله.

وقف موسى أمامها وأحاط بوجهها وهو يحرك راسه بنفي:

-أنا لا يهمني شخص آخر غيركِ يا مارجريت، لا يوجد داعي لهذا التفكير السلبي.

ابتلعت مارجريت ما بحلقها وهي تسأله بقلب مرتجف:

-ماذا لو خنتني؟

ابتسم ومازال يتأمل عينيها ليهمس إليها بحنان:

-يمكنكي وقتها قتلي، لكن هذا الشيء لن يحدث أبدًا يا حبيبتي مهما حدث.

ابتسمت وهي تشعر بالكثير من الراحة، أمسك بيدها واتجه إلى الشلال:

-دعينا نجلس هنا لبعض الوقت هيا لقد اشتقت إلى هذا المكان وأنا معكِ، اخبريني ألم تشتاقي؟

ابتسمت وهي تقترب لتستند برأسها على صدره:

-كل شيء معك يبدو جميل، لا أشتاق لشيء ولا أبغض شيء وأنا بجوارك يا موسى، صدقني لن تجد أحد يحبك بتلك الطريقة أبدًا، أنا احببتك بكل خلية داخل جسدي.

ابتسم موسى وقام بمحاوطتها رغم شعوره بالحزن والحنين الشديد إلى عائلته.
-----
جلس ليث أمام هدى في أحد المقاهي كما اتفق معها وهو يستمع إلى حديثها وكيف كان يومها الأول في الجامعة، اخبرته هدى ما حدث وكيف كانت تشعر بالكثير من التشتت والاحباط لتلتقي بعلاء ويجعل كل شيء أمامها واضح ويسير:

-لقد سجلت رقم هاتفه وقومت بطلب رقمه ليقوم بتسجيل رقم هاتفي وسوف يتصل بي ليخبرني كيف ومتى يمكنني أخذ المحاضرات.

لم يعجب ليث الشيء الذي يحدث ولكنه حاول أن لا ينفعل:

-لا تقابليه في مكان آخر غير الجامعة يا هدى، من الأفضل أن تتحدثي مع إحدى زميلاتكِ وتأخذي منهم المحاضرات بدلًا عن هذا الشاب الذي لا نعرف عنه شيء، لا أريدكِ أن تتعاملي معه يا هدى.

اومأت له وهي تلاحظ انزعاجه الشديد، تحدثت إليه بتردد:

-لا تغضب يا ليث، صدقني أنا لن أتعمد اغضابك أبدًا.

ابتسم ليث لها وهو يومئ بينما هي تابعت حديثها:

-إن تحدث معي سوف أتصل بك وأرسل لك الموقع، لا يوجد داعي لأن تقلق، أنا لن أخبر أبي لأنه يقلق بشأني دائمًا، يكفي أنك تعرف كل شيء.

ابتسم ليث وهو يتأمل وجهها وأمسك بيدها وهو يربت عليها بحنان:

-أتمنى أن تتذكري كل شيء قريبًا، أنا أرغب بالزواج بكِ يا هدى، أريد أن أستيقظ كل يوم وأنا أرى وجهكِ الجميل هذا.

احمرت وجنتيها بخجل وهي تشعر بالكثير من الارتباك لتقوم بسحب يدها، لم يصر ليث عليها واكتفى بمشاهدتها وهي تجلس بجواره.
-------
انفعلت حبيبة وهي تتحدث إلى علي داخل سيارته:

-أنا اخبرتك أن لا تأتي لاصطحابي يا علي ومع ذلك أنت أتيت وارغمتني على الصعود معك، ما الذي تريده ولماذا تفعل كل هذا؟

نظر علي لها لبعض الوقت ومن ثم ضيق عينيه وهو يسألها بغيظ:

-تسألين لماذا أفعل هذا؟ ألا تعرفين الإجابة؟ ألم يسبق لي اخباركِ بالإجابة يا حبيبة؟

اومأت له وهي تشعر بالكثير من الضيق لتتحدث بهدوء جاهدت لتحافظ عليه:

-حسنًا تقول أنك تحبني، مجرد حديث من السهل أن تبوح به ماذا فعلت لتثبت أنك تحبني حقًا؟

ابتسم ساخرًا وهو يرمقها بغيظ شديد:

-وما الذي تريديه مني لأثبت لكِ يا حبيبة؟

اجابته وهي تشعر ببعض الخجل ولكنها لم تنظر إليه ولم تلتقي عينيها بعينيه:

-ببساطة أريدك أن تتحدث مع أبي، هذا الشيء سوف يثبت أنك تريدني حقًا.

ابتسم علي ومن ثم تحولت ابتسامته إلى ضحكات لتنظر حبيبة له بتعجب شديد:

-لماذا تضحك؟ لا أظن أنني قولت شيء يستحق الضحك يا علي!

نظر علي إلى وجهها واقترب منها بخبث وهو يسألها:

-وما الذي تريدي أن أن أتحدث مع والدكِ بشأنه يا ترى؟ تريدي أن أقول له كيف أثبت لابنتك أنني أحبها؟

حركت رأسها بنفي وانزعاج رآه واضحًا داخل عينيها:

-لا يا علي، أريدك أن تخبره أنك تريد الزواج بي، أليس هذا معنة الحب الحقيقي؟ أم أنك لا تريد هذا؟

حرك علي رأسه بنفي وعلم أنها لن تتنازل عن هذا التفكير وعليه أن يجد الرد المنطقي:

-اسمعي يا حبيبة، أنتِ مازلتِ في الصف الثاني الثانوي، أنتِ تدرسين في المدرسة ولا أظن أن والدكِ سوف يوافق على هذا الزواج أبدًا، سوف يقول أنكِ مازلتِ صغيرة وحتى يحافظ عليكِ سوف يكون حريض جدًا في تعاملكِ معي، سوف أخسركِ حينها يا حبيبة وهذا الشيء فوق طاقتي.

ابتلعت حبيبة ما بحلقها وهي ترى الصدق يرتسم داخل عينيه ويبدو حديثه منطقي للغاية، هي نفسها تعلم أن والدها لن يوافق على زواجها في مثل هذا السن، نظرت إلى الأسفل ليقوم برفع وجهها:

-لا تنزعجي مني يا حبيبتي، يمكنني أن أتحدث مع والدكِ إن أردتِ هذا، أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلكِ، لا أريدكِ أن تفكري أنني سوف أتردد في فعل هذا.

ابتسمت حبيبة وهي تنظر إليه بينما هو مرر إبهامه على شفتيها لتبتلع ما بحلقها بارتباك وهي تبتعد:

-دعنا نذهب الآن يا علي دون أن نجعل أبي وأمي يقلقون عليّ.

شعر بالضيق من تهربها الدائم منه ولكنه أومئ في النهاية وهو يفكر في الأيام القادمة وقد بدأ يعتاد على وجود هذه الصغيرة في حياته، هناك جزء يخبره أن يكمل دون الاهتمام بشيء بينما جزء آخر ينهره عن التفكير بها بشكل سيء وإلا سوف تزداد الأمور سوءًا حينها.

وصل بالقرب من الشارع الخاص بها وهو يشعر بالكثير من الضيق:

-لقد وصلنا يا حبيبة، أظن أنكِ مرتاحة الآن أليس كذلك؟

نظرت له وهي تتساءل ما الذي جعله يشعر بهذا الضيق:

-هل فعلت شيء يزعجك هكذا يا علي؟

حرك علي رأسه بتهكم وهو يتحدث بانفعال:

-أنتِ دائمًا تزعجيني يا حبيبة وعلى كل حال هذا الأمر لا يهم، أنا أعلم أن ازعاجي آخر شيء من الممكن أن تهتمين به على كل حال.

حركت رأسها بعدم استيعاب وهي تسأله بحيرة:

-ما الذي فعلته لك يا علي؟

نظر إلى عينيها مباشرة وهو يشعر بالغضب الشديد:

-أنتِ تتهربين مني بشكل دائم وكأنني سوف ألتهمكِ ومع ذلك تتعاملين كما لو أنكِ لا تفعلين أي شيء.

تعجبت من انفعاله الشديد وحاولت أن توضح الأمور من جانبها:

-أنا لا أقصد فعل أي شيء يا علي يزعجك، كل ما في الأمر أنني أخاف أن أتأخر ويعلم أبي أنني التقي بك، في الحقيقة لا أريده أن يمنعني من الذهاب إلى المدرسة وأنا أرغب في اكمال دراستي كما أرغب في رؤيتك، اخبرني ما الذي يجب أن أفعله؟

نظر علي لها ولاحظ كم هي حزينة ليحاول أن يلين في طريقة حديثه:

-أنسي الأمر يا حبيبة، لا تفكري في أي شيء واذهبي الآن.

ابتلعت حبيبة ما بحلقها وهي تحاول أن تصلح ما جعلها تظن أنها افسدته:

-غدًا لن أذهب إلى المدرسة وسوف أذهب معك إلى أي مكان تختاره أنت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي