الفصل الرابع عشر من الجزء الثاني تصارحه

لم يستطيع النوم وهو يعلم أنها من الممكن ان تضيع من بين يديه، لقد اخبرته أنها تذكرت كل شيء وكانت غاضبة، هذا ما يستطيع أن يصفها به الآن، هي لم تكن ترغب في التحدث معه ولم تكن تريد الخروج حتى.

وقف ليث وابتعد عن سريره بعد أن فشل كل الفشل في الذهاب إلى النوم، يتساءل كيف ستكون حياته في الفترة القادمة يا ترى؟ هل يستطيع أن يتجاهل كل شيء وكأن شيء لم يكن، ماذا عن قلبه المسكين الذي يصرخ بحب لها؟!

خلل شعره بأصابع يده في انفعال وهو لا يجد حل لهذه الحالة التي تسبب بها حديثها القاسي:

-ليتها تعلم كم المشاعر التي أحملها لها بقلبي، ليتها تعلم أنني بالفعل أحبها وأنني لا يمكنني أن أحب أحد بهذا المقدار أبدًا، ليتها تعلم.

أغمض عينيه بضيق شديد وقد شعر بالشفقة على نفسه وتمنى أن لا يندم لأنه لم يستمع إلى حديث والدها بأن يبتعد عنها حتى تستعيد ذاكرتها وتستطيع أن تقرر ماذا تريد، ربما الآن ستختار مازن وتأجيلها للحديث معه لم يكن سوى شفقة منها.

ابتسم ساخرًا ولم يوصله تفكيره لشيء سوى أنها لا تريده وتفضل عليه مازن بعد أن عادت لها ذاكرتها:

-أتمنى أن تكوني بخير الآن وأن لا يعود صداع رأسكِ، أعلم أن الأمر صعب عليكِ، لكن ما إن تتحدثي معي يا هدى سوف أعفيكِ من حمل هذه العلاقة.

ابتلع ما بحلقه وهو يعلم أن هذا القرار لن يرحم قلبه أبدًا، لكنه يعلم أيضًا أن هذا الصواب بعينيه.

أخذ نفس عميق وأخره بهدوء وهو يحاول أن يرتب أفكاره وبفكر في أي أمر إيجابي حتى تستطيع عينيه النوم، لكنه فشل في النهاية.
------
كانت الليلة مؤلمة للغاية بالنسبة إلى هدى، لم تتحرك وهي تضع الغطاء عليها وتحاول أن تهدأ، كلما تذكرت ما حدث في هذا اليوم التي ذهبت به مع مازن يرتجف جسدها وتدخل في نوبة من البكاء المرير، لم يعد الأمر يُحتمل على كل حال.

حاولت أن لا تفكر بهم وهي تحيط نفسها وكأنها مازالت تشعر بلمساتهم لها، همست بألم وغضب شديد:

-أنا لن اسامحكم مهما حدث، لن أغفر لكم.

سمعت طرقات ضعيفة على الباب وصوت سليم من بعدها:

-هدى حبيبتي هل مازلتِ مستيقظة؟

علمت أن والدتها اخبرته بحالتها الغير مفهومة، لم تعد تستطيع التعامل مع أي شخص بالأخص في هذا الوقت، لم تتحرك ومازالت تغطي وجهها لتسمع حبيبة تفتح الباب وهي تجيبه:

-هي نائمة يا أبي، لا أظن أنها سوف تستيقظ الآن مهما فعلت.

أخذ سليم نفس عميق وهو يومئ لها:

-إن استيقظت أو لاحظتِ أن هناك شيء غريب بها يمكنكي أن تناديني يا حبيبتي، تصبحين على خير.

اغلقت حبيبة الباب من بعدها بعد أن قامت بالرد عليه واقتربت من سرير هدى وهي تتحدث إليها بصوت شبيه بالهمس:

-أنا لم أخبر أبي أنكِ مستيقظة أو أنكِ تبكين، أعلم أنكِ لا ترغبين في سماع أي شخص الآن، تحاولين أن ترتبي أفكاركِ، ربما ضايقكُ ليث ولكنني أريد أن أخبركِ أنه حقًا يحبكِ، لا أكذب عليكِ هو بالفعل يحبكِ.

كانت دموع هدى تتساقط بصمت وتابعت حبيبة حديثها:

-أنا هنا، يمكنني أن أسمعكِ في أي وقت ترغبين به، أنا مستعدة كل الاستعداد لهذا.

لم يغير حديثها هذا الشعور بالنفور التي تشعر به هدى، كأن العالم بأكمله قد أتفق على جعلها تعاني.
------
كان موسى يضم مارجريت التي لم تنام بعد وهو يتحدث إليها بحنان:

-لا تفكري في المستقبل، هناك رب كريم سوف يدبر كل شيء لنا، لا أرى أن القلق من شيء في المستقبل يمكنه أن يحسن أي شيء صدقيني.

ابتلعت ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من التشتت:

-أظن أنك أنت أيضًا تعاني بسبب هذا الشيء يا موسى، لن تكون المسؤولية سهلة، تعلم أننا لا نستطيع أن نواجه الجميع، أنا لا أعلم ماذا سيكون رد المسؤولون ورد الفتيات الذين سيروا كسر القوانين من ملكتهم.

مرر يده على وجنتيها وهو يلمسها بحنان:

-لم تعودي الملكة التي يجب عليها تنفيذ كافة الوقانين، أنتِ حرة يا مارجريت تفعلي أي شيء تريديه وأي شيء يخطر على بالكِ، أنا معكِ وخالقنا لن يجعلنا نضيع في هذا العالم.

قام بوضع يده على بطنها وهو يهمس لها بحنان لطالما أمتاز به:

-سوف نحمي صغيرنا حتى لو قُتلنا معه، أنا لا أمانع يا حبيبتي.

التفتت مارجريت له لتقوم بضمه وهي تدفن نفسها به، تتساءل كيف أرسله الله لها في هذا الوقت المناسب لينتشلها من كل شيء ويبث إليها حنان المبالغ به وكأنه أتى لها تعويض عن كل عذاب عاشته في هذا العالم، همست بما جعل حاجبيه يقتربى بحيرة:

-موسم التفاح سوف ينتهي يا موسى، لقد أوشك على الانتهاء ولن يكون هناك عمل، علينا أن نجد حرفة مناسبة لنا حتى لا نموت جوعًا.

أومئ موسى لها وهو لا يريد أن يتعمق ويسأل عن المزيد والمزيد من الأشياء في هذا الوقت بالتحديد:

-دعينا نؤجل كل شيء للغد؛ فلقد نال مني الإرهاق يا حبيبتي وأرغب في جعل عقلي وجسدي يستريحوا لبعض الوقت حسنًا؟

اومأت له وهي تبتسم لتسترخي هي الأخرى بجواره ومازالت تدفن نفسها به.
-----
أتى اليوم التالي وخرجت هدى من غرفتها لتجد سليم يجلس وهو يتصفح هاتفه، رفع وجهه وما إن رأها حتى أسرع بسؤالها:

-هدى هل أنتِ بخير؟

اومأت له قائلة:

-نعم يا أبي ماذا عنك؟

أومئ واقترب ليقف أمامها:

-عل فعل ليث شيء ازعجكِ؟ هل تشاجرتِ معه يا ترى؟

حركت هدى رأسها بنفي وهي تشعر بالضيق من والدتها التي لا تتوقف عن التخميين:

-أنا وليث بخير يا أبي، هو أتى أمس ولأنك لم تكن هنا لم يطيل الحديث، كل شيء بيننا على مايرام، أنا أشعر بالصداع سوف أدخل إلى الحمام لأستحمل ولعلي أستفيق.

تركته وهو يشعر أن هناك شيء ما يشغل بالها وربما يزعجها كثيرًا، تساءل ما الذي من الممكن أن يحدث يجعل حالها ينقلب رأس على عقب:

-مؤكد هناك شيء يشغل بالها ولا ترغب في البوح به، أنا لن أتركها تبقى هكذا، لن أسمح لها بأن تخفي شيء وأعلم أن لا أحد بجوارها الآن غيرنا.

انتهوا من تناول وجبة الإفطار واقتربت عايدة من هدى بتعجب:

-ما الأمر يا هدى؟ هل ستبقي هنا؟ ألن تذهبي إلى الجامعة اليوم أم ماذا؟!

حركت هدى رأسها بنفي دليل على عدم ذهابها، تحدثت والدتها من جديد وهي تشعر بالكثير من الغضب:

-انا لا اعلم ما الذي اصابكِ حقًا يا هدى؟ ما الذي فعله هذا الحقير المدعو ليث بكِ لتتحولي إلى هذه الفتاة؟

نظرت هدى لها بانفعال شديد دون إرادة منها:

-هو لم يفعل شيء، توقفي عن هذا الحديث يا أمي، لقد سئمت من كثرة ذكركِ إلى ليث، هو لم يفعل أي شيء، لم يتسبب في أي شيء.

تحدث سليم إلى عايدة وهو يشعر بالضيق الشديد:

-توقفي يا عايدة عن التصرف بتلك الطريقة معها، لا تضغطيها في هذا الأمر.

نظرت عايدة له بانفعال شديد:

-ألا ترى الشيء الذي تفعله يا سليم؟ هذه الفتاة تنوي على قتلي بأفعالها تلك دون مبالغة.

تركتهم ودلفت إلى غرفتها وهي تشعر بالصداع يزداد، لم ترتاح للحديث في أي شيء، سوف تهدأ ويمكنها أن تتحدث مع ليث وترتب أفكارها، هي تحتاج له أكثر من أي شيء آخر.

خللت شعرها ووجدت باب غرفتها يُفتح لترى سليم يدخل إليها ومن ثم سألها بلين:

-لا تنزعجي من والدتكِ يا هدى، هي لا تقصد أن تزعجكِ صدقيني، أنا ألاحظ أنكِ شاردة ولستِ على مايرام يا هدى.

نظرت هدى له وابتلعت ما بحلقها، ومن ثم قررت أن تصارحه:

-أنا تذكرت كل شيء يا أبي، لقد عادت الذاكرة لي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي