الفصل التاسع والثلاثون تخييم

"أنتباهي لنفسك جيداً عزيزتي." تحدثت ماما بحنان وهي تنحني تقوم بتقبيلي.

أنها تقوم بتوديعي بمشاعر فياضة وكأنني سأذهب إلى نهاية العالم.

"سأفعل." تمتمت بضجر أقوم بتعديل حبال الحقيبة على كتفي.

"وجهك يجلب لي التعاسة في كل مرة أنظر فيها إليك، مع ذلك سأشتاق لتواجدك معنا على مائدة الطعام." تحدثت ميامي وهي تعتصرني داخل عناق خانق وحميمي أثار أشمئزازي.

كلهم قد راودتهم مشاعر جياشة فجأة جعلتهم يتصرفون بطريقة مختلفة عن طبيعتهم، مختلفة عن العلاقة الجافة التي تجمعني بهم، حتى أنهم جعلوني أشك لوهلة أن روح شريرة قد تلبست أجسادهم.

"شكرا على كلاماتك السامة حتى في لحظات الوداع." تحدثت ساخرة أمسح على ظهرها في محاولة لأبدو ودودة معها على الرغم من شعوري بالنفور من هذه المواقف.

"أنتِ سيئة وأنانية جداً، ولا أحبك بمقدار البقية لكن أنتبهي لنفسك جيداً، أنا كذلك سأشتاق إليك." هذه المرة تحدث الصغير أوساكا من خلف قدم ماما والذي لا يزال غاضبا مني بسبب ما حدث مع نوف.

كان يطل برأسه من ورائها بينما يخنق أوسكار كعادته داخل حضنه.

"أنا ممتنة لمشاعرك الصادقة أوساكا." رددت عليه بهدوء وأنا أحاول صنع ملامح ودودة، لكن كل ما خرج مني هو معالم غير محببة جعلته يختفي خلف ماما كليا. يبدو أنني لن أستطيع أصلاح علاقتي معه ما حييت.

"لا أدري لم تتصرفون وكأنها ستسافر إلى نهاية العالم لمدة أشهر طويلة، مكان تخيمها يبعد عنا ثمان ساعات بالسيارة لذلك توقفوا عن صنع الدراما." تحدث توأمي المزعج ساخرا يقول لأول مرة في حياته شيء صحيح.

كان متكئ على إطار الباب يستند بكتفه الأيسر عليه بينما يراقبنا بأيادي معقودة تجاه صدره بتململ. لقد أجبرته ماما على مقاطعة أجتماع عبر انترنت من أجل توديعي لذلك يبدو عليه الاستياء لكني متأكدة من أنه في خالجه يشعر بالسعادة لذهابي.

"أوه بني! أنها ستفارق المنزل وتبيت خارجا لأول مرة في حياتها!" تحدثت ماما بنبرة باكية تمسح عيونها التي أحمرت فجأة وكأنها ترغب بالبكاء.

رفعت حاجبي بدهشة على ردة فعلها المبالغ بها.

عذرا ماما لكني قد نمت عديد المرات خارج المنزل في مقابر بين جثث والهياكل العظمية وبرفقة مجرم لا تستطعين حتى بنفوذك معرفة أصله.

"عليك أن تكوني سعيدة ماما لأنها ستعيش حياتها وتتمتع بفترة شبابها أخيرا كبقية الأشخاص الطبيعين." تحدثت ميامي بعد أن تراجعت بعيدا عني تقف بجانب ماما وتربت على ظهرها.

"أعلم، لكن شعور غريب أن أشاهد ابنتي تخرج من أسفل جناحي وتحلق بحرية في الفضاء." تحدثت ماما بنبرة درامية تجعل ميامي تطلق نفسا مستسلم وتجعلني أنا أنظر لها بدهشة.

"ماما! توقفي عن تحدث وكأنك تتقمصين دور في مسلسل مكسيكي رخيص! أمحي هذه الشخصية من مخيلتك تماما، أنها لا تتناسب مع ميليسا والكر." تحدث فرانسيس هازئا وهو يرسم ابتسامة جانيية غير مصدقة بسبب معالم ماما الدرامية وكلامها.

"آنسة ميلانو سنتأخر." تحدث براد من الخلف يجعلني ألقي نظرة خاطفة عليه. كان واقفا بجانب السيارة هو والسائق يقومان بأنتظاري.

"بالفعل قد تأخر الوقت كثيراً. يجب أن تصلي قبل حلول الظلام." تحدثت ماما بعد أن تمالكت أعصابها تقوم بمسح دموعها بالمنديل.

براد قد أنقذني من هذه المشاعر مبتذلة التي تثير لي الحساسية.

"شكراً." همست له دون صوت مما دفعه للابتسام بجانبية حينما فهم قصدي.

نظرت ناحية ماما من جديد ألقي نظرة وادعا أخيرة عليها.

"أنتبهي جيداً لنفسك عزيزتي، كلي جيدا ونامي في مكان دافئ، وأن كنت لا تمانعين دعي براد يبقى معكم في المخيم أليس ذلك أفضل من أجل سلامتكم جميعا؟"

ألقيت توصياتها المعتادة ثم سألت ذات السؤال للمرة الألف تطلب مني أصطحابه بطريقة غير مباشرة وهي تنظر لي بعيون متلئلئة تحاول كسب عطفي.

"كلا ماما، البقية لن يشعروا بالراحة بوجوده، أنها ليلة واحدة وستمر وستقومين بإيجادي غدا مساء عندك." حاولت طمأنتها مع ذلك عيونها كانت تنظر لي بقلق.

قد رفضت تواجد براد معي بسبب المشاكل التي حصلت في أخر مرة أجتمع فيها مع جيس ووريا. ولا بدا أنه هو أيضاً

كنت تمرر عيونها بيني وبين براد بتوتر مما دفعني إلى الاقتراب منها وأمساك يدها.

"كما أنه أستأجر غرفة في نزل قريباً من المخيم، هو أيضاً خاص باللذين يريدون التخييم، أنه حتى يبعد عنا حتى مسافة ميلين فقط فأن حصل أي شيء لن أتردد في الاتصال به لا تقلقي." قلت متنهدة أضغط على يدها بلطف حتى تطمئن.

نظرت لي لبرهة من الزمن بعيون لامعة قبل أن تسحبني دون سابق أنذار داخل حضنها تعانقني بقوة.

فتحت عيوني بصدمة بسبب حركتها المفاجأة. ماما قد حضنتني طوال حياتي لمرات قليلة جدا وفي حالات خاصة لذلك ما حدث الآن جعل نبضات قلبي تتسارع.

"سأشتاق إليك." همست عند أذني بصدق تريح ذقنها على كتفي وتمرر يديها على ظهري بكل حنان.

"وأنا أيضاً." خرجت هذه الكلمات دون أي وعي مني.

عضضت باطن خدي بتوتر حينما شعرت بتصلب جسد ماما حولي حتى أن أخواتي نظروا تجاهي بتفاجئ بسبب ما قلته. فمن يعرف ميلانو والكر يعرف أنها لا تعبر عن مشاعرها مهما حدث.

لكن ما فاجأهم أكثر، وما جعلني أتفاجئ من نفسي أنا الأخرى هو أنني قد بادلتها الحضن لأول مرة بعد تلك الحادثة.

.

.

.

"مهمتي ستكون شواء اللحم وتذوق الأطباق التي قمتم بأحضارها والتي سيتم تحضيرها." تحدث جيس الذي كان واقفا وسط المخيم يضع يديه على خصره.

قد خرجت للتو من خيمتي بعد أن بدلت ثيابي وأول ما قابلني هو هيئته التي كانت تنتصف المكان.

"ألا تفكر إلا في بطنك؟" تحدث ألبين باستياء وهو يقوم بمساعدة جومرد في تعديل خيمته. كان ألبين المسؤول عن مساعدتنا في نصب خيمما بما أنه خبير في التخييم.

منحه جيس ابتسامة صفراء غير محببة ثم نقل نظره تجاه وريا التي كانت منشغلة بوضع التوابل وتحضير صلصات اللحم المخصص للشواء.

"إياك أن تفكر بالتدخل في عملي جيس." حذرته وريا وهي ترفع سكين العملاقة المخصصة للتقطيع في وجهه تجعله يتراجع خطوة إلى وراء وهو يبتلع ريقه بتوتر.

"أنا أنصحك بأن لا تجادلها جيس، حينما يتعلق الأمر بالطبخ تصبح وريا خطيرة جدا." تحدثت آيلينا بنبرة جادة لكنها مزيفة بينما تحاول منع ضحكتها من رنين عبر ألقاء قطعة جزر في جوفها.

"أنتِ هنا لمساعدتي وليس للأكل آيلينا! أن كنت ستستمرين على هذا المنوال فأخراجي من مطبخي أفضل." ألقت وريا تهديداتها هذه المرة وهي ترفع السكين في وجه لينا التي أخذت شريحة من الطماطم.

"لكنه مجرد طماطم وجزر، قطع صغيرة لا تنقص من وجبة شيء، وتصحيحا لمعلوماتك نحن لسنا في مطبخ وريا." ردت عليها ساخرة وهي ترفع حاجبها باستنكار.

لكن نظرة وريا القاتلة ورفعها المستمر للسكين العملاقة جعلت آيلينا تتجمد في مكانها برهبة حينما أدركت جدية تهديد وريا.

"قبل دقيقة من الآن قد حذرتي جيس من مجادلتها والآن تفعلين عكس ما قلتيه؟" تحدثت بهدوء أدس يداي في جيوب سترتي ما أن توتر الجو.

"أوه ابنة الجنرال أنتِ هنا! أين كنت؟ لم أنتِ واقفة هنا بلا عمل؟ هل تظنين  أن هذا قصر عائلتك ونحن الخدم الذين يجب أن نقوم بفعل كل شيء؟! يجب أن تشاركينا في أعمال المخيم، أنظري الكل يقوم بعمل ما هنا إلا أنت تقفين مكتوفة الأيدي!"

جيس كان يثرثر بعصبية مزيفة عن قصد يحاول بذلك التهرب من نظارات وريا القاتلة التي كانت ترميها عليه أثناء تقطيعها للحم. أن أستمرت بالنظر إليه بهذا الشكل فلا عجب أننا سنتناول لحوم بشرية على العشاء. سنتناول لحم جيس المطبوخ تحديداً.

"عذرا. لكني لا أعرف أي شيء عن تخييم لذلك من البديهي أن لا أقوم بأي عمل أنا لا أملك فكرة مسبقة عنه." رددت عليه بجفاء وأنا أتقدم إلى منتصف المخيم.

"ستتعلمين." رد بلا اهتمام وهو يمرر عيونه في المكان.

ما الخطب معه بجدية؟

لم يستهدفني أنا من دون الكل؟

ما المشكلة أن لم أكن أفعل أي شيء؟

لكن في واقع هو على حق...

جومرد جمع الحطب ودامارا كانت مسؤولة عن أشعال النيران، آيلينا ووريا السمؤولتين عن تحضير الطعام وألبين نصب الخيم. أما أنا فقد كنت طوال وقت جالسة بلا أي عمل.

مع ذلك هو لا يحق له أن يتحدث معي بتلك الطريقة الفظة!

"لكن أي عمل سأفعله؟ ثم هل تلومني وأنت لا تفعل أي شيء أساس!" رددت عليه ساخرة ما أن تذكرت أنه هو الآخر لا يملك أي عمل سوى أنتقاد كل من حوله.

"أنا ألقي الأوامر هنا وهذا يعتبر عملا."

أريد قتله.

"يا لك من سخيف." تمتمت أتجاهل كلامه وأتجاهله كله أعبر من جانبه بأتجاه آيلينا ووريا.

"ماذا قلت يا ابنة جنرال؟ أعيدي ما قلته حالا!" صاح من خلفي بعصبية.

كيف سمعني هذا الحمار على الرغم من أنني كنت أتمتم؟

"هاي! توقفي عن تجاهلي وعودي في حال!" كان ينفعل مع كل كلمة كان يصرخ بها ولا أجيبه عليها.

ابتسمت بتلاعب أتجاهله واستمر بالمشي بعيدا عنه.

.

.

.

كنا مجتمعين في حلقة دائرية قرب نيران المخيم. آيلينا تعزف وتغني وكل من جومرد ودمارا ووريا يصفقون ويغنون بتفاعل معها. أربعتهم كانوا مستمتعين بالحفلة الصغيرة التي أقموها في منتصف الليل.

جيس كان نائم على بعد مسافة منا أمام خميته بعد أن قام بأكل نصف العشاء للحد الذي أنتفخت فيه بطنه حتى أنه حينما جلس في مكانه لم يكن قادر على الحركة. أما ألبين فقد جلس للتو بعد أن قام بدورة تفقدية في مكان.

أتمنى لو أن أركان وباغيير كنا هنا أيضاً. الجو ممل جدا وأحاديثهم لا تستهويني.

"السماء جميلة هذه الليلة." همست من أسفل أنفاسي وأنا أراقب السماء المرصعة بالنجوم، كانت مضيئة وواضحة هذه الليلة للحد الذي بدت فيه وكأنها قطع من الألماس.

الجو دافئ وهنالك نسيم بارد يهب من فترة لأخرى في المكان يضيف له جو منعش. أنه الطقس المفضل لأركان.

اخفضت عيوني من جديد تجاه آيلينا التي لا تزال تقوم بالغناء والعزف.

ظننت أن المخيم سيكون ممتع، ظننته شيء يشبه رحلات الصيد التي كنا نقوم بها أنا وبابا. كما ظننت أنني سأستمتع بتعذيب وريا، لكن حدث العكس حينما بدأت تتجول بتلك السكين العملاقة في كل مكان تهدد الجميع وتحذرهم من أنتقاد طبخها.

جميعهم غرباء الأطوار، مع ذلك قد جعلوني أشعر بالأطمئنان بعد أن ظننت أنني غير طبيعية وهذا قبل أن أقابلهم وأتأكد من أنني طبيعية تمام مقارنة بهم.

هذا المكان لا يشبهني، وهؤلاء الأشخاص أيضا. بسببهم شعرت للحظات بالاشتياق لأخواتي، على الرغم من أننا لا نتفق ألا أنهم ناضجين ليس مثلهم.

بذكرهم...

كيف كان يومهم من دوني؟

هل أشتاقوا لي يا ترى؟ أما أن كلماتهم صباحا كانت مجرد منافقة في محاولة لكسب رضا ماما؟

"توقفي عن تفكير في السخافات ميلانو، تبا! جلوسك وحيدة جعلك تحدثين نفسك! أين أنتِ يا باغيير؟" حدثت نفسي بنبرة باكية وأنا أسند جبهتي على ركبتي.

"لقد أشتقت لتواجدها حولي!"

"هل رأيت أضواء تلمع بين الحشائش الآن؟" تساءلت دامارا فجأة تجعل من حولها يتوقفون عن الغناء.

رفعت رأسي أنظر لها بحواجب معقودة بغرابة.

"لقد رأيت الآن كرتين خضراء لون تلمعان بين الحشائش! كان يبدو..." ابتلعت بقية كلماتها فجأة تتجمد هي وبقية في مكانهم برعب.

وجوهمم أصفرت وحتى ألبين قد تغير وجهه إلى اللون الشاحب وكأنه شاهدا حاصد للأرواح للتو.

"هل كل شيء على ما يرام؟" سألتهم بغرابة حينما ظلوا يحدقون إلى ما يوجد بالخلف.

"وحش." صاحت وريا فجأة بلا أي مقدمات تنهض من مكانها بينما تصرخ بفزع هي والبقية يركضون بأتجاه سياراتهم.

"ماذا حدث..." تجمدت الحروف في حلقي حينما وقعت عيوني على ما أثار رعبهم. على من خطف ألوان الحياة منهم وحقق أمنيتي.

ابتسامتي أتسعت فوراً.

"باغيير!" نديتها بنبرة سعيدة ودون أي مقدمات كانت تركض تجاهي بحماس تنقض عليا وتوقعني على الأرض بينما تقف فوقي وتستمر بلعق وجهي.

"الوحش يقوم بأكل ميلانو!" صاحت وريا وهي ترفع المجرفة في الجو بينما بقية رفاقها قد أختبئوا في السيارة وقد كانوا يحاولون جاهدين أعادتها للدخل حيث وقفت بجانب الباب في أستعداد تام للهجوم.

"كلا! أنه ليس وحش، أنه أمير خيالي. أميري." تحدثت بنبرة حالمة ما أن وقعت أنظارها على من قام بأحضار باغيير.

أوقعت المجرفة من يدها دون أي وعي تنظر بكل حب تجاه أركان الواقف أمامي ودون سابق أنذار قد وقعت أرضا مغمى عليها، لكن لا أحد من رفاقها قد تجرأ وقام بالخروج لمساعدتها.

ورغم كل تلك الفوضى الأخرق جيس كان يشخر ولم تهتز له أية شعر على الرغم من ضجيج القائم من حوله.

"أظن أنك قد أشتقت لنا." تحدث أركان يميل رأسه لي بابتسامة ويتجاهل البقية تمام.

"كأنك قد قمت بقراءة أفكاري..." توقفت عن التحدث أنظر له بشيء من توتر حينما أدركت أنني أعترفت له بطريقة غير مباشرة أنني مشتاقة إليه.

"أيتها القطة الجميلة واللطيفة! لقد اشتقت إليك يا مدللة أمك." تحدثت مع باغيير بودية أستمر بمداعتبها أركز عليها وأتجاهل أركان الذي اتسعت ابتسامته باستمتاع.

كانت باغيير تستمر بالاحتكاك بالارض من اسفلها تقوم بملاعبتي. كانت مستلقية على ظهرها تنظر لي بعيون لامعة ولسان متدلي على الجانب نشر لعابها في كل مكان.

"هي أيضا قد اشتقت لك. وجدتها نائمة في سريرك دون حراك. كانت تبدو تعيسة جداً لفراقك." تحدث أركان وهو ينحني ليجلس بجانبي.

"كيف علمت بمكان المخيم؟ وكيف وصلت بهذه السرعة؟" تساءلت بغرابة حينما ما أن أدركت هذه النقطة.

"هل هنالك شيء يحدث في ذلك المنزل لا أعرفه وخاصة أن كان يتعلق بك؟"

ابتسمت رغم عني وأنا أسحب شفتي السفلى بينما اسناني.

"أنت قد استرقت السمع إلى أحاديثنا من جديد صحيح؟" سألته أنظر له بجانبية
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي