الفصل التاسع والخمسون أمر تصفية

ذهب عزيز لمقابلة الطبيب المشرف على علاج أسامة، وما إن شاهده الطبيب حتى نظر إليه نظرة حادة وقال:
-أريد أن أعرف ما الذي حدث مع صاحبك وإلا سوف أضطر إلى إبلاغ الشرطة؟

حاول عزيز أن يبدو طبيعيًا قدر المستطاع وأن يمحو فكرة الاتصال بالشرطة من مخيلة الطبيب فتحدث قائلًا:
-سيدي الطبيب، لم يحدث شيء لأخي فيه أية شبهة جنائية فلكل ما حدث هو أن أخي قد اشترى منزلًا قديمًا وأثناء تجوله بداخلها لمعرفة التصريحات التي يحتاج إليها، انهارت الأرض تحت قدميه وسقط بداخل قبو وبقى بداخله عدة ساعات حتى استطعنا الوصول إليه.

أومأ الطبيب برأسه وعلق :
-إذن فهذا يفسر سبب الخوف الشديد الذي أصاب أخيك للدرجة التي ظل يردد ويقول:"القبر أرجوني من القبر لا أريد أن أدفن حيًا", فلم يكن أمامي سوى أن قمت بإعطاؤه حقنة مهدئة حتى يهدأ.

بدى على عزيز التأثر وعلق قائلًا:
-سيدي، أخي مصاب بفوبيا الأماكن المظلمة؛ وعندما سقط داخل القبو شعر بالخوف الشديد من عدم تمكنه من الخروج منه مرة أخرى، ولكن هل يمكنني أن أصطحبه معي إلى منزله وسوف أحضر له من يهتم به حتى يتعافي.

أومأ الطبيب برأسه نافيًا وقال:
-لا يمكنني السماح له بالخروج من المشفى حتى يتعافى وتستقر حالته؛ فهو مصاب بإنهيار عصبي حادة.

لم يجد عزيز أمامه سوى الموفقة على بقاء أسامة داخل المشفى حتى تستقر حالته.

اتجه صوب غرفته ووقف بباب الغرفة واستهل النظر إلى أسامة وتذكر عندما قام بإخراجه من القبر وكيف كانت حالة الفزع التي سيطرت عليه، فهمس عزيز وقال:
-أعلم إنني لو لم أسرع بإخراجك لكنت في عداد الأموات، أتمنى أن تتعافى بشكل سريع فوجودك هنا في القاهرة يشكل خطرًا كبيرًا على حياتك.

غادر عزيز المشفى وأسرع بالإتصال بزعيم المافيا بلندن، وأخبره بما حدث مع أسامة، فتحدث إليه سمعان زعيم المافيا وقال:
-عزيز، عليك بالتخلص من أسامة؛ لقد أصبح ورقة محترقة وعلينا أن نتخلص منه.

حاول عزيز إقناع زعيم المافيا بإعطاء فرصة أخرى لأسامة ولكنه علق قائلاً:
-عزيز، عليك بتنفيذ ما طلبته منك بدلًا من أن أقوم أنا بإرسال من يخلصني منكما أنتما الأثنان.

لم يجد عزيز أمامه سوى أن تحدث إلى زعيم سمعان المافيا وقال:
-حسنًا سيدي، سوف أقوم بتنفيذ جميع أوامرك.
تحدث.

علق سمعان وقال:
-حسنًا، سوف أنتظر رسالة منك تبلغني فيها بأنك أنهيت المهمة، معك أربعة وعشرون ساعة حتى تنهي مهمتك.

أنهى عزيز مكالمته وجلس بداخل سيارته يفكر فيما عليه فعله ويحدث نفسه:
-إنني في موقف لا أحسد عليه، إما أن أخلص على أسامة بنفسي، وإما أن سمعان زعيم المافيا سيرسل من يخلص علينا نحن الاثنين.

استقل عزيز سيارته عائدًا إلى الفندق الذي ينزل فيه، ولك ما يشغل عقله هو كيف سيخرج من ذلك المأزق؟

منزل سعادة

جلست الأم تتحدث إلى ابنتها سعادة وتبدى إعجابها بمازن فتقول:
- ابنتي، لقد أخطأتي عندما قمتي برفض الزواج من مازن، هذا الشاب الذي لم يتأخر عن مساعدتك على الرغم مما حدث من رفضك له ومعاملتك الحادة معه.

نظرت سعادة إلى والدتها وقد بدى عليها التعجب :
-أمي، بعد كل هذه الأحداث لا يمكنني أن أوافق على الزواج من مازن.

تلألأت الدموع في عين سعادة وواصلت حديثها:
-أمي, ما عرفه مازني عني وما شاهده من مشاهد جعل من المستحيل علينا أن نصير زوجين.

أومأت الأم برأسها وقالت:
-ابنتي، مازن ليس كبقية الرجال؛ فهو يعلم أنكِ كنتِ ضحية لذلك المجرم.

نظرت سعادة إلى والدتها وأخذها الشرود فحدثت نفسها قائلة:
-ليت كل ما مررت به من أحداث ليست سوى كابوساً مخيفًا، حينها سوف أكون في غاية السعادة.

تعجبت الأم من شرود ابنتها وحدثتها:
-سعادة، إلى أين ذهب بكِ الشرود؟!

علقت سعادة وقالت:
-لقد تمنيت لو أستيقظ من نومي لأجد كل ما حدث ليس سوى كابوساً مخيفًا.

تأثرت الأم بكلمات ابنتها فقامت بمعانقتها، ثم ربتت على ظهرها وقالت:
-أشعر أن القادم سوف يكون أفضل وأن الله سوف يعوضك عن كل ما شيء، كل ما عليكي هو أن تثقي في رحمة ربك.

أومأت سعادة برأسها وقالت:
-أمي، ينتابني الفضول أن أعرف ما الذي حدث مع المجرم أسامة؟

ابتسمت الأم وقالت:
-لا تشغلي بالك بالتفكير في ذلك، الأهم هو أنه نال الجزاء الذي يستحقه.

منزل رائد عزالدين.
دلف رائد إلى غرفة مازن الذي جلس شاردًا يفكر في سعادة.

دنا رائد من مازن وحديثه:
-مازن، يبدو عليك الشرود، فما الذي يشغل ذهنك إلى هذه الدرجة؟!

انتبه مازن إلى حديث رائد فعلق قائلًا:
-أخي، لن أخفي عليك لقد كنت أفكر في شأن سعادة، تلك الفتاة التي رأيت والدتها في المشفى عندما كانت تقوم بزيارتي.

أومأ رائد برأسه وقال:
-السيدة ليلى التي كنت تتحدث إليها بحدة بالغة أجل اتذكرها، ولكن هل تفكر بالزواج من ابنتها؟!

أومأ مازن برأسه نافيًا وقال:
-لن أخفي عليك كنت أفكر بالزواج بها قبل ذلك، ولكن الٱن لم تعد لدي رغبة بالزواج منها.

تعجب رائد وعلق قائلًا:
-هل تغيرت مشاعرك نحوها خلال هذه الفترة البسيطة؟!

ابتسم مازن ابتسامة ساخرة وتحدث قائلاً:
-تستطيع أن تقول ذلك، وبمعنى أدق حدث ما جعلني أجمح مشاعري وانظر إليها نظرة مختلفة.

ابتسم رائد وبدى عليه التعجب ثم قال:
-الحب الذي يستطيع صاحبه التحكم فيه وإجماحه ليس بحب، تستطيع أن تعتبره إعجاب أو أي شيء ٱخر.

صمت رائد قليلًا وتذكر أمامه ريهام فواصل حديثه قائلاً:
-الحب عندما يجتاح قلبك يسيطر عليه ويشعل نيران الرغبة بالقرب من الحبيب بداخلك، عندما تحب حبًا حقيقيًا لن تستطيع التحكم في مشاعرك بل أن قلبك هو الذي يتحكم في جميع قراراتك.

ابتسم مازن وعلق قائلًا:
-أراك تشرد وأنت تتحدث كأنك تتذكر مشاهد معينة.

أومأ رائد برأسه وقال:
-أجل، لقد تذكرت حب حياتي ريهام، وكيف أجتاح حبها قلبي دون استئذان وتملكت حبها قلبي فلم يعد به مكانًا لأحد غيرها، لا أخفي عليك لقد حاولت كثيرًا التحكم في مشاعري نحوها؛ وذلك لفارق السن الكبير بيننا ولكنني لم أفلح في ذلك.

في اليوم التالي.
نجح عزيز في التسلل إلى داخل المشفى وقد وضع على وجهه قناعًا؛ حتى لا يتم التعرف عليه من خلال كاميرات المراقبة.

ظل عزيز واقفًا يترقب مغادرة الممرضة لغرفة أسامة، وما إن غادرت حتى أسرع إلى غرفة أسامة.

دلف عزيز إلى غرفة أسامة الذي بدأ يستعيد وعيه، نظر إليه وحدثه قائلاً:
-أعتذر إليك يا صديقي، ليس أمامي سوى أن اتخلص منك كما جاءت الأوامر.

نظر أسامة إليه وتحدث متوسلًا:
-عزيز، لا يمكنك فعل ذلك، لا يمكنك الغدر بي.

ابتسم عزيز وعلق قائلًا:
-بل علي أن أفعل ذلك حتى لا يتم قتلي.

أسامة بخوف وصوت مرتجف يملؤه الرجاء:
-عزيز، لقد أنقذتني بالأمس فلما تقوم بقتلي اليوم؟!

دنا عزيز من المحلول المعلق والذي تم توصيله بيد أسامة قام بحقنه ثم تحدث قائلاً:
-وداعًا أسامة، كما انقذتك من القبر أرسلك له مرة أخرى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي