الفصل الثامن عشر

توقفت أولجا فجأة عن الكلام، ونظرت نحو ساندرا معتذرة يبدو أنها استرسلت في الكلام بشكل لا يليق :
أنا آسفة سيدة ساندرا ."
" لا تعتذري ، أنا أعرف ان زوجي تغير شكله خلال السنوات التسع الأخيرة ."
كانت زلة لسان من ساندرا ، إذ لا يبدو على أولجا انها تعرف أن الفتاة الإنجليزية التي

تتحدث اليها الآن هي التي رفضت سيدها منذ سنوات!
أكملت أولجا ولم تنتظر أن تسألها ساندرا حتى وقالت :
" كان والد السيد باريس قلقا على امواله وأعماله ان تذهب الى أبناء أخيه من بعده


، ولذا ألزم السيد باريس بالزواج حتى ينجب وريثا ليحافظ على كل ذلك ويكمل سلسال العائلة، لقد حدثت بينهما مشاحنات

كثيرة ، لأن سيدي قال أنه لا يزال يحب تلك الفتاة الإنجليزية والتي لم يرفضها والده لكنه طلب "
ومرة أخرى سكتت أولجا عن الكلام وأخذت نفسا عميقا وهي تنظر الى سيدتها

بشيء من الشك ثم قالت:
" أنت التي طلبت مني ان أخبرك بكل شيء ، ولذا فإنني أفعل. "
" نعم أريد أن اسمع كل شيء ." أحست ساندرا بقلق أولجا لذا قررت أن تطمئنها لكي تكمل حديثها الذي لم يشبع فقط فضولها بل وضح لها كل شيء تقريبًا ولن تمانع في أن تستمع لخادمة

فهي تريد أن تعرف كل شيء عن باريس
أحست بالإشفاق على زوجها وشعرت بالذنب فلو أنها تزوجت منه لما حلت به كل

هذه المآسي ، ولما عانى كل هذه المعاناة ، ومن جهتها هي ، لكانت تفادت الزواج من

ذلك الرجل البغيض أليكس ماكسون
عادت أولجا للكلام ثانية وعرفت ساندرا المقتطفات الأخيرة من القصة
وهي أن

باريس عندما أيقن أنه لا يمكن أن يتزوج الفتاة الإنجليزية ، إختار فتاة يونانية وتزوج

منها ، وعزم على ان يكون زوجا صالحا ، وإستمرت أولجا في حديثها فقالت:
" كانت حياة السيد باريس سيئة للغاية، كانت سيدة بشعة لا تطاق وخائنه ثم أصبحت قاتلة، كان معه كل الحق لقتلها ولكننا انقذناه من السجن، وأخيرا قررت الحياة انهاء المعاناة وتوفت تلك الزوجة في حادث سيارة

هي والحبيب الأخير لها والذي كانت تخون سيدي معه برغم كل ما حدث لهم
صممت أولجا قليلاً تسبها بصوت خفيض لكنه وصل إلى ساندرا التي كادت أن تضحك ولكنها صمتت لأن الموقف غير مناسب بالمرة للضحك
تنهدت أولجا ثم أكملت كلامها قائلة : والآن نأمل أنا وزوجي أن يعيش سيدي معك حياة مليئة
بالسعادة سيدتي ف أنت تختلفين كليا عنها سواء في جمالك أو شخصيتك التي أحببناها كثيرا بسرعة"

احمرت وجنتا ساندرا وابتسمت ابتسامة مشرقة : شكرا اولجا أنا أيضا احببتكم كثيرا

أنا ممتنة لك كثيرا ، فالآن افهم زوجي بطريقة افضل ."
" سيدتي ، وأنا اكون شاكرة لك أكثر لو احببت سيدي ." ومن دون أية كلمة أخرى إستدارت لتترك الغرفة
وفي منتصفها تذكرت ساندرا شيئًا مهما فسألتها بسرعة
" أولجا ..... إرجعي! ."
" نعم سيدتي ."
" هل قدّمت والدة الطفل للمحاكمة ؟ ."
" أنها الحقت العار بسيدي، بتصرفاتها المشينة ، والسيد باريس كثيرا ما تحدث مع

والده ومع الطبيب ، ولكنهم قرروا أن هذا العار يجب أن يبقى سرا ، ولم تقدم

للمحاكمة ، وانا لم أخبر احدا بما قلته لك يا سيدتي ، فأنت لك الحق بأن تعرفي كل

شيء ."
" إذا كان الطفل قد قتل ، فكيف طمست القضية؟ ."
" لقد قالوا أنه سقط من الدرج الى الحديقة ، أنا أظن أن تلك المرأة كانت مجنونة

وشريرة ، وعلى هذه الحال يمكن أن تعفى من العقاب."
" وهكذا إذن قرر السيد باريس أن ينتقل نهائيا من بيموس؟ ."
" نعم هذا ما حدث بالضبط "
أومأت ساندرا برأسها وشكرتها قبل أن تذهب أولجا وتغادر الغرفة، وتترك ساندرا مع افكارها ، كان من الواضح ان باريس عزم

على ان يبدأ حياة جديدة في بيت جديد وزوجة جديدة أيضا ، مبتعدا كليا عن كل

شيء يذكره بالماضي.
أحست ساندرا بالحنان والإشفاق يملآن صدرها ، وتأكدت الآن أنه تزوج منها للإنتقام

، لأنه يعدّها مسؤولة عن كل ما حدث له حتى موت ولده
حقه يفكر بهذه الطريقة لو تزوجت منه ووافقت عليه حينها لما ألمت به جميع هذه المصائب ، ولكنها مع ذلك لن تسامحه لأنه تزوج

منها بهذا الاسلوب ورغم إرادتها، كان يمكنه أن يحدثها، يصارحها ويترك لها الاختيار، وكان الاختيار سيكون هو بالطبع، حتى مع رفضها للزواج لكنها الآن فقط تأكدت بأن كلامي هاري صحيح عندما قال لها لو عاد باريس وعرض عليها الزواج لوافقت
تنهدت ساندرا وجلست تفكر قليلاً ثم عزمت على ان تحاول ما إستطاعت أن

تعيد شيئا من البهجة الى حياة باريس على الأقل تعوض شعور الذنب الذي يقتلها نحوه الآن!

وفي هذه اللحظة اقتحم باريس الغرفة
نعم ستقول اقتحم لانه لا يعرف شيئًا عن طرق الأبواب!
أو يعرف أنها تكره الدخول هكذا بدون استئذان فلا يتردد أبدًا أن يضايقها بأي شيئ حتى لو كان بسيطًا مثل ذلك
تشعر وكأنه يستمتع بالدخول فجأة ويراها وهي عارية أو وهي ترتدي ملابسها أو أي شيئًا آخر
لكنها هذه المرة من حسن حظها كانت لازالت تجلس في الأريكة مكانها بعدما تركتها أولجا،
وقف أمامها كعادته يحاصرها بنظرات ساخرة غاضبة لا لأي شيء سوى أن يعكر عليها صباحها
وهو ما حدث فعلاً، وقف أمام خزينته يبدو أنه كان يبحث عن ورق ما ثم يعود إلى مكتبه، تلك النظرات التي يلقيها عليها أعادتها للواقع مرة أخرى وبدأت تمحي في مشاعر الشفقة التي غزت قلبها عندما سمعت القصة كاملة من أولجا، نعم كل شيء سيء وأنها كانت من ضمن الأسباب السيئة لكنها ما ذنبها في اختيارات أحدهم ؟ هل يجب على الانسان أن يختار لنفسه وحياته ولحياه الاخرين ؟
لم تكن تقصد أبداً أن يعاني كل ذلك البؤس، وعلى الرغم أنها لم تتراجع بشكل كامل عن قرارها لكنها خشيت على سلامتها بين يدي رجل مجنون كهذا ، ذات يوم قد يستبد به الحزن

الى درجة مرعبة بحيث لا يعرف ما الذي يفعل، يمكن أن يقتلها مثلا ؟!

اقشعر بدنها وكلمات هاري وأولجا تتردد في عقلها،

بالرغم من أن ساندرا حاولت الكثير لتبعد عن نفسها القلق والشعور بالذنب، إلا أنها

ايقنت ان ذلك مستحيل ، فالفكرة تلاحقها في كل لحظة ودقيقة كالحلم المريع الذي

يرفض أن يتراجع الى عالم النسيان ، بعد الذي سمعت وعرفت .
ولكنها مع كل ذلك لم تستطع أن تتغلب على شعورها بالكراهية نحو باريس أو لعلها

لا تريد، فهي لن تنسى أنها تزوجته مكرهه بدون اختيار ، وكانت إذا إلتقت به ، لا تتمكن من

إخفاء مشاعرها نحوه في أكثر الأحيان خصوصا مع محاولاته لاستفزازها طوال الوقت!
أفاقت من شرودها وقررت أن تنزل إلى الجنينة تتابع نمو زهرة جديدة جلبها نيكولاي لها عندما عرف أنها تحب ذلك النوع، تحاول شغل وقتها بأي شيء فهي لم تعتاد أبداً حياة البيت وأن تكون ربة منزل
خاصة أنها ترى أنها بلا منزل وبلا أي شيء
لن يكون منزلها مبني على الكراهية والغصب في نهاية الأمر!
ارتدت ملابسها الرقيقة ونزلت أولا لترى المطبخ وماذا فعل الطباخ لهم هذا اليوم، وأخيرا وافق باريس على بعض الطعام الانجليزي فهي لا تستسيغ اليوناني بشكل كامل، لكنها اليوم أكله مشتركة، كانت أكلة بحرية من أسماك وقشريات، الرائحة فقط جعلتها تشعر بالجوع، ابتسمت للطباخ عندما قام بتحيتها واخبرته أن الطعام يبدو لذيذاً، رأت ابتسامته وابتسامه أولجا، الجو رائع بينهما والحب سيد الموقف دائما بين ساندرا والخدم لكن سيد الخدم لا حب ولا ود بينهما حتى
تنهدت ساندرا وخرجت إلى الحديقة لتجد نيكولاي يعتني بزهرتها أولاً ، جلست بجواره يريها كيف يعتني بها كانا يتضاحكان سويًا ولم تشعر ساندرا بنفسها إلا بعد أن أحست أن هناك زوج من العيون تحدق فيها وتوقف نيكولاي عن الضحك بسببها، لفت برأسها لتجده باريس واقفًا كعادته يعقد ذراعيه ويرفع حاجبها والغضب يطل من عينيه، ابتلعت ساندرا ريقها بصعوبة ولم تنطق بشيء، اقترب منهم باريس وقام نيكولاي بالترحيب به وتوضيح ماذا يفعل، تفاجأت ساندرا أنه ابتسم له ومازحه ثم أمسك بيدها قائلاً : اعذرني نيكولاي فأنا أشتاق لزوجتي وأريدها قليلاً
ولم يترك لها فرصة فقد جذبها خلفه كالطفلة التائهه، لم تحاول ساندرا التذمر قبل أن يصلوا إلى غرفتهم، بالتأكيد أي محاولة لكسر الصورة التي يحاول طوال الوقت رسمها أمام عماله سيقتلها فيها
وصلوا إلى الغرفة وما ان دخلوا حتى جذبت يدها من يده بعصبية شديدة وهتفت به : ماذا تفعل وماذا تقول لنيكولاي ؟!
نظر إليها من أعلى ففرق الطول بينهم ليس قليلاً وقال لها: أنا هنا من يجب أن يسأل ماذا تفعلين مع نيكولاي ولماذا كل هذا الضحك يا زوجتي المحترمة ؟!
أحست في كلامه اتهامها بشيء خطير مما جرى الدماء في عروقها وزاد من عصبيتها فقالت له : هو اخبرك ماذا كنا نفعل وأنت كنت موجود عندما نزلت إلى الحديقة وجدتني في أحضانه أم ماذا ؟!!
وعند هذه النقطة أمسك معصمها بقوة كعادته وضغط على حروفه : ما اقصده هو صوت ضحكك الذي جاءني في مكتبي ساندرا وليس التلميح الذي جاء إلى عقلك ليس لأي شيء سوى أنك لا تجرؤين على خيانتي وأنا اثق بنيكولاي أكثر منك في الاصل
حاولت ساندرا سحب معصمها من يده وهي تقول : وماذا في الضحك سيد باريس ألا تحب أن تراني فرحة ولو قليلاً
: عليكِ أن تعلمي جيدًا أنك سيدة هذا المنزل وزوجتي وبإسمي والوقار أساس التعامل أما ضحكات الطفلة التافهه هذه لا تنفع مع زوجة يونانية لسيد يوناني
وهذه المرة نجحت في شد معصمها ليس لشيء إلا أنه قد أرخى يده قليلا عنها ثم قالت : أنا انجليزية ولست يونانية ونحن لا نرى شيئًا في أن تكون لطيفا مع الناس حتى لو كان مجرد خادم لدينا، لسنا مثلكم يقتلنا الغرور في كل تصرفاتنا حتى البسيطة منها
أنهت جملتها والغضب يشع من عينيها، لقد أثارها بالكامل وهي الآن في أوج عصبيتها
وقف يراقبها قليلاً بأعين ثاقبة حتى وجدته يقول :
" كراهيتك لي غالبا ما تبدو في عيننيك الجميلة ساندرا "
تفاجأت من جملته التي قالها بهدوء عكس ما يعتمل بنفسها وبنفسه منذ قليل حتى، وقف يراقبها ورآها تبتعد عنه الى الجانب الآخر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي