الثاني والثلاثون

ما فعلته لم يكن منطقيا. فكل ما تفعله هو محاولات إثبات براءتها الكاذبة مما ارتكبته رغم أنها على يقين راسخ بأنها اقترفت ذلك الذنب بكامل قواها العقلية.
حينها لم تكن تفكر سوى بإثارة غيرته بطريقة جنونية.
ظلت واقفة في شرفة الممر الواسعة تتأمله بعشق لافت، بينما هو يقف يحدق بها بسخرية ظهرت عاليا على جانب شفتيه.
ثم قال بنبرة حريرية
_أما زلت مغرمة به

رمقته بنظرة ساخطة ثم عادت النظر إلى حبيبها قائلة بحدة
_مولاي أتمنى أن تتفهم جيدا، أن ما حدث بالماضي ليس صادقا.
قبض على كتفها ثم أدارها نحوه، وسند يديه على حافة الشرفة يحاصرها بين ذراعيه ثم ظل يتأمل لسانها الوردي وهو يرطب شفتيها بتلقائية، لم تكتفي عينيه بهذا الحد بل نظرت إلى مقدمة فستانها الشفاف الذي يظهر مفاتنها جعلته يطمع بالمزيد، أدركت أتاليا رغبته الشهوانية تلك فأبعدته عنها بقوة ثم قالت وهي تحاول إخفاء ارتباكها
_مولاي، أرجوك لا تحاول خلق مشهدا آخر أمام أركون.
ابتسم أجاكس ثم قال ساخرا
_ألا ترين أنك حمقاء، كيف تقارنين الملك بذلك الجندي.
ابتلعت اتاليا غضبها ثم قالت بنبرة هادئة حتى لا تثير سخطه
_مولاي أجاكس، ليس هناك مقارنة بينك وبين شقيقك، ولم أسعى لذلك أيضا، ولكني مغرمة بأركون منذ الطفولة

تجاهل أجاكس كل تلك الكلمات وجاذبها إليه قائلا
_أن أميرك المحارب ينظر إلينا الآن، وأنا مستمتعا جدا في إثارة الخلاف بينكما أكثر من ذلك.

انفرجت شفتا أتاليا بدهشة ليستغل أجاكس تلك الحركة العفوية، ليقبلها بتملك وعينا الآخر تنظر إليهما بحنق قاتل

كانت نظراته كاللعنات تصب لجام غضبه على تلك الواقفة كتمثال دون أن تبادر باي رد فعل يطفئ بركان قلبه الملتهب، استيقظت من غفوتها تلك وهي بين ذراعيه وشفتيه تلتهم شفتيها باشتهاء مقيت، أبعدته بكل قوتها ولم تستطع سوى إطلاق العنان لساقيها الرشيقتان للهرب بعيدا عنه،

تلاقت نظراته المستفزة بنظرات أركون الغاضب ليلقي أجاكس التحية بإشارة من يده وبابتسامة يجزم أركون أنها كانت تلميح صريح بأنه يمتلكها الآن.

غرس أركون سيفه على الأرض وهو ينفث أنفاسه بغيظ، لقد جاهد كثيرا لنسيان تلك الحادثة السابقة وها هي الآن تكرر خيانتها أمام عينيه من جديد، همهم ساخطا وهو يجثو على ركبتيه
_لتلعنك الآلهة أتاليا لقد جعلتني أندم ألف مرة على حبك.

سند رأسها على مقبض سيفه الضخم، يغمض عينيه لتمر لحظاتهما السعيدة في بالها دون توقف.
استوقفها صوت أباها المنادي بقوة عليها، تقدم إليها فوجدها على حالة لا تفسر جسدها المتعرق المرتعش وكأنها مصابة بالحمى، كان على وشك أن يسألها ولكنها ارتمت بين أحضانه باكية شاكية بحرقة
_أبي، أجاكس لا يريد أن يدعني وشأني، أنه يزيد الفجوة بيني وبين أركون

ربت والدها بحنان على ظهرها ثم أبعدها عنه قائلا بحذر
_ابنتي لا تحاولي إثارة غضب الملك منك، أنه أكثر تطورا مما تتظنين، أم أركون فإنه لن يتقبلك وهو يرى أخيه يسعى إليك.
نظرت إلى والدها ببلاهة ليكمل والدها قائلا
_أن الملك أجاكس تقدم إليك بالفعل، وهو ينتظر فقط موافقتك لإتمام الزواج
_أبي لن أقبل هذا الزواج أبدا، أنا لا أحبه ولا أريد أن أكمل بقية حياتي معه.
رد والدها بحدة قائلا
_أنتي من أعطاه الأمل في هذه العلاقة أم أنك نسيتي

ردت بصوت منفعل عالي
_أبي لقد كنت أهدف لإثارة غيرة أركون.
_لا دخل لي بهذا الأمر، لا أريد أن يصيبنا مكروه بسبب عنادك هذا، تقبلي الأمر بصمت.
ردت متحدية
_وإن لم أفعل.
_حينها اعلمي أنك قد اعددتي محرقة عائلتك وربما أركون أيضا.

لم يكن العقاب بحجم الخطيئة فقد كان الأمر فوق طاقتها الضئيلة، كانت فقط تريد كلمة من أركون تعيد الأمل في قلبها، لتحارب الجميع من أجله، ولكنه دائما لا يرى سوى تلك الخطيئة التي لا يريد أن يغفرها لها.

بدت بحالة متوترة منذ استيقظت حتى أنها أصبحت تصرخ في الخدم بسبب أو دونه، احتارت آثي من حالتها تلك فتقدمت تسألها باستغراب
_ سيدتي، هل هناك مايزعجك؟
ردت آنا بعصبية وهي تمسك جبينها
_ ذلك الملك المغرور اقتحم غرفتي ليلة أمس
بهتت آثي وهي تنظر إلى سيدتها الحانقة، لتكمل آنا بنفعال حاد
_ ماذا افعل الان مع ذلك المتغطرس، ربما يقتحم غرفتي هذه الليلة أيضا.
تحدثت آثي معها بهدوء تحاول تهدئتها
_ سيدتي، انتي الان زوجته لا تنسي ذلك.
اقتربت لآثي ثم همست لها
_ انتي تعلمين جيدا من اكون.
ابتلعت آثي ريقها بارتباك وهي تتلفت حولها قائلة بهمسا أيضا
_ سيدتي، ارجوك لا تتكرري ذلك ربما يسمعنا حدهم
اشاحت آنا بيده بغيظ قائلة بعدم اهتمام
_ماذا سيحدث حينها، سيتم اعدامي، أليس ذلك المصير ارحم من اكمل دور غير دوري في الحياة.
زفرت بضيق واردفت قائلة
_ آثي، أنا هي أنا لا أستطيع أن أكمل بهذه الطريقة.
_يجب أن تكملي، لقد وعدتني.
اتاها صوته الثابت من خلفها لتلتفت إليه قائلة
_ سيد بيلوتس، الأمر أصبح أكثر صعوبة عن ذي قبل.
سالها باهتمام
_ ماذا حدث لذلك؟
_ الملك أتى إلى غرفتي ليلة الأمس.
ابتسم السيد بيلوتس وقال
_ ومالمشكلة في ذلك ؟
رمته آنا بنظرة استنكار ليردف العجوز بجدية
_ أنتي الان زوجته، وهذا الأمر طبيعيا سيدتي .

هل هذا العجوز يمزح أم أنها وقعت في فخه وتم توريطها بالفعل بهذه العلاقة.
تحدثت آنا بتعجب
_ أن الملك يظن أنني باسيفاي الحقيقية، ولكني لست كذلك، كيف تريد مني الاستمرار في علاقة زائفة مع الملك.
جلس السيد بيلوتس على الكرسي وقال بعد تنهيدة قصيرة
_ وكيف سيعلم بذلك؟
انفعلت آنا من برود السيد العجوز وقالت
_ الملك يحب الأميرة حقا، وما نفعله به لا يصح.
ابتسم بيلوتس بخبث وقال
_ أرى أنك واقعة في غرام الملك، وما تفعلينه الان هو خوفك من مشاعرك وليس من معرفة الملك بحقيقتك.
اعترضت آنا بشدة قائلة
_ يبدو انك جننت سيد بيلوتس، أنا لا أحبه
_ بل انت بدأت تحبين الملك أيولوس، لا تستطيعين خداع هذا الرجل العجوز، مشاعرك واضحة جدا، ربما الملك أيضا شعر بها.

التفتت إلى آثي التي هزت راسها موافقة على كلام العجوز لتصرخ بهما آنا بحدة
_ لا، أظن أنكما فقدتما صوابكما، هذا ما ينقصني أن اغرم بذلك الملك المتوحش.
اقتربت منها آثي وقالت هامسة
_ اعتذر منك سيدتي، أن مولاي الملك لطيفا جدا وليس مثل ما توصيفنه.
رمقت آثي بعصبية وقالت
_ ابتعدي عني آثي، لا أدري ما قد أفعله بك الان.

كتمت آثي ضحكاتها ولكن السيد العجوز انفجر ضاحكا.
ظلت آنا تحدق بهما بغضب، ربما مايقوله العجوز حقيقة لا تستطيع إنكارها مهما حاولت، ذلك الملك ذو عضلات الجسد الضخمة، والملامح الحادة، يصبح أمامها طائر وديع يجعلها تحلق معه في سماء السعادة بطريقة فريدة لم تجربها من قبل، لقد كانت تجربتها السابقة تفتقر للكثير مما تشعر به الآن، ولكن كيف تتقبل هذه المشاعر؟ فكل ما يحمله أيولوس بقلبه ليس لها، للحظة شعرت أنها ليست اسوء من توماس الخائن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي