الفصل التاسع والثلاثون يلتقوا من جديد

تحدث أدهم بحيرة إلى بدر المندمج في القيادة:

-انتظر يا بدر لقد توقفت سيارة بيلا!

توقف بدر وهو ينظر خلفه بتعجب، هبط والغضب يتمكن منه حتى وصل إلى بيلا التي تنتظر خارج المحل هي وابنتها في انتظار ميري التي دلفت لتشتري الطعام السريع:

-ما الذي تفعليه بالضبط يا بيلا؟ ألا يوجد لديكِ أي إحساس بالمسؤولية؟

نظرت له بغضب وتحذير في ذات الوقت:

-أخفض صوتك، الفتاة كانت جائعة، لم تأكل شيء وتوقفت من أجل شراء الطعام لها، ما مشكلتك أنت؟

لاحظ نظرات فلورا القلقة، حرك رأسه بنفي وهو ينظر إلى بيلا:

-لا يوجد لدي مشكلة، لكنكِ لم تخبريني ووجدتكِ قد توقفتِ بشكل مفاجئ.

نظرت بيلا له وهي تتحدث بجدية:

-أنا لا يوجد شيء سيغصبني على البقاء معك يا بدر، إن أردت الهرب سوف أفعل هذا ولن أفكر بك، أنا سوف أتي معك من أجل والدتك التي احببتها كما احبتني وليس من أجل شيء آخر.

اقتربت ميري في هذا الوقت وقد تعجبت عندما رأت وجوههم:

-ما المشكلة يا بيلا؟ اهدئي لا تجعلي الغضب يتحكم بكِ.

تحدثت بيلا ونظراتها ما زالت مسلطة تجاه بدر:

-إن انتهيتِ يا ميري يمكننا أن نذهب هيا.

تركهم بدر وذهب تجاه سيارته، قام بالدخول إليها ومن ثم قام بصفع الباب:

-هيا سوف نذهب.

سأله أدهم بحيرة وهو يلاحظ تغير وجهه:

-ما الأمر يا بدر لماذا قد تغير وجهك؟ لماذا لا تقل لي ما الذي يحدث أنا على وشك الجنون.

نظر بدر له وهو يومأ وقد قرر أن يوضح له كل شيء، لن يبقى الأمر مخبأ للأبد، لم يعد سر على كل حال:

-سوف أخبرك بكل شيء يا أدهم، على كل حال سوف يتم كشف كل شيء في القريب العاجل.

نظر أدهم له في انتظاره أن يكمل حديثه وبالفعل بدأ في سرد كل شيء عليه، أول ما قاله أن بيلا هي نفسها زوجته التي هربت من المنزل وطلقها فيما بعد، لقد كانت صدمة قوية على أدهم وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-زوجتك؟ ما زلت أشعر بالصدمة، تعني أنها هي نفسها من كانت زوجتك؟!

أومأ بدر له ولم يستطيع التحدث بكلمة أخرى، التزم أدهم الصمت وداخل عقله الكثير من الأفكار التي تعصف به، وصلوا أمام المستشفى وهبطت بيلا عندما رأت بدر يهبط، دلفوا إلى المستشفى وبيلا تمسك بيد فلورا، لم تشعر بأنها تقوم بالقبض عليها حتى سمعت صوتها:

-انتبهي يا أمي، أنتِ تؤلميني كثيرًا.

أرخت بيلا يدها عن يد ابنتها وهي تسير خلف بدر، توقف والتفت لينظر إليها، استطاع أن يرى القلق على وجهها، تابع سيره وهو لا يصدق أنها تظن أنه سوف يقوم بمنعها من ابنتها!

قابله أنس وقد صدمه رؤية بيلا معه، نظر إلى بدر بعدم استيعاب:

-أين وجدت بيلا؟ كيف حدث وعادت لك لا أفهم؟!

اجابه بدر بنفاذ صبر:

-هذا ليس وقته يا أنس، المهم أمي كيف حالها الآن؟!

اجابه أنس وهو يشير تجاه غرفتها:

-لقد استفاقت ولكن الطبيب اخبرنا أنها يجب أن ترتاح، بعد قليل يمكنك أن تراها.

اقتربت بيري منه ومن ثم قامت بضمه ليربت على شعرها:

-لا تقلقي سوف أكون بخير.

اقترب كارم وهو يربت على كتفها:

-لقد كنت أحاول تهدئتها ولكنها لم تستجيب أبدًا يا بدر.

التفتت بيري لتقوم بضمه وهي تربت على ظهره:

-أعلم أنك قلق عليّ ولكن لا يوجد شيء بيدي حتى أفعله.

تعجبت بيلا أن كارم بهذا القرب منهم، ظنت أن الأمر قد اختلط عليها في البداية لكنها لم تخطأ في رؤيته هو كارم شقيق منار صديقتها، انتبه لها لتتسع عينيه بعدم استيعاب:

-بيلا هذه أنتِ! لا أصدق هذا هذه أنتِ حقًا؟ هل هذه فلورا؟ لقد كبرت كثيرًا و..

صمت فجأة وهو ينظر إلى كلًا من بيري وبدر، سأله بدر بعدم استيعاب:

-هل كنت تعرف بأمر انجابها لابنتي؟ مع ذلك لم تتحدث!

ابتع كارم ما بحلقه ونظرت بيري له بتعجب:

-لا أفهم يا بدر ما الذي تعنيه، هل عدت أنت وبيلا معًا من جديد؟!

التصقت فلورا بجسد بيلا، نعم هي لا تفهم الشيء الذي يحدث لكنها تشعر بتوتر الأجواء من حولها، تحدثت بيلا وهي تحاول أن تتمالك أعصابها:

-تعالي يا حبيبتي لنجلس.

امسكت ميري بذراعها وهمست لها بحيرة:

-من يكون الرجل الذي تحدث معكِ يا بيلا؟ يبدو أنه يعرفكِ جيدًا!

اومأت بيلا لها وهي لا تعلم ما الذي أتى بكارم إلى هنا، تتذكر أنه كان يبغض بدر كثيرًا، حتى أن بدر قام بسجنه ذات مرة من أجل أن يخبره بمكانها؟ سمعت بدر يتحدث بتوعد إلى كارم:

-سوف تندم كثيرًا على الشيء الذي فعلته يا كارم، هذا ليس وقته وليس المكان المناسب للحساب، أعدك أنك سوف تندم أشد الندم.

أخذ كارم نفس عميق وهو يشعر بالغضب من طريقة بدر معه، قامت بيري بسحبه جانبًا:

-ما الأمر يا كارم اخبرني؟ هل كنت على تواصل مع بيلا، هل لهذا السبب بدر غاضب هكذا؟

حرك كارم رأسه بنفي:

-لا يا بيري، فلورا هذه الطفلة تكون ابنة بدر، لهذا السبب بالتحديد هو غاضب.

اتسعت أعين بيري بعدم استيعاب وهي تنظر تجاه بيلا التي تلاحظ ردود أفعالهم، اعادت النظر إلى كارم وهي تشعر بأن أنفاسها على وشك أن يتم سحبها منها:

-هل كنت تعرف بهذا الأمر وبقيت صامتًا؟ هل هذا معقول؟!

تحدث كارم وهو يحرك رأسه بنفس:

-الأمر ليس كما تظنين، سوف أشرح لكِ كل شيء يا حبيبتي، دعينا نتحدث في هذا الأمر عندما تتعافى والدتكِ.

نظرت بيري له وهي لا تشعر بالراحة، لا يمكنها أن تصدق ما يحدث، سوف تغضب إن اعترف أنه بالفعل كان يعرف بمكان بيلا وحملها ومع ذلك أخفى الأمر عنهم جميعًا! تركته واتجهت إلى بيلا التي ابتسمت لها وهي لم تنسى اللطف التي كانت تعاملها به، تحدثت بيري بصوت مرتجف بعض الشيء:

-كيف حالكِ يا بيلا؟ هل كل شيء على ما يرام؟!

اومأت بيلا وهي تجيبها بهدوء:

-أنا بخير يا بيري، ماذا عنكِ؟

اومأت بيري لها وعينيها مسلطة تجاه فلورا، مشاعر مضطربة قد انتابتها:

-أنا على ما يرام، كيف حالكِ يا صغيرة؟

نظرت فلورا تجاه بيري ومن ثم نظرت إلى والدتها وهي تجيبها بحذر:

-بخير.

تحدثت بيلا إلى بيري وهي تشعر بالحيرة التي لم تزول أبدًا:

-اخبريني يا بيري ما الذي يفعله كارم هنا؟

اجابتها بيري وهي تبتسم وتعلم أن الخبر سيكون صادم بالنسبة لها، بالأخص أنها لا تعرف:

-أنا وكارم قد تزوجنا، لكِ أن تتخيلي كم كان الأمر صعب للغاية، لكن في النهاية نحن معًا، لم أكن أفضل الحديث معه في البداية، الأمر يطول شرحه كثيرًا يا بيلا.

اومأت بيلا لها بتفهم، نظرت تجاه كارم وجدته ينظر إلى بيري والقلق يظهر عليه، فهمت أن الكلمات التي تفوه بها تضعه موضع شك أمامهم جميعًا، تحدثت بيري وهي تنظر إلى فلورا ومن ثم وجهت أنظارها إلى بيلا:

-هل كان كارم يعلم بأمر حملكِ في ابنة ب..

قاطعتها بيلا على الفور وهي تتحدي بانفعال عفوي منها:

-لا أحب الحديث في هذا الأمر أمامها، دعينا نؤجل الحديث يا بيري.

اومأت بيري لها وهي لا تعلم سبب انفعالها الشديد، لاحظت ضم فلورا إلى بيلا والقلق الذي يظهر عليها:

-هي تشعر بالقلق!

اومأت بيلا وهي تقوم بضم فلورا إليها:

-هذا لأنها لا تعرفكم فقط، هي بخير لكن لا تحب أن يضغط عليها أحد، دعوها تأخذ وقتها.

اومأت بيري بتفهم، شعرت أن بيلا قد تغير طبعها كثيرًا، اصبحت أكثر حذرًا في الحديث، سألها كارم عندما اقتربت منه:

-ما الذي قالته لكِ يا بيري؟ هل عادت إلى بدر؟!

حركت بيري رأسها بنفي:

-لا أعلم شيء عن هذا الأمر يا كارم، لكنني لا أظن هذا الشيء، هي أكثر حذرًا وشعرت أنها لا تحبني أن أتقرب من ابنتها.

أومأ كارم لها بتفهم، يعلم أن بيلا تشعر بالكثير من القلق، ربما قام بدر بالغصب عليها حتى تأتي إلى هنا! لكن ما يجعله على وشك الجنون لماذا عادت إلى مصر من جديد وهي تعلم أن بدر لا يعرف الحقيقة؟!

اقترب أنس من بيلا وهو ينظر تجاه فلورا ومن ثم نظر لها، سألها مباشرة بجدية:

-هل هي ابنته حقًا؟

انتبهت فلورا له وتحدثت بيلا بضيق شديد:

-هذا ليس وقته وليس المكان المناسب كذلك، أظن أن الجميع يمتلك العقل الذي يجعله يميز هذا.

ابتسم أنس ساخرًا وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-هل أنتِ نفسها بيلا؟ أشك في هذا الأمر!

نظرت بيلا له بغضب واستفاق على حديث بدر:

-تعالى إلى هنا يا أنس، ليس هذا الوقت المناسب للحديث في أي شيء.

التقت عينيه بأعين بيلا، استطاعت أن ترى لومه الشديد لها، ابعدت عينيها وما زالت تمرر يدها على شعر فلورا، نظرت إلى ميري وكأنها تطلب المساعدة ولكن كيف يمكنها أن تخرجها من هذا الأمر:

-هل ترغبين في الذهاب؟

اجابتها بيلا وهي تحرك رأسها بإيجاب:

-بالطبع أريد هذا، بكن ليس قبل رؤية والدته والاطمئنان عليها، بعدها لا شيء سيجبرني على البقاء، حتى العمل إن حكم الأمر سوف أتركه ويمكنني البدء من جديد.

ربتت ميري على كتفها وهي تعلم أن ما تمر به ليس سهل على قلبها:

-سوف يمر كل شيء سيء يا بيلا، اهدئي ولا تنسي إن بقيتِ مرتبكة وتشعرين بالضيق سوف ينتقل الشعور السلبي إلى فلورا.

نظرت فلورا إلى بيلا وهي تتحدث بحنان:

-لا تحزني يا أمي، سوف نعود إلى المنزل ولن يتحدث أحد معنا.

قبلت بيلا وجنة ابنتها ومن ثم قامت بضمها وهي تهمس لها:

-منزلي أنتِ يا حبيبتي، أي مكان تكونين فيه يكون أماني.

ابتسمت فلورا وهي تنظر إلى والدتها، لطالما كانت تتعمد تدليلها وهذا الشيء كان يروق فلورا كثيرًا، اقترب بدر وقام بالجلوس بجوارها، نظرت له ببعض الارتباك، اجاهل هو النظر لها وهو يتمنى ان تتوقف عن الخوف منه، يريد أن يخبرها أن لا يوجد شيء يخيفها، لكنه يعلم أنها لن تقتنع.

اقترب الطبيب في هذا الوقت ومن ثم دلف إلى الغرفة لفحصها، خرج بعد قليل وهو يتحدث إليهم:

-يمكنكم الدخول والاطمئنان عليها، لكن لا تتأخروا ولا تجعلوها تتحدث كثيرًا، ما زالت تشعر بالتعب وتحتاج إلى الراحة.

أومأ بدر له وكان أول من دلف إلى غرفتها، ما إن رأته حتى ابتسمت واقترب منها على الفور ليقوم بضمها بقوة:

-لقد جعلتيني على وشك الموت يا أمي، اخبريني كيف حالكِ الآن؟

اجابته بابتسامة بثت بها اشتياقها:

-اصبحت بخير عندما رأيتك يا بدر، لا تصدق كم أشعر بالألم لفراقك لي، كل شيء يبدو مظلم و..

قطعت حديثها عندما وقعت عينيها على بيلا:

-هل هذه بيلا؟ لا أصدق هذا! هل عدتِ ولكن متى وكيف حدث هذا؟!

اجابتها بيلا بابتسامة هادئة:

-لا تفكري في شيء الآن يا أمي، المهم أن تكوني بخير.

نظر بدر تجاهها، بينما هي لم تنتبه إلى لفظ أمي التي نادتها به، نظرت فلورا لها بحيرة شديدة:

-هل هذه السيدة تكون أمكِ يا أمي؟

نظرت بيلا لها بتعجب وانتبهت إلى الشيء الذي خرج من فمها بعفوية، اشارت أسماء لها أن تقترب، بالفعل اقتربت بيلا ولم تترك فلورا يدها، قامت أسماء بمصافحتها وهي تضم يدها بحنان:

-لا تصدقي كم ارتحت إلى رؤيتكِ في هذا الوقت يا بيلا، ربما لا تصدقين أنني سعدت برؤيتكِ أكثر من سعادتي برؤية بدر ابني.

ضحكت بيري وهي تحرك رأسها باستنكار:

-ماذا بكِ يا أمي؟ يمكنكِ أن تقولي هذا الحديث عندما يخرج بدر على الأقل!

ابتسمت أسماء وهي تنظر تجاه بدر ومن ثم نظرت إلى بيري قبل أن توجه نظراتها إلى بيلا في نهاية جملتها:

-لن ينزعج بدر يا بيري، هو يحبها أكثر مما يحب نفسه، أليس الحق معي يا بدر؟!

نظر بدر لها وقد ظهر عليه الارتباك:

-لا تتحدثي عن شيء الآن يا أمي، الطبيب قال أن تكوني هادئة.

أتت عينيها على فلورا لتسأل بحيرة:

-من تكون هذه الجميلة؟

اجابتها فلورا وهي تمسك بيد بيلا رافضة تركها:

-أنا ابنتها.

اختفت ابتسامة أسماء وهي تنظر إلى بيلا بصدمة:

-هل تزوجتِ يا بيلا؟ لكن أين زوجكِ؟!

اجابها بدر وهو ينظر تجاه بيلا بعدم رضا:

-ليست متزوجة هي مطلقة يا أمي.

ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تخشى الحديث أمام فلورا:

-تعالي يا حبيبتي حتى نشتري عصير لكِ وإلى السيدة أسماء هيا.

سحبتها وخرجت بينما أسماء نظرت إلى بدر بتعجب:

-ما الذي يحدث يا بدر؟ لماذا خرجت وقد تغير وجهها، هل اخطأت في شيء ما يا ترى؟

حرك بدر رأسه بنفي، نظر تجاه ميري ومن ثم تحدث بهدوء:

-هي لا تريد الحديث أمام فلورا بخصوص هذا الأمر؛ لأنها تكون ابنتي والفتاة لا تعرف هذا الأمر يا أمي.

اتسعت أعين أسماء بصدمة وقد صدرت من بين شفتيها شهقة:

-ما الذي تقوله يا بدر هل تمزح؟

حرك بدر رأسه بنفي ومن ثم نظر تجاه كارم والغضب الشديد يسيطر عليه:

-لقد اعترفت بيلا بهذا الأمر يا أمي وأظن أن كارم لديه شيء ليقوله لنا.

نظرت بيري تجاه كارم وهو يشعر بالكثير من الضيق، تحدثت إليه بضيق:

-اخبرنا يا كارم ما معنى هذا الحديث؟ هل كنت تعرف بأمر حملها عندما انفصلت عن بدر، هل كنت تعلم أن بيلا هربت بطفلة بدر دون أن تجعل أحد يعرف بهذا الأمر؟

أخذ كارم نفس عميق وهو يعلم أن الشيء الذي سيقوله لن يكون سهل أبدًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي