الفصل 115 أطلب المساعدة

الغرفة مظلمة بإستثناء ضوء خافت يتسلل من النافذة المفتوحة، وقف هيركلين لحظة أمام سريره ينظر إلى إيملي النائمة بسكون، ظهر على وجهها الراحة وكأنها في عالم آخر.

بمجرد أن جلس هيركلين على سريره لكي يستريح، انغمس في أفكاره، وأخذ يتذكر كلمات بينيت والحديث الذي دار بينهما مؤخرًا، كانت تلك الكلمات تتراقص في عقله.

"أطلب المساعدة من والدك."

هذه الجملة شتت أفكاره، والسبب في استيقاظ العديد من الأسئلة والشكوك التي تخص والده، وهو يحدق في السقف قال لنفسه:
لماذا طلب مني ذلكَ؟ وما هي الأسرار التي تكمن في عالم والدي؟

أغلق هيركلين عينيه، محاولًا التفكير بشكل أعمق في الأحداث التي حدثت منذ عدة ساعات، متسائلاً عما إذا كانت هناك خيوط خفية في حياة والده.

بينما كان هيركلين يفكر وما زال مستيقظا، استفاقت إيملي ببطء، ونظرت إلى هيركلين بابتسامة صغيرة على وجهها.

وفي محاولة لمعرفة ما يدور داخل عقله، قالت له إيملي:
لماذا أنت مستيقظ حتى الآن، هيركلين؟

هيركلين التفت نحوها، ابتسم لها في محاولة لإخفاء مشاعره المضطربة عنها، ثم قال لها:
ليس لدي أي رغبة النوم.

إيملي تحركت باتجاهه بلطف، وسألته:
ماذا يجري؟ تبدو وكأنكَ في عالم آخر.

هيركلين أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يرد عليها:
لدى بعض الأمور التي تدور في رأسي، وأنا أحاول فهمها وحلها، لا تقلقي أنا فقط أحتاج إلى بعض الوقت لترتيب أفكاري.

وضعت إيملي يدها على كتفه، وقالت له برقة:
أنا هنا إذا كنت بحاجة إلى أي شيء، أنتَ تعلم ذلك، صحيح؟

رد عليها هيركلين بابتسامة خافتة:
نعم، أنتِ دائمًا هنا بجواري للمساعدة، شكرًا، إيملي.

أغلقت إيملي عينيها للنوم من جديد، استمر هيركلين في التفكير، يحاول ربط الخيوط المتشابكة التي تعصف بعقله.

في منزل والد هيركلين.

كانت غرفة المعيشة هادئة، ويلس والد هيركلين، جالسًا على الكرسي القديم، يطالع الصحيفة بتركيز، أما زوجته بدا عليها التوتر، فقال له ويلس:
ماذا بكِ، ماري؟ تبدين قلقة، هل تريدين قول شيء ما؟

أخذت ماري نفسًا عميقًا قبل أن تجلس بجوار زوجها، نظرت إلى عينيه بعبوس، وكأنها تستعد لقول لشيء هام:
ويلس، أنا قررت أن أذهب لرؤية آرون في السجن.

ويلس رفع حاجبه باستغراب، وظهر الغضب في عينيه وهو يسمع حديث زوجته، ثم قال لها:
ماذا؟ لا يمكن أن تفعلي هذا، آرون قاتل، ويستحق كل ما يحدث له.

قالت له ماري بتصميم:
لكنه ابننا، وأنا لا أستطيع أن أتركه يواجه هذا وحيدًا، أشعر أنني لم أفعل كل ما في وسعي لمساعدته، إنه ابنك، نحن فقدنا الاتصال به لفترة طويلة جداً، أنا سأذهب لرؤيته في أقرب وقت.

أردف ويلس بغضب:
أنتِ لن تغيري شيئًا، آرون اختار طريقه، ويجب أن نتركه يواجه عواقب أفعال، آرون قاتل، ماري، لماذا تريدين الذهاب لرؤيته، الآن؟

ردت عليه وهي تشعر بالحزن:
لأنه ابننا، ولدي فرصة أخيرة للقائه قبل أن يُنفَّذ حكم الإعدام عليه.

قال ويلس بانفعال:
أنا ضد هذا القرار، ماري، لا يمكنني أن أسمح لكِ بالذهاب لترى قاتلاً.

ردت ماري بنبرة مصممة:
إنه قراري، وأنا سأذهب، إذا كنت لا تستطعِ دعمي، فلن يكون ذلك عائقًا بالنسبة لي.

مع تلك الكلمات، قامت ماري وغادرت الغرفة، تاركة ويلس
يشعر بالضيق الشديد من قرار ماري.

دلفت ماري إلى غرفتها، انحنت برفق على الصندوق الخشبي القديم المختبئ في زاوية غرفتها، يدها ارتجفت وهي تفتح الصندوق، عندما فُتِح الغطاء، كشفت الضوء عن مقطع زمني من حياتها، احتفظت به بكل حنان.

في القاع صورة لآرون عندما كان طفل يتسلق شجرة، يحمل وردة، وجهه مشرق بابتسامة طفولية، عيونه البريئة تلمع بالفضول، وشعره الذهبي يتلألأ تحت أشعة الشمس، ماري أخرجت الصورة برفق، وأمسكتها بين أصابعها.

انبعثت الدموع في عينيها وهي تستعيد ذلك الزمن الذي كانت تعيش فيه ببهجة، قبل حدوث تلك الأحداث الصعبة.

كلما نظرت إلى صورته، زادت مرارة الذنب في قلبها، وأخذت ذكريات الماضي تتسارع في ذهن ماري، رأت نفسها في المشفى وهي مطلوب منها التعرف على جثة طفلها.

الجثة كانت غير واضحة الملامح؛ بسبب أنها مكثت في البحر أكثر من أسبوع، لكن الملابس كانت نفس ملابس آرون عندما اختفى، ورغم أن قلبها كان يقول لها إنه ليس طفلها، إلا أنها في نهاية الأمر قالت هي وزوجها إنها هو آرون.

ماري وهي تستند إلى الحائط، قالت بألم:
هل أنا مذنبة؟ لأنني تجاهلت مشاعري.


في المقر السري لعصابة العيون الحمراء، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، جلس ألكسيس بجوار رئيسه رافائيل.

قال ألكسيس بنبرة متوترة:
فشلنا في مهمتنا، رافائيل، بينيت كان ذكيًا جداً.

ضرب رافائيل بكلتا يديه الطاولة بعنف، وهو يقول بغضب:
أنا لا أحتمل الفشل، لا يمكن أن يفلت بينيت من بين أيدينا بهذه السهولة.

قال له ألكسيس:
أعتقد أنه علم بما سيحدث على السفينة، ربما لديه مصدر داخلي حذره.

قال له رافائيل بقوة:
سنعيد التخطيط للمهمة مرة ثانية، نحن لا نقبل الهزيمة.

في تلك اللحظة، تدخل عضو آخر من العصابة، نيكولاي، وقال بابتسامة شريرة على وجهه:
ربما يجب علينا أن نفكر في خُطَّة جديدة، شيء لن يتوقعه بينيت.

سأله رفائيل:
ما الذي تقترحه، نيكولاي؟

رد عليه نيكولاي بحماس:
لماذا لا نخطف ابنته؟ ستكون لدينا فرصة كبيرة للضغط على بينيت، وجعله يظهر لنا بكامل إرادته.

تدخل ألكسيس في الحديث:
أعتقد أن هذه خطوة متهورة.

قال رفائيل بقوة:
لقد فشلتم في المهمة الأولى لكم، يجب أن نظهر له أننا لا نمزح، لا تزل مهمتنا هي الحصول على المعلومات منه التي تخص الشاحنة، وأيضًا تأديبه لكي يكون عبرة لغيره.

صمت رفائيل لبضع ثوان، ثم قال بابتسامة:
ألكسيس، نيكولاي، لدي مهمة أخرى لكم، والفشل فيها معناه طردكم من المنظمة.

ألكسيس ونيكولاي تبادلا النظرات، ثم قال ألكسيس في الحال:
نحن في خدمتك، أيها القائد.

قال نيكولاي هو الآخر:
قل لنا ماذا تريد منا.

أخذ رفائيل نفس قوي وهو يقول:
لدينا فرصة للحصول على معلومات قيمة من ابنة بينيت، أريدكم أن تتولى عملية خطف الفتاة.

سأله نيكولاي:
كيف نقوم بذلك؟

نظر رفائيل إلى كلاهما بقوة، ثم قال:
سأقول لكم، أولاً تحتاجون إلى مراقبة ابنة بينيت بعناية، وبمجرد أن تكونَ على علم بجدولها وحياتها اليومية، قوموا بخطف الفتاة في الحال، هذه الخطوة ستجلب لنا بينيت بين أيدينا.

ألكسيس ونيكولاي أومأ برؤوسهم وقالا:
فهمنا.

قال لهم رفائيل:
كونوا حذرين وتأكدوا من عدم ترك أي أثر، أي خطأ منكم ستكون له عواقب شديدة الْخَطَر.

ألكسيس ونيكولاي تبادلا النظرات، ثم قال نيكولاي وهو ينظر إلى زميله:
ستكون المهمة في أيدينا، ألكسيس.

أردف رفائيل بقوة:
أريد النجاح هذه المرة، اذهبوا واجلبوا لي ما أحتاج.

ألكسيس ونيكولاي غادروا القاعة بسرعة، لكي يستعدَ لتنفيذ المهمة التي وُكلت إليهما.

ألكسيس وهو يقف في خارج المبنى بمفرده، شعر بالرعب يسري في عروقه، هو لا يريد أن يكون جزءًا من هذا المخطط، ويشعر بثقل عظيم على صدره.

قال ألكسيس في قرارة نفسه:
لا أستطيع فعل ذلك، لا يمكنني خطف فتاة بريئة.

بعد وقت من التفكير مع نفسه، قرر التحدث مع هيركلين لكي يخبره ماذا تخطط له العصابة، استخرج هاتفه المحمول واتصل برقم هيركلين:

ألكسيس بنبرة خافتة:
هيركلين، أنا ألكسيس، يجب أن نتحدث.

سأله هيركلين وهو يشعر بالقلق عليه:
ماذا حدث؟

رد ألكسيس بهمس:
لقد قرر رفائيل تنفيذ خُطَّة أخرى، وجعلني أنا ونيكولاي مسؤولان عنها، أنا لا أستطيع القيام بذلك، أنا لا أستطيع خطف الفتاة.

هيركلين بقلق:
ما الذي يحدث؟

أردف ألكسيس بنفس النبرة الخافتة:
أشعر بأنهم يخططون لشيء أكبر من خطف الفتاة، شيء ليس جيدًا.

سألها هيركلين:
من تلكَ الفتاة التي ستخطفها؟

بعد لحظات من الصمت، قال ألكسيس بنبرة متوترة:
ابنة بينيت، العصابة تريد خطف الفتاة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي