103

تناولت هند المال ونظرت إليه ثم قالت بامتنان وشكر: ولكن هذا كثير يا هلال!

رد هلال قائلا: لا هذا لا شيء، أنت تستحقين الأفضل، استعيني بهذا المال على مالك المنزل إن أتى.

هند: ولكن مأمون، ماذا لو علم أنني أخذت منك مالا مجددا.

هلال: بصراحة مأمون هذا يشغل تفكيري، لا أدري إن كان لا يزال يستوعب ما يجري حوله أم لا.

هند: ظني أنه يعلم ولم ينسى شيئاً، كلما دخلت عليه ورأني يعبس في وجهي كأنني قد قتلت له ابنه.

هلال: قومي إلى منزلك وأحضري لي كأس من الماء لقد جف ريقي.

نهضت هند ودخلت إلى المنزل كي تأتي بالماء لهلال بينما بقي هو في مكانه ينتظرها.

لم يطل بقاء هند في منزلها حتى عادت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها.

أسرعت إلى حيث يجلس هلال وهي تغطي فمها بيدها وترتجف وعلامات الصدمة ظاهرة على وجهها.

نظر هلال إليها متعجباً وقال: هند! ما بالك لماذا ترتجفين هكذا!

أجابت هند وهي تتلعثم: دماء! دماء!

صعق هلال حين سمع ذلك وقال: دماء! ما الذي تعنينه بكلامك هذا!

هند وهي تكابد وتكافح دموعها: يوجد دماء في المنزل منتشرة في كل مكان!

هلال: ولماذا أنت خائفة هكذا؟ ألم تخرج الفتيات قبلك؟

هند: أجل ولكن مأمون وقمر بقيا!

هلال: لماذا تتخيلين ما ليس بصحيح! انتظري سوف أدخل وأعود بعد قليل أبقي هنا في مكانك.

دخل هلال إلى المنزل وجعل يتفحصه فرأى أثار الدماء بالفعل ثم خرج من المنزل وعاد إلى هند.

قال وهو يحاول تفسير ما رأه: نحنا لسنا متأكدين من هذه الدماء ومن أين أتت ولو كان شيئ أصاب أحدا من عائلتك لكان الناس مجتمعين هنا أو لكنا وجدنا أحدا مصابا على الأقل.

هند: وماذا يعني هذا! أنا خائفة على بناتي يا هلال.

هلال: إلى أين ذهبن؟ ألم يخبرنك إلى أين سيتجهن؟

قالت هند بقلق: بلى قالت قمر أن علينا الذهاب إلى الحقل الذي كانت تعمل فيه.

هلال: إذا اذهبي إلى هناك وانظري فيما إذا كان الجميع بخير.

هند: أنا ذاهبة حالاً.

هلال: سأنتظر عودتك كي نرى ماذا سنفعل في أمر هناء.

هند: إن كان الجميع لم يصابوا بأذى فسوف أعود.

نهضت هند من مكانها وانطلقت نحو حقل خالد بأقصى سرعتها وبقي هلال ينتظر عودتها لكي يستكمل ملاحقة هناء ويقبض عليها.

في تلك الأثناء كانت نور قد اجتازت الغابة والتفت حول القرية بأكملها كي لا يراها أحد ووصلت إلى حقل خالد.

تسللت بين الأشجار واقتربت من المكان بخفية حتى وصلت إلى القرب من الكوخ.

جلست خلف إحدى الشجيرات وجعلت ترمي الحصا على الكوخ كي يخرج أحد ما لملاقاتها خشية أن يكون هناك غرباء في المكان فكان أول من سمع صوت رمي الحصى هو خالد فنهض وخرج من الكوخ ليتحقق من الأمر وأمر البقية أن ينتظرن في الداخل خشية أن يكون أحد ما يلاحقهن.

تلفت خالد يبحث عن مصدر الحصا فلمح فتاة تختبئ خلف إحدى الشجيرات فذهب إليها على الفور ولما وصل نظر وإذا هي نور وكان يعرفها ويحفظ شكلها جيدا.

وهي كذلك الأمر تعرفه ولكن كانت تظن أنه لا زال مختفيا عن المكان.

اقترب منها وقال مستغربا: نور!

أجابت نور: خالد! متى عدت!

خالد: ليس هذا مهما هيا انهض قبل أن يلاحظ أحدا ما وجودك هنا.

نور: أين هو أبي والبقية؟

خالد: الجميع هنا ما عدا والدتك إنها في الطريق إلى هنا، تعالي معي.

نهضت نور ومشت مع خالد نحو الكوخ ولما وصلت وفتح خالد لها الباب رأت أخواتها ورأت والدها مضطجعا على فراشه فلم تتمالك نفسها وفاضت عيناها بدموع الفرحة فانكبت على والدها تعانقه ونادى الجميع باسمها مندهشين برؤيتها وهم الجميع بعناقها.

لم تكتمل فرحة نور عندما لاحظت أن والدها لم يبدي أي ردة فعل ولم يتحرك من مكانه قيد شعرة.

رفعت نور راسها من على صدر والدها وهي تبكي من الفرح وقالت مستنكرة وضع والدها: ما بال أبي لماذا لم يتحرك!

ابتعدت الفتيات عن نور بعد انقلب الحال وتلاشت الفرحة أسرع مما كان احد يتخيل ولم يجب أحد على سؤال نور.

فأعادت نور السؤال مرة أخرى بنبرة خائفة قلقة: لماذا لا تجيبون ما بال أبي!

اقترب خالد من نور وقال: تعرض والدك لحادث وفقد القدرة على الحركة والنطق مؤقتا.

صدمت نور بسماع تلك الإجابة التي لم تتخيل سماعها في حياتها وقالت بعد أن انهالت دموعها ألماً: كيف! متى حصل هذا!

لم تنتظر نور أن يجيبها أحد وقالت مخاطبةً نفسها: هذا بسببي، حصل هذا بسببي أنا أعلم هذا.

التفتت إلى والدها ونظرت في وجهه وإذ به يبكي بصمت وقد غرق وجهه بالدموع المختلطة بين فرحة وحزن وقالت وهي تمسح دموعه: أنا أسفة يا أبي، أنا حقا أسفة، ليتني لم أخالف كلامك منذ البداية، ليتني سمعت كلامك ولم أذهب في تلك الليلة، أنا حقا نادمة يا أبي، أرجوك سامحني، أرجوك.

اقتربت قمر من نور وأمسكت بها من أكتافها وضمتها إلى صدرها وهي تهدئها وتقول: ليس هذا ذنبك يا نور، الأمر لا علاقة له بك، لقد حصل الأمر دون إرادة أحد منا يا أختي.

حاولت قمر مواساة أختها في جو كئيب حزين ولكن قاطع خالد ذلك وقال: نور، ليس هذا وقت الحزن والندم على الماضي، يجب علينا أن لا نضيع وقتاً.

نظرت نور إلى خالد وقالت: ماذا يجب أن أفعل أخبرني أرجوك.

خالد: هل وصلك خبر من فرناندو! هل سمعت شيئا عنه!

نور: لا أعلم شيئاً، كل ما أعرفه هو أنه خرج من غرناطة الليلة الماضية وتوجه إلى قشتالة واغتنمت الفرصة وهربت منه.

خالد: هكذا إذا، سأعمل على موضوع فرناندو وما دام أنه لم يعد إلى غرناطة فلن يكون هناك ردة فعل كبيرة منه ولكن إن عاد فسوف يكون الخطب عظيماً.

نور: ماذا سنفعل إذا؟

خالد: أول شيء يجب أن تبقي مختفية تماماً عن المكان وثانيا يجب أن نتجهز لملاقاة انتقام فرناندو القادم.

نهض خالد على الفور وقال: أنا ذاهب إلى غرناطة.

قمر: ونور؟ أين سنخفيها حاليا؟

خالد: فلتبقى في منزل الطبيب حاليا، هناك يمكنها البقاء ولا احد سيلاحقها ريثما نجد حلا لهذه المعضلة.

ثم نظر خالد إلى قمر وقال: لا تخبروا والدتك بأي شيء من هذا القبيل، لا نريد للخبر أن ينتشر سيكون من الصعب علينا السيطرة عليها ومنعها من الذهاب إلى منزل الطبيب.

نظرت قمر إلى نور وقالت: اذهبي مع خالد إلى منزل الطبيب هناك ستجدين هناء اعتني بها أثناء وجودك هناك.

خرج خالد ومعه نور وتوجها نحو منزل الطبيب على ظهر الحصان.

في ذات الوقت كانت هند قد وصلت إلى المكان وتوجهت نحو الكوخ.

وصلت وفتحت الباب على الفور ودخلت فتفاجئ الجميع برؤيتها وصدموا وظنوا أنها قد التقت بخالد ونور على الطريق.

بادرت هند بالكلام وقالت: هل الجميع بخير!

قمر: أجل لماذا! هل هناك خطب ما؟

هند: لقد دخلت إلى المنزل قبل قليل ووجدت أصار الدماء متناثرة في الصالة.

ارتبكت قمر لسماعها ذلك وأرادت أن تخفي الأمر عن الجميع فأجابت قمر: أجل، لقد أتى رجل يدعي أنه مالك المنزل وتشاجر مع خالد وقد نزف الرجل بعض الدماء ولاذ بالفرار.

هند: خالد؟ ماذا كان يفعل خالد في منزلنا؟

قمر: ألم تريه في الصباح؟

هند: لا، ألم يكن مختفيا؟ متى عاد للظهور؟

قمر: لقد أتى للإطمئنان على والدي وساعدنا بنقل والدي إلى هنا، لا تشغلي بالك بذلك.

هند: إذا المشكلة قد انتهت ويمكننا العودة إلى المنزل!

لم تجد قمر جوابا لكلام والدتها فانتهزت ماريا الفرصة وقالت: ليس تماماً يا خالة، الرجل توعد بأنه سيعود ومعه من ينتقم منا.

هند: وماذا سنفعل إذا؟

قمر: خالد يقول أنه سيستعين ببعض أصدقائه لمساعدتنا ولكن ربما سيستغرق الأمر بضعة أيام.

هدأت هند وتأكدت من أن كل شيء على ما يرام فبدأت بتنفيذ ما أمرها به، جلست لترتاح قليلا وتظاهرت بأنها لا تعرف شيئا ثم قالت: وهل عاد خالد لأن هناء لا تزال مفقودة؟

حور: لا لقد عادت هناء قبل يومين ولكنها مريضة الرجل الذي وجدها يقول أن كلبا هاجمها وقام بعضها أيضا.

نظرت ماريا إلى قمر نظرة صدمة فحور مقدمة على كشف كل شيء بكلامها هذا، أرادت ماريا أنو تغير الموضوع فقالت: لماذا تأخرت في الوصول يا خالة، لقد قلقنا عليك.

لكن هند تنبهت لذلك وقالت مخاطبة حور غير مكترثة بكلام ماريا: ولكن أين هي هناء أنا لا أراها هنا.

أجابت حور قائلة: إنها في منزل الطبيب تتلقى العلاج هناك، إنها مريضة جدا وتحتاج لمن يرعاها_

صرخت قمر على حور وقالت غاضبة: كفي عن الثرثرة يا حور والدك متعب ولا يحتمل كل هذه الضجة والثرثرة.

لكن هند كانت قد حصلت على ما كانت تنشده من كلام حور التي كانت تتحدث بكل عفوية غير دارية بما يدور حولها.

نهضت هند وقالت: أشعر بالضجر قليلا، سوف أذهب لكي أتمشى قليلا في الحقل، سأعود بعد قليلا لا تقلقن علي.

خرجت هند من الكوخ و توجهت نحو الغابة ثم أسرعت نحو المكان الذي يفترض أن هلال لا زال يجلس ينتظرها فيه.

لم يستغرق المشوار منها كثيرا وسرعان ما وصلت إليه.

رأى هلال مقبلة نحوه من بعيد فنهض وذهب إليها وكل أمله أن تكون تحمل أخبارا جيدة.

وبالفعل كانت هند تحمل له أخبارا تثمن بالذهب بالنسبة له.

وقف قبالتها وقال: ها؟ ما الأخبار؟

هند: الجميع بخير لم يصب أحد بأذى.

تظاهر هلال بالتبسم الكاذب وقال محدثا نفسه "وكأنني أرسلتها كي نطمئن على تلك الفتيات الخرقاوات"

ثم رفع صوته وقال مخاطبا إياها: هذا جيد؛ قلت لك كل شيء بخير، ولكن ما أخبار هناء؟

قالت هند: هناء مريضة وطريحة الفراش أيضا، ابنتي قالت أن هناء غائبة عن الوعي منذ أول يوم عادت فيه إلى الأن.

هلال: ليس هذا مهما، المهم أن نعلم أين هي الأن.

هند: اصبر فلقد علمت ذلك أيضا، إنها في منزل الطبيب تتلقى العلاج ويبدو أنهم يكتمون خبرها فقد كانت ماريا تحاول تغيير الموضوع وإبعاد الكلام عن هناء طيلة الوقت.

هلال: هذا يعني أن هناك علاقة ما تربط بين الفتاتين ولا بد من ذلك.

هند: لا أعلم ولكن يمكنك التحقق من ذلك حين تسأل جاريتك.

قال هلال في نفسه "أخشى أن الجارية لن تجد وقتا لتسأل أو تجيب"

ثم قال وهو يخاطبها: حسنا إذا أنا سوف أرى ما يمكنني فعله مع هناء وسنتكلم لاحقاً.

عادت هند نحو حقل خالد واتجه هلال نحو منزل الطبيب يسأل عنه الناس ويستدل من الناس عليه.

بينما كانت قمر وماريا تجلسان تحت إحدى الأشجار تتشاوران في المصيبة التي أحدثتها حور بكلامها عن هناء وعن ما يجب أن تفعلانه حيال ذلك.

ماريا: لا يجب أن نخفي الأمر عن حور أكثر من هذا، لقد تسببنا بمصيبة بسبب ذلك؛ لقد كشفت مكان هناء بسبب عدم علمها بما يجري.

قمر: حور عاطفية جدا، أنا أعرفها جيدا سوف تخرب علينا كل شيء إن علمت بما نقوم به ولن تصدق ما نقوله عن والدتنا مطلقا.


ماريا: إذا ماذا سوف نفعل؟

قمر: أول شيء، يجب أن نقوم بنقل هناء من عند الطبيب في أقصى سرعة ممكنة.

ماريا: كيف سننقلها؟ نحتاج لخالد كي يساعدنا.

قمر: لا لن نحتاج لذلك، هيا تعالي معي يجب أن نذهب إلى الطبيب في الحال.

نادت قمر على حور كي تنتبه لوالدها وتقوم بالعناية به وانطلقت هي وماريا نحو منزل الطبيب.

كان هلال يسرع في مسيره إلى هناك بعد أن سأل بعض سكان القرية وعلم مكان المنزل بالضبط.

وصل إلى المنزل المطلوب ونزل من عربته واقترب من باب المنزل، تلفت حوله قليلا ثم طرق الباب فسمع الطبيب صوت الطرق وخرج ليرى من الطارق.

فتح الباب وإذ برجل غريب عن القرية يقف عند الباب يبدو عليه الثراء والغنى فقال هلال مبتدئاً الكلام: مرحبا حضرة الطبيب كيف حالك.

الطبيب: أهلا وسهلا، تفضل يا سيد.

هلال: في الحقيقة أيها الطبيب كنت أبحث عن فتاة هي ابنة أخي المتوفى منذ فترة طويلة ووصلت عبر سؤال الناس وكلامهم إلى هذه القرية وبالتحديد هذا البيت، أخبروني أن هناك فتاة وصلت إلى منزلك وهي في حالة صحية سيئة.

الطبيب: في الحقيقة نعم كان هناك بنت من بنات القرية مفقودة منذ عدة أيام وقد وجدها أحدهم في أحد البساتين وكانت مصابة بجروح خطيرة.

هلال: حسنا هل يمكنني إلقاء نظرة عليها؟ أريد فقط أن أتأكد من أنها ذات الفتاة المطلوبة أو لا.

الطبيب: لا مشكلة تفضل بالدخول.


دخل الطبيب وخلفه هلال يمشي واتجه نحو الغرفة التي فيها هناء وعندما دخلا نظر هلال إلى وجه هناء وكانت لا تزال غائبة عن الوعي فعرفها وتأكد من أنها هي.

شعر هلال بالسعادة بعد أن وقعت هناء تحت قبضته ولكنه أخفى ذلك وتظاهر بالحزن والصدمة بسبب رؤيتها على ذلك الحال وقال كاذباً مخادعاً: أجل أيها الطبيب إنها هي، هناء بشحمها ولحمها.

صدق الطبيب لبساطته ولم يتخيل أن يكون الرجل الواقف أمامه قاتلا متوحشا هو من أوصل الفتاة المسكينة إلى هذا الحال.

حمد الطبيب ربه وقال وهو يشعر بالارتياح: إذا يمكننا أن نقول أن لهناء أقارب، كنت أخشى أن لا تجد من يعينها بعد شفائها فسوف تحتاج لفترة نقاهة طويلة نوعا ما.

هلال: لا تقلق يا حضرة الطبيب سوف أتولى أمرها من الأن فصاعدا، يمكنني أخذها إلى غرناطة، هناك سنتمكن من علاجها بشكل أفضل لكثرة الأدوية والخبراء.


الطبيب: سيتعذر ذلك حاليا لأن حالها حرج قليلا ولا يمكن نقلها على حالها هذا قد تحتاج لعلاج فوري في أي لحظة مع الأسف يا سيدي.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي